كتاب وباحثون عرب ينعون فتح الله كولن: خلد إرثًا غنيًا أثرى العالم الإسلامي
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
دبي (زمان التركية)_ نشر عدد من الكتاب والباحثين الأكاديميين العرب، رسائل نعي حزينة وتعازي في وفاة المفكر الإسلامي التركي فتح الله كولن مؤسس حركة الخدمة، الذي وافته المنية في الولايات المتحدة، بعد معاناة من أزمة صحية، وأثنوا على علم فتح الله كولن وفكره وفلسفته ودوره الدعوي والإنساني.
وقال الدكتور جمال الحوشبي، المشرف العام على مركز رؤية الثقافي، السعودي، ناعيا فتح الله كولن “عاش نقيا شامخًا ومضى نقيا شامخًا.
جبر الله المصاب.. وغفر الله للأستاذ مغفرة المقربين الأطهار. نعزيكم ونعزي أنفسنا ونعزي كل قلب طاهر وشخص منصف بفقده. إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهم أبدله دارًا خيرًا من داره وأهلا خيرًا من أهله.. واجعل ما قدمه للإسلام والمسلمين وللإنسانية جمعا في موازين حسناته يوم يلقاك.
وقال الدكتور ناصر سنة الكاتب والباحث أكاديمي، من مصر فى رثاء الأستاذ فتح الله كولن “ويترجل الداعية المفكر المصلح المربي المتصوف المجدد العلامة الأستاذ محمد فتح الله كولن. لقد نذر حياته المديدة في خدمة الإسلام ورفع لواء سنة نبيه صلى الله عليه وسلم. وذلك عبر التطبيق العملي الذى يلامس حياة الناس فى شتى بقاع العالم (من تركيا إلى وسط آسيا إفريقية وأمريكا) من تعليم ومدارس، وصحة ومشافى، وتوعية ودور نشر. ومن بين نحو ٨٥ كتابا للاستاذ (ترجم العديد منها لأكثر من ثلاثين لغة) تحتفظ مكتبتي ب ٢٥ عملا منها وعلى رأسها السفرين الخالدين:
-(البيان الخالد ، القرآن الكريم, لسان الغيب فى عالم الشهادة).
-النور الخالد، محمد ، صلى الله عليه وسلم.
ومن بين العديد من رسائل الماجستير والدكتوراه والدراسات والبحوث التى أجريت حول حياة الرجل وفكره وجهوده الانسانية المباركة.. شرفت بكتابة دراستين عنه هما نشرتا في مجلة “نسمات” هما:
– الذائقة الجمالية عند فتح الله كولن.
– وكولن، والحوار مع الآخر.
لقد تعلمنا الكثير من هذا الأستاذ الفضيل.. علما وفكرا، تجردا واخلاصا، زهدا وورعا، عطاء وتسامحا، خدمة وتعايشا.
وعزاؤنا أنه – بقبضه كعالم داعية مرب، ولا نزكي على الله أحدا- قد ترك آثارا وعلما ينتفع به وهى فى ميزان حسناته. كما ترك مدرسة وتلامذة ومريدين يحملون المشعل، ويتابعون المسيرة المباركة.
غفر الله له ورحمه وأسكنه فسيح الجنات، وألهمنا جميعا الصبر والسلوان، وإنا لله وإنا إليه راجعون.”.
وقال الأستاذ الدكتور محمد الشرقاوي، أستاذ العقيدة والفلسفة بكلية دار العلوم جامعة القاهرة في رثاء كولن “انتقل اليوم رجل من رجالات الأمة والإنسانية الكبار (الأستاذ الداعية إلى الله تعالى على بصيرة. والمربي.. والعالم المفكر.. والمعلم العظيم محمد فتح الله جولن) إلى رحمة الله تعالى ومغفرته ورضوانه اليوم.
