أصدر معهد سياسة الشعب اليهودي JPPI تقريره السنوي، والذي جاء عنوانه: "عام من الحرب: التقييم السنوي للشعب اليهودي عام 2024". وهو كما يقول كاتبوه: "تحليل أساسي يدرس مدى التأثير الإيجابي أو السلبي للأحداث والتطورات خلال عام على إسرائيل والعالم اليهودي. ويشكل هذا الموجز، الذي يقدم إلى حكومة إسرائيل، موردا بالغ الأهمية لصانعي القرار السياسي فيها عبر خمسة أبعاد رئيسية للرفاهية اليهودية: الجغرافيا السياسية، التماسك، الموارد، والهوية، والديموغرافيا".

وقد أشرف على إعداد التقرير ثلاثة من أبرز الشخصيات اليهودية عالميا:

ـ يديديا شتيرن، رئيس المعهد JPPI:أستاذ متفرغ بكلية الحقوق جامعة بار إيلان.
ـ دينيس روس، نائب رئيس المعهد: الرجل الرئيسي في عملية السلام في إدارتي بوش وكلينتون.
ـ ستيوارت آيزنستات، نائب رئيس المعهد: عمل سفيرا للولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي، ووكيلا لوزارة الخارجية الأمريكية.

عرض موجز للتقرير

كان هجوم حماس في 7 أكتوبر أسوأ كارثة شهدها الشعب اليهودي منذ المحرقة. وقد غير هذا الهجوم كل شيء، وأدى إلى صدمة لإسرائيل والشعب اليهودي. وقد فشلت في مهمتها الحكومة التي من المفترض أن توفر الأمن للشعب اليهودي. وقد أكدت الحرب أنه بغض النظر عن مكان إقامة اليهودي، فإن هويته وشعوره بالأمن مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بإسرائيل.

حرب غزة والمشهد الجيوسياسي لإسرائيل والشعب اليهودي

كان هجوم السابع من أكتوبر محوريا للوضع الجيوسياسي لإسرائيل والشعب اليهودي، ويمكن رؤية تداعياته الكبيرة والمؤثرة على المرونة الوطنية لإسرائيل: الأمن، الاقتصاد، التماسك الاجتماعي، المكانة الدولية، وقوة العلاقة الاستراتيجية الثلاثية بين القدس وواشنطن واليهود الأمريكيين:

أولا ـ الحرب ضد حماس:

هجوم حماس في 7 أكتوبر تشرين الأول 2023 هو أسوأ كارثة شهدها الشعب اليهودي منذ أربعينات القرن الماضي. وتم تحديد أهداف الحرب في القضاء على حماس وإعادة الرهائن؛ لكن لم يتحقق منها شئ حتى الآن. وقال الناطق بلسان الجيش: حماس فكرة متجذرة في قلوب الناس، وإن السبيل لإضعافها هو إقامة سلطة حكم جديدة في غزة، وهذه هي مهمة المستوى السياسي.

كان هجوم حماس في 7 أكتوبر أسوأ كارثة شهدها الشعب اليهودي منذ المحرقة. وقد غير هذا الهجوم كل شيء، وأدى إلى صدمة لإسرائيل والشعب اليهودي. وقد فشلت في مهمتها الحكومة التي من المفترض أن توفر الأمن للشعب اليهودي. وقد أكدت الحرب أنه بغض النظر عن مكان إقامة اليهودي، فإن هويته وشعوره بالأمن مرتبطان ارتباطًا وثيقًا بإسرائيل.لقد أعادت الحرب الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى جدول الأعمال الدولي، وأعلنت إسبانيا والنرويج وأيرلندا اعترافها بدولة فلسطينية، لتنضم إلى 144 دولة أخرى أصدرت مثل هذه الإعلانات من قبل.

وعلى الرغم من التحفظات الإسرائيلية، تريد واشنطن دمج حل أزمة غزة في اتفاق إقليمي يشمل التطبيع الإسرائيلي السعودي الذي يتوافق بدوره مع المصالح الأمريكية والتي من بينها بناء إنشاء ممر تجاري لربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا وسيشمل إسرائيل أيضا.

