رغم أن "عملية البحر الميت" التي حصلت قبل 3 أيام استهدفت الجانب الإسرائيلي وأسفرت عن إصابة جنديين بجروح طفيفة كان لنتائجها وقعا أكبر داخل الأردن، وهو ما انعكس لحظة الإعلان عنها والكشف عن منفذيها وما صدر لاحقا من مواقف "ملتبسة" ورسمية قال مراقبون إنها ستفرض "تحديات وتداعيات".

العملية هي الثانية من نوعها في غضون شهر على خط الحدود التي تربط الأردن بإسرائيل، وحملت طبيعة "استثنائية" من ناحية التخطيط والإعلان الواضح عن هوية الشخصين المنفذين، وكذلك الأمر بالنسبة للجهة التي وجدت وضعت نفسها في دائرة استهدف ودفاع، والمتمثلة بحزب "جبهة العمل الإسلامي" وجماعة "الإخوان المسلمين".

وكانت الجهتان المذكورتان باركتا العملية بعد حصولها فورا، وعبرتا عن مواقف ذهبت باتجاه التبني والتأكيد والإشارة إلى انتماء الشخصين المنفذين للحركة الإسلامية، لكن سرعان ما انقلبتا على التعاطي الأول بمضامين مغايرة، في مسعى لمواجهة حالة جدل واسعة سادت داخل الأوساط الأردنية.

وجاءت "مباركتهما الأولى" بعدما تم الكشف عن هوية المنفذين وهما عامر قواس وحسام أبو غزالة، في أعقاب انتشار تسجيلات لهما عبر مواقع التواصل الاجتماعي ظهرا فيها وهما يتلوان "وصية" بشكل منفصل، كما أطلقا وصف "الشهيد الحي" على أنفسهما.

ويوضح الخبير الجيوسياسي الأردني، عامر السبايلة أنه من الصعب عزل سياق "عملية البحر الميت" عن كل ما يجري في المنطقة، وبينما يشير إلى حوادث حصلت سابقا على صعيد اختراق الحدود بين الأردن وإسرائيل يقول إن الحادثة الأخيرة تخفي الكثير ورائها.

ولم يسبق أن شهد الأردن تنفيذ عملية من أراضيه باتجاه إسرائيل بشكل معد مسبقا وصل إلى حد تسجيل "وصايا" وهي ظاهرة لم نراها سابقا، وفقا لحديث السبايلة لموقع "الحرة".

ويتابع بالقول: "نحن لا نتحدث عن عمل فردي غير منظم، ويبدو أن العدد المرتبط بالتنفيذ كان يتجاوز الشخصين".

ومن جانبه يعتقد العميد السابق في مديرية المخابرات الأردنية، عمر الرداد، أن عملية "البحر الميت" سيكون لها تداعيات حول علاقة "الإخوان" مع الدولة الأردنية.

ويتابع في حديثه لـ"الحرة" أن "الجماعة يبدو أنها كسرت جزءا من العلاقة التي بنيت تاريخيا مع الدولة الأردنية، وفق مقاربة اللا سلم واللا حرب".

الأردن.. جماعة الإخوان تتبنى "عملية البحر الميت" أعلنت جماعة الإخوان في الأردن في بيان لها، الجمعة، انتماء منفذي "عملية البحر الميت" إلى صفوفها وتدعو "للاحتفال بهما"، بحسب ما أفاد مراسل "الحرة".

فردية أم منظّمة؟

وفي بيانه الأول، الجمعة، وصف حزب "جبهة العمل الإسلامي" العملية بـ"البطولية"، وقال إن منفذيها الاثنين من "شباب الحركة الإسلامية"، كما دعا الحكومة لإعادة النظر بكافة الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل ووقف الممر البري و"إعادة العمل بالجيش الشعبي"، على حد تعبيره.

وبعد ذلك نقلت وكالة "فرانس برس" عن الناطق باسم جماعة "الإخوان المسلمين"، معاذ الخوالدة قوله إن المهاجميْن "من أبناء الجماعة، وكانا يشاركان دائما في الفعاليات المتضامنة مع غزة والمؤيدة للمقاومة".

وأثار ما سبق ردود فعل واسعة عبّر عنها مسؤولون أردنيون سابقون وصحفيون وكتاب. وجميع هؤلاء انتقدوا السلوك غير المسبوق في الداخل الأردني، واعتبروه كسرا "للمحرمات التي تضعها الدولة منذ سنوات".

