جريدة الرؤية العمانية:
2024-10-21@22:56:24 GMT

جروح نازفة وشموع متقدة

تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT

جروح نازفة وشموع متقدة

 

د. عبدالله بن سليمان المفرجي

 

يُطل علينا الشتاء بثوبه البهي القشيب هذا الأيام وبنسماته الباردة وبأوراقه الصفراء الحزينة المتساقطة التي تنعش القلب وتبهج العيون ومع صوت العصافير التي تطرب لها الأسماع. وتتوافد لها السواعد والأقدام وتزيـح هموم الحياة اليومية وتريح النفوس، وبين ملابس الخريف والشتاء.

تأرجح حالاتنا النفسية بعد انقضاء فصل الصيف المفعم بالسخونة والحماوة والوهج والفَيْح وبين الرمضاء والكوالح .

. والطوالح.. والموالح.. والصوالح.. وقرة العنز، فالأمر ولا يخلو من تغير في حالاتنا الجسدية والنفسية، فهل تعرف أجسامنا وكوامن نفوسنا ما تبدو عليه ألوان الشجر والسماء من تغيرات بيولوجية مع تعاقب الفصول؟ ومع كل نسمة من نسمات الشتاء وبين أضوائه المنعشة وشموعه الخافتة والتي تُعّد جزءًا مكمًلا لسنوات حياتنا فمثلي مثل كثيرين صاحَبَت الشموع مسيرة حياتيه ففي كل سنة تنطفئ شمعة تورتها، شموع أخرى أكثر بهاء وشعاعا لأنفخه في شموعي المضيئة، فينطفئ بعضها ويراوغني البعض الآخر، بيد أن ثمة أسئلة قد لا تكون جديدة عند البعض فكيف نتعامل مع كيمياءُ الأجساد.. حين "تعشقُ الأذنُ قبل العيْنِ أحياناً"

إذا ما صافحَ الأسماعَ يومًا // تبسَّمَتِ الضَّمائرُ والقلوبُ

فمن حُسْنِ الصنائعِ فيه حُسْنٌ // ومن طيبِ المحامدِ فيه طيبُ

وليسَ يَفوحُ زَهرُ الرَّوضٍ // حتى تفتِّحَهُ شَمالٌ أو حَنوبُ 

السري الرفاء.

في ظل الشائعات يسود الهرج والمرج والشكوك ويجد المغرضون الانتهازيون الوصوليون الاستغلاليون ضالتهم يحولون كل شأن عام الى عمل خاص له حساباته ومنافعه وامتيازاته وتأويلاته...! فهم أصحاب الأقنعة الملونة متعددة الوجوه والألوان، من إحدى هواياتهم الاصطياد في الماء العكر، يتربصون دوائر السوء بفريستهم وينقضون عليها في الوقت الملائم، فيبدؤون في نشر السم الزعاف لسحرهم الفتان ..ليندسوا بين حاجات الناس ومطالبهم لينفثوا سمومهم ويحملوا معاول هدمهم لينقضوا على ما استطاعوا، ويفسدوا الحرث والنسل "والله لا يحب الفساد"، بيد أن هناك معادلة تقول إن «معول الهدم» من الاستحالة أن تكون "أداة بناء"، حتى لو سعى وحاول أصحابها أقناع وخادع من حولهم بذلك، فإن محاولتهم تلك إلى التحول والتغير والتبديل والتلميع هذه ستبوء بالفشل غالبا لا محالة، لأن العملية ليست مرتبطة بتغيير شكل أو ارتداء لبس أو رداء بدل آخر، بل العملية معنية بالقناعات والقيم والأفكار والاتجاهات التي يؤمن بها هؤلاء. فكما "لا نستطيع حل المشاكل المستعصية بنفس العقلية التي أوجدتها" (ألبرت أينشتاين). فعندما يتجاهل البعض مصالح بعضهم البعض ويتم تسليط بعضهم على بعض والاجتماع عليهم، واقتسام الأدوار بينهم، يسومونهم الخسف والويل على مسمع ومرأى الجميع، في ظل طغيان طوفان المحسوبية أو المحاباة بين الأقران، قبل أن يقوم قائم من مقامه أو قبل أن يرتد إليه طرفه، تظهر على الأفق عفاريت من الجن، أو ممن لهم علم بالكتاب، "وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ" (الطور: 25)، وبهذا تصير تلك المعاناة عبارة عن سجل ضخم في وقت قياسي حتى أن من يحاول أن يقدمه في المحافل يتعب من سرد مجريات الأحداث وتفاصيلها.