ثانيا ـ الضفة الغربية والقدس:

الوضع الأمني في الضفة الغربية وضع هش، فقد اتسع نطاق الهجمات الفلسطينية هناك بشكل كبير، ويعبر المسؤولون الأمنيون عن قلقهم من احتمال الانزلاق إلى انتفاضة جديدة. ويضطر الجيش والشاباك إلى تخصيص قوات كبيرة واتخاذ إجراءات قوية للحد من جهود حماس لإشعال حريق على هذه الجبهة أيضا. ويزيد العنف المتزايد من العناصر اليهودية من حدة التوترات. وقد حذر مدير الشاباك في رسالة لنتنياهو ووزراء حكومته من أن الإرهاب اليهودي ينمو ويتغير شكله من نشاط سري مركز إلى نشاط واسع ومفتوح، ومن استخدام ولاعة إلى استخدام أسلحة الحرب التي تم توزيعها من قبل الدولة، ومن التهرب من قوات الأمن إلى مهاجمة هذه القوات، ومن عزل أنفسهم عن المؤسسة إلى الحصول على الشرعية من بعض المسؤولين فيها. وساهم في الاضطرابات أيضا انتهاك الوضع الراهن في المسجد الأقصى والزيارات الاستفزازية لبن غفير ومؤيديه له.

ثالثا ـ جبهة حزب الله:

انضم حزب الله إلى الحرب منذ البداية، مما أدى إلى إخلاء مستوطنات الشمال. وأكدت إسرائيل أنه ليس من مصلحتها الانجرار إلى حرب في جبهة إضافية قبل تحقيق أهداف الحرب مع حماس. لكن في حالة نشوب حرب شاملة، سيتعين على إسرائيل التعامل مع جيش مدرب جيدا يمتلك 140 ألف صاروخ وقذيفة، بعضها موجه بدقة. وتخشى لبنان من هذا التطور، فالاقتصاد اللبناني في أزمة عميقة، وتحذر إسرائيل من أن حربا شاملة من شأنها أن تعيد لبنان إلى "العصر الحجري". لكن حدث تصاعد حاد بعد استهداف قادة الحزب.

رابعا ـ الصراع الإسرائيلي الإيراني:

كشفت حرب غزة عن خطورة "حلقة النار" الإيرانية التي تعمل حول إسرائيل: حماس، حزب الله، الحوثيين، والميليشيات الشيعية في العراق وسوريا. كما لم توقف إيران جهودها لتصبح دولة نووية. وإذا تم اتخاذ القرار السياسي، فيمكنها تخصيب اليورانيوم خلال أسبوعيين فقط. وهي تمتلك القدرة لتصنيع آلية تفجير رأس حربي نووي بصاروخ باليستي. وقد استخدم أحد كبار مستشاري خامنئي لغة التهديد، فقال: "لم نتخذ أي قرار ببناء قنبلة نووية؛ لكن إذا كان وجود إيران مهددا، فلن يكون هناك خيار سوى تغيير عقيدتنا العسكرية". وخلافا لآمال إسرائيل، فإن الولايات المتحدة تريد احتواء الصراع مع إيران.

خامسا ـ الجبهة الداخلية الإسرائيلية:

وقع هجوم حماس أثناء الاضطرابات الداخلية في إسرائيل التي بدأت بخطة إصلاح النظام القضائي في بداية 2023، والتي أثارت احتجاجات مستمرة سلطت الضوء على الانقسامات الاجتماعية والسياسية. وحذر خلالها جنود الاحتياط ومئات الطيارين بأنهم سيتوقفون عن التطوع للخدمة الاحتياطية. وحذر رؤساء النظام الأمني بأن إسرائيل أصبحت ضعيفة في نظر أعدائها الذين قد يميلون إلى إشعال حرب متعددة الجبهات. وكان هناك تدهور في صورة الجيش الإسرائيلي والمخابرات بين الحلفاء والخصوم على حد سواء.