وشيئا فشيئا، وبينما كانت دائرة الجدل تتسع عدّل الحزب وجماعة "الإخوان" مواقفهما بمضامين مختلفة.

وفي حين قال الأمين العام لـ"جبهة العمل الإسلامي"، وائل السقا، لقناة "المملكة" إن الشخصين الذين نفذا العملية "ليسا عضوين" في الحزب، قالت جماعة "الإخوان" في بيان إن الحادثة جاءت كـ"رد فعل فردي".

ويشير العميد الأردني السابق الرداد إلى أن "موقف جماعة الإخوان وذراعها السياسي (جبهة العمل الإسلامي) كان ملتبسا منذ البداية".

ويقول لموقع "الحرة" إنهما "تبنيا العملية أولا وباركاها دون أن يقولا إن العنصرين يتبعان لهما، ومن ثم أعلنا إقامة عرس الشهيد، على غرار ما تقوم به حماس عندما ينفذ أعضاء كتائب القسام عمليات في الضفة الغربية".

الملفت للأمر أن العملية "تنظيمية ومرتبة"، ولاعتبار أساسي يتعلق بـ"الوصايا" التي انتشرت للشابين، إذ تضمنت ماذا يريدون ولماذا قاما بها داخل إسرائيل، وفقا للرداد.

ويرى أن المضامين المغايرة التي انتشرت بعد ساعات من الموقف الأول لـ"جبهة العمل الإسلامي" و"الإخوان المسلمين" جاءت بعد ضغوط فرضتها ردود الفعل الأردنية.

وفي غضون ذلك يعتقد أن "بيان الناطق باسم حماس الذي بارك العملية واعترف بأنها جزء من طوفان الأقصى الذي تحول لطوفان الأردن يشير إلى أن العنصرين ربما تلقيا دعما وتمويلا وتخطيطا من جهات داخل جماعة الإخوان".

لكن العضو السابق في جماعة "الإخوان"، السفير الأردني الأسبق لدى طهران، بسام العموش يؤكد أن عملية "البحر الميت" فردية، وأنها "تعبير عن حالة الغضب الذي يعيشها الناس تجاه جرائم الصهاينة".

ويقول لموقع "الحرة": "لا يمكن أن تكون منظمة من جماعة أو حزب لأن المشاركة الجماعية تعني أن تكون بأعداد كبيرة".

وعلاوة على ذلك فإن "جماعة الإخوان، منذ تأسيسها، لم تخرج على القانون ولم تصطدم بالدولة الأردنية، وهي وإن كانت مؤيدة للمقاومة إلا أنها تقدر ظروف الأردن ولن تعبث بأمنه، بل من شعاراتها: أمن الأردن عبادة"، بحسب العموش.

"تداعيات وتحديات"

وللأردن حدود طويلة مع إسرائيل يبلغ طولها 310 كيلومترات وهي الأطول بالنسبة للأخيرة عند مقارنتها بباقي جيرانها، فضلا عن خط ساحلي صغير على البحر الأحمر، بجوار مدينة إيلات.

ومنذ بداية الحرب في غزة دائما ما كانت الأضواء والتوترات تتسلط باتجاه الخط الفاصل بين الأردن وإسرائيل.

ما سبق انعكس عندما نفذت إيران هجومها الأول ضد إسرائيل وما ترافق مع ذلك من تهديدات وجهتها طهران لعمّان في حال مشاركتها في عمليات الاعتراض.

وتوسعت الدائرة بالتدريج لتصل إلى حد التحذيرات التي أطلقها مسؤولون أردنيون وإسرائيليون بشكل منفصل من محاولات لإحداث فوضى وزعزعة استقرار داخل الأردن، من أجل تحقيق أهداف أوسع.

وكانت وسائل إعلام عبرية أيضا، بينها صحيفة "يسرائيل هيوم" أشارت، في فبراير 2024 إلى أن الجيش الإسرائيلي غيّر مؤخرا "انتشاره العملياتي" على الحدود مع الأردن.

وقالت حينها إن الخطوة جاءت في أعقاب الارتفاع الكبير في تهريب الأسلحة من المملكة، و"المخاوف من هجمات إرهابية ترعاها إيران، يمكن أن تقع على طول الحدود في 2024".

