سلط تقرير لصحيفة "فايننشال تايمز" الضوء على أزمة تضاف إلى معاناة اللبنانيين اليوم، بعد وصول النازحين من المناطق الجنوبية من البلاد بسبب الضربات الإسرائيلية، ما يثير المخاوف من عودة العنف بين الطوائف.

وفي قلب بيروت، حيث يلتقي الغرب ذو الأغلبية المسلمة بالشرق ذي الأغلبية المسيحية، يقف الأب أنطوان عساف في كنيسة مار الياس القنطري ويحث أبناء رعيته القلقين على أن يكونوا لطفاء مع جيرانهم، إذ أنه يعلم أن هذه الرسالة مهمة أكثر من أي وقت مضى، حسب التقرير.


عنف طائفي خارج كنيسته الهادئة، كارثة صاخبة وفوضوية، فأكثر من مليون شخص يفرون من الحرب بين إسرائيل وجماعة حزب الله، حيث تهدد حملة القصف الإسرائيلية التوازن الدقيق بين الجماعات الدينية الرئيسية الثلاث في لبنان.
وكان عساف، وهو كاهن ماروني، 60 عاماً، قد شهد تدمير لبنان تقريباً بسبب العنف الطائفي من قبل، أين أدت الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاماً، والتي انتهت في 1990، إلى تقسيم البلاد وعاصمتها على أسس دينية.

Beirut divided: Israeli strikes fuel Lebanon’s sectarian tensions https://t.co/cdHLcbS6az

— Middle East & Africa (@FTMidEastAfrica) October 21, 2024 وفي العقود المواليية، تحول أمراء تلك الحرب إلى قادة سياسيين وصلّبوا مجتمعاتهم ضد بعضها البعض، حسب الصحيفة.
عساف الآن يراقب الحملة العسكرية الإسرائيلية التي تدفع العائلات الشيعية من منازلها إلى المناطق ذات الأغلبية المسيحية والسنية، ما يضاعف المعاناة القديمة ويثير المخاوف من العنف الطائفي في بلد صغير مليء بالأسلحة.
يقول الكاهن للصحيفة: "كل يوم أحد، أدفع الناس للمساعدة والترحيب ببعضهم البعض". ولكن مع القصف الذي أعقب وصول النازحين، وضرب إسرائيل وسط بيروت وعمق معاقل المسيحيين والسنة، يدعو عساف أيضاً طائفته للحذر. حذر شديد يضيف عساف "يجب أن يساعدوا بعضهم البعض والآخرين، مع الأخذ في الاعتبار أن علينا أن نكون حذرين. إذا كنا نعيش قرب غريب، يجب أن نكون على دراية بوضعه، وإن كان مسؤولاً في حزب الله أم لا".
لا يلوم عساف العائلات الشيعية الفارة، مثل العديد من اللبنانيين، حيث يرى أن توسيع الضربات الجوية الإسرائيلية سياسة متعمدة لتحريض شعبه على بعضه البعض.

‘There’s no state. There’s also no police [and] not enough army around, so people will take the law into their own hands.Beirut feels lawless.’ How Israel and Hizbollah’s war is fuelling Lebanon’s sectarian tensions https://t.co/zlJipxAKBw pic.twitter.com/JT0DBvorJz

— Financial Times (@FT) October 21, 2024 وقال سامي عطا الله، مدير مؤسسة "مبادرة السياسة" في بيروت: "يحاول الإسرائيليون جعل الشعب اللبناني ينقلب على الطائفة الشيعية. يشعر المجتمع الشيعي بالعزلة حقاً. إذ أن ضربهم في المناطق المسيحية قد يصل إلى حرب أهلية".
ولتعزيز هذه الشكوك، طلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هذا الشهر من الشعب اللبناني أن ينتفض ضد حزب الله أو يواجه "حرباً طويلة ستؤدي إلى الدمار والمعاناة كما نراه في غزة".

سخر معظم اللبنانيين من دعوة نتانياهو لحمل السلاح. وقالت مصففة الشعر آن ماري، 36 عاماً: "إنه يعتقد أننا رخيصون جداً لدرجة أننا سنفعل ما يخبرنا به". لسنا مع هذا ولا ذاك إنها تكره الجماعة الشيعية المسلحة، كما تقول للصحيفة، ولكن "إذا كنت لا أحب حزب الله، فهذا لا يعني أني أحب إسرائيل. هذا لا يعني أنني سأقف إلى جانب عدوي ضد إخواني اللبنانيين".