الحرب التي طال أمدها تضر بالاقتصاد الإسرائيلي، إذ ستصل تكاليفها إلى 250 مليار شيكل بحلول عام 2025. كما أن تمديد استدعاء الاحتياط يضر بالشركات. والسياحة في حالة انهيار، وانخفض التصنيف الائتماني الدولي إلى جانب توقعات بتفاقم عجز الميزانية والضغوط التضخمية. وقد تعرضت الوحدة الداخلية للخطر، ونُظمت مظاهرات مناهضة للحكومة حتى مع احتدام الحرب. ويضعف المجتمعى الإسرائيلي مصير الرهائن والثمن الذي تطلبه حماس لإطلاق سراحهم. وفي ضوء حاجة الجيش الإسرائيلي لمجندين، فإن عدم تجنيد الحريديم يثير الغضب العام ويهدد استقرار الحكومة. وهناك أيضا العلاقة المضطربة بين رئيس الوزراء ووزير الدفاع، الذي انتقد نتنياهو علنا لرفضه مناقشة إنشاء بديل فلسطيني لحكم حماس. وفي أعقاب قتل حماس لستة رهائن في 1 سبتمبر أيلول 2024، دعا وزير الدفاع الانسحاب من ممر فيلادلفي لتسهيل صفقة تحرير الرهائن، وهو ما يرفضه نتنياهو.

وقد ظهر الانقسام الداخلي في إسرائيل جليا في مقال نشرته نيويورك تايمز في 26 يونيو 2024، دعا فيه شخصيات عامة إسرائيلية رئيسية، مثل ايهود باراك وديفيد جروسمان، قادة الكونغرس إلى إلغاء دعوة نتنياهو لإلقاء خطاب أمامه بحجة أنه لا يمثل مواطني إسرائيل.

سادسا ـ الساحة الدولية:

أعادت الحرب تأكيد اعتماد إسرائيل القوي على الولايات المتحدة؛ لكن مشاركتها المتزايدة في الشرق الأوسط تعزز التعاون على طول المحور الصيني الروسي الإيراني. فقد امتنعت الصين عن إدانة حماس، بينما شبه بوتين الحصار إسرائيلي لغزة بحصار النازيين لمدينة لينينغراد.

إن الدعم الدولي لإسرائيل الذي أعقب هجوم حماس قد تبدد مع مرور الوقت وتحول إلى عداء فعلي. ففي الأيام الأولى، أصدرت أكثر من 40 دولة، منها الهند والإمارات والبحرين، إدانات قاسية لحماس. لكن الكارثة الإنسانية التي حلت بقطاع غزة جعلت إسرائيل متهمة بتعمد تجويع السكان، والقتل الجماعي العشوائي للمدنيين. وحدث انعكاس دراماتيكي للرأي العام العالمي، وهو واضح للغاية في الجامعات الأمريكية الرائدة، حيث المظاهرات والشعارات التي تدعو إلى تفكيك إسرائيل: "من النهر إلى البحر، ستكون فلسطين حرة".

وقد أدت دعوات إحياء المشروع الاستيطاني في غزة إلى تزايد الشكوك حول أهداف الحرب. ونشأت مخاوف من أن إسرائيل تريد جر أمريكا إلى حرب إقليمية شاملة.

أعادت الحرب تأكيد اعتماد إسرائيل القوي على الولايات المتحدة؛ لكن مشاركتها المتزايدة في الشرق الأوسط تعزز التعاون على طول المحور الصيني الروسي الإيراني. فقد امتنعت الصين عن إدانة حماس، بينما شبه بوتين الحصار إسرائيلي لغزة بحصار النازيين لمدينة لينينغراد.ولقد تدهورت مكانة إسرائيل أيضا في المنظمات الدولية، فقال الأمين العام للأمم المتحدة: "إن هجوم حماس لم يحدث من فراغ، بل جاء على خلفية 56 عاما من الاحتلال الإسرائيلي". ورفعت جنوب إفريقيا قضية إبادة جماعية في محكمة العدل الدولية، وطالب المدعي العام للجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال ضد نتنياهو وغالانت. وكل هذا يمثل تآكلا خطيرا لمكانة إسرائيل التي يمكن أن تصبح دولة منبوذة تعاني من العزلة ونزع الشرعية. وقد أجبرت الضغوط الدولية الولايات المتحدة إلى استخدام الفيتو لمنع صدور قرار من مجلس الأمن يعترف بدولة فلسطينية، وكانت هي الصوت المعارض الوحيد لمشروع القرار.