ويرى الخبير الأردني عامر السبايلة أن الأردن أصبح الآن "أمام مرحلة تسعى فيها الكثير من الأطراف لاستثمار أوراقها"، من خلال تفعيل خلايا نائمة وضرب استقرار وضرب مصالح غربية.

وكل ما سبق قد يكون سيكون موجودا في المرحلة القادمة، بحسب السبايلة.

ويعتقد أن الخلل الحقيقي يرتبط الآن بسؤال مفاده: كيف على الأردن أن يحمي حدوده ويمنع اختراقها ويمنع تفعيلها وتحويلها إلى ساحة فوضى؟

كما يقول الخبير إن ما سبق "يجب أن يكون أحد أهم التحديات التي يجب معالجتها بأسرع وقت بالنسبة للسلطات الأردنية".

وكان وزير الإعلام الأردني الأسبق، سميح معايطة، طرح تساؤلات عدة بعد البيان الأول الذي أصدرته جماعة "الإخوان المسلمين"، بقوله: هل نفذ الشخصان العملية بقرار من الجماعة أم باجتهاد منهما؟ أم هناك طرف ثالث يصنع  خلايا من عناصر الإخوان ويوجههم بعلم قيادات من الجماعة ومشاركتها؟

واعتبر معايطة أن الإجابة عن هذه الأسئلة "ستصنع مسارا جديدا لوضع الجماعة في الأردن".

ومن جهته يعتقد الرداد أن تبني العملية من جانب "الإخوان" وانتقالهم من العمل السياسي والدعوي والإصلاحي إلى صيغة عسكرية تعتبر مرفوضة في الأردن "يعتبر محطة من محطات فكفكة العلاقة مع الدولة الأردنية".

ولا تعرف السيناريوهات المتوقعة التي ستتخذها الدولة الأردنية تجاه الجماعة.

لكن "من المؤكد أن تتخذ الدولة الأردنية إجراءات. ربما تؤجل في هذه المرحلة لكنها لن تلغى بأي شكل من الأشكال"، بحسب العميد السابق في مديرية المخابرات الأردنية.

ما الأصداء رسميا؟

وفي جلسة السبت قال رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان إنهم "لن يسمحوا بأي تجاوز على القانون والمؤسسات الوطنية، أو استغلال الناس وعواطفها -من قبل أي جهة كانت داخلية أو خارجية لتحقيق أهداف سياسية".

وأضاف: "لن نكون ساحة للفتنة أو مسرحا للفوضى والعبث أو نقبل المغامرة بمستقبل هذا البلد، ولن نسمح لأي جهة كانت أن تستنسخ نماذج الفوضى والدمار التي حولنا".

ويقول العموش إنه "من حق الحكومة، بل واجب عليها أن تحذر من الخروج على القانون لأن ذلك يعني الفوضى وهذا لا يقبل به أحد".

لكن في المقابل ورغم ما يقال عن عملية "البحر الميت" وحالة الارتباك التي عاشتها جماعة "الإخوان" يعتقد الرداد أن "هناك تيار داخل الجماعة يتبع لحماس والحرس الثوري الإيراني".

وكان مصدران أردنيان مطلعان لـ"رويترز" قالا في مايو الماضي إن الأردن أحبط مؤامرة يشتبه أن إيران تقف خلفها لتهريب أسلحة إلى المملكة، وذلك لمساعدة معارضين للحكم الملكي على تنفيذ أعمال تخريبية.

وأضاف المصدران للوكالة أن الأسلحة أرسلتها فصائل مدعومة من إيران في سوريا إلى خلية تابعة لجماعة "الإخوان المسلمين" في الأردن لها صلات بالجناح العسكري لحركة "حماس".

وتابعا أنه تم ضبط الأسلحة عندما ألقي القبض على أعضاء في الخلية، وهم أردنيون من أصول فلسطينية، في أواخر مارس.

ويضيف الرداد أنه من الواضح أن "بعض قيادات المكتب التنفيذي في جماعة الإخوان بالأردن وبعض أعضاء مجلس الشورى غير مطلعين على التيار المرتبط بحماس وإيران".

ويعمل هذا التيار بسرية تامة ويعرف "بالتيار الموالي لإيران"، وفق العميد الأردني السابق.

ومن جهته يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا، عنان وهبة أن "قوى الإخوان المسلمين السياسية في البرلمان الأردني تضاعفت في الانتخابات الأخيرة".