عوض الله الأمة والإنسانية فيه خيرًا. لقد عرفت وعاينت -بنفسي – ثمار حركته العالمية المباركة.. في تركيا.. وبلدان أفريقيا.. وآسيا.. وأستراليا،
ورأيت إنجازات حضارية عظيمة تعليمية وتربوية وثقافية، وفكرية، وإعلامية، واقتصاديه. في خدمة الإنسانية كلها؛
انطلاقًا من رؤية الإسلام العالمية الوسيعة، فرسالة الإسلام الحقيقية هي:
تحقيق الرحمة للعالمين؛ تجسيدًا للبيان الإلهي القدسي (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)؛ فحيثما كان الإسلام كانت الرحمة!!
لم يشأ الله لي أن ألتقي بالأستاذ الكبير، لكني عرفته- عن قرب – من خلال آثاره وكتبه وفكره وأطروحاته ومشروعاته الإنسانية العالمية، والأهم من خلال تلاميذه ومريديه ومحبيه،
وقد أسعدني الأستاذ كثيرًا حين أرسل لي من بنسلفانيا نسخة من كتابه البديع عن سيرة رحمة الله للعالمين، صلى الله عليه وسلم، المعنون ب (النور الخالد)، والذي قدم لترجمته العربية مفكرنا الكبير الدكتور محمد عمارة، رحمه الله تعالى،
وكتب الأستاذ فتح الله جولن إهداء جميلا ليطلب مني فيه: الدعاء له!!
رحمة الله عليك ورضوانه ومغفرته، يا أستاذ الأساتيذ!!”.
وقال الدكتور صابر المشرفي، رئيس تحرير مجلة حراء الدولية، الكاتب والباحث الأكاديمي المصري، ناعيا فتح الله كولن “إنا لله وإنا إليه راجعون، فقدنا اليوم خزينة من خزائن العلم، وكنزًا ثمينًا من كنوز الإصلاح، ورائدًا من رواد الدعوة إلى الله على بصيرة. تغمده الله بواسع رحمته، وأسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء، وحسن أولئك رفيقا. وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنَّ اللَّهَ لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، ولَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بقَبْضِ العُلَمَاءِ…” نسأل الله أن يلهم الأمة الصبر، وأن يعوضها خيرًا في مصابها الجلل”.
وقال الداعية الإسلامي المصري الدكتور يحيى سلام الأزهري: “رحل اليوم عن عالم الدعوة عالم ومفكر كبير وولي من أولياء الله …الداعية الإسلامي التركي الشيخ محمد فتح الله كولن.. جزاه الله عما قدم للدعوة خير الجزاء وأجزل له المثوبة والعطاء”.
وقال محمد ياسين، الكاتب والباحث الأكاديمي، المصري “رحمك الله أستاذي وشيخي العالم الجليل الأستاذ / محمد فتح الله كولن
لا يعرف قدر هذا الرجل إلا من قرأ له، أو تتلمذ عليه، أو عايش آثار حركته
إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله”.
وقال الدكتور سمير بو دينار رئيس مركز الدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية بالمغرب “ما أعظم فقد الكبار.. رحم الله الاستاذ وجزاه بما قدم في حياة عريضة خير الجزاء، وعظم أجور أبناء هذه الأمة في فقده، وعوضها فيه خيرا من الرجال الذين رباهم. إنا لله وانا اليه راجعون”.
كولن خلد إرثًا غنيًاوقالت الأستاذة الدكتورة مريم آيت أحمد وعلي، المتخصصة في حوار الأديان والثقافات والدراسات المستقبلية الإطار، وأستاذة التعليم العالي بشعبة الدراسات الإسلامية كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة ابن طفيل، في المملكة المغربية.”انا لله وانا اليه راجعون انتقل الى رحمة الله الاستاذ المربي فتح الله كولن. وبقلوب مؤمنة بقضاء الله نسأل الله أن يرحمه ويغفر له، وأن يتقبله بواسع رحمته ويجعل مثواه الجنة. كان علمًا من أعلام الفكر والدعوة، ونسأل الله أن يلهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
فتح الله كولن، العالم والمفكر الإسلامي التركي، تركنا الى رحمات الله الواسعة؛ ليخلد لنا إرثًا غنيًا من الأعمال العلمية والفكرية التي أثرت في العالم الإسلامي وخارجه. حياته كانت مليئة بالعطاء في مجالات التعليم، الفكر، والدعوة إلى الحوار بين الثقافات والأديان.