سابعا ـ الشرق الأوسط ـ التهديدات والفرص:

ترغب دول المنطقة في اختفاء حماس؛ لكن القادة العرب، باستثناء الإمارات، تأثرت ردود فعلهم بالرأي العام المتضامن مع الفلسطينيين؛ ومع ذلك، لم تقطع الدول التي لها معاهدات سلام مع إسرائيل العلاقات معها.

إن استمرار الحرب وعدم التزام إسرائيل بحل الدولتين يعيق عملية تشكيل التحالف الإقليمي ضد إيران ووكلائها. إذ ليس من مصلحة دول المنطقة تعريض نفسها للانتقام الإيراني، ولا تزال لديها شكوك حول بقاء القوة الأمريكية وتأثير الانتخابات الرئاسية على التزام واشنطن تجاه المنطقة:

ـ السعودية: تعمل الولايات المتحدة على دفع التطبيع الإسرائيلي السعودي لإبقائها داخل النفوذ الأمريكي، وإنشاء جبهة ضد إيران. وقد صرح وزير الخارجية السعودي أن الاتفاقات مع الولايات المتحدة قريبة جدا جدا، وأنها قد تشمل التطبيع مع إسرائيل إذا كان هناك طريق حقيقي لدولة فلسطينية؛ لكن هناك تخوف إسرائيلي من التحول العسكري للمشروع النووي المدني السعودي الذي تسعى لتنفيذه عبر الاتفاق الأمريكي مما قد يحفز دولا في المنطقة على الشروع في مشاريع نووية.

ـ مصر: زادت حرب غزة من حدة التوترات بين إسرائيل ومصر التي تخشى من هجرة الفلسطينيين إلى سيناء، ومن الظهور بمظهر التعاون مع إسرائيل في "نكبة" فلسطينية جديدة. وتساعد مصر، إلى جانب قطر، في الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

ـ الأردن: رغم المصالح الأمنية والاقتصادية المشتركة، فقد كانت الردود الأردنية على العمليات الإسرائيلية حادة للغاية. ومع ذلك، ساعد الأردن في إحباط الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل. ويخشى الملك عبد الله من أن الحرب قد تعزز من قوة الإخوان المسلمين وتقوض استقرار المملكة.

ـ تركيا: تغيرت اللهجة فأصبحت أكثر تصالحية بسبب الأزمة الاقتصادية. لكن أردوغان وقف إلى جانب حماس، ووصفها بأنها منظمة تحرر وطني، أما نتنياهو وحكومته فإنه يراهم نازيو اليوم. ودعا إلى تشكيل تحالف إٍسلامي ضد التهديد المتزايد لإسرائيل، وقام بقطع العلاقات الاقتصادية معها تماما.

ثامنا ـ المثلث الاستراتيجي: القدس ـ واشنطن ـ يهود أمريكا:

هذا المثلث الاستراتيجي هو عامل مضاعف حاسم لقوة إسرائيل والشعب اليهودي، وشكل تحديا مستمرا للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة للحفاظ على الدعم الأمريكي وارتباط اليهود الأمريكيين بها. وقد سلطت الحرب الضوء على اعتماد إسرائيل على الولايات المتحدة، وأهمية اليهود الأمريكيين في تنمية هذه العلاقة والحفاظ عليها، لما يتمتعون به من السلطة والنفوذ، وتنظيمهم الجيد، وشغلهم مناصب رفيعة المستوى في جميع مجالات الحياة: السياسة والاقتصاد والثقافة والأوساط الأكاديمية والعمل الخيري.

لكن في الوقت نفسه، أبرزت الحرب اختلاف نظرة اليهود الأمريكيين لإسرائيل، ففي استطلاع أجراه مركز القدس للشؤون العامة في 11 مايو آيار  2024، وافق 30٪ من المستطلعين على أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. وأيد 52٪  قرار بايدن بوقف شحنات الأسلحة لإسرائيل لردعها عن شن هجوم على رفح. ودعا اللوبي اليهودي المتحالف مع الحزب الديمقراطي الرئيس بايدن إلى توسيع القيود على شحنات الأسلحة، وعارض فرض عقوبات على محكمة العدل والمحكمة الجنائية الدولية.

