الذكرى العاشرة لفض اعتصام رابعة .. كيف ولماذا تحولت مواقف بعض الدول؟
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
تشير منظمات حقوقية دولية إلى أن السلطات المصرية لم تحتجز أي مسؤول حكومي أو أي فرد من قوات الأمن المسؤولة عن القتل الجماعي للمتظاهرين في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة.
مضت عشر سنوات على فض اعتصام رابعة العدوية الذي نظمه مناصرون للرئيس الراحل محمد مرسي اعتراضا منهم على إطاحة الجيش المصري بأول رئيس منتخب في تاريخ البلاد.
عشر سنوات مرت على اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير في مصر. شهدت البلاد خلالها تقلبات شديدة حتى استقر الحكم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.. فأين أصبحت شعارات "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية" اليوم؟
العفو الدولية: إرث فض اعتصام رابعة مازال يطارد المصريينفي الذكرى السنوية السادسة لفض اعتصام ميداني رابعة العدوية والنهضة، ذكرت منظمة العفو الدولية أن تلك الأحداث ما زالت تلقي بظلالها على المصريين ومثلت بداية تراجع حاد في وضع حقوق الإنسان في مصر.
بعدما جرى فض اعتصام رابعة العدوية بالقوة في 14 أغسطس/ آب 2013، وصفت منظمات حقوقية دولية تلك العملية بأنها "أحد أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث"، كما نتج عنها أيضاً مئات الإصابات إضافة إلى مئات المختفين بشكل غامض، وانتقدت منظمات دولية حالة "الإفلات من العقاب" التي "يتمتع بها من اقترفوا عمليات فض الاعتصامات".
على جانب آخر، وصفت الجهات الأمنية والحكومة المدعومة من جانب الجيش المصري العملية بأنها تحرك كان لابد منه حتى لا تسقط مصر في أتون حرب أهلية وانقسام مجتمعي، وأيد حازم الببلاوي رئيس الوزراء المصري وقتها عملية فض الاعتصامات قائلاً إن قوات الأمن كان عليها التحرك بهدف "استعادة الأمن في البلاد".
وتحدث كثيرون عن خطاب شديد الطائفية وعن كلمات تحريضية ضد الأقباط وغيرهم من التيارات السياسية والفكرية المختلفة خلال كلمات ألقاها البعض على منصة اعتصام رابعة العدوية في تلك الأيام، ما أثار قلقاً كبيراً في الداخل والخارج.
وفي (15 آب/ أغسطس 2015) انتقدت الخارجية المصرية تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، التي شبهت ما حدث في رابعة العدوية بارتكاب عملية "قتل جماعي" مشابهة "ربما لجريمة ضد الإنسانية"، وأكدت الخارجية المصرية في بيانها "استنكار مصر الشديد لمثل هذا التقرير المسيس وغير الموضوعي".
كيف استقبل العالم الواقعة؟
في أعقاب تنفيذ عملية الفض، نددت دول وحكومات بما وصف بأنه استخدام غاشم للقوة المميتة، ما أدى إلى مقتل نحو 800 شخص وإصابة 3717، بحسب المنظمات الدولية ومنها منظمة العفو الدولية (أمنستي)، بينما ذكرت وزارة الصحة المصرية أن عدد القتلى هو 525 شخصاً، فيما انتقدت تقارير أخرى صدرت عن جهات تابعة للدولة الاستخدام المفرط للقوة من جانب قوات الأمن، وطالبت أطراف مختلفة بضرورة محاسبة من تسبب في سقوط كل هذا العدد من القتلى والجرحى.
وبحسب خبراء وحقوقيين، فقد أدانت كل الدول الأوروبية تقريباً طريقة فض الاعتصام كما كما صدر البيان الأقوى والأسرع من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما:
أيضاً صدرت بيانات من الاتحاد الأوروبي أحدها كان في أغسطس/آب بعد أيام من الواقعة والآخر باللهجة نفسها في أبريل/ نيسان 2014 عن مجلس العلاقات الخارجية بالاتحاد الأوروبي وكان يدعو الدول الأعضاء إلى "مراجعة كافة صفقات الأسلحة مع مصر ووقف مبيعات الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في القمع الداخلي".
