كشف حساب الثورة ومعاركها المقبلة.. دلالة الانقلاب في مصر وتونس
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
لما تبين أن البديل الذي أتت به الثورة لم يستجب لقصد التحريف المستهدف من التدخل الأجنبي تكشفت حقيقة المجتمع المدني الدخيل حجما ودورا فعاد إلى حلفه مع أدوات الحكم الخادم والتابع بآليات الاستبداد والفساد. وعاد معه مموله بعد أن تأكد من فشل تدخله الذي لا ننفيه بل ننفي أن تكون الثورة ثمرة لتدخله.
وهذه الجماعات المتحالفة في الثورة المضادة قابلة للحصر الدقيق: فقد افتضح ادعاء الثورية عند غالب العلمانيين يساريين كانوا أو ليبراليين أو قوميين من الصنفين وكذلك عند بعض الأقليات التي تعتبر الحامي الوحيد لامتيازاتها هو حليف سيدها الغربي من أنظمة الاستبداد والفساد في كل البلاد العربية.
لذلك فالشعب قد تصدى لهم ولمشروع الديمقراطية الطائفية علن النحو العراقي أو اللبناني بحيث إن من اختارهم ومن يتهمون بكونهم ضد الحداثة القيمية أصبحوا هو المدافعين الحقيقيين عن الحرية والكرامية والديمقراطية التي تعبر عن إرادة الشعب الفعلية لا الديمقراطية الصورية التي تريدها أمريكا لتمكن لطابورها الخامس.
تلك هي دلالة نتائج الانتخابات وعلة الرد عليها بالانقلابات. فمن انتخبهم لو قبلوا بأن يكون بديلا من نخبة لم يعد المستعمر يرضاها لخدمته وليس لبناء ديمقراطية فعلية تعبر عن إرادة الشعب العميقة لما شجع الغرب الانقلاب عليها ولما موله من موله من أنظمة الفساد والاستبداد البترولية ولما اضطر إلى أن يسمي الانقلاب العسكري في مصر ثورة.
المفاجأة الأكبر هي مفاجأة الموجة الثانية من ثورة الربيع العربي. فحلف المتظاهرين بالدعوة للديمقراطية ليبرالية كانت أو شعبية وأدعياء الحداثة والتقدم مع العسكر وقبولهم بحكم الدبابة جعل الإسلاميين بشيء من مكر التاريخ أو مكر الله يصبحون المدافعين الصادقين الوحيدين أو يكادون على التحديث والديمقراطية الحقيقيين أعني أنهم يريدونهما بمعناهما المحقق للحرية والكرامة البشرية.وحتى نفهم ذلك فينبغي أن نوضح الفرق بين التدخلين الذي حصل في الخمسينات والحاصل الآن:
فقد كان الهدف في انقلابات الخمسينيات من القرن الماضي ساعيا إلى تحقيق جدار صد أمام الشيوعية بالاعتماد على تدعيم الفارق الحضاري بين الشعوب الإسلامية وبين قيم الحركة الشيوعية. كان المطلوب حليفا ضد الحضارة الشيوعية من الأنظمة التي تدعي القومية أو الدينية لأن القومية من المفروض أن تكون معادية لعالمية النزعة الشيوعية ولأن الدين من المفروض أن يكون معاديا للإلحاد الشيوعي.
وأصبح الهدف في ما كان يعد له من تغيير بالقوة الناعمة للطابور الخامس معتمدا على تحجيم الفارق الحضاري بين الشعوب الإسلامية وقيم الليبرالية الغربية من خلال تسميح الإسلام وعلمنته العلمنة الفاسدة. لذلك كانت هذه الخطة بحاجة إلى الإعداد الجيد لها بتكوين هذا الطابور الخامس. أصبح المطلوب حليفا ضد الحضارة الإسلامية نفسها من داخلها باسم التحديث والديمقراطية الزائفين.