في بداية الحرب، وقفت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل دون تحفظ. لكن مع مرور الوقت، أصبحت الخلافات بين البلدين أكثر علنية ووضوحا. وتشعر إدارة بايدن بالإحباط من عدم استجابة إسرائيل لطلباتها، مما يعطي الانطباع بالجحود الإسرائيلي وتجاهله للمصالح الأمريكية. وهناك آراء داخل الولايات المتحدة، وخاصة في الأوساط الأكاديمية، تدعو إلى إعادة تقييم العلاقات الأمريكية مع إسرائيل، ومعاملة إسرائيل مثل أي دولة أخرى على أساس المصالح الأمريكية البحتة. وفي الوقت نفسه، يدعو المشرعون الذين ينتمون إلى الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي إلى إعادة تقييم المساعدات المقدمة لإسرائيل وربطها بسلوكها. ويشكل الجناح اليميني للحزب الجمهوري أيضا تحديا لإسرائيل بسبب نهجه الانعزالي في السياسة الخارجية ومعارضته للمساعدات الخارجية.

وقد تسببت التصريحات المتطرفة لوزراء الحكومة الإسرائيلية في تشكيك بعض الأمريكيين في ولاء إسرائيل للقيم الأساسية للديمقراطية الليبرالية التي تقوم عليها العلاقة الخاصة بين البلدين. وهناك تصريح مهم لزعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، تشارلز شومر، أعلى يهودي في الحكومة الأمريكية، قال فيه: "لقد ضل نتنياهو طريقه، مما أدى إلى تراجع الدعم العالمي لإسرائيل إلى أدنى مستوياته. ولا يمكن لها البقاء على قيد الحياة إذا أصبحت منبوذة".

وفي السباق الرئاسي، أعربت كاميلا هاريس عن التزامها تجاه إسرائيل وأمنها، وأيدت حقها في الدفاع عن نفسها؛ لكن مع حل الدولتين وإعادة بناء غزة. أما ترامب، فقد اتهم هاريس بـأنها إذا أصبحت رئيسة، فإن إسرائيل ستزول في غضون عامين من الآن، لأنها تكره إسرائيل والسكان العرب. لذا، سينفجر المكان كله.

لا ملاذ آمن لليهود على وجه الأرض

منذ السابع من أكتوبر، ارتفعت الحوادث المعادية لليهود إلى مستويات غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. 30٪ من الآباء اليهود الأمريكيين ينصحون أبناءهم بإخفاء هويتهم في الجامعات، ويفكر نصف يهود لندن في الهجرة. وتعرضت واحدة من كل ثلاث مؤسسات يهودية في ألمانيا للهجوم. وارتفعت في فرنسا الحوادث المعادية لليهود إلى عشرة أضعاف. ويتضاءل الدعم لإسرائيل بين الشباب الأمريكي، ويرغب أكثر من نصف الجيل Z في إقامة علاقات صداقة مع أحد مؤيدي حماس. وإذا استمرت هذه الاتجاهات وتكثفت، فقد تواجه إسرائيل عزلة وضعفا متزايدين على الساحة الدولية في السنوات المقبلة.

وقد برزت أقلية صغيرة من اليهود كمتظاهرين متحمسين مناهضين لإسرائيل، ونددوا علنا بأفعالها. ويستعد بعضهم ليكونوا قادة في بعض المنظمات اليهودية وغير اليهودية في الولايات المتحدة، بما في ذلك الخريجين الجدد من البرامج الحاخامية الليبرالية، وأعضاء هيئات التدريس للدراسات الإسرائيلية واليهودية، والعلماء المتخصصين في دراسات الإبادة الجماعية. وتحظى معارضتهم بتغطية إعلامية واسعة النطاق.