ويقول الدكتور حسام الحملاوي، الباحث في العلوم السياسية من برلين، إن المهم بجانب بيانات الشجب والإدانة هو تبعات هذا الموقف "والحقيقة أن التبعات كانت هزيلة للغاية حيث تم فرض عقوبات صورية على الجيش المصري وعلى التسليح لعدة أشهر وتم رفعها بعد "انتخاب" السيسي رئيساً للبلاد، وفق ما قال خلال حوار هاتفي مع DW عربية.
الأمر نفسه أكد عليه عمرو مجدي، الباحث الأول في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، والذي قال إن البيانات لم يكن لها أثر تقريباً على أرض الواقع "فالكثير من دول الاتحاد الاوروبي استمرت في مبيعات الأسلحة لمصر، سواء في 2014 أو ما يليها، ومنها على سبيل المثال إيطاليا وبلجيكا وإسبانيا".
ويرى مجدي أن ردود الأفعال الرسمية في دوائر الحكم الغربية لم ترتقِ لمستوى العنف والانتهاكات التي وقعت "بل على العكس فبعد مرور عام أو عامين على المذبحة كان هناك نوع من الإسراع في ما يمكن تسميته تطبيع العلاقات مع الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش".
وتابع عمرو مجدي خلال اتصال هاتفي مع DW عربية: "بعد وصول الرئيس السيسي للرئاسة بشكل رسمي عاد الكلام نفسه يتردد عن دعم الديمقراطية في مصر ومساندتها في حربها ضد الإرهاب وكون مصر شريكا دوليا مهما وغير ذلك من الكلام الدبلوماسي فلم تحدث وقفة حقيقية مع الانتهاكات التي وقعت".
وقال تيموثي قلدس، الباحث في معهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط في حوار مع DW إن "الحكومات الغربية لا تُعطي الأولوية لحقوق الإنسان في تعاملها مع معظم شركائها وأن أولوياتها تتمثل في المصالح الاقتصادية والاستقرار الأمني، في حين أن انتهاكات حقوق الإنسان والاستبداد والفساد، كلها عوامل تسهم بشكل مباشر في عدم الاستقرار الاقتصادي في مصر".
رفض وإدانة على استحياء .. ودعم بلا حدود!
خلال السنوات الماضية، منذ واقعة فض الاعتصامات وإلى اليوم شهدت المواقف السياسية لعدد من القوى الإقليمية والدولية تغيرات، كان بعضها من النقيض إلى النقيض.
وفي هذا السياق يقول الدكتور حسام الحملاوي، الباحث في العلوم السياسية من برلين، إن المجتمع الدولي ليس كتلة واحدة وبشكل مختصر يمكن اختزاله إلى عدة كتل، فيما يخص ما حدث في مصر عام 2013.
ويوضح الحملاوي قائلاً إن أول كتلة هي الولايات المتحدة، "ولم يكن الأمريكيون يحاولون اجتثاث تنظيم الإخوان من مصر ليس حباً فيهم وإنما من باب البراغماتية والتعاون مع جهة منظمة تضمن مصالحهم لا أكثر". أما الكتلة الثانية المهمة "فتتمثل في دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات والتي لم تكن تؤيد فض الاعتصام فحسب وإنما اجتثاث الإخوان أنفسهم من الساحة السياسية تماماً"، مضيفاً أن "الرئيس السيسي لم يكن ليتحرك ويتخذ خطوة كهذه إلا لو كان يعرف تماماً أن هناك دولا ستدفع في النهاية قيمة هذا التحرك، خاصة إذا نتج عنه عقوبات".
أما الكتلة الثالثة -بحسب الباحث المصري في العلوم السياسية- فهي أوروبا والتي رفضت تماماً ما حدث من لجوء للعنف الشديد تجاه المتظاهرين، مضيفاً أن "الاوربيين أيضاً كانوا جزء من محاولة الوساطة من خلال كاثرين اشتون لكن الوضع تغير بعد 2014 ومرجع ذلك هو التعامل بواقعية وبراغماتية".
يذكر أن عدة جهات إعلامية وسياسية في ألمانيا انتقدت التعاون الألماني المتزايد مع نظام السيسي، إذ نشرت صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ تقول إن هذا التعاون مع السيسي، الذي "يقمع منتقديه بكل قوة" - حسب وصف الصحيفة - يثير استياءً في ألمانيا. ونقلت الصحيفة عن كاي غيرينغ، عضو البرلمان الألماني عن حزب الخضر وعضو لجنة حقوق الإنسان، في إطار الإعلان عن تعاون مصري الماني لإنشاء خط قطار فائق السرعة، قوله: "لا تدوم متعة القطار فائق السرعة إلا لفترة قصيرة إذا تم الدوس على حقوق الإنسان، والحقوق الأساسية". وأضاف البرلماني الألماني أنه يجب ألا يخفي "الاستقرار الزائف" و"العلاقات الاقتصادية" حقيقة "جهاز الأمن الوحشي" للسيسي.