1. الإرث العلمي والفكري:
الكتب والمقالات: ترك كولن أكثر من 60 كتابًا تناولت مواضيع متعددة منها الفقه الإسلامي، التربية، الروحانيات، والدعوة. كتبه مثل “النور الخالد” و”المفاهيم الأساسية في الإسلام” تعتبر مراجع أساسية في الفكر الإسلامي المعاصر.
الحوار بين الأديان والثقافات: كان كولن من أوائل الداعين إلى الحوار والتفاهم بين الأديان المختلفة. سعى لتعزيز التعايش السلمي بين المسلمين والمسيحيين واليهود، ودعا إلى تجاوز الخلافات والعمل من أجل المصلحة المشتركة للإنسانية.
التعليم والتربية: يعتبر كولن مؤسس حركة “الخدمة” (حركة غولن) التي ركزت على التعليم كأساس لإحداث التغيير الاجتماعي. أنشأت الحركة آلاف المدارس في مختلف دول العالم، تهدف إلى تقديم تعليم متوازن يجمع بين العلوم الدينية والعلوم الحديثة.
2. المساهمة في المجال التربوي والاجتماعي:
إنشاء المدارس والمؤسسات التعليمية: ترك كولن إرثًا كبيرًا في مجال التعليم من خلال دعم إنشاء مئات المدارس حول العالم. هذه المدارس تهدف إلى تعزيز القيم الأخلاقية والإيمان بالعلم والبحث العلمي.
المجتمعات الخيرية: من خلال حركة “الخدمة”، ساعد في إطلاق العديد من المشاريع الخيرية التي توفر الدعم للفقراء، وتنظم أنشطة اجتماعية وثقافية تهدف إلى تعزيز القيم الإنسانية.
3. الدعوة إلى اللاعنف والسلام:
كان فتح الله كولن من أبرز الأصوات الداعية إلى اللاعنف والسلام. رفض العنف بأي شكل من الأشكال، وأكد أن الحوار والتفاهم هما السبيل لتحقيق الأهداف النبيلة. كان يؤمن بأن الإسلام دين سلام وتسامح، ويجب أن يكون المسلمون دعاة خير ومحبة في العالم.
4. التأثير الدولي:
أصبحت أفكار كولن ذات تأثير عالمي، حيث انتشرت حركة “الخدمة” في أكثر من 160 دولة بمؤسسات تعليمية ومدارس. كانت رسالتها تدعو إلى الأخلاق العالية، والتعليم المتوازن، وخدمة المجتمع بروح المحبة والسلام، مما جعلها تحظى باحترام واسع.
إرث الاستاذ فتح الله كولن الذي تعلمت منه أجيال مصدر المحبة والوئام بين الشعوب سيبقى مصدر إلهام لاجيال متعاقبة، فقد كرّس حياته رحمه الله بمعاناة العالم الصابر المحتسب لنشر العلم والخير والدعوة إلى السلام والتفاهم بين البشر.
كل العزاء لمحبيه وأهله وذويه وتلاميذه من حول العالم. وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
وقال صفوان غيدوني الكاتب والباحث الأكاديمي، في رثاء كولن “لا إله إلا الله، سبحان من قهر عباده بالموت.. لم أبرح مكاني منذ وصلني الخبر..
تقفز الذكريات تترى دون إذن أو ترتيب أمامي..
المقال الأول:
صورة قلمية لرجل القلب..
التسجيل الصوتي الأول:
الجوشن الكبير
الفيديو الأول:
غربة القرآن
التلميذ الأول:
فريد الأنصاري رحمه الله
لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
لن يصرخ العندليب بعد اليوم!
كانت حياة أستاذنا الغالي محمد فتح الله كولن رضوان الله تعالى عليه مشهدا من مشاهد الصدق والإخلاص والتفاني والصبر العالي..
كانت دموع مواعظه ينابيع للطهارة كنا نتوضأ عند عتباتها النقية..
كانت شلالات العطاء تتدفق من قلبه الشفاف في كل اتجاه،
عاش رمزا وأفقا شاهقا للإنسان..