المحسوبية تكون بحصول الفرد غير الكفء أو غير المستحق على منصب أو وظيفة أو امتياز بسبب علاقة قرابة أو صداقة أو جوار مع من يحابيه بذلك المنصب أو الوظيفة أو الامتياز غير المستحق، في حين أن تلك الأفعال والتصرفات والسلوكيات الخاطئة ماهي الا تبادل للمصالح المشتركة بين طرفين وبذلك تكون العلاقة بينهما هرمية، بحيث يقدم من يكون على رأس الهرم مقابلا لمن يكون دونه مرتبة مقابل خدمة يقدمها له هذا الأخير، وتتسبب هذه الآفة في انتشار واستفحال الفساد وسوء العلاقات والمعايير العادلة في المجتمعات الإنسانية إلى درجة قد تصل لقرب انهيارها كليا بشيوع الفوضى العارمة فيها، خلافا لما تنص عليه الشرائع السماوية الربانية من عدل وإنصاف، و ما تقضي به القوانين الوضعية والتي تنادي بأن بالعدالة والمساواة، بيد أنها في حقيقتها في هذا السياق تخاطب الضعفاء دائما بنصوصها، بينما لا تفرض على الأقوياء قيودا وأغلالا، حينها تضحى حبرًا على ورق، بذلك تتدمر المجتمعات ويصيب الظلم الصارخ ذوي الخبرات والكفاءات والمؤهلات، والخاسر من هذه الأفعال والتصرفات والسلوكيات الخاطئة هو الوطن ومؤسساته الحكومية أو الخاصة؛ لأن من يُدير بعض أعمالها جاءت به المحسوبية وألقته في غياهب السلطة والمكانة العالية والمنزلة الرفيعة ذات غسق شديد إذا أخرج يده لم يكد يراها ليجد نفسه يعوم في بحر فسيح من التخبط والعشوائية، فالواسطة والمحسوبية لشغل منصب وهو غير مؤهل له وفاقد للكفاءة والإدارة والقيادة، والنتيجة النهائية تراجع مؤشرات التقدم والتطور والازدهار للأوطان، فقد أثبتت الحقائق والقرائن أن اغلب قضايا الفساد والسرقات والاختلاس والنصب والاحتيال يقوم بها أولئك الذين وصلوا إلى مكانة مرموقة عالية وترك لهم الباب على مصراعيه فاختلط الحابل بالنابل والتبر بالتراب وامتزج الثرى بالثريا، وبذلك فعلى تلك المؤسسات والأوطان ألقي السلام وكبر أربعا على فقدانها وضياعها وسقوطها.

وقد تمارس على بعض المحاطين بالمشهد أساليب وسياسات شائنة كلي الذراع في ظل أجواء متلبدة بغيوم المآسي، والضعف، وقلة الحيلة، ولذلك تزهر الارجاء بالأنانية، واستغلال المواقف، والتهميش والتحامل؛ وبالتالي تظل صورة 'لي الذراع' صورة تؤرق مضاجع البهجة الإنسانية، ودمع يثقل العيون التي أثقلت بالألم والأسى، والتي يراد لها أن تكون حاضرة وداعمة للنمو والازدهار والإبداع والابتكار، وليس العكس. فرياح اليأس وسيول خيبات الأمل تقهر الخطى، وتنتشل معاول القهر والتشرد والعوز والآلام ...فتحت نار القهر والتهميش، ربما توقد الهمم، وربما كانت رؤية للعالم في تلك المشاهد الحزينة لحظة تحول مفصلي؛ فمحاولة تهميش هذا الفضاء السوسيولوجي عادة بين نّار تغلي في الصدر، شعور متداخل بين الغضب والحزن والألم والسخط في الوقت نفسه، شيطان يهمس في داخلي يقول يا ترى من سوف يدفع تكلفة سياسة "لي الذراع"؟

ولأن هذه التكلفة لم تأت وفق سياقات تكافل المجتمعات الإنسانية أو الحقوق القانونية المعترف بها، فهي أساليب خسيسة شائنة في التعامل بين المجموعات الإنسانية، ولا يقبلها كل من لديه ذرة من ضمير، أو الحساس أو سحنة من كرامة، لأنها تخرج عما هو متفق عليه في شأن مختلف العلاقات السوية القائمة بين كل الأطراف الإنسانية، فتطبيل الجماهير وإغراقهم "في الأوهام والأباطيل التي لم يستيقظوا منها إلا عندما انهارت فجأة ملامح النصر المؤزر، ومشيت على الأشواك.

بيد أن الأشواك في الطريق لا تبرر الوقوف؛ بل تحدو العابرين لأن يسيروا بخطوات حذرة ولو على أطراف أصابعهم، حتى وإن طال المسير. فالصبيُّ الذي أُلقي في الجُب بالأمس وانتشله دلو وبيع بثمن بخس كان يُعدُّ على مهلٍ، ليكون عزيزا، فلا تطأطئ رأسك المحمـوم بل ارفعها عاليا وتقدم انطلق دس سلم الاشـواك ضح وتعلم، فمن حقك أن تصافح المجد وتعانق الثريا. ولا تلفت للعفاريت التي تحرق كيانك وتحاول قطع رسك بغل وسكينه، فتحت نار القهر والتهميش، وربما كانت رؤية العالم بوهج أكثر ألقا وأزهى فكرا وأجمل تأثيرا في الوعي في لحظة تحول مفصلي، فليسَ من شُروط الإنجَاز‏ وجُودِ أسمِك في سجل التَّاريخ وعجاب الأسفار وسير العظماء والنبلاء:‏ "وَرُسُلًا لَم نَقصُصهُم عَلَيكَ" (النساء – 164).