يرى خبراء أن الولايات المتحدة وأوروبا لم يكن في رغبتهم اجتثاث الإخوان بشكل كامل بعكس دول الخليج الكبرى
تركيا .. من النقيض إلى النقيض
كانت تركيا من أقوى الدول التي أدانت أحداث رابعة العدوية وأصدرت عدداً من التصريحات بهذا الشأن، حتى إن بعضها استهدف بشكل شخصي الرئيس السيسي نفسه، لتسوء العلاقات بين البلدين بشكل لم يسبق له مثيل. لكن مع مرور الوقت حدث تقارب بخطوات بطيئة بين البلدين، حتى وصل إلى لقاء بين السيسي وأردوغان على هامش افتتاح كأس العالم في قطر 2022، لتتسارع خطوات المصالحة بين الرئيسين.
وفي هذا الصدد يقول حسام الحملاوي إن تركيا كانت من الدول التي استقبلت قيادات المعارضة الإسلامية التي فرت من مصر، كما سمحت لها بإطلاق قنوات إعلامية ومواقع إخبارية استهدفت نظام السيسي بشكل واضح ومباشر وبعلم الدولة التركية.
ويستدرك قائلاً إن "الرئيس أردوغان شخص شديد البراغماتية حتى النخاع ومن العادي جداً أن يغير من مواقفه السياسية بحسب مصالح بلاده، بل وحتى مصالح الشخصية، بما يكفل له الاستمرار في الحكم .. لذلك تغير الموقف التركي من النقيض إلى النقيض".
ويوضح الباحث المصري في العلوم السياسية أن مصر "نتيجة الأزمة الاقتصادية وعوامل أخرى تقاربت مع قطر وتركيا والتي ردت المعروف فبدأت بطرد المعارضين الإسلاميين البارزين وأغلقت القنوات التلفزيونية، التي كانت تبث من أراضيها، وبدأت التضييق على المعارضة المصرية وهو أمر وإن كان يبدو ميكيافيلياً تماماً من أردوغان لكنه متوقع".
نجاح مصري أم براغماتية دولية؟
ويرى البعض أن "نظام ما بعد رابعة العدوية" حاول تسويق رؤية مختلفة لحقوق الإنسان منها الحق في التعليم والصحة وغيرها، مطالباً العالم بعدم التركيز فقط على حقوق الإنسان بمفهومها السياسي وإدراك اختلافات الثقافات بين الشرق والغرب.
كما يرى البعض أن النظام نجح في تسويق وجهة نظره ورؤيته للكيفية التي تم بها فض الاعتصامات وأن المجتمع الدولي حتى وإن لم يقتنع كثيراً بسقوط هذا العدد الكبير من الأرواح نتيجة عملية الفض، إلا أنه تفهمه بشكل ما، خصوصاً مع الحديث المستمر عن جهود النظام المصري في التصدي للإرهاب ووقف قوارب الهجرة غير النظامية عبر البحر المتوسط.
ويقول عمرو مجدي، الباحث في هيومن رايتس ووتش: "لا أعتقد أن الحكومة المصرية قد نجحت في تسويق روايتها عمّا حدث في رابعة، بل أعتقد أن أغلب دوائر الإعلام في الغرب أو الدوائر الرسمية الحكومية لاتزال غير مقتنعة بضرورة استخدام هذا المستوى من العنف الذي لم يكن له ما يبرره، لكن ما حدث هو أنه تم التغاضي عن الواقعة والعودة لإدارة العلاقات مع مصر بمنطق Business as usual أو العودة لممارسة العمل كالمعتاد".
ويتفق الحملاوي ومجدي في أن هناك الكثير من العوامل ساهمت في تحول المواقف الدولية من مسألة فض اعتصام رابعة العدوية، من بينها وقوع عمليات إرهابية في مصر استهدفت مدنيين ورجال أمن وأنه كانت هناك بالفعل تحديات أمنية حقيقية ضد الحكومة، التي كانت موجودة في ذلك الوقت وخصوصاً في سيناء.