كانت له قدرة مؤيدة مسددة على مخاطبة الإنسان في قلب كل إنسان..
كانت حياته ملحمة حضارية مزجت بنور القرآن الكريم، والتجربة، والمعاناة، والألم..
كان رجل المكابدة والإنجاز،
جعل من رسول الله صلى الله عليه وسلم نوره وهديه وهاديه، كان به صلى الله عليه وسلم يقيس الأمور وإليه يحتكم، وبأخلاقه يستضيئ..
استطاع بتوفيق من مولاه وهو العبد الصادق أن يتعالى ويتجاوز حدود الجغرافيا والتاريخ واللغة والحيز الضيق..
رغم أن اللحظة حرجة ومعقدة،
إلا أن أفضل تكريم لهذا السيد المبارك الجليل، هو أن تستمر هذه المسيرة العظيمة التي نذر لها حياته وزهرة شبابه حتى لقي الله..”
وقال الشاعر المصري، العربي السيد عمران “هذا الرجل لم يكن مجرد داعية أو عالم ومفكر إسلامي، فقد عاينت في كتبه عن قرب دعوة وعلما وفلسفة وفكرا وروحا متميزة عن غيره، وكان فكره فكرا إنسانيا شاملا، رحمه الله تعالى رحمة واسعة”.
وقال الأستاذ الدكتور خالد فهمي أستاذ العلوم اللغوية بكلية الآداب، جامعة المنوفية، الخبير بمجمع اللغة العربية بالقاهرة “فتح الله كولن، في ذمة الله. رحل واحد من المفكرين ذوي السهمة المعتبرة في المجال الإسلامي. لقد تأسس منهج الرجل على البناء الروحي والحضاري للإنسان من أوسع أبواب التزكية وهو خدمة الخلق.
رحم الله الراحل الكريم”.
Tags: حركة الخدمةفتح الله كولننعي فتح الله كولنوفاة فتح الله كولن
المصدر: جريدة زمان التركية
كلمات دلالية: حركة الخدمة فتح الله كولن وفاة فتح الله كولن إنا لله وإنا إلیه راجعون صلى الله علیه وسلم الکاتب والباحث وقال الدکتور الله تعالى رحمه الله رحمة الله من خلال
إقرأ أيضاً:
مراقب إخوان سوريا الأسبق علي البيانوني يروي سيرته لـ عربي21.. هذه بدايتي
علي صدر الدين البيانوني هو أحد أبرز القادة من الجيل الثاني في جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وله دور متميز في تاريخ الجماعة في المرحلة الأخيرة. فقد كان من أبرز القادة الذين تولوا المسؤولية في مواقع مختلفة، في مرحلة الصراع مع حافظ وبشار الأسد. وشارك في العديد من الفعاليات السياسية التي سعت إلى تغيير النظام السوري، كما كان له تأثير كبير في إعادة بناء تنظيم الجماعة في مرحلة بشار الأسد.
نشأ في محضن شرعي وثيق الصلة بالعلوم الشرعية, وبفكر الجماعة منذ صغره، حيث نشأ في بيئة إسلامية وفكرية مشبعة بالقيم الإسلامية. وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في سن مبكرة وكان من الأعضاء المؤثرين في صفوفها. وشهدت الفترة التي انضم فيها إلى الإخوان توترات سياسية في سورية. حيث كانت الجماعة في سنوات تأسيها الأولى ( 1946- 1963) جزأ حيوياً من المشهد السوري على الصعد الاجتماعية والفكرية والسياسية.. قبل أن تفرَضَ على الجماعة سياساتُ الإقصاء والمواجهة بعد انقلاب الثامن من آذار 1963.
وكان الأستاذ البيانوني أحد كبار القادة من الجيل الثاني، الذين انخرطوا في العمل الدعوي والسياسي للجماعة. ولقد انخرط الأستاذ البيانوني في صفوف الجماعة من عهد الفتوة، وشارك في أنشطتها الاجتماعية والثقافية في البداية، ليصبح من بعد أحد القادة البارزين.
