أبطال تحدي القراءة العربي يشيدون برؤية محمد بن راشد في تعزيز ثقافة القراءة
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
عبّر أبطال تحدي القراءة العربي عن تقديرهم العميق لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله” واعتبروا سموه رمزا للتفوق والإبداع، حيث ساهمت رؤيته الثاقبة ومبادراته في نشر ثقافة القراءة وتعزيز الهوية العربية.
وأكدوا أن دعم سموه للثقافة والمعرفة ألهمهم لتحقيق إنجازاتهم، معتبرين أنفسهم جزءا من رؤية سموه الهادفة إلى بناء جيل مثقف ومتعلم.
وأشار الأبطال إلى أن مسابقة تحدي القراءة العربي ليست مجرد مسابقة، بل هي تجسيد لرسالة سموه في نشر شغف القراءة، وتعزيز اللغة العربية في نفوس الشباب، مشيدين برؤية سموه في تعزيز ثقافة القراءة والهوية العربية مؤكدين التزامهم بالتميز والمساهمة في النهضة الثقافية للعالم العربي.
وأكدوا أهمية القراءة ودورها المحوري في تعزيز الهوية والثقافة العربية.
جاء ذلك في تصريحات لوكالة أنباء الإمارات “وام” على هامش التصفيات النهائية على مستوى الجاليات لمسابقة تحدي القراءة العربي في موسمها الثامن، بعد عملية تقييم من قبل لجنة التحكيم يمثلون 23 دولة حول العالم.
وأعرب أحمد فيصل آل علي، بطل التحدي من الإمارات، عن فخره الكبير بتمثيل بلاده في هذه المسابقة المميزة، قائلا “ لقد قرأت حتى الآن 140 كتابا في أقل من عام، وهذا يعكس شغفي بالقراءة، وإن هذه المسابقة هي تجسيد لرؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في تعزيز اللغة العربية وحب القراءة لدى الشباب.
وأكد أن سموه يُعتبر رائدا في دعم التعليم والثقافة، مشيرًا إلى أن رؤية سموه الحكيمة وفكره الاستشرافي جعلت من الإمارات مركزا عالميا للمعرفة والإبداع.
وأضاف أن سموه ليس مجرد قائد، بل هو ملهم للعديد من الشباب الذين يسعون لتحقيق أحلامهم، منوها بتأثير بعض الكتب على حياته، ومنها كتاب “قصتي” لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، الذي ألهمه لتطوير مهارات القيادة والطموح.
أما زهراء السرحان، بطلة تحدي القراءة من البحرين، فقد عبرت بفخر عن تجربتها في المسابقة، مؤكدة أنها تمثل مشاركتها الأولى، حيث توجت بلقب البطولة على مستوى المملكة، مشيرة إلى أنها حققت نجاحات متعددة في مجالات أخرى، منها فوزها بالمركز الأول في مسابقة الروبوت الوطنية.
وواصلت زهراء حديثها عن أهمية القراءة في تشكيل شخصيات الشباب، قائلة “ قرأت أكثر من 250 كتابا، وشاركت في تحدي القراءة العربي بخمسين كتابا، ولكنني أؤمن بأن القيمة الحقيقية ليست في الأرقام، بل في المعرفة والتجارب التي نحصل عليها من كل كتاب”، حيث أشارت إلى أن الكتب الذاتية والتاريخية تُحاكي قصص شعوب مرت بتحديات مشابهة، مما يسهم في تشكيل رؤيتنا للحاضر.
وعبرت جينان فتحي آل حمد، سفيرة القراءة من المملكة العربية السعودية ،عن فخرها الكبير بتحقيقها المركز الأول على مستوى المملكة، حيث قالت ” تعتبر هذه مشاركتي الثانية في تحدي القراءة العربي، وقد تمكنت من قراءة 78 كتابا وشاركت بخمسين كتابا في هذه المسابقة، وأرى أن تحدي القراءة العربي هو مبادرة فريدة تهدف إلى تعزيز القراءة بين الأجيال الحالية والمستقبلية، وتعمل على بناء مجتمع واعٍ ومتعلم.