عدالة غائبة في قضية "رابعة"؟
في هذا السياق، قامت مجموعة من المعارضين للنظام المصري بالخارج بإنتاج فيلم قالوا إنه يوثق تفاصيل ما جرى من عمليات قتل للمتظاهرين
الفيلم أثار فيما يبدو غضباً داخل مصر، حيث هاجمه بشدة الإعلام الذي تديره الدولة، وقال إن الفيلم يعرض مشاهد مفبركة ويحاول تسويق رواية غير صحيحة ويعرض مظلومية غير واقعية لجماعة متهمة بالإرهاب.
لكن بحسب محللين فإن أكثر ما يثير غضب النظام المصري هو وجود رواية أخرى مخالفة بشكل شبه كامل للرواية التي يحاول تسويقها للعالم منذ أحداث رابعة العدوية، وهذا ربما ما عبر عنه بغير قصد محمود بدر، أحد منسقي حملة تمرد ضد مرسي وعضو البرلمان الحالي.
وقد حاولت عدة أطراف داخل وخارج مصر التحرك في إطار قانوني بهدف محاسبة المتورطين في تنفيذ عملية فض الاعتصام وما نتج عنها من ضحايا دون أن يؤدي ذلك المسار إلى أن نتيجة رغم أن لجنة تقصي الحقائق التي شكّلها المجلس القومي لحقوق الإنسان (شبه حكومي) بعد الفضّ، طالبت بتحقيق قضائي شامل في الأحداث، وهو ما لم يتم.
بل إن الحكومة المصرية أجرت في حزيران/يونيو2021 تعديلات لقانون المحكمة الدستورية العليا تمنح المحكمة إشرافًا قضائيًا على دستورية القرارات الصادرة عن المنظمات والهيئات الدولية، وعلى الأحكام التي تُصدرها المحاكم الأجنبية وتكون الدولة المصرية طرفًا فيها، وهي خطوة عدها البعض محاولة لوقف أي ملاحقات جنائية دولية تتصل بمنفذي عملية فض الاعتصام ومتخذي القرار بشأنها، بما يتيح لرئيس مجلس الوزراء المصري تقديم التماس أمام المحكمة لطلب عدم تنفيذ حيثيات الحكم أو القرار أو الموجبات المنبثقة عن الحكم القضائي الصادر عن مرجعية أجنبية، بحسب ما أشارت دراسة تفصيلية نشرها موقع كارنيغي.
وتشير منظمات حقوقية دولية إلى أن السلطات المصرية لم تحتجز أي مسؤول حكومي أو أي فرد من قوات الأمن المسؤولة عن القتل الجماعي للمتظاهرين في ميدان رابعة العدوية بالقاهرة.
ويقول عمرو مجدي، الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش: "للأسف لم تحدث أي تطورات إيجابية بهذا الشأن، سواء داخل أو خارج مصر .. طبعاً داخل مصر العدالة الانتقالية هي أبعد ما تكون، منذ أي وقت مضى، خصوصاً في السنوات الأخيرة مع تردي الوضع الحقوقي والانغلاق السياسي التام وغياب أي نوع من الصحافة الحرة أو حرية التعبير، بالتالي لا توجد أي آمال حقيقية لتحقيق أي نوع من العدالة فيما يختص بهذه القضية، بل إن المادة رقم 241 من الدستور تنص على أن البرلمان في أول دورة انعقاد له كان يجب أن يقوم بإصدار قانون للعدالة الانتقالية وهو ما لم يحدث".
ويرى مجدي أن ما يزيد من صعوبة الملاحقة الدولية أن مصر ليست طرفاً في اتفاقية روما المنشئة للمحكمة الجنائية الدولية وبالتالي من الصعب في ظل التوازنات السياسية حالياً تصور أن يتم فتح قضية أمام هذه المحكمة، إذ لابد من توافر شرط من اثنين إما أن تكون الدولة عضوا في هذه الاتفاقية أو أن يصدر قرار من مجلس الامن بفتح تحقيق في هذه الانتهاكات، وهذا لن يحدث في ظل التوازنات السياسية الدولية والاقليمية الموجودة حالياً".