In my latest piece, I explore how the assassination of sectarian leaders in Lebanon has historically triggered instability and why the recent killing of Nasrallah is likely to have a similar impact. @XCEPT_Research @warstudies https://t.co/EiL4o38Y1Y
via @ConversationUK

— Mohamad El Kari (@mohamadelkari) October 16, 2024 بعد عام من الحرب بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران، أجبرت حملة جوية إسرائيلية عنيفة، وغزو بري هذا الشهر أكثر من مليون شخص على النزوح من منازلهم. وفر آلاف من الضواحي الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان وأجزاء من سهل البقاع الشرقي، وكلها مناطق ذات أغلبية شيعية يسيطر عليها حزب الله.

وعلى المدى الطويل، احتشدت العائلات الشيعية في بيروت الغربية، التي تحتقر أغلبيتها السنية حزب الله. إنهم يلومونه على اغتيال الزعيم السني المحبوب ورئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 2005، ويتذكرون مسلحي حزب الله الذين اجتاحوا بيروت الغربية في 2008.

Israel’s bombardment of Hezbollah’s south Beirut stronghold has forced tens of thousands to flee to the capital, but many in divided Lebanon view the newcomers with suspicion, worried they might also become targets.https://t.co/aDJk79QMTd

— Punch Newspapers (@MobilePunch) October 8, 2024 معظم الملاجئ الحكومية ممتلئ، لذلك ينام الناس على مراتب ممزقة على طول الواجهة البحرية الخلابة لبيروت الغربية. يعيش البعض في النوادي الليلية التي تحولت إاى ملاجئ ويُحشر آخرون في شقق ضيقة، والبعض يعيش في السيارات المتوقفة ما يتسبب في ازدحام لا نهاية له. في الحمرا، وهي مركز تجاري رئيسي وسط بيروت، يقول السكان إنهم غارقون بسبب الوافدين الجدد. لا نشعر بالأمان

قال صاحب متجر هاشم، 56 عاماً: "أشعر بالأسف عليهم، أنا أفعل ذلك حقاً.. لكني لا أشعر أني آمن في هذا الشارع بعد الآن.. هناك الآن رجال يتسكعون طوال النهار وطوال الليل، ويدخنون الشيشة. لا نعرف من هم، وهذا الأمر يخيف زبائني".
ومثل الآخرين، يخشى هاشم أن ينهار القانون والنظام. حيث اقتحم النازحون اليائسون عدة مبان فارغة وأقاموا مخيمات فيها، ما دفع أصحابها  إلى توظيف حراس أمن. وأقام آخرون الأسلاك الشائكة حولها، في حين لجأ بعضهم الآخر إلى هدم المباني بالجملة.
وقال هاشم: "نعلم أنه لا توجد دولة، ولكن لا توجد أيضاً شرطة، ولا يوجد جيش كاف حولها، لذلك سيطبق الناس القانون بأيديهم.. بيروت تشعر بانعدام القانون"

https://x.com/AFP/status/1843522063186964673
في الأسبوع الماضي، قبض على لصوص يسرقون من منازل خالية في الغبيري، وهي منطقة ذات أغلبية شيعية في جنوب بيروت. وتعرض المشتبهون للضرب، وعصبت أعينهم وربطوا وعلقت لافتات كتب عليها "لص" حول أعناقهم.
تتشابك الأعصاب مع توحيد المدينة بسبب التوتر الناجم عن صوت الأزيز المستمر للطائرات الإسرائيلية دون طيار، والطائرات الحربية التي تكسر حاجز الصوت، والضربات الجوية المستمرة.
لكن بيروت منقسمة على طول خطوط الحرب الأهلية القديمة، حيث يتجنب اللاجئون الداخليون الأغلبية المسيحية في الشرق. على النقيض من بيروت الغربية المزدحمة، فإن الشرق أكثر هدوءاً من المعتاد. لقد ذهبت العديد من العائلات الثرية إلى الجبال، أو غادرت لبنان، غير راغبة في حرب يشعر الكثيرون أن لا دوراً لهم فيها، ويلومون حزب الله وقاعدته على الدفاع عنها.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية بيروت إسرائيل وجماعة حزب الله لبنان إسرائيل وحزب الله لبنان بيروت بیروت الغربیة حزب الله