فالتحديث الزائف يولد التبعية من خلال جعل الجماعة مستهلكة من دون إنتاج والديمقراطية الزائفة تيسر التحكم عن بعد. ذلك أن الغاية من خطة الاعتماد على طابور خامس هي وضع الجرثومة في الجسد نفسه حتى يتحقق المحور الثاني من الخطة:
فالمحور الأول هو تبعية أجهزة فعل الدولة والمجتمع أعني الأمن والدفاع والإدارة لجعلها عميلة سياسيا بضمان بقائها رغم استبدادها وفسادها ضد إرادة الشعب. وهذا حاصل قبل الربيع العربي. وتلك هي الوظيفة التي أدتها الانقلابات العسكرية السابقة خلال النصف الثاني من القرن الماضي.
أما المحور الثاني فهو تبعية أعمق تجعل النخب السياسية والاقتصادية والتربوية والثقافية وحتى الروحية تنتقل من العمالة السياسية إلى العمالة الحضارية في الانقلابات المدنية التي كانت أمريكا تعد لها والتي بين الربيع العربي فشلها لأن المجتمع المدني الأصيل تصدى للمجتمع المدني الدخيل.
وكانت بداية الخطة المعلنة هي الاستحواذ على أدوات الفعل الرمزية أعني التربية والثقافة والإعلام لجعلها في خدمة هذه الخطة بالعملاء الحضاريين مع ما لديهم بعد من سلطان خفي على العملاء الجهازيين المنبثين في أدوات القوة العامة والإدارة حتى يتم التمكين للديمقراطية الصورية فتجعل الدولة الوطنية نفسها تتحول إلى حرب شاملة على كل مقومات الحضارة العربية الإسلامية باسم تحديث مسيخ وتابع كما يتبين بوضوح من البرنامج العلني لانقلاب السيسي الذي وضع تجفيف المنابع الشهير في الدستور.
والهدف مضاعف:
منع شروط استئناف المسلمين لدورهم من خلال الحيلولة دون الثورة وانتهاج طريق الوصول إلى القوة أولا وفي حالة فشل ذلك الاستعداد لمنع ثمرتها أعني الانقلاب على الإرادة الوطنية المستقلة.
وذلك بفرض نزع أسباب القوة والمناعة من خلال نزع أداته الأساسية أي السلاح كالحال مع الألمان واليابان الأمتين معزولتي السلاح وفاقدتي شروط الإرادة المستقلة بمنطق العصر عن المتغلب عليهم.
لكن الربيع العربي أفسد على هذه الخطة مسعاها وجعل الثورة بالانتخاب الديمقراطي الشفاف بيد أمينة بأن أرجعها إلى ممثلي حركة الإصلاح والنهوض التي عمرها قرنان والتي تمثلها حاليا الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية.
فهو قد فاجأ الجميع أو هو إن شئنا حصل قبل أن يصبح هذا الطابور الخامس قادرا على السيطرة على الشارع والشعب بصورة تمكن من بناء ديمقراطية بالشكل الذي تريده أمريكا في استراتيجية الشرق الأوسط الجديد والتي أساسها الجوهري هو القضاء النهائي على أي طموح إسلامي للعودة إلى الدور الكوني.
إن ممثلي قيم الأصالة وجدوا أنفسهم وحيدين أو يكادون في وضع من يدافع عن كل المعاني الحديثة للديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية خلال دفاعهم عن كل المعاني الأصيلة التي كان همهم شبه مقصور عليها.فشلت هذه الخطة. لم يبق هدف التدخل الأمريكي بالقوة اللطيفة للمجتمع المدني المأجور. لم يؤت أكله بسبب الربيع العربي الذي لم يترك له الوقت الكافي لمد جذوره في الجماعة العربية خاصة. لذلك حصلت الانقلابات التي هي بداية الموجة الثانية من الربيع العربي الموجة التي تبرهن يوميا بأن الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية والكرامة كلها أصبحت مطالب الحركات الإسلامية لأنها هي الممثل الحقيقي للإرادة الشعبية الثورية والبقية تحالفوا مع الانقلاب لخدمة الأجندة التي تريد إبقاء الأمة تابعة إلى يوم الدين.