ويختتم مجدي حديثه بالقول إنه "لم يتبق سوى التقاضي الكوني Universal Juridiction وهي مجموعة قوانين موجودة لدى عدة دول حول العالم، ومنها دول مرت بالتحول الديمقراطي، وكان لدى شعوبها خبرات في التعامل مع أنظمة ديكتاتورية ومستبدة ارتكبت جرائم خطيرة على نطاق واسع وبالتالي شرعت بعض القوانين، التي تسمح بمقاضاة من يشتبه في تورطه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وكان هناك عدة جهود في هذا الإطار حتى عام 2016 وتسببت بالفعل في قيام مسؤولين مصريين بإلغاء زياراتهم لبعض الدول خوفاً من تعرضهم للتحقيق بشأن ما وقع في رابعة بوصفه جريمة ضد الإنسانية .. لكن مع ذلك لم يتم توجيه الاتهام رسمياً إلى أي مسؤول عن المشاركة في هذه الانتهاكات".
ويقول روبرت سكيلبيك، مدير منظمة ريدريس لحقوق الإنسان إن مسألة الولاية القضائية العالمية صعبة للغاية لأنه لا توجد إمكانية حقيقية لتسليم كبار المسؤولين من مصر، كما أن أغلب الدول ليست مستعدة لعمل ذلك، كما أن هذه الدول لديها مصالح مع مصر، مشيراً إلى أن "العدالة الدولية بوجه عام تستغرق وقتا طويلاً للغاية لتتحقق".
واقترح بدلاً من ذلك خلال اتصال له مع DW عربية توسيع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية "لكن ربما يكون من الصعب جدًا القيام بذلك سياسيًا، لكن يجب الضغط على الأقل من أجل توثيق مثل هذه الوقائع".
محمود حسين/كاثرين شاير
المصدر: DW عربية
كلمات دلالية: رابعة العدوية عبد الفتاح السيسي الجيش المصري محمد مرسي عقوبات على مصر الاتحاد الأوروبي الاخوان المسلمين رابعة العدوية عبد الفتاح السيسي الجيش المصري محمد مرسي عقوبات على مصر الاتحاد الأوروبي الاخوان المسلمين هیومن رایتس ووتش فض اعتصام رابعة لحقوق الإنسان حقوق الإنسان فض الاعتصام قوات الأمن الباحث فی فی هذا حدث فی فی مصر لم یکن إلى أن ما حدث
إقرأ أيضاً:
سورية أم ”سوريا“ ولماذا نصر على ”سورية“؟
مقالات
د. علي أكرم زعيتر
يحسب كثيرون، وبعضهم من المثقفين، أن ما من فرق بين سورية و”سوريا“، وأن الأمر عائد أولاً وأخيراً لذوق الفرد. فإذا شاء كتبها بالتاء، وإذا شاء كتبها بالألف، ولا تثريب عليه البتة، فكلا الرسمين سيَّان، ما داما يشيران إلى معنى واحد. فيما الحقيقة تقول خلاف ذلك تماماً، فما بين الألف المفتوحة والتاء المربوطة قصة صراع إيديولوجي ولغوي طويل، سنعرض لها بإيجاز مفرط في مقالنا التأصيلي ذا.
وللوقوف على حقيقة الفارق بين التاء والألف علينا أن نلفت عناية القارئ الكريم إلى أن للمسألة بعدين. بعد لغوي نحوي، وبعد قومي وإيديولوجي.
نحوياً، يتفق النحاة ـ إلا ما ندر ـ على وجوب رسم أسماء البلدان الأعجمية المؤنثة بالألف الطويلة، مثال: روسيا، إيطاليا، تركيا، آسيا، كيليكيا.. إلخ.
بينما يتعين كتابة أسماء البلدان العربية المؤنثة ذات النسق المشابه بالتاء المربوطة، مثال: رامية (بلدة من أعمال جبل عامل ـ لبنان)، قيسارية (بلدة من أعمال فلسطين المحتلة، أصل الاسم قيصرية، وهو أعجمي، لكنه معرَّب)، السلميَة (مدينة سورية)، وما دامت سورية مفردة عربية فمن باب أولى أن ترسم بتاء مربوطة لا بألف طويلة كما هو حال أسماء البلدان الأعجمية.
إيديولوجياً، منذ نهاية القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن المنصرم، دار نقاش عميق ومطول، بين رواد النهضة العربية وبين المتأثرين بطروحات المستشرقين، حول هوية سورية، وحول ما إذا كان اسمها عربياً أو أعجمياً. فبينما ادعى الفريق الثاني:
١ـ أن سورية ليست بلداً عربياً خالصاً، وإنما بلد متعدد القوميات، لا يصح أن نختزل مكوناته القومية بالهوية العربية.