وتحدثت عن تأثير كتاب “قوة عقلك الباطن” للكاتب جوزيف ميرفي في حياتها، حيث ساعدها على فهم أهمية التغيير الإيجابي، مؤكدة أهمية اللغة العربية، قائلة، “أدعو الجميع إلى نشر ثقافتها وتعزيزها، مع أهمية تعلم لغات أخرى، لكن يجب ألا نغفل لغتنا الأم”.
وعبرت غفران جلسي، بطلة تونس، عن سعادتها بإنجازها، مؤكدة أن القراءة كانت ولا تزال جزءا أساسيا من حياتها حيث قرأت أكثر من مئة كتاب، وقالت، “إن شاء الله، سأستمر في القراءة”، حيث وصفت الحدث بأنه رائع”، معبرة عن تقديرها للتنوع الثقافي الذي جمع المشاركين من مختلف البلدان.
وأكدت أن الهدف المشترك بينهم كان، السمو بالأفكار وتمجيد لغتنا العربية، لافتة أن العائلة لعبت دورا كبيرا في تحفيزها على القراءة، حيث وضعوا الكتب بين يديها منذ نعومة أظافرها.
وأشادت جوهر صالح الحسن، القادمة من فنلندا للمشاركة في التصفيات النهائية لتحدي القراءة العربي، بالتنظيم الاستثنائي للمسابقة والأجواء الإيجابية التي سادت بين المتسابقين، مؤكدة أن لجنة التحكيم كانت داعمة ومتعاونة، مما ساعدها على تجاوز التوتر والتركيز على تقديم أفضل ما لديها.
وأعربت عن سعادتها بوجودها في دبي، قائلة، ” المشاركة في تحدي القراءة العربي ليست مجرد منافسة للفوز، بل هي رحلة لتكوين أبطال في مجال المعرفة، أنصح الجميع بالمشاركة، لأن القيمة الحقيقية تكمن في التجربة نفسها”.
وقالت إن تحدي القراءة العربية يعكس التزام الأجيال الجديدة بتعزيز الثقافة العربية، ويُعتبر منصة فريدة لتبادل المعرفة والإبداع، تحت رعاية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: السمو الشیخ محمد بن راشد تحدی القراءة العربی فی تعزیز إلى أن
إقرأ أيضاً:
ما الثقافة ومن المثقف؟ رحلة في تجلية المفهوم بين العربية والفلسفة
في جلسة ماتعة مع بعض الصديقات، طرح اسم أحد المؤثرين في وسائل التواصل الاجتماعي. فقالت إحداهن: إنه مثقف، بينما اعترضت أخرى، وتساءلت ثالثة: أي واحدة منكن تمتلك ثقافة أعلى من ثقافته؟.
تلا هذا الأمر نقاشٌ طويل وحوار ذو شجون في معنى الثقافة والمثقف. ولكن أهم ما تفتق عنه الحوار، هو أن هذا المفهوم الشائع شيوعا مفرطا لا يزال هلاميا وضبابيا لدى كثيرين، لا سيما في زمن السيولة الثقافية التي أنتجتها هيمنة وسائل التواصل الاجتماعي.
ولعلك، عزيزي القارئ، أيضا ممن يدور في ذهنه السؤال ذاته عن نفسه أو غيره: هل تعتقد أنك من المثقفين؟ ما مفهوم الثقافة لديك؟ ما أسسها وما معاييرها؟ وكيف يمكن أن نصنف الأفراد والمجتمعات بين المثقفين وغير المثقفين؟ هل ترتبط الثقافة بالشهادات الأكاديمية؟ وهل تكفي سعة الاطلاع وقطف زهرة من كل بستان من بساتين العلم والمعرفة ليصبح الشخص مثقفا؟.
وما دمت تقرأ هذا المقال في صفحة الجزيرة نت، التي تعنى بالثقافة وأهلها، فأغلب الظن أنك من المثقفين حقا.
