عمّان "العُمانية": يسعى كتاب "فهم الرواية" للكاتب الأردني حسين دعسة، إلى بلورة نظرية علمية نقدية في فهم ماهية الكتابة الإبداعية، لهذا يضع المؤلف مصطلح "الصورة النقدية" التي تتبع كل ما يخص قضايا النص السردي المعاصر، ساعيًا إلى فهم الأدوار المعرفية الجديدة للسرد الأدبي وارتباطه بأشكال السرديات الشعبية أو الاجتماعية المتوارثة.

يحاول دعسة في كتابه الصادر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، فهم جدل الكتابة وأسبابها من خلال شواهد متناقَلة فيما حولنا، عارضًا بعض الأفكار حول مصطلح "نقد النقد"، ومشيرًا إلى أن الانطلاق من هذا المصطلح يواجه طرقًا شتى للإحاطة به، فعلى الرغم من تعدد الدراسات التي كُتبت حوله إلا أننا بالكاد نعثر على إطار مستقر يحيط بهذا المفهوم إحاطة كاملة، حتى في محاولة تحديد النشأة الحقيقية له.

ويشير المؤلف إلى أن سؤال القراءة نفسه يرتبط جدليًّا بسؤال آخر عن الوعي بماهية الكتابة، فلا يمكن الإتيان بزوايا نظر نقدية غير مسبوقة ما لم يمتلك "القارئ المتفوق" وعيًا بماهية الكتابة نفسها.

وفي سياق متصل، يتناول دعسة تحليل رواية "البيريتا يكسب دائمًا" للروائي التونسي كمال الرياحي، ويرى أنها مثيرة للجدل وتنحاز إلى متغيرات السرد الجديد، حيث يجمع الرياحي فيها بين القص والتخييل البوليسي، ويواصل ثورته على المضامين والأشكال ولغة السرد والحبكات التقليدية للرواية.

ويتناول دعسة رواية "كلب الحراسة الحزين" للكاتبة الفلسطينية صونيا خضر، والتي تدور في ثلاثة أزمنة متتالية، وتؤشر إلى شخصية نسائية مؤثرة تملك دار أزياء عالمية، بدأت صعود سلّم المجد بعد نقطة التحول التي حاولت من خلالها مواجهة ذاتها والمضي نحو تحقيق حلمها مقابل أن تتخفف من ذاكرتها وجذورها، وهي بذلك تطرح جوانب فلسفية تدور حول الشك والخوف ونهاية العالم.

أما رواية "فلنصرع الفقراء" للكاتبة البنغالية شيمونا سينها، فيرى دعسة أنها تؤشر على موضوع استبدال الهوية بأخرى، ما دام أن الأعراف والتقاليد مترسبة في شخصية المغترب. والمتأمل لصورة المغترب في الروايات الغربية يدرك تصاعد المخاوف لدى الوافدين، حيث تتناول الرواية تجربة طالبي اللجوء وما يصبو إليه هؤلاء من الحصول على صفة المواطنة، إلى جانب معاناتهم الحياتية.

أفرد المؤلف في الفصل الأول من الكتاب مساحة عرضَ فيها نماذج نقدية حول أعمال سردية عدة، لتصبح هذه النماذج النقدية منصة انطلاق لمحاورتها وتحليلها ونقدها، واختار دعسة كتابات نقدية حول روايات "أوراق هارون" للكاتب الأردني عامر طهبوب، و"حارسة الموتى" للكاتبة المصرية عزة ذياب، و"حكايات طرح النهر" للكاتب المصري سيد نجم، ملقيًا الضوء على أهمية الزمن الذي يعد مكونًا رئيسًا من مكونات السرد؛ إذ ينهض بتنظيم السرد تنظيمًا محكيًّا ليكسب الروائي القدرة على تشييد الشخصيات الواقعية والمتخيلة وصناعتها، تلك التي تتحرك في الفضاء وفي حلقات زمنية تتسم بوجود قوانين وتقنيات تؤثر في مجرى الأحداث.

وفي الفصل الثاني "جدلية السرد والسارد"، يرى دعسة أن البنية الدلالية للخطاب السردي تتشكل من نسيج الرؤى التي تصدر عن الشخصيات بوصفها فواعل في بنية الخطاب، أما تركيب الخطاب فهو نسيج العلاقات بين عناصره الفنية.

ويوضح أنّ أيّ نص سردي لا بد أن يتألف نسيجه من مستويين: مستوى الأقوال، وهو نظام الكلمات المكتوبة التي تؤلف سطح النص؛ ومستوى الأفعال، وهو نظام العالم المترشح عن مستوى الأقوال، وهو هنا باطن النص المتألف من نظام أفعال الشخصيات والإطار الزماني والمكاني.