ويقول لموقع "الحرة" إنه "يجب أن تكون خطة استراتيجية حكيمة لمنع شعورهم بالنشوة أو خوضهم لعبة إقليمية مناقضة للمصالح الوطنية الأردنية العليا".

كما يعتبر وهبة أن "عملية البحر الميت كانت مخططة من جبهة العمل الإسلامي، وهي التي تؤمن بأن الوقت حان للجهاد وإزالة دولة إسرائيل".

وفيما يتعلق بإسرائيل يضيف أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا أن "الحدود الإسرائيلية مع الأردن مهمة جدا"، ويردف بالقول إن "استقرار الأردن مهم جدا لإسرائيل. والأخيرة تقوم ببناء عمق استراتيجي دفاعي خاص الآن في أماكن تواجد حزب الله وفيلق القدس في جنوب لبنان وجنوب سوريا سابقا".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: جبهة العمل الإسلامی عملیة البحر المیت الإخوان المسلمین الدولة الأردنیة جماعة الإخوان فی الأردن ما سبق

إقرأ أيضاً:

نهايات المئوية الأولى للإخوان.. تحديات البقاء

خلال أقل من 3 سنوات تكمل جماعة الإخوان مائة عام على تأسيسها (تأسست في آذار/ مارس 1928)، ومع اقتراب هذه الذكرى تواجه الجماعة عاصفة غير مسبوقة، ومحاولات لإخفائها قسريا عن المشهد بعد أن عجزت عوامل التعرية الطبيعية عن ذلك، ضربات قوية تتعرض لها الجماعة في العديد من الدول التي كانت نجم ساحاتها الدعوية والخيرية والسياسية، مؤامرات تتشارك في وضعها وتنفيذها حكومات وأجهزة مخابرات محلية وإقليمية ودولية، تصريحات علنية من ألد أعدائها كتلك التي صدرت من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرا؛ من أن كيانه لن يسمح للإخوان بإقامة خلافة إسلامية على حدوده الشرقية (الأردن) أو الغربية (مصر) أو الجنوبية (سوريا)، وهذا لا يعني أنه يرحب أو يغض الطرف عن حدوثها في مكان آخر!!

الضربة التي تعرضت لها الجماعة مؤخرا في الأردن ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. تؤمن الجماعة بسنّة التدافع لتحقيق أهدافها وغاياتها، والتي لا تخرج عن تفعيل ما تضمنته دساتير الدول الإسلامية ذاتها، والتي نصت على أن الإسلام هو دينها الرسمي، وأن الشريعة هي المصدر الرئيسي للتشريع، ربما زادت الإخوان التمسك بوحدة الأمة الإسلامية والعمل بجدية لتحقيق ذلك، وهو ما لا تهتم به كثيرا الحكومات العربية والإسلامية التي تؤمن بالدولة القُطرية، حتى وإن انضوت في منظمة التضامن الإسلامي والتي صارت أضعف كيان إقليمي في المجرة.

حين اندلعت ثورات الربيع العربي شارك الإخوان بقوة في هذه الثورات، وكانوا البديل الجاهز بعد سقوط بعض الأنظمة العربية، لكن ذلك لم يرُقْ لقوى الاستبداد، سواء من بقايا تلك النظم والتي كانت لا تزال تمتلك بعض أدوات القوة المادية
الحرب على الإخوان يقودها تحالف الاستبداد العربي والصهيونية العالمية، والقوى الاستعمارية، أطراف هذا التحالف في الشرق والغرب تدرك خطورة مشروع الإخوان عليهم، وهو إدراك لا ينطلق من فراغ بل من تجربة عملية، فمنذ ظهرت الجماعة في العام 1928 كانت شوكة في حلق الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية، وقادت مع غيرها من الوطنيين نضالا ضده، وشكلت كتائب عسكرية واجهته، واحتضنت في مقراتها الرئيسة في مصر قادة النضال العربي والإسلامي ضد الاستعمار، أمثال الرئيس التونسي الأسبق الحبيب بورقيبة، والزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي، والقائد الجزائري الفضيل الورتلاني، والأمير مختار الجزائري، ومحيي الدين القليبي. كما ساندت النضال الفلسطيني مبكرا ضد العصابات الصهيونية حتى قبل تأسيس دولة الكيان، واستضافت وتعاونت مع الحاج أمين الحسيني، ونظمت كتائب متطوعين للقتال في حرب 1948. وقد أشاد بتلك الكتائب قائد الجيش المصري في ذلك الوقت اللواء فؤاد صادق، ثم -وهذا هو الأهم- أنجبت حركة حماس التي تصدرت مشهد المقاومة مع بقية الفصائل الوطنية والإسلامية الفلسطينية، حين تخلت حركة فتح عن البندقية.