استخدم فعل التثقيف في الماضي بالمعنى الحسي، وقصدوا به تثقيف الرماح والأسنّة والنبل بالثقاف؛ وهي أداة مخصصة لتسويتها وتقويم اعوجاجها لتصبح صالحةً شديدةً وجاهزةً للاستعمال في القتال. وبالنظر في معاجم اللغة العربية نجد أن معنى الثقافة انتقل من الحسي المادي إلى المعنوي، فقيل: (ثَقِف فلان) و(ثَقُف)، بكسر القاف وضمّها؛ أي صار حاذقاً فطناً، و(ثقف الحديث) أي فهِمه بسرعة واستوعبه جيداً.
إعلانأما قولهم (ثَقَّف الشيء)، بتضعيف القاف؛ أي قوّم اعوجاجه، ومنه جاء قولنا: ثقّف الإنسان أي هذّبه وأدّبه وعلّمه، وتثقّف ثقافةً عالية؛ أي جمع من المعارف ونال من كل علم طرفاً. ومن هنا جاء وصف المرء المهذّب بالعلم والأدب بالثَّقِف والمثقف. ولأن الثقافة اكتسابٌ، يعمد الإنسان الراغب في تثقيف نفسه إلى صقل خبراته ومعارفه وزيادتها بكثرة المطالعة والاطلاع، فالثقافة تعني التهذيب، والتسوية، والصقل. ونقول: النخبة المثقفة، ونعني بهم أهل الفكر والعلم والمعارف المتعددة.
ورد الجذر اللغوي للثقافة في كتاب الله تعالى وحديث النبي صلى الله عليه وسلم في مواضع عدة؛ منها قوله تعالى في سورة البقرة: "وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ"، ويقول البغوي في تفسيره للآية: "وأصل الثقافة الحذق والبصر بالأمور، ومعناه: واقتلوهم حيث أبصرتم مقاتلتهم وتمكنتم من قتلهم".
وقوله تعالى في سورة الأنفال: "فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِم مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ"؛ ويقول العلامة الطاهر بن عاشور في "التحرير والتنوير" عن الآية: "والثَّقْف: الظفر بالمطلوب، أي: فإن وجدتهم وظفرت بهم في حرب، أي انتصرت عليهم". ومثل ذلك معناها في قوله تعالى في سورة الأحزاب: "مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا".
أما في الحديث النبوي، فقد جاء هذا اللفظ في حديث الهجرة الذي ترويه السيدة عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري، وتصف فيه أخاها عبد الله يوم الهجرة فتقول: "ثم لحق النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل يقال له ثور، فمكث فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب لَقِن ثَقِف، فيرحل من عندهما سحراً، فيصبح مع قريش بمكة كأنّه بات فيها فلا يسمع أمراً يُكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام". ويقول بدر الدين العيني في شرح الحديث في "عمدة القاري": "قوله: "ثَقِف"، بكسر القاف وسكونها، أي: حاذق فطِن".
إعلانوقد جمع الراغب الأصفهاني في "مفردات غريب القرآن" معاني الجذر "ثَقَفَ" التي وردت في نصوص الوحي، بقوله: "الثّقْفُ: الحذقُ في إدراك الشيء وفعله، ومنه استعير المثاقفة، ورمحٌ مثقّفٌ أي مقوّم، وما يُثَقَّفُ به الثقاف، ويقال: ثَقِفْتُ كذا إذا أدركته ببصري الحاذق في النظر، ثم يُتجوَّز به فيُستعمل في الإدراك، وإن لم تكن معه ثقافة".
ومع ابتعاد الأزمان صار وصف المثقف يطلق حقا على من يستحقه، وباطلا على من يدعيه لمحض تمكنه من أدوات الكلام وقدرته على إقناع المستمعين بسعة اطلاعه ومعارفه، أو لمحض حصوله على شهادات أكاديمية أو غير ذلك!
وصارت الثقافة مصطلحاً يدل على كثرة الاطلاع والرقي الفكري الذي ينتج عنه بالضرورة رقي نفسي، أدبي، واجتماعي. وقد جاء تعريفها حديثاً في القرن التاسع عشر الميلادي بأنها "مجموع العلوم والمعارف والفنون والعقائد والأخلاق والقوانين والعادات لدى أمة أو شعب ما".