وتناول الفصل الثالث تجربة نجيب محفوظ التي استمرت زهاء سبعين عامًا من الإنجاز، حيث كتب محفوظ عشرات الروايات التي يدور أغلبها حول الحياة في أحياء القاهرة الشعبية، وعكست مؤلفاته الحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، ومنها خرجت روائع الأعمال السينمائية والتلفزيونية مثل: "اللص والكلاب"، و"زقاق المدق"، و"بين القصرين".

ويتتبع الباحث عبر هذا الفصل تحولات وأشكالًا أدبية لا يمكن وضعها أو فهم مكنوناتها بعيدًا عما قادنا إليه عالم الفن والأدب البشري للّعب مع الكائنات التي تعيش في رواية، وتعيش أولًا في ذات المبدع وتنفصل تدريجيًّا لتأخذ أمكنتها في سياق حياتنا.

أما الفصل الرابع فيركز على "فهم تاريخية الأثر لسرديات الخليج العربي"، ويرى الباحث فيه أنه على الرغم من أن التجربة الخليجية حديثة المولد إلّا أنها أفرزت عددًا من الروائيين الذين تركوا بصماتهم ومثلوا إضافة نوعية بأساليبها ومضامينها، فظهرت العديد من الأسماء التي يشار إليها بالبنان منهم: عبد الرحمن منيف، وتركي الحمد، ورجاء العالم، وفهد إسماعيل، وليلى عثمان.

ويوضح دعسة أن الروائية العُمانية جوخة الحارثية قدمت سردًا نابضًا خليجيًّا في الحكاية وفي مكنون السرد، وهي تحمل ملامح الابتكار والتطور والحداثة وتؤكد أن المرأة حملت الرواية بوعي إلى آفاق جديدة.

وخُصص الفصل الخامس لتحولات الكتابة في العالم الرقمي، ويرى دعسة فيه أن مصطلحات عدة شاعت في الأدبيات الحديثة تحيل إلى نمط جديد من الكتابة التي تولدت نتيجة التطور الذي حدث في مجال التكنولوجيا، إلا أنها لا تزال تعاني الكثير من الخلط والاضطراب بسبب عدم اهتمام المنظّرين العرب بالكتابة الرقمية وتحديد دلالة المصطلحات الجديدة وضبط حدودها، مستثنيًا من ذلك عددًا من الباحثين منهم: فاطمة البريكي، وزهور كرام، وسعيد يقطين الذي يمكن عدّه أبرز منظري الكتابة الرقمية والنص المترابط في العالم العربي.

وفي الفصل السادس يتناول دعسة مجموعة من الروايات التي قاربت التاريخ والأسطورة، مثل روايتي "هاتف من الأندلس" لعلي الجارم و"موجيتوس" لمنير عتيبة، ويرى أنّ هذه الروايات رسمت شخصيات مهمة في عالم الرواية متعدد الطبقات، أما الفصل السابع فيعرج على تجربة الروائية الأردنية فادية الفقير.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

إفيه يكتبه روبير الفارس: "نظرية شيبوب"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

قدم الفنان الجميل سعيد أبو بكر شخصية "شيبوب" في فيلم "عنتر ابن شداد" بطولة فريد شوقي وكوكا، وإخراج نيازي مصطفى عام 1961. وشخصية شيبوب هي شخصية ظريفة لمساعد البطل الذي يتمتع بخفة ظل، شخصية محببة للمشاهد ومعاونة في تصاعد الأحداث. ولكن هذه الشخصية حملت طيات ومواقف عجيبة ومتناقضة تجعلها مادة خام لنستخدمها في إسقاطات تناسب أيامنا وأوجاعنا ووقائع لا تخلو من العجب وتثير الاندهاش والبكاء معًا.