لكن المفاجأة الأكبر هي مفاجأة الموجة الثانية من ثورة الربيع العربي. فحلف المتظاهرين بالدعوة للديمقراطية ليبرالية كانت أو شعبية وأدعياء الحداثة والتقدم مع العسكر وقبولهم بحكم الدبابة جعل الإسلاميين بشيء من مكر التاريخ أو مكر الله يصبحون المدافعين الصادقين الوحيدين أو يكادون على التحديث والديمقراطية الحقيقيين أعني أنهم يريدونهما بمعناهما المحقق للحرية والكرامة البشرية.
وهنا حصلت الظرفية التاريخية التي يمكن وصفها بكونها من علامات التأييد الإلهي لمسعى الأمة وللنصر المؤكد بإذن الله: فهي ظرفية الجمع بين قيم الأصالة وقيم الحداثة بصورة شبه مضطرة بداية وأصبحت مختارة غاية لأنها شرط خوض المعركة والنصر فيها.
ذلك أن ممثلي قيم الأصالة وجدوا أنفسهم وحيدين أو يكادون في وضع من يدافع عن كل المعاني الحديثة للديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية خلال دفاعهم عن كل المعاني الأصيلة التي كان همهم شبه مقصور عليها.
ومن ثم فقد أصبحت أهداف الأمة الأصيلة والحديثة متصالحة بل هي تبينت غير قابلة للتحقيق إلا بهذا الشرط. فالتخلص من التبعية بأدوات العصر يقتضي الوصل بمطالب حركة الإصلاح والنهوض التي بدأت منذ القرن التاسع عشر. وأصبح المعبر عن نوعي القيم الأصيلة والحديثة نفس التحرك الشعبي الذي هو جوهر ثورة الربيع العربي.
وهكذا تبين أن المعبر عن الإرادة الوطنية هو من انتخبه الشعب للدفاع عن مطالبه المباشرة من منطلق قيمه التي رأسها المطالب غير المباشرة أعني المناعة والقوة. وحينئذ سقطت الخطة الأمريكية خطة الغزو اللطيف لضمان ما تحقق من غزو عنيف سابق.
الشعب لم يختر نخبة بديلا أعدتها أمريكا لتعوض نخبة فقدت قدرتها على خدمة المشروع الأمريكي بنخبة أخرى أكثر شرعية بعد أن تكون قد نفذت إلى مواطن القرار في الجماعة الوطنية بل ألغى هذه الخطة واختار نخبة تعبر عن إرادته العميقة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير العربية الديمقراطية مواقف عرب اسلاميون ديمقراطية سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الربیع العربی هذه الخطة من خلال
إقرأ أيضاً:
” ASB Capital ” و”State Street Global Advisors ” تتعاونان لإدارة صندوق جديد للأسهم العالمية يتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية
أعلنت ASB Capital التي تعمل برؤية واضحة في مجال إدارة الأصول، عن عزمها لإطلاق صندوقها الجديد للأسهم العالمية المتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية، والذي سيتم إدارته بالتعاون مع شركة مع State Street Global Advisors (SSGA). سيوفر الصندوق للمستثمرين من المؤسسات والأفراد، ومكاتب إدارة الأصول العائلية، إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من الشركات المدرجة في مختلف أسواق الأسهم العالمية. وسيستفيد الصندوق الكائن مقره في مركز دبي المالي العالمي والخاضع لتنظيم سلطة دبي للخدمات المالية من خلال تفويض إدارة الاستثمار إلى شركة SSGA، التي تمتلك خبرة واسعة تمتد لعقود في مجال الاستثمار النشط في الأسهم، بهدف تقديم قيمة مضافة طويلة الأمد للمستثمرين الذين يبحثون عن حلول استثمارية تتوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية.