٢ـ أن اسمها أصلاً ليس عربياً، وإنما يوناني وفي أحسن الأحوال آرامي ـ سرياني.
أصر الفريق الأول على عدم صحة ذلك، مشدداً على:
١ـ أن سورية بلد متعدد القوميات فعلاً، لكن غلبة العنصر العربي واضحة عليه، ولا شيء يدعو للشك حيال ذلك، ما يعني أنه بلد عربي قح.
٢ـ أن اسمها عربي محض، وهو يعني السور العالي، أو سور الإله.
فأين الحقيقة؟ وأي الرأيين أكثر صواباً؟وما الأدلة التي بحوزة الفريقين؟.
حقيقةً، لا يخلو الرأي الثاني من شيء من الصحة، فسورية بلد متعدد القوميات فعلاً، ولكنه ليس متعدد الهويات كما يتوهم أصحاب هذا الرأي. فنسبة العنصر العربي فيه تفوق نسب العناصر الأخرى مجتمعة، وبالتالي لا مجال للحديث عن تعدد هويات. إن هي إلا هوية واحدة. عربية لا غير. لكنها لا تصادر حق الأقليات الأخرى غير العربية في التعبير عن خصوصيتها.
ولإثبات وجهة نظرهم، يستحضر أصحاب هذا الرأي جملة من القرائن التي لا ترقى لمستوى الأدلة القطعية، نذكر منها:
١ـ إن ”سورية“ مفردة سريانية ـ آرامية، تعني بلاد السريان. وما دامت سريانية فهي أعجمية، وعليه فإن القاعدة النحوية آنفة الذكر لا تسري عليها.
واقعاً، لا شيء يثبت ما ذهب إليه هؤلاء بخصوص الأصل الآرامي السرياني لمفردة ”سورية“. فلو طالبت أياً منهم بمصدر يجلي الريب، لأهطعوا رؤوسهم (طأطأة رؤوسهم).
ببساطة، إن هي إلا تكهنات وتخمينات يحاول أصحابها أن يضفوا عليها بعداً أكاديمياً، لكن سرعان ما يبدو عُوارها عند أول امتحان.
فالسريان الذين ما تزال بقايا منهم تعيش في سورية ولبنان حتى اليوم، هم في الأصل آراميون وفدوا من بلاد ما بين النهرين، وقد اكتسبوا اسمهم الذي يعرفون به اليوم (السريان) من البلاد التي سكنوا فيها (سورية)، وليس العكس، كما يروج منظِّرو السرينة في بلاد الشام. فهم سريان نسبة إلى سورية، ونسبة الواحد منهم ”سرياني“.
وبالمناسبة، فإضافة الألف والنون والياء، بغرض النسبة هو أمر شائع في اللهجات الشامية، ومن ذلك قول القائل: ”مسلماني“ والتي تعني مسلم، وحمصاني نسبةً إلى مدينة حمص السورية، والديراني نسبة إلى دير الزور.. إلخ، وهي تواقع في صِيَغها صيغة ”سرياني“.
وقد أطلق عليهم الرومان هذا الاسم بعدما اعتنقوا المسيحية، وذلك بغرض تمييزهم عن أبناء عمومتهم الآراميين الذين بقوا على وثنيتهم.
٢ـ إن مدناً وقرى عربية كثيرة تنتهي أسماؤها بألف ممدودة، مثال: صيدا، طَليا، إيلْيا، بترا.. إلخ. أوليست هذه الأسماء عربية؟! ما دامت كذلك، فلماذا يصح تذييلها بالألف، بينما لا يصح ذلك مع اسم سورية؟! هل في الجغرافيا استنسابية؟!
ومقابل ذلك، يحتج أصحاب الرأي الأول بسلسلة موازية من الأدلة الدامغة، نأتي على ذكر أهمها:
١ـ إن مفردة سورية عربية خالصة، وقد وردت في أمهات مصادر التاريخ العربي، مربوطة التاء، وكذلك في المعاجم العربية قديمها وحديثها، وهي صفة تطلق على البلاد الواقعة شمال جزيرة العربية، ومعناها الأرض ذات السور.
ويكفي للدلالة على ذلك، الاستشهاد بما ورد في معجم البلدان لياقوت الحموي، وهو أحد المعاجم القديمة: ”سُورِيَة ــ بكسر الراء وياء مفتوحة غير مشدَّدة ـ موضع بالشام، بين خُنَاصرة وسَلَمْيَة“.