وفي حين كانت معاداة الصهيونية ومعاداة السامية ظاهرتين منفصلتين؛ إلا أن هناك ميلا متزايدا بين الناشطين المناهضين لإسرائيل للخلط بين اليهود وإسرائيل. لذا، يبدو أنه لا يوجد ملاذ على الأرض يشعر فيه اليهود بالأمان الحقيقي. وقد تأثرت حياتهم تأثرا عميقا بهذه الاتجاهات التي تعيدهم إلى وضع الأقلية المضطهدة التي لا تشعر بالأمان. وإذا اُعتبرت دولة إسرائيل دولة منبوذة، فقد تنأ شريحة أكبر من الجاليات اليهودية، على غرار التجارب السابقة في أوروبا، بنفسها عن إسرائيل، وقد تقلل من إظهار هويتها اليهودية.

حملة نزع الشرعية عن إسرائيل

أدت أحداث السابع من أكتوبر إلى تحول الخطاب من انتقاد الاحتلال الإسرائيلي إلى نزع الشرعية عن إسرائيل، وتصويرها على أنها آخر بقايا الاستعمار الغربي:

ـ يكثف ائتلاف من الحكومات اليسارية مثل كولومبيا وإسبانيا وجنوب أفريقيا وبلجيكا، الجهود لنزع الشرعية عن إسرائيل، مع خطاب يؤجج في بعض الأحيان المشاعر المعادية لليهود عبر الحدود.

ـ هناك رفض للصهيونية لدى الليبراليين الغربيين الذين كانوا يعتبرونها من قبل رد فعل أخلاقي وشرعي لشعب لا حول له ولا قوة عانى من الاضطهاد والإبادة الجماعية.

ـ في السابق، كان الدافع لمعادة السامية هو المشاعر المعادية للرأسمالية والكراهية العنصرية لدى التيارات اليسارية واليمينية. وكان المنطق لديهم هو:  نحن نمقت إسرائيل، وبالتالي نكره اليهود. لكن صار المنطق اليوم بعد السابع من أكتوبر: لا ينبغي أن تكون الدولة اليهودية موجودة. وأصبحت معاداة الصهيونية الاسم الرمزي لهذا الانقلاب.

أسباب تنامي العداء لإسرائيل والصهيونية

يرصد التقرير أسباب تنامي ظاهرة العداء غير المسبوق لإسرائيل في الغرب، والذي يغلفه التقرير بتهمة معاداة السامية بما تحمله في الذاكرة الغربية من الهولوكست. هذه الأسباب هي:

ـ تسهيل هجرة المسلمين إلى الدول الغربية، ونشاط الإسلاميين في أسلمة الغرب. ولذلك، فإن التركيبة السكانية المسلمة المتنامية مؤثرة للغاية لدرجة أنه يمكن اعتبارها مؤشرا أساسيا للتنبؤ بضعف المجتمع اليهودي في أوروبا الغربية.

ـ جهود الدول المؤثرة كإيران وروسيا والصين لزعزعة النظام الغربي. ومن خلال تشويه سمعة إسرائيل واليهود باعتبارهم رموزا للهيمنة الغربية، فإنهم يدعمون النشطاء الموالين لفلسطين، وينشرون الأيديولوجيات المعادية لإسرائيل والغرب داخل المؤسسات التعليمية التي تشكل قادة المستقبل.

ـ الجماعات التقدمية الرئيسية التي تمول الأعمال المعادية لإسرائيل في الجامعات والتجمعات السياسية والشوارع، وتهدد هذه الجماعات الأفراد اليهود مباشرة بالعنف.

إن استمرار الحرب وعدم التزام إسرائيل بحل الدولتين يعيق عملية تشكيل التحالف الإقليمي ضد إيران ووكلائها. إذ ليس من مصلحة دول المنطقة تعريض نفسها للانتقام الإيراني، ولا تزال لديها شكوك حول بقاء القوة الأمريكية وتأثير الانتخابات الرئاسية على التزام واشنطن تجاه المنطقة:ـ تنظر الأوساط اليسارية إلى المسلمين على أنهم البروليتاريا الجديدة التي تستحق الحماية بسبب وضعهم المفترض كضحية؛ وتنظر إلى اليهود على أنهم مجموعة مهيمنة وطبقة متميزة بين البيض.

ـ لا يعتبر النموذج الماركسي الجديد معاداة السامية "عنصرية"، لأن المجموعات الطبقية المهيمنة لا يُنظر إليها على أنها أهداف للتمييز. وقد أدى التأثير المتزايد للنشطاء الإسلاميين المتحالفين مع التقدميين إلى تسريع هذا الاتجاه في الجامعات على وجه الخصوص.