فلا تتهافتْ لتُذكَر يكفِيك أنَّ الله يعلمُ ما تصنع. فمما يروى عن الفيلسوف أرسطو أنَّه قال: "من صفات الرجل النبيل ألا يطلب المعروف؛ بل إن يكون مُستعدًا لتقديم المعروف للآخرين". وقال الإمبراطور الروماني الفيلسوف ماركوس أوريليوس: إنَّ الإحسان «أعظم متعة للبشرية؛ فحافظ على مكانتك أيها السراج المضيء، والقنديل المتوهج وامض على وقارك وأخلاقك السامية الراقية، ورد الإساءة إحساناً لأنها دليل على علو النفس، وسمو الأخلاق، وعظم المنزلة، فكن عظيماً ولا تسر إلى مهاوي الردى، ومسالك الهوى، وتذكر أنه: "إذا قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟" [غاندي].

فأنت الرابح بلا محالة مهما تعجرف وتطاول الخصم وتمادى في غيه وزلته فإنِّه في قرارة نفسه سيشهد بحسن أخلاقك، وعلو قدرك، وسُّمو فكرك، ولن ينسى لك أبدًا موقفك الرائع وسلوكك القويم، وحكمتك في التعامل مع مجريات الأحداث، وتلك أخلاق الأنبياء والمرسلين "قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ۖ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ ۖ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ" (يوسف:92)، و"اذهبوا فأنتم الطلقاء".

قل للذي بصروف الدهر عيّرني// هل عاند الدهر إلا من له خطر

أما ترى البحر تعلو فوقه جيفٌ // وتستقرّ بقاصي قعره الدرر

وفي السماء نجوم غير ذي عدد // وليس يكسف إلا الشمس والقمر

الأحنف العكبري.

فلا تيأس فـ«إن من الناس من يختارهم الله فيكونون قمح هذه الإنسانيّة: ينبتون ويحصدون ويطحنون ويعجنون ويخبزون، ليكونوا غذاء الإنسانية في بعض فضائلها». [مصطفى صادق الرافعي].

"لا اليأس ثوبي ولا الأحزان تكسرني، جرحي عنيد بلسع النار يلتأمُ"

[كريم العراقي]

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

نائي رئيس الوزراء: لن تكون هناك تنمية دون العنصر البشري

قال الدكتور خالد عبدالغفار، نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الصحة والإسكان، إن التنمية البشرية وأنواع التنمية تعتبر المحرك للتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والمحرك للتنمية المستدامة، ودون العنصر البشري لن يكون هناك تنمية.

أضاف «عبدالغفار»، خلال كلمته في النسخة الثانية من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية بحضور الرئيس عبدالفتاح السيسي، أنّه من أجل تحقيق التنمية لا بد من معرفة المستهدفين بمؤشرات واضحة سواء من خلال الصندوق الإنمائي أو من خلال الصندوق الدولي، التي نتحدث من خلالها عن حياة طويلة وصحية، وعصر للمعرفة ومستوى معيشة لائق للمواطن المصري.

وأكد أنّ الأساس الذي سنعمل عليه لتحسين مستوى المعيشة موجود، ولدينا مخطط لكيف سنعمل في المرحلة المقبلة على تحسين كل المؤشرات، لكن ما نتحدث عنه مؤشر صندوق الأمم المتحدة الإنمائي، إذ أننا في مرحلة آمنة وهي المراحل المرتفعة في المؤشر، والمؤشر يعمل من 0 إلى 1، ونحن نقف 0.7، وعلى علم بالمشكلات والتحديات التي تواجهنا، ونعمل بجد لتحسين المؤشر في المرحلة المقبلة في مصر من خلال بعض الإجراءات التي ليست بالمستحيلة لكي نحسن من معدلات وفيات الأطفال، ومعدل الالتحاق برياض الأطفال ومعدل الوفيات في مراحل العمرية المختلفة.

مقالات مشابهة

  • الاحتلال يبحث حلولا جديدة لإعادة أسراه من غزة.. هل تكون قطر مفتاح الصفقة؟
  • الاحتلال يبحث حلولا جديدة لإعاده أسراه من غزة.. هل تكون قطر مفتاح الصفقة؟
  • روبين: قطاع السياحة في غرفة الإنعاش وعلى الحكومة أن تكون طبيبا بارعا لإنقاذه
  • العميد سمير راغب: متوقع أن تكون هناك أحداث عسكرية بين إيران وإسرائيل
  • ترامب: إسرائيل لن تكون في وضع جيد إذا استمعت إلى البيت الأبيض
  • كيف تكون الرقية الشرعية الصحيحة؟ .. 10 آيات و17 دعاء ثابتا للتحصين
  • نائي رئيس الوزراء: لن تكون هناك تنمية دون العنصر البشري
  • رئيس الوزراء الأردني: بلادنا فوق كل اعتبار ولن تكون المملكة مسرحا للفوضى والعبث
  • رفض التحريض ..رئيس الوزراء الأردني: بلادنا فوق كل اعتبار ولن تكون المملكة مسرحا للفوضى والعبث