ظلت الجماعة خلال مسيرتها حريصة على ممارسة دعوتها لفكرتها بالحسنى، ودون صدام مع السلطات الحاكمة في مصر أو غيرها، وليس صحيحا ما يشيعه خصومها أنها ومنذ بدايتها كانت في صِدام مع الحكومات، فقد كانت علاقتها هادئة مع النظام الملكي في مصر -بلد المنشأ- حتى منتصف الأربعينات تقريبا، وشاركت في حفل تنصيب الملك منتصف العام 1937، لكن مع تصاعد انحرافات الملك أصبحت الجماعة جزءا أساسيا من حركة وطنية واسعة ضده، وهو ما لم يحتمله الملك، فسعى إلى شيطنة الجماعة، واتهامها بكل نقيصة.

وكانت علاقة الإخوان بضباط 23 يوليو (1952) جيدة، بل كان بعض هؤلاء الضباط من منتسبيها أو أصدقائها، لكن العلاقة تغيرت حين طالب الإخوان بعودة الديمقراطية، وتسليم الحكم للمدنيين، مع عودة الضباط إلى ثكناتهم.

وكانت علاقة الإخوان جيدة مع الرئيس الراحل أنور السادات حتى زيارته إلى الكيان الصهيوني وتوقيعه اتفاقية كامب ديفيد. وحتى مع الرئيس مبارك ظلت العلاقة هادئة في سنوات حكمه الأولى، وقد وصف مبارك الجماعة في حديث لصحيفة نيويوركر أنها جماعة تناضل سلميا، وتمددت الجماعة في عهده بين الجامعات والنقابات وحتى البرلمان، رغم حملات القمع، والمحاكمات العسكرية المتتالية التي واجهتها منذ منتصف التسعينات.

تكررت الصورة في العديد من الدول الأخرى التي كان للجماعة حضور كبير فيها؛ مثل سوريا التي شارك الإخوان في كتابة دستورها بعد الاستقلال، والذي أصبح مرجعا للإعلان الدستوري الأخير، ثم شاركوا في حكومتها قبل وصول البعث الذي دخل في مواجهة معهم منذ بداية الثمانينات.

وفي الأردن الذي تأسست الجماعة فيه قبل عام من تأسيس المملكة، ظلت العلاقة جيدة طوال حكم الملك المؤسس عبد الله الأول، ومعظم فترة حكم الملك حسين حتى توقيعه اتفاقية وادي عربة، وكان لها حضورها المميز في الجامعات والنقابات، وفي البرلمان، كما تولى بعض أبنائها مواقع وزارية، وصولا إلى الانتخابات البرلمانية العام الماضي التي فاز فيها الإخوان بالمركز الأول بين القوى السياسية المتنافسة (31 مقعدا في البرلمان). لكن الضغوط الإقليمية عقب طوفان الأقصى، والدور الكبير للإخوان في تحريك الشارع الأردني دعما للمقاومة؛ هي التي دفعت النظام الأردني لتوجيه ضربته الأخيرة للجماعة، وهي ضربة معنوية أكثر من كونها مادية، حيث أن الجماعة تم حلها بالفعل منذ العام 2021، وتمت مصادرة جميع مقراتها وممتلكاتها.

وحين اندلعت ثورات الربيع العربي شارك الإخوان بقوة في هذه الثورات، وكانوا البديل الجاهز بعد سقوط بعض الأنظمة العربية، لكن ذلك لم يرُقْ لقوى الاستبداد، سواء من بقايا تلك النظم والتي كانت لا تزال تمتلك بعض أدوات القوة المادية، أو مشيخات وممالك الخليج التي خشيت على حكمها العائلي من رياح الديمقراطية، فخصصت مليارات الدولارات لتمويل حملات ومؤامرات محلية وعالمية لمواجهة هذا المد الديمقراطي، والظهور الإخواني.