ـ أدت المعركة ضد الإمبريالية والرأسمالية والطبقية إلى تقارب بين اليسار الراديكالي والإسلام الراديكالي.

التوصيات الرئيسية للتقرير

1 ـ من الصعب تحقيق التماسك داخل إسرائيل، فالجمهور الإسرائيلي لا يثق كثيرا بالحكومة الحالية. لذا، ينبغي إجراء انتخابات يعقبها تشكيل ائتلاف واسع ليعزز الالتقاء حول نقاط التوافق الاجتماعي.

2 ـ بذل الجهود لاستعادة مرونة العلاقة الثلاثية: القدس - واشنطن - اليهود الأمريكيين، وأن يكون هناك نقاش متجدد بشأن تحالف دفاعي بين إسرائيل والولايات المتحدة. نعم، يضع التحالف حدودا لاستقلال إسرائيل في العمل؛ لكن له مزايا من حيث ردع أعداء إسرائيل وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

3 ـ على إسرائيل تجنب التدخل، أو حتى الظهور بمظهر المتورط، في الانتخابات الأمريكية تأكيدا لالتزامها بالمبدأ التأسيسي الذي تقوم عليه علاقتها الخاصة مع الولايات المتحدة.

4 ـ إن عودة معاداة السامية، لا سيما في الجامعات الرائدة في الولايات المتحدة وأوروبا، تُذكر بأنه لا يوجد بديل لتقوية إسرائيل والمجتمعات اليهودية. وعلى إسرائيل تصميم خطة متجددة لاستيعاب اليهود من جميع أنحاء العالم وتقديم المساعدة لدعم المجتمعات اليهودية المعرضة للتهديد.

5 ـ إنشاء منظمات جديدة، أو دعم المنظمات القائمة، لحماية اليهود الذين يختارون البقاء في المجتمعات المتدهورة بسبب الهجرة أو النمو السلبي.

6 ـ في ضوء النمو الديموغرافي السريع للأرثوذكس المتطرفين داخل إسرائيل، يجب تغيير السياسة الحريدية، لأن الوضع الحالي يشكل تحديا كبيرا لاستمرار ازدهار دولة إسرائيل.

7 ـ على إسرائيل العمل في إطار تحالف دولي، وتوقيع اتفاقيات سلام إضافية. وسوف تتضاءل الحاجة إلى زيادة ميزانية الدفاع مع تزايد عمل إسرائيل في قوات مشتركة مع الدول الغربية لمواجهة إيران.

التعليق

يبين هذا التقرير حجم الإنجاز الكبير الذي حققه، وما زال يحققه، طوفان الأقصى، وحجم الفرص والتهديدات التي تواجه القضية الفلسطينية والمنطقة بما يستوجب تحركا جادا للبناء على نتائج الطوفان، ومواجهة المخاطر التي تتهدد المنطقة. كما يكشف التقرير أيضا عن الضعف الذي تعاني منه إسرائيل. وقد استعرضنا هذا من قبل في مقال بموقع "عربي21"، عنوانه "معهد سياسة الشعب اليهودي ومستقبل إسرائيل"، في 9 فبراير شباط 2024، والذي عرضنا فيه ملخص تقريرين للمعهد تناولا سيناريوهات المستقبل والعناصر المحددة لقوة أو ضعف إسرائيل والشعب اليهودي.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب تقريره الحرب غزة تداعياته الفلسطيني فلسطين غزة تقرير حرب تداعيات كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الیهود الأمریکیین الولایات المتحدة السابع من أکتوبر معاداة السامیة الشعب الیهودی فی الجامعات على إسرائیل مع إسرائیل إسرائیل فی عن إسرائیل هجوم حماس إلى جانب من قبل على أن

إقرأ أيضاً:

هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا

لم يعد اليمين الأكثر تطرفًا في إسرائيل، يبدي أي قدرٍ من الحياء أو التحسب والحذر، وهو يبوح بما يختزنه في عقله الأسود، من مخططات ومشاريع، تكاد تطال مختلف