وقد عرف روبرت تيلور (1871م) الثقافة: "هي ذلك المركب الكلي المعقّد الذي يشمل المعرفة، والاعتقاد، والفن، والقانون، والتعاليم الأخلاقية، والعادات، وأي عادات أو مقدرات مكتسبة بواسطة الإنسان، كعضو في المجتمع". وكل من جاء بعده دار في فلك هذا التعريف للثقافة.
يعتمد الفلاسفة في تعريفهم الثقافة على تبيان عنصر المعتقدات، فقد تكون دينية أو لا دينية، وبناء على ذلك تختلف أوجه الثقافة نفسها وتختلف توجهات المثقف بطبيعة الحال، والسبب في ذلك أن المعتقد برأي الفلاسفة هو المحرك الأساسي لاختيارات الإنسان.
يأخذنا ذلك إلى سياق آخر يجعلنا نتساءل: هل أوجه الثقافة اختيارية؟ ما دامت الثقافة مرتبطة بمعتقد الإنسان الذي اختاره بملء إرادته أو بتأثير من أسرته ومحيطه فإن ثقافة المرء اختيارية! ولا نقصد بالاختيار هنا نوع الكتب التي يقرؤها أو المجالات الفكرية والفنية التي يقرأ فيها، بل نقصد الموجه وراء ذلك.
إعلانولكي تتضح الصورة أكثر لك، أن تنظر ببدايات دخول الإسلام إلى بلاد الشام وما جاورها وإلى الشمال الأفريقي، إذ انصهرت الثقافات المحلية بالثقافة الإسلامية ونتج عن ذلك ثقافة عربية إسلامية بحلل جديدة تنسجم مع البيئة من جهة ومع الفكر الإسلامي من جهة أخرى. وكذلك الحال في أوروبا بعد انحسار النفوذ الكنسي وسيطرة الفكر المادي العلماني.
وليس بدعا من القول، أن يقال إن مصطلح "الثقافة" من المصطلحات الإشكالية التي لمّا يفض الاشتباك فيها في الفكر العربي، فالمصطلح بهذا اللفظ وإن كانت له أصول عربية إلا أنه بوصفه مفهوما فلسفيا فكريا يعده كثيرون فرنسيا في أصل نشأته، وفي نهاية القرن الثامن عشر أصبح مصطلح "الثقافة" وحده له مدلول خاص قائم بذاته.
ويمكننا اعتبار تعريف عالم الأنثروبولوجيا البريطاني "إدوارد تايلور" للثقافة أول تعريف دقيق محيط بها، إذ يقول في تعريفها: "هي هذا الكل المركب الذي يشمل المعرفة، والمعتقدات، والفن، والأخلاق، والقانون، والعادات، وكل القدرات والعادات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بصفته عضوا في جماعة".
وهذا التعريف للثقافة يمكننا أن نستخلص منه ثلاثة محددات رئيسة للمفهوم:
المحدد الأول: الثقافة تعادل حياة الإنسان الاجتماعية كلها وتتماهى معها فحيثما يوجد الإنسان تكون الثقافة، فهي معادله الموضوعي، فالإنسان أيا كان معتقده، وعرقه، ولغته فإنه لا يعيش من دون ثقافة. المحدد الثاني: الثقافة مكتسبة من الواقع الذي يعيش فيه الإنسان، وليست مسألة وراثية بيولوجية، فانخراط الإنسان في المجتمع هو الذي يكسبه البصمة الثقافية. المحدد الثالث: الثقافة ذات بعد جماعي، وليست حالة فردية، فكل مظاهر الثقافة من لغة، وأدب، ومعارف، وعادات، وتقاليد، وفن؛ هي نشاط اجتماعي يستلزم وجود جماعة بشرية.يقول الفيلسوف طه عبد الرحمن المعروف بنزعته الفلسفية الأخلاقية في تعريفه لماهية الثقافة في كتابه "الحق الإسلامي في الاختلاف الفكري": "الثقافة هي جملة القيم التي تقوم الاعوجاجات الفكرية والسلوكية داخل الأمة على الوجه الذي يجدد اتصال الفكر والسلوك بأسباب هذه القيم في عالم الآيات، وبالقدر الذي يمكن الأمة من استرجاع قدرتها على الإصلاح والإبداع، طلبا لتنمية الإنسان والارتقاء به في مراتب الكمال العقلي والخلقي".