وتحت إدارة فريق الاستثمارات النشطة في الأسهم في SSGA – الذي يشرف على أصول تتجاوز قيمتها 18 مليار دولار أمريكي حتى 31 ديسمبر 2024 – سيعتمد الصندوق على استراتيجية استثمارية طُوِّرت على مدى 30 عامًا، ترتكز على اختيار الشركات ذات الجودة العالية والنمو المستدام، بالاستفادة من إطار “نسبة الثقة” الخاص بـSSGA، والذي يهدف إلى تحديد الفرص الاستثمارية ذات الأسس المتينة والتقييمات الجذابة.
وبهذه المناسبة، صرح هشام جوهري، المسؤول التنفيذي الأول لشركة ASB Capital: “يعكس الصندوق التزامنا الدائم بالابتكار وإبرام شراكات استراتيجية مع كبرى شركات إدارة الأصول العالمية، مما يفتح الأبواب أمام المستثمرين في المنطقة وخارجها للوصول إلى الأسواق العالمية. ومن خلال تعاوننا مع State Street Global Advisors، سنتمكن من تزويد المستثمرين بفرصٍ استثنائية لتنويع محافظهم الاستثمارية في مختلف القطاعات والمناطق الجغرافية. معًا، نسعى جاهدين لتقديم فرص استثمارية ذات مستوى عالمي إلى المنطقة، ودفع عجلة نمو حلول الاستثمار تتوافق مع أحكام الشريعة. ومن المتوقع أن يتجاوز حجم قطاع التمويل العالمي المتوافق مع الشريعة الإسلامية 3.5 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2025، مما يعزز الطلب المتزايد على المنتجات الاستثمارية المختلفة”.
وبدوره، صرح إيمانويل لورينا، رئيس قسم الشرق الأوسط وأفريقيا لدى شركة State Street Global Advisors، قائلاً: “تتمتع شركتنا بخبرة عريقة تمتد لعقود في إدارة استراتيجيات الأسهم العالمية، بما في ذلك الحلول المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وهو ما يتيح لنا تلبية الطلب المتزايد في هذه المنطقة.” وأضاف: “من خلال هذه الشراكة معASB Capital، نجمع بين رؤيتهم المتعمقة للسوق الإقليمية وقدراتنا وخبراتنا العالمية، مما يمنح المستثمرين فرصة الوصول إلى محفظة استثمارية مُنتقاة من الأسهم العالمية الموثوقة وذات الجودة العالية. وسيمكننا هذا التعاون من توفير منتج استثماري مستدام يلبي الطلب المتزايد على الاستثمارات التي ترتكز على أسس قوية وتستهدف النمو طويل الأجل.”
من جانبه قال مايكل سوليكي، رئيس قسم الاستثمار في الأسهم الأساسية النشطة لدىState Street Global Advisors : “نحن سعداء بالتعاون مع ASB Capital في هذه الفرصة القيّمة التي سنركز فيها على الجودة والنمو المستدام وإعطاء التقييم المناسب لمنصتهم مستندين إلى خبراتنا الواسعة في هذا المجال.”
مع انطلاق أعمالها في وقت سابق من هذا العام بأصول ابتدائية تحت الإدارة تصل قيمتها 4.5 مليار دولار أمريكي منذ الانطلاق، تلتزمASB Capital بتوفير حلول استثمارية مبتكرة لتلبية الاحتياجات المتغيرة للمستثمرين من المؤسسات والأفراد. ومن خلال تركيزها على الاستدامة والنمو طويل الأمد، تهدف الشركة إلى تلبية الطلب المتزايد في المنطقة على استراتيجيات استثمارية تتماشى مع الاتجاهات المالية العالمية.