وكذلك ما جاء في القاموس الغني، وهو أحد المعاجم الحديثة، ”سُورِيَّة: مِنَ البُلْدانِ العَرَبِيَّةِ بِالشَّرْقِ الأَوْسَطِ. (الجُمْهورِيَّةُ العَرَبِيَّةُ السُّورِيَّةُ). عاصِمَتُها دِمَشْقُ“.
٢ـ لم يغب عن بال المشرعين السوريين ذلك، نظراً لأهميته، فخلفوا لنا نصاً دستورياً واضحاً لا لبس فيه، يشير إلى وجوب ربط تاء ”سورية“. وحسب الباحث عن الصواب أن يركن إلى ما جاء في الدستور السوري، فهو المعني الأول والأخير بكيفية رسم (كتابة) اسم البلد.
٣ـ ما ذهبت إليه جمهرة واسعة من لغويِّي سورية، من أن ”سورية“ بالياء المشددة أو الخفيفة هي صفة مؤنثة للقطر الشامي، وما دامت كذلك فلا بد من أن تنتهي بتاء مربوطة حالها حال كل الصفات المؤنثة. نقول ذلك، وإن كنا نعارض هذا المذهب ونعتبره اجتهاداً خطأً، فالصواب برأينا هو ما ذكرناه آنفاً، لجهة أن سورِيَة بالياء المخففة هي الموضع ذو السور العالي، أو سور الإله كما ورد في بعض المصادر التاريخية المعتبرة.
٤ـ إن مدناً مثل صيدا وإيليا وبترا وسواها، مما تنتهي أسماؤها بألف ممدودة، لا علاقة لها بحديثنا حول ألف سورية وتائها، لا من قريب ولا من بعيد.
فصحيح أنها أسماء مؤنثة منتهية بألف، لكنها في الأساس مهموزة الآخر (تنتهي بهمزة) وقد أهملت همزتها للتخفيف، وهذه خاصية شائعة جداً في اللغة العربية، فصيدا أصلها صيداء، وإيليا أصلها إيلياء، وبترا الأردنية أصلها بتراء.
ولا يقتصر حذف الهمزة من أواخر الكلمات للتخفيف على أسماء المدن الثلاث آنفة الذكر، بل يتعداها إلى كل كلمة منتهية بألف وهمزة على السطر، مثال: السما وأصلها السماء، والفنا وأصلها الفناء، والقضا وأصلها القضاء.. وهلم جراً.
بوسعنا أن نعرض لكل الآراء والاجتهادات والتخمينات التي طرحها الأكاديميون على مدى قرن ونيف من الزمن، بخصوص معنى اسم سورية، فنبدو كأننا نلقي محاضرة أمام جمع من الطلبة والمتخصصين، وهذا ما لا نتوخاه، لأن غايتنا ليست النقاش الأكاديمي، وإنما الوقوف على حقيقة الأمر، بعيداً عن الإسهاب والإطناب.
إن استغراقنا في عرض الآراء والآراء المقابلة، قد يوقع القارئ في دوامة من التفكير العبثي، وهو ما يجعله في نهاية الأمر عرضة لخطر العصف الفكري. لذا ومن باب الحرص على ألَّا يصاب القارئ بأعراض العصف الفكري، ارتأينا أن نعرض على عجالة للرأيين الأبرزين ونحسب أننا وفقنا في ذلك.
يبقى أن نشير إلى ما بلغ أسماعنا، قبل بضعة أيام، حول نية الجماعات المسلحة التي سيطرت على دمشق مؤخرًا اعتماد رسم (كتابة) جديد لاسم بلدهم، وذلك من باب النكاية للنظام السابق، والذي كان يتبنى الرسم المذيل بالتاء المربوطة بدلاً من الألف.
إن بلوغ هؤلاء هذا المبلغ من النكايات ـ فيما لو صح ما نُقل عنهم ـ لهو أمر يشير إلى ضِعة وصَغار، يعتريان نفوسهم، وإلى محدودية أفق منقطعة النظير. فإرساء التاء المربوطة من عدمها شأن علمي، ولا علاقة له بالمكايدات السياسية. نأمل أن يعي المعنيون ذلك، قبل أن تحل عليهم لعنة التاريخ والجغرافيا واللغة.