إعلانويعرفها في كتابه "حوارات من أجل المستقبل" بأنها: "ذلك الإنتاج الخطابي والسلوكي المستند إلى قيم قومية حية. أي قيم قومية مرغوب فيها ومطلوب العمل بها".
أما الفيلسوف المغربي علي أومليل فيعمل على تجلية مفهوم الثقافة في كتابه "سؤال الثقافة" فيقول إنها: "عادات وقيم تطبع الوجدان وينبني عليها سلوك، أو قل: هي محصلة المعارف والقيم الحافزة على السلوك". وعند مطالعة كتابه نجد أنه يصل إلى تعريف دقيق يستبعد منه كلمة المعارف لتكون الثقافة هي: "القيم الحافظة لأي عمل في مجالات التربية والاقتصاد والسياسة".
ولا يمكننا الحديث عن مفهوم الثقافة والمثقف بدون الوقوف عند ما يقوله إدوارد سعيد الذي يعد أحد أهم من تكلموا في المفهوم وأبعاده بطريقة جديدة وتجديدية نزعت إلى الخروج من التعريفات الكلاسيكية؛ فهو يختصر ماهية المثقف في كتابه "خيانة المثقفين" في أنه "الشخص الملتزم والواعي اجتماعيا بحيث يكون بمقدوره رؤية المجتمع والوقوف على مشاكله وخصائصه وملامحه وما يتبع ذلك من دور اجتماعي فاعل من المفروض أن يقوم بتصحيح مسارات مجتمعية خاطئة.
وبناء على ذلك ينقسم المثقفون عند إدوارد سعيد إلى فئتين رئيستين؛ هما: المثقف المحترف والمثقف الهاوي، ففي كتابه "صور المثقف" يعقد سعيد فصلا بعنوان "محترفون وهواة" يقارن فيه المثقف المهني أو المحترف بآخر يندرج في حقل الهواة.
ولعل هناك تقاطعا بطريقة ما بين هذه الفكرة وما ذهب إليه الفيلسوف الماركسي أنطونيو غرامشي في تعريفه المثقف العضوي إذ يقول: "المثقف العضوي: ذلك العنصر المفكر والمنظم في طبقة اجتماعية أساسية معينة.
ولا يتميز هؤلاء المثقفون بمهنهم التي قد تكون أي وظيفة تتميز بها الطبقة التي ينتمون إليها، بقدر ما يتميزون بوظيفتهم في توجيه أفكار وتطلعات الطبقة التي ينتمون إليها عضويا".
إن الصفة الجامعة بين مفهوم الثقافة في اللغة العربية وفي ما تواضع عليه الفلاسفة على اختلاف مشاربهم واشتباك عباراتهم تشمل مجموعة من المحددات:
إعلان أولا: الإدراك، أي إدراك حقائق الأشياء ومعرفتها كما هي والقدرة على تشخيص المشكلات في المجتمع وتحديدها وفهمها وهضم تفاعلاتها في البيئة والواقع. ثانيا: الإبصار؛ فالمثقف بعد أن يدرك الأمور كما هي يبصر ما وراءها ويرى عواقبها ويفهم مراميها ويعي نتائجها. ثالثا: القيم الجامعة؛ فلا ثقافة بغير قيم ولا يكون المرء مثقفا حقيقيا ما لم يكن مثقفا قيميا. رابعا التغيير؛ فالثقافة ليست انعزالا عن الواقع، والمثقف ليس العارف الساكن في برج عاجي، بل هو الذكي الفطن العارف المنخرط في الواقع والمواجه للتحديات بهدف التطوير والتغيير الإيجابي.ولعل هذه المقاربة بين المفهوم اللغوي والفلسفي للثقافة تساعد في تجسير الهوة المفاهيمية وتضع معايير للثقافة والمثقف تسهم في تقليل ادعاء الثقافة في هذا الزمن المر الذي يحتاج إلى تغيير حقيقي لا محض هوس في وهم التأثير.