ليس من الحكمة أن يضع الإخوان رؤوسهم في الرمال حتى لا يروا تلك الأضرار، بل الحكمة كل الحكمة الاعتراف بها، والسعي لعلاجها
يتصور البعض أن الضربة التي تلقاها الإخوان في الأردن هي المؤذنة بنهاية الجماعة عالميا، ويتجاهل هؤلاء أن الجماعة لا تزال موجودة في الأردن نفسه من خلال حزب جبهة العمل الإسلامي الذي يمثل المعارضة الرئيسة في البرلمان، وحتى لو تم حل الحزب فستظل الجماعة موجودة رغم حظرها، فهي جزء من نسيج المجتمع لا يستطيع أحد فصله، وإلا فإنه يمزق المجتمع ذاته.

ما حدث للإخوان في الأردن حدث لغيرهم في دول أخرى على رأسها دولة المنشأ (مصر)، والتي تعرضت فيها الجماعة لضربات أراد لها أصحابها أن تكون مميتة في أواخر الأربعينات ومنتصف الخمسينات ثم منتصف الستينات، وظلت قيادات الجماعة وكوادرها رهن الحبس حتى منتصف السبعينات ثم عادت قوية عفية.

كما أن الإخوان في سوريا تعرضوا لضربة أكثر عنفا مطلع الثمانينات، وأصدر حافظ الأسد قانونا خاصا لتصفية الإخوان، ولكن الجماعة ظلت قائمة في المنافي حتى عادت إلى وطنها بعد تحريره من عصابة الأسد، وهو ما تكرر للجماعة في ليبيا على يد معمر القذافي، وفي تونس على يد بورقيبة (الذي دعمه الإخوان من قبل) وفي عهد زين العابدين بن علي، ثم عادت حركة النهضة للحكم بعد ثورة الياسمين وقبل أن ينقلب قيس سعيد على الديمقراطية.

صمود الإخوان في مواجهة محاولات استئصالهم حتى الآن لا تعني أنهم لم يتضرروا، أو يتراجعوا، فالحقيقة أن الأضرار كثيرة سواء على مستوى الصورة الذهنية التي نجحت الأنظمة المناوئة لهم في تشويهها، أو في حدوث انقسامات وتشققات داخلية في أكثر من قُطر، أو انصراف قطاعات واسعة من الشباب عن التنظيم، ناهيك عن الزج بعشرات الآلاف منهم في غياهب السجون، وهجرة مئات الآلاف خارج أوطانهم، ومصادرة مؤسساتهم وممتلكاتهم، أو حتى على مستوى علاقاتهم ببقية المكونات المجتمعية والسياسية.

ليس من الحكمة أن يضع الإخوان رؤوسهم في الرمال حتى لا يروا تلك الأضرار، بل الحكمة كل الحكمة الاعتراف بها، والسعي لعلاجها، وإذا كانت الجماعة حريصة على دخول مئوية جديدة بعد 3 سنوات، فإن من واجبها (على المستويين القُطري والعالمي) مراجعة وتقييم سياساتها، وآلياتها، وممارساتها الدعوية والخيرية والسياسية، وعقد ورش عمل متنوعة تشمل كل مجالات عملها، بمشاركة أبنائها وبالاستماع لأراء المخلصين من خارجها، حتى تتمكن من الدخول في مئوية جديدة بروح جديدة، وطرائق عمل جديدة، فمن لم يتجدد يتبدد.

x.com/kotbelaraby

مقالات مشابهة

  • الدولة الأردنية والإسلاميون من التوافق إلى الحظر
  • السلطات الأردنية تعتقل نائب المراقب العام لـالإخوان المسلمين
  • السلطات الأردنية تعتقل نائب عام مراقب الإخوان المسلمين
  • WSJ: تداعيات الحرب بغزة تظهر في مصر والأردن.. حظر الإخوان مثال
  • السلطات الأردنية تعتقل قياديا بارزا بجماعة الإخوان المسلمين
  • نهايات المئوية الأولى للإخوان.. تحديات البقاء
  • الأردن.. وحلّ جماعة الإخوان الإرهابية
  • وزير الدولة الأردني السابق: جماعة الإخوان زعزعت أمن الأردن واستقراره
  • ماهر فرغلى: جماعة الإخوان لن تقوم بعمليات تخريبية بالأردن
  • WSJ: غضب شعبي مصري وأردني نتيجة توسع الحرب الإسرائيلية في غزة