منذ تفجر الأحداث العنيفة في سورية وطفوها على السطح منذ 1979 اضطر جسم الجماعة العام، إلى الهجرة من سورية. فبعد إعلان وزير داخلية الأسد الحرب على الجماعة ببيان رسمي، وبعد صدور القانون 49/ 1980 الذي يقضي بإعدام كل من ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين، أصبح جسم الجماعة العام بين شهيد وطريد...
في عام 1996 بدأ الأستاذ علي صدر الدين البيانوني ومن معه في إعادة تشكيل هيكل الجماعة، وعادوا إلى النشاط السياسي من خلال المعارضة السياسية السلمية، وعملوا على دمج الجماعة في المشهد السوري العام.
منذ عام 1996 تسلم الأستاذ علي صدر الدين البيانوني موقع المسؤولية الأولى في جماعة الإخوان المسلمين. كانت الجماعة الرازحة تحت نير المحنة المتمادية، ومنها ما تعرضت له الجماعة من انشقاق منذ 1986 تحتاج إلى مراجعات شاملة ومداوة كثير من الجراح. وقد جاء موت حافظ الأسد عام 2000 ، وتولية بشار الأسد للسلطة، ببعض الآمال الكاذبة، لجميع فئات السوريين.
ولقد شهدت الفترة من عام 2000 حتى 2010 العديد من الإنجازات على الصعد التنظيمية العملية والوطنية والمجتمعية...ولعلنا نتابع عناوينها في هذا اللقاء.
ومع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كان البيانوني أحد أبرز الداعمين للثورة والثوار، ولمطالب الشعب السوري في الحرية والعدالة، وكان يرى مع جمهور السوريين الثائرين أن النظام السوري لا يمكن إصلاحه، بل يجب إسقاطه.
كان للبيانوني تأثير كبير في توجهات جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، حيث كان يؤكد في خطابه على إعادة بناء الحركة على أسس إسلامية معتدلة. وكان يحث على الوحدة الوطنية والتعايش بين مختلف الطوائف والانتماءات الدينية والعرقية والسياسية، على قاعدة السواء الوطني، ومبدأ المواطنة. ودعا إلى إقامة دولة مدنية ديمقراطية، على أسس العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان.
الآن وقد تمكن السوريون بعد طول معاناة وملايين الضحايا بين شهداء ومهجرين ومختفين قسريا من إسقاط نظام الأسد وإنهاء الحكم الاستبدادي، الذي جثم على صدر الشعب السوري أكثر من ستين عاماً.. توجهت "عربي21" إلى الأستاذ علي صدر الدين البيانوني، الذي مازال يقيم في منفاه بالعاصمة البريطانية لندن، وبدأت معه في تقليب صفحات الماضي، من أجل التوثيق والتاريخ، في ذاكرة سننشرها في حلقات أسبوعية، في "عربي21".
بقي أن أشير إلى نقطة مهمة قبل البدء في رواية سيرة البيانوني الأقرب إلى الشهادة التاريخية على العصر بلسان أحد صناعه، تتصل بعلاقتي أنا عادل الحامدي بالملف السوري، فقد أقمت في سوريا أعوامًا طويلة، عايشت تفاصيل حياتها، واختبرت نبض شوارعها، حتى غدت جزءًا من تكويني الشخصي والفكري. لم تكن متابعتي للشأن السوري من موقع المتفرج، بل من قلب المشهد، حيث التقيت شخصياته الفاعلة، وحاورت رموزه في أشد لحظات الصراع توترًا.
قبل عشرين عامًا، أجريت حوارًا مع علي صدر الدين البيانوني، وكان حينها في طليعة المعارضة، يخوض معركته ضد نظام بشار الأسد الذي بدا راسخًا في مكانه. واليوم، أعود لحواره مجددًا، ولكن في مشهد مختلف تمامًا؛ فقد سقط النظام، وتحولت السلطة إلى جزء من إرادة الشعب، ليصبح الحديث مع البيانوني شهادة جديدة على تحولات الزمن، بين الماضي الذي كان يبدو ثابتًا والمستقبل الذي أعاد رسم خارطة سوريا.