"شيبوب" يا سادة، يتجلى كظاهرة حياتية في نماذج بشرية عديدة تجدها تحيط بك وتكتم أنفاسك، بل وتثير شهيتك للضحك الأسود، فهو معبر عن شلة من أنصاف المتعلمين، بل ورجال دين كثيرين. يتفقون معه في نظريته الغريبة غير المنطقية لأنهم أعداء للمنطق والعقلانية، وكيف ذلك؟ لم يكن شيبوب في الفيلم "أعمى أو أعور"، ومع ذلك عندما يجد فتاة جميلة يغازلها طارحًا عليها نظريته قائلًا: “إنتي تقلعي لي عين وأنا أقلع لك عين ونعيش عور إحنا الاثنين”، ولماذا يا شيبوب؟ فقد خلقك الله كامل النظر والرؤية، فلماذا تختار أن تكون أعور؟ يبدو أن "العوار" أمر عقلي يريح المرء في رؤية الحياة بعين واحدة، فتجده يسقط في الجزئيات دون الكليات، ولا يمكن أن يكون صورة كاملة. وبالعين الواحدة يبتر السطور من الروايات والكتب والمشاهد والأفكار، بل ويبتر الأشخاص. ويتقمص شخصية القرصان الذي يقتنص بعينه الواحدة الفريسة التي يراها، إنها نظرية مريحة لشخص يمجد وحدانية خربة، يعلمها رجل دين حيث يقلعون عينك بتعاليمهم العوراء، يقدمون "الخرافة لا العلم"، "الدروشة لا العقلانية"، "الموروث لا المدروس ولا المفحوص". فمنظورهم الأعور يتم الحكم به على الأشياء والأشخاص والأفعال، وعندما تطلب من أتباعهم أن يفتح كلا عينيه على الآخر، يرفض، إنه مثل شيبوب تمامًا، يريد أن يرى الكل مثله، يقرأ فقط ما يقرأه ويفهمه على طريقته،. يجد في الهزيمة نصرًا، وفي الإرهاب بطولة، وفي التعدد بدعة وهرطقة وزندقة للأسف، نظرية شيبوب ودعوته لنعيش عور تجد صدى وترحابًا كبيرًا في مجتمعاتنا ومؤسساتنا الكثيرة، رغم هزليتها الشديدة.

"شيبوب" أيضًا صوته عالٍ، فيعلن عن نظريته وحضوره بصوت مجلجل رنان. ودون خجل أو تردد، إنها ثقة الجاهل المرعبة. وهكذا صوت الجهلاء عالٍ لأنه جزء من خطتهم لنشر أفكارهم. وتجد الجاهل ينتصر بصوته لا بمنطقه في أي حوار أو مناظرة. ولعن الله من جعل الميكروفون، بأشكاله المختلفة من إعلام وسوشيال ميديا، سلاحًا في يد المتسلطين ليصل صوتهم النشاز بالإكراه حتى لمن يرفضهم.

وطوال الفيلم، يبرع "شيبوب" في سرقة الكاميرا بخفة دمه ونكاته المستمرة، وبهذه النكات وخفة الدم يتسلل للمشاهدين، وهكذا تجد له أتباعًا كثيرين يوظفون خفة دمهم لدس أفكارهم المسمومة، ويجذبون الجماهير العريضة المأخوذة بسحر الفكاهة رغم مرارة واقعهم.

كذلك، تجد "شيبوب" على عكس شخصية "عنتر"، رغم أنه شقيقه، لا يهتم بحريته، بل يخضع لعبوديته خانعًا وراضيًا، بل وسعيدًا، والأهم عنده هو أكل “الدشيشة والبسيسة والهريسة”، وتجد أتباعه يخطبون فيك محببين عبوديتك لسلطانهم السماوي، مدافعين عن تقبيل يدهم والسجود لقدمهم، يعظون باستمرار عن عظمة الفقر والزهد والنسك والتقشف، و"كروشهم" ممتدة أمامهم فتحجب الرؤية، وإذا عدت لهذه الخطب والعظات تجدها صدى لنظرية شيبوب: "نعيش عور".

إفيه قبل الوداع"الجبان والحب"، اسم فيلم لحسن يوسف وشمس الباروديالحب لا يجتمع مع الجبن... الحب قوة وشجاعة، لذلك الجبان لا يسقط في الحب مهما ادعى ذلك
 

مقالات مشابهة

  • إفيه يكتبه روبير الفارس: "نظرية شيبوب"
  • شهادة بفائدة 35% وورقة نقدية فئة 200 جنيه.. واستخدام الرقيب للنصب على العملاء 
  • صراع الإبداع .. هل يهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل الكتابة الأدبية؟
  • وزير الخارجية: العمل الدبلوماسي فعال لمواجهة التحديات التي يشهدها العالم
  • اختتام تظاهرة الأيام الإبداعية الإفريقية لعام 2024
  • متحدث الري: أسبوع القاهرة للمياه ناقش أبرز التحديات والمخاطر التي تواجه العالم
  • استعدادات مكثفة لاتحاد كرة السرعة قبل إقامة بطولة العالم التي تستضيفها مصر
  • شاهد الصورة التي “أذهلت” العالم.. القائد “يحيى السنوار” قبل لحظات من استشهاده
  • بوتين: مجموعة البريكس هي التي ستدعم النمو الاقتصادي في العالم