إقرأ أيضاً:

الاستخبارات الغربية ودورها المحوري في الحرب: شراكة كاملة مع آلة القتل الإسرائيلية

يمانيون – متابعات
لعبت الاستخبارات الغربية دوراً مفصلياً في الحرب على غزة ولبنان، سواء في عمليات محاولة تحرير الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة، أو في الهجمات المعقدة التي استهدفت المقاومة الإسلامية في لبنان خلال الأشهر الفائتة، ولا سيما في الاغتيالات التي نفذها سلاح الجو في “جيش” الاحتلال الإسرائيلي وأدّت إلى استشهاد عدد من القيادات الأساسية في المقاومة أبرزهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.

وقد تأكد دور الاستخبارات الغربية في الحرب من خلال عدد من التصريحات التي أدلى بها مسؤولون غربيون عقب بعض هذه الهجمات، وتبنوا فيها إلى حد كبير المساهمة في العمل الاستخباري الذي أدّى إلى تنفيذ عدد من الضربات ضد أهداف حساسة المقاومة في لبنان.

إذ نقلت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية عن مسؤول أميركي، عقب الضربة التي شنها الاحتلال في الضاحية الجنوبية وأدت إلى استشهاد القائد الجهادي في حزب الله فؤاد شكر، وبعد ردّ المقاومة عبر استهداف قاعدة غاليلوت، أن الولايات المتحدة “قدمت مساعدة استخباراتية للضربة التي وجهتها إسرائيل ضد حزب الله”.

ولكن هذه التصريحات وغيرها شكلت “الرأس الظاهر” من جبل الجليد، فقط أكّدت العديد من الهجمات الأمنية التي تتالت ما صدر من التصريحات والتحليلات، بأنّ المقاومة في لبنان وطوال السنوات الماضية، لم تكن تتعامل ضدّ جهة استخبارية واحدة، بل ضدّ عدد غير مسبوق من أجهزة الاستخبارات التي تعاونت لمحاولة القضاء على قدراتها. وقياداتها، بالإضافة إلى تقنيات غير مسبوقة في أعمال التفخيخ وعبر استعمال تكنولوجيا مدنية توجب القوانين الدولية أن تبقى بعيدة عن أي استعمال هجومي قد يحمل أخطاراً كبيرة ضد المدنيين.

القدرات الاستخبارية الإسرائيلية غير كافية

وأشار بريت ماكغورك، مستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، في أكثر من مقابلة عقب تصعيد العدوان الإسرائيلي ضد لبنان، ولا سيما بعد موجة الاغتيالات والتفجيرات، إلى أنّ الولايات المتحدة الأميركية هي المسؤولة الرئيسية عن حرب الاستخبارات التي سمحت للعدو الإسرائيلي بالقيام بالاستهدافات الدقيقة لشخصيات قيادية في المقاومة.

وفي مقابلة تلفزيونية الشهر الفائت، أكّد ماكغورك أنّ القدرات الاستخبارية الإسرائيلية “غير كافية لتحقيق المستوى الذي كان ضرورياً للوصول إلى قيادات المقاومة بهذه الطريقة”. وأشار ماكغورك إلى أنّ “الولايات المتحدة فقط هي القادرة على استعمال تقنيات معقدة كمراقبة شاملة للبصمات الصوتية”، بالإضافة إلى بصمة الوجه واستعمال تقنيات مراقبة جوية غير تقليدية عبر الأقمار الصناعية للوصول إلى جمع معلومات كافية للقيام بعمل من هذا النوع.

فشل استخباري أمام المقاومة الفلسطينية

كما يشير الفشل الاستخباري الكبير الذي لحق بالاحتلال و”جيشه” في السابع من أكتوبر 2023 وما بعده إلى أنّ العدو الإسرائيلي ليس بمستوى القدرة على القيام برقابة شاملة وتحقيق خرق أمني واسع على نطاق واسع، حتى على نطاق قطاع غزة المحاصر والواقع بكامله في قلب الجغرافيا الفلسطينية المحتلة وضمن مجال عمل أعقد التقنيات الإسرائيلية في التجسس والتتبع والرصد والاستطلاع.

إذ إنّ جهازاً لم يكن قادراً على توقع هجوم بحجم طوفان الأقصى، اشترك فيه آلاف المقاومين وتخلله بطبيعة الحال جهوزية ميدانية واسعة وتحشدات وتجمعات ونقل لأسلحة وذخائر وآليات بالإضافة إلى اتصالات وتداول معلومات وخطط وربط تشكيلات قتالية ببعضها البعض، الأولى به أن لا يكون قادراً على القيام بذلك ضدّ عدوّ أكبر وأبعد وأكثر تعقيداً على مستوى الهيكليات والتشكيلات وأنواع الأسلحة والقدرات والامتداد الجغرافي وخطوط الإمداد، كحزب الله.

وعلى الرغم من أنّ الإسرائيليين ادّعوا لاحقاً أنّ الفشل كان سببه التركيز على الجبهة الشمالية، فإنّ أداء أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية المختلفة من “موساد” و”أمان” و”شاباك” بعد 7 أكتوبر لم يبرهن ذلك، بل أثبت أنّ قادة المقاومة الفلسطينية صمدوا لفترات طويلة نسبياً في بيئة قتالية أصعب من لبنان بكثير، وأمام اجتياح لأرضهم وتركيز لجهود غير مسبوقة على اكتشاف أماكن تحصّن أو تخفي قيادات المقاومة الفلسطينية وصواريخها البعيدة المدى وأماكن احتجاز الأسرى.

ولم يتمكن الاحتلال من اغتيال المطلوب الأول له، والمسؤول المباشر عن عملية طوفان الأقصى، رئيس حركة حماس يحيى السنوار، إلا بعد أكثر من عام على ملاحقته، ومن دون أن يكون ذلك مبنياً على معلومات استخبارية بل عن طريق الصدفة خلال اشتباك في رفح تخلله قصف مدفعي.

كما لم ينجح الاحتلال في تحرير سوى عدد بسيط جداً من الأسرى الإسرائيليين، وفشل في الوصول إلى أي معلومات مرتبطة بأماكن احتجازهم أو دفن من مات منهم حتى الآن، فيما تمكنت القسام من استهداف تل أبيب بالصواريخ بنجاح في الذكرى السنوية الأولى لطوفان الأقصى، برغم كل المزاعم الإسرائيلية عن تدمير قدرات المقاومة الصاروخية.

الغرب والجماعات التكفيرية.. شراكة في العمل ضد المقاومة

كذلك أشار عدد من التقارير الغربية إلى أنّ أجهزة الاستخبارات العالمية، وبخاصة الاستخبارات الأميركية والبريطانية، عملت على استغلال الحرب على سوريا والتهديد الذي شكّلته الجماعات التكفيرية الإرهابية المدعومة من الغرب لحزب الله ولبنان، من أجل مراقبة الأعمال العسكرية الذي شنّها حزب الله ضد الجماعات المسلحة والتنظيمات الإرهابية بدءاً من معركة القصير عام 2013 وهجوم الغوطة الشرقية وصولاً إلى معارك حلب وأطراف إدلب ودير الزور والبوكمال.

وأكّدت التقرير المنشورة أنّ هذه الحرب شكّلت فرصة للاستخبارات الغربية، وقدراتها الواسعة في الرصد والتتبع والتحليل، لدراسة الميدان السوري والعراقي وفهم هيكليات وأساليب عمل المقاومة الإسلامية في لبنان، ونقلها إلى الإسرائيلي ليبني عليها فهمه لحزب الله وخططه في الحرب ضده، بعد أن أظهر الإسرائيلي عجزاً كبيراً في معرفة المقاومة عام 2006 أدّت إلى ما وصفه تقرير في “فورين بوليسي” بشكل موجز بأنه “سلسلة من التعثرات والمفاجآت انتهت بضربة كبيرة للقيادة السياسية والعسكرية والأمنية وتقاذف للمسؤوليات والاتهامات”.

“إسرائيل” بلا خطوط حمراء أميركية

من جهتها، استمرت الإدارة الأميركية في ادّعاء دور توسّطي بشأن التصعيد على الجبهة بين لبنان وفلسطين المحتلة طيلة الأشهر التي سبقت توسع العدوان. وقد وصل هذا الدور المزعوم إلى حدّه بعد اغتيال “إسرائيل” للقيادي الكبير في حزب الله الشهيد فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية في تموز/يوليو الماضي، والذي جاء عقب ما أشار إليه مسؤولون لبنانيون لاحقاً من “ضمانات وتطمينات” قدّمها الأميركي للبنان بأنّ العدو الإسرائيلي لن يقدم على قصف الضاحية الجنوبية لبيروت.

وقد ألمح قادة في المقاومة لاحقاً، وأبرزهم الأمين العام لحزب الله الشهيد السيد حسن نصرالله، إلى أنّ الأميركي مارس خداعاً ممنهجاً للبنان حكومةً ومسؤولين لمحاولة استدراج قادة المقاومة إلى خارج أماكن يتحصنون فيها في الضاحية تسهيلاً لاستهدافهم، ما يكشف بالتالي التعاون الاستخباري والعملياتي بين الولايات المتحدة، بأجهزتها السياسية والدبلوماسية والإعلامية وليس فقط العسكرية والأمنية، وآلة القتل الإسرائيلية.

واشنطن تراهن على العدوان الإسرائيلي

ومنذ أسبوعين، ذكر تقرير في موقع “بوليتيكو” الأميركي بصراحة أنّ الإدارة الأميركية تؤيد بقوة المسار الإسرائيلي الجديد في الشرق الأوسط، وتصفه بأنه “يصنع تاريخ المنطقة”، وأنّ كلّ دورها هو ممارسة “ضبط ورقابة” على الممارسة الإسرائيلية لخطط العدوان العسكري والأمني الواسع ضد لبنان، لضمان نجاحه بأقل أضرار ممكنة، بالإضافة إلى استمرار الحرب على غزة.

وأكّد التقرير في “بوليتيكو” أنّ “(عاموس) هوكشتاين وماكغورك وغيرهم من كبار مسؤولي الأمن القومي في الولايات المتحدة معجبون بشدة بما تقوم به إسرائيل ويعتقدون أنه سيغير وجه الشرق الأوسط للأفضل في السنوات المقبلة”، في ما يفهم على أنه رهان على ضرب محور المقاومة وحضوره في المنطقة، ومواجهة إيران وقطع دعمها لحركات التحرر والمقاومة في البلدان العربية والإسلامية.

ورغم استمرار الولايات المتحدة بالحديث عن أنها تضع خطوطاً حمراء أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي ونواياه العدوانية تجاه لبنان وشعبه ومقاومته، ولكن ينقل التقرير عن مسؤول أميركي كبير أنّه “من غير الواضح أين يقع هذا الخط الأحمر بالتحديد”، إن وجد بالأصل.

المصالح الأميركية في المنطقة والعالم: “إسرائيل” أولاً

تقف الولايات المتحدة اليوم أمام تحديات كبرى على مستوى العالم، في وجه روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران ودول في أميركا الجنوبية وأفريقيا وغير ذلك. ويعتبر التهديد الذي يمثله حزب الله لكيان الاحتلال الإسرائيلي، والذي صنّفه الاحتلال في أكثر من تقدير استراتيجي بأنه “خطر وجودي”، خطراً ضد المصالح الأميركية في المنطقة بالدرجة الأولى، لأنّ “إسرائيل” بحد ذاتها هي المصلحة الأميركية الأكبر في المنطقة، وراعية وضامنة استمرار المصالح الأخرى المرتبطة بنهب الثروات الطبيعية ومنع الشعوب من الاستفادة منها.

الأساطيل البحرية الأميركية للدفاع عن”إسرائيل”

وقد عبّرت واشنطن صراحة عشرات المرات خلال العام السابق عن التزامها الدفاعي المبدئي تجاه أمن “إسرائيل” وفي وجه أي هجمات ضدها من قبل حزب الله أو إيران، وثبتته بقرار تاريخي بإرسال مجموعة حاملة الطائرات “فورد” إلى قبالة السواحل اللبنانية في الأيام الأولى ما بعد طوفان الأقصى، تبعتها “روزفلت” و”أيزنهاور” ثم “لنكولن” واليوم يتحدث الأميركيون عن إرسال مجموعة حاملة الطائرات “ترومان” بموازاة التصعيد مع إيران.

وقد عملت كذلك على محاولة التصدي بشكل مستمر لهجمات اليمن الصاروخية ضد كيان الاحتلال، على الرغم من ما يتضمنه ذلك من تضحية بقدرات صاروخية مكلفة واستراتيجية، في وقت تقترب فيه الحرب في أوكرانيا من عامها الثالث وتبرز فيه الحاجة الغربية والأوكرانية إلى معترضات للصواريخ الروسية.