وقد اخترت في حواري هذه المرة مع البيانوني أسلوب السرد الذاتي لإضفاء طابع شخصي وحيّ على سيرة الرجل. فهو من يتحدث، مستعرضًا محطات حياته من الداخل، وكأننا نعيش تأملاته الشخصية في مسيرته الطويلة مع المعارضة والتغيير.
فكان هذا الحديث:
1 ـ الولادة والنشأة:
اسمي: علي صدر الدين البيانوني، والدي الشيخ أحمد عز الدين البيانوني من علماء حلب ودعاتها، وجدّي الشيخ عيسى البيانوني كان من الرعيل الأول في تخريج العلماء، وكان عالما وشاعرا، وقد غلبت عليه محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، ومعظم شعره في المحبة النبوية. ووالدتي عريفة بنت عبد العزيز الدباس.
تشير سجلات الأحوال المدنية إلى أنني ولدت بتاريخ الحادي عشر من كانون الثاني في العام 1937 الميلادي، إلا أن هذا التاريخ هو - في الحقيقة - تاريخ ولادة أخي الأكبر، الذي كان يحمل نفس الاسم، وتوفّيَ قُبَيْل ولادتي، فبقيتُ مسجّلاً على اسمه، كما يشير والدي رحمه الله في مذكّراته، ويشير أيضاً إلى أنني (علي صدر الدين الثاني) ولدتُ يومَ الخميس السابع عشر من جمادى الأولى في العام 1357 الهجري، الموافق للرابع عشر من تموز في العام 1938 الميلادي، في منزل جدّي الشيخ عيسى البيانوني رحمه الله، الكائن في جامع أبي ذرّ، في حيّ الجبيلة، في مدينة حلب.
نشأت مع إخوتي وأخواتي في كنف والديّ رحمهما الله، في جوّ عائليّ إسلاميّ ملتزم، حيث كان والدي الشيخ أحمد عز الدين البيانوني، وأكبرُ أخوالي عادل الدباس رحمهما الله، من مؤسّسي جمعية دار الأرقم، التي كانت هي نواة جماعة الإخوان المسلمين في مدينة حلب.وكنت الولدَ الثاني في الأسرة، بعد شقيقتي الكبرى بشرى أم الفضل (أم صفوح) زوجة الشيخ محمد الحجار رحمهما الله، والتي تكبرني بثلاث سنوات، ولديّ غيرها خمسة إخوة وست أخوات، هم حسب ترتيب ولاداتهم: محمد عبد الله أبو الفتح، ومحمد مطيع أبو المجد، وفاطمة الزهراء، ومحمد غياث أبو النصر، وألوف أم السناء، وخديجة أم الهدى، ومحمد موفّق أبو اليسر، وعائشة أم النّهى، ومحمد سهل أبو اليمن، ومسرّة أم البشر. وهؤلاء جميعاً من والدتي عريفة الدبّاس رحمها الله، ثم أختي الصغرى هبة الرحمن من زوجة أبي السيدة وهيبة الشيخة (أم نصر)، التي ولدت بعد وفاته ـ رحمه الله ـ بشهور في العام 1976 الميلادي.
نشأت مع إخوتي وأخواتي في كنف والديّ رحمهما الله، في جوّ عائليّ إسلاميّ ملتزم، حيث كان والدي الشيخ أحمد عز الدين البيانوني، وأكبرُ أخوالي عادل الدباس رحمهما الله، من مؤسّسي جمعية دار الأرقم، التي كانت هي نواة جماعة الإخوان المسلمين في مدينة حلب.
كان والدي رحمه الله يعمل في مجال التعليم، ويحمل شهادة أهلية التعليم من دار المعلمين في حلب، وكان يولي اهتماماً كبيراً لتعليمنا مختلف العلوم منذ طفولتنا المبكّرة، متدرّجاً فيها حسب أعمارنا، وقد قرأت في مذكّراته أنني أنهيت تلاوة القرآن الكريم عندما كان عمري خمس سنوات. وكان يشرح لنا معانيَ الآيات التي نقرؤها ويطلب منا إعراب بعض الكلمات والجمل، بما يتناسب مع أعمارنا، مما كان له أثرٌ كبير في رسوخ آيات القرآن الكريم، وكثيرٍ من معانيها في الذاكرة منذ الصغر، وفي التمكّن من اللغة العربية وقواعدها.. وعندما كان يبلغ أحدُنا السابعة من عمره، يبدأ بالمواظبة على الصلوات في أوقاتها، مستوعباً جميع أحكامها.. كلّ ذلك بأسلوب تربويّ شيّق، يجعلنا نتقبّل ما نتلقّاه ونؤدّيه بمنتهى الرغبة والسعادة.. ولقد سنّ بعد ذلك، الاحتفالَ بمناسبة بلوغ الطفل السابعة من عمره، وبدء مواظبته على الصلاة، ويدعو لهذا الاحتفال أقران الطفل من الأقارب والأصدقاء.. وذلك تشجيعاً للأطفال، وتحبيباً لهم بالصلاة والمحافظة عليها.
ولقد كان والداي رحمهما الله في سلوكهما وتعاملهما معنا ومع الآخرين، داخل البيت وخارجَه، وفي علاقة كلّ منهما بالآخر، وفي تربيتهم لنا.. أنموذجاً عملياً وقدوةً حسنةً، غرسا في نفوسنا حبّ الخير، وحبّ الله وحبّ رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعتهما، وتعلمنا منهما الكثير من خلال أحوالهم قبل أقوالهم. ولا أنسى كيف أننا عندما كنا نستيقظ للصلاة في فصل الشتاء، نجد الماء الساخن جاهزاً للوضوء، تخفيفاً عنا وتيسيرا..
أما أسرتنا الكبيرة، فكانت تشمل الجدّ الشيخ عيسى البيانوني الذي توفّيَ رحمه الله بتاريخ 25 كانون الأول 1943 الميلادي، في المدينة المنورة، خلال رحلة الحجّ، ودفن في مقبرة البقيع، ثم لحقت به بعد سنوات زوجته نفيسة عقيل (أم شافع), أما جدّتي لأبي فلا أعرفها لأنها توفيت قبل ولادتي. وأعمامي إخوة الوالد، هم: عبد اللطيف، ومحمد بشير، ومحمد شافع. وعمّاتي: نوريّة، وأمينة، وفاطمة، ولطفية التي لا أعرفها لأنها توفّيت من قبل. أما جدّي لأمي فهو عبد العزيز الدباس، وجدتي فاطمة الدباس، وأخوالي: عادل، ونذير، ومحمد، وفؤاد، وأحمد، وصالح. وخالتي الوحيدة حميدة زوجة عبد الوهاب سراج الدين. ولا أنسى كم كانت فرحتنا كبيرة عند زياراتنا المتبادلة مع هؤلاء الأقارب والأرحام.
2 ـ الدراسة:
نظراً لأنني مسجل على اسم أخي، أكبر من عمري الحقيقي بسنة ونصف السنة، فقد دخلت المدرسة الابتدائية مبكّراً، وكنت أصغر طلاّب صفّي في المدرسة (الحمدانية) الابتدائية، ، وكان مديرالمدرسة الحمدانية آنذاك الأستاذ عبد اللطيف المنصوري، وكان أبرز أساتذتي فيها: حمدي الدلاّل، وحمزة الجوخدار، ونعمان النابلسي. ونلت شهادة الدراسة الابتدائية في عام 1949، كما نلت شهادة الدراسة الإعدادية (الكفاءة) من ثانوية إبراهيم هنانو، في عام 1954، ثم نلت شهادة الدراسة الثانوية العامة (البكالوريا) الفرع الأدبي - قسم الاجتماعيات في عام 1957.
كنت ـ بفضل الله ـ متفوّقاً في دراستي، متقدماً على أقراني، لاسيما في ميادين الدين واللغة والأدب، أنافس، على الدرجة الأولى في مختلف الصفوف والمراحل.
التحقتُ بجامعة دمشق في عام 1958، طالباً في كلية الآداب، ثم تحوّلت إلى كلية الحقوق، في عام 1960، وتخرّجت منها عام 1963. وكان من أبرز أساتذتنا في كلية الآداب: الأستاذ سعيد الأفغاني، وفي كلية الحقوق:، الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ العلاّمة مصطفى الزرقا، والدكتور محمد الفاضل، والدكتور رزق الله الأنطاكي، والدكتور معروف الدواليبي والدكتور أحمد السمان..