كما شكل التحالف الأميركي ضد اليمن وعملياته في البحر الأحمر سبباً آخر لإظهار مدى الجموح الأميركي في دعم “إسرائيل” ولو على حساب بعض مصالح واشنطن، فقد أدى التصعيد الذي جلبه الحضور الأميركي العسكري في البحر الأحمر إلى شبه إغلاق لمسار سفن الشحن في البحر الأحمر بشكل عام، وهو إغلاق لم يفرضه اليمن، الذي أكّد أنّ الاستهدافات هي فقط للسفن الإسرائيلية والمرتبطة بـ”إسرائيل”.

سمعة الصناعات الغربية في مهبّ ريح “نتنياهو”

كذلك فإنّ استعمال الاحتلال للتقنيات المدنية في استهداف “حزب الله” عبر تفخيخ أجهزة البايجر لم تكن لتمرّ من دون إذن الولايات المتحدة، التي ستتأثر بشكل كبير بأي ضربة لموثوقية الصناعات التقنية الغربية وسلاسل التوريد، والتي لم تقم بأي ردّ فعل استنكاري على هذا الهجوم.

إذ تركت احتمالية أن تكون البضائع الغربية في السوق العالمية قنابل موقوتة، آثاراً بعيدة المدى على الثقة العالمية بالصناعات الغربية حتى المدنية منها. ولا يخفى أن الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية هي أبرز ما تصدّره الولايات المتحدة إلى العالم، وهي بضائع تقوم بشكل أساسي على موثوقية المصادر وسلاسل التوريد.

وبالتالي، يظهر كيف أنّ الدور الغربي ولا سيما الدور الاستخباري عبر الرصد والاستطلاع والتحليل المعمق للمعلومات الأمنية من جهات عالمية مختلفة، ساهم بشكل كبير في أن يكون العدو الإسرائيلي اليوم قادراً على الظهور بمظهر القادر على تنفيذ اختراقات أمنية واسعة للمقاومة، وبهدف أبعد من النتائج المباشرة لأعماله الأمنية، عبر محاولة إفقاد بيئة المقاومة القريبة والبعيدة شعورها بأمنها وسريتها، وإشعارها بالانكشاف الأمني أمام العدو في محاولة لكسر إرادتها.

ولكن هذا الدور الذي أراده العدو لعدوانه الأمني الواسع في بداية الحرب أحبطته المقاومة وجمهورها حتى الآن، وبات كثر من الخبراء الغربيين بل والإسرائيليين أنفسهم يصرّحون باعتقادهم بأنه وصل إلى حدّه، بعد أن استنفد الاحتلال بنك أهدافه الذي جمعه بمساعدة الاستخبارات الغربية، وبعد عودة المقاومة خلال الأسبوعين الأخيرين إلى العمل بفعالية تصاعدية ضد العدو، كاشفةً عن استعادتها لهيكلياتها التنظيمية، وتعافي غرفة عملياتها ومنظومة القيادة والسيطرة لديها، واحتفاظها بقدراتها الاستراتيجية والفتاكة، التي توّجتها عملية استهداف منزل رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو صباح اليوم.
———————————–
– الميادين نت

مقالات مشابهة

  • إيران وإسرائيل نحو حرب الفناء عبر تسع مراحل
  • «حزب الله» يواصل قصف المواقع الإسرائيلية و«نتنياهو» يضع شروط لوقف الحرب
  • هوكستين: إدارة بايدن تتطلع لضمان أن يكون هذا الصراع الأخير في لبنان لأجيال قادمة
  • المبعوث الأميركي: لا يجب ربط مصير لبنان بصراعات أخرى
  • تقريير دولي حديث يكشف وضع ميناء الحديدة بعد الضربات الإسرائيلية
  • "أبنية مدمرة وشوارع تفتقد زحمتها".. ضاحية بيروت الجنوبية تحت وابل الغارات الإسرائيلية
  • الضربات الإسرائيلية تلقى بظلالها على الحديدة.. الحوثيون في حالة تأهب
  • الاستخبارات الغربية ودورها المحوري في الحرب: شراكة كاملة مع آلة القتل الإسرائيلية
  • الأمم المتحدة: الكابوس في غزة يتفاقم بتزايد الضربات الإسرائيلية القاتلة شمال القطاع