3 ـ الزواج والأسرة:
تزوجت مبكراً بتوجيهٍ وتشجيعٍ من والدي، في عام 1954، وأنا في السادسة عشرة، من السيدة خديجة بنت الحاج جميل الخراط، وهذا اقتضى أن أدخل الحياة العملية مبكراً أيضاً، فخضعت لدورة في علم المحاسبة التجارية، لأشتغل بعد ذلك محاسباً لأكفيَ نفسي وأسرتي، ولا أثقل على والدي.
التحقتُ بجامعة دمشق في عام 1958، طالباً في كلية الآداب، ثم تحوّلت إلى كلية الحقوق، في عام 1960، وتخرّجت منها عام 1963. وكان من أبرز أساتذتنا في كلية الآداب: الأستاذ سعيد الأفغاني، وفي كلية الحقوق:، الدكتور مصطفى السباعي، والأستاذ العلاّمة مصطفى الزرقا، والدكتور محمد الفاضل، والدكتور رزق الله الأنطاكي، والدكتور معروف الدواليبي والدكتور أحمد السمان..رزقني الله وزوجتي سبعاً من البنين، هم: أنس، وأيمن، وأحمد عز الدين، ومحمد شمس الدين، ومجاهد. وابنتين هما: ميمونة زوجة المهندس الشهيد عبد الإله البعلبكي، رحمه الله، الذي استشهد في سجون الظلمة في دمشق، ثم تزوجَتْ بعد استشهاده من الدكتور أحمد الكوفحي في الأردن. والثانية: ميسون زوجة المهندس الدكتور صالح بن الأستاذ محمد المبارك رحمه الله. وقد بلغ عدد أحفادي وأحفاد أولادي، حتى هذا التاريخ (103) مئة وثلاثة حفيداً وحفيدة، أسأل الله عز وجل أن يجعلهم وآباءهم وأمهاتهم وذرّياتهم قرّة أعين.
4 ـ الخدمة العسكرية:
التحقت بالخدمة العسكرية الإلزامية بتاريخ 3 كانون الثاني 1959 برتبة طالب ضابط في كلية الضباط الاحتياط، وتخرّجت منها برتبة مرشّح، في نهاية عام 1959، عملت بعدها مدرّباً في مدرسة الصنائع الجوية، حتى منتصف آذار 1961، ورقّيت لرتبة (ملازم) في أول عام 1961. وكانت خدمتي الالزامية خلال عهد الوحدة بين مصر وسورية التي تمّت في 22 شباط 1958، ثم انفصمت بتاريخ 28 أيلول 1962.
ثم استدعيتُ بعد ذلك للخدمة الاحتياطية عدة مرات، كان آخرها في عام 1967، حيث شهدتُ حرب عام 1967، وانسحاب الجيش السوري فيها من هضبة الجولان، بدون قتال، بناء على أوامر وزير الدفاع في حينها حافظ أسد.
5 ـ الحياة العملية:
بدأت حياتي العملية محاسباً في شركة (محمد عبد اللطيف خواتمي وشركائه) بعد زواجي مباشرة في عام 1954، ثم مدرّساً للغة العربية في المدارس الخاصة في حلب في عام 1957، ثم التحقت بالخدمة العسكرية في عام 1959، عدت بعدها في عام 1961 إلى تدريس اللغة العربية في المدارس الخاصة، ثم تمّ تعييني موظفاً إدارياً في (مؤسسة الكهرباء والنقل بحلب) في عام 1962، شغلت فيها وظيفة رئيس مكتب الدراسات، ثم رئيساً لدائرة الشئون الذاتية، ثم رئيساً لدائرة القضايا القانونية، وذلك حتى استقالتي من المؤسسة في مطلع عام 1978، حيث انتسبت إلى نقابة المحامين والتحقت بمهنة المحاماة، وبقيت أزاولها حتى تاريخ خروجي الاضطراري من سورية بسبب الملاحقة الأمنية، في شهر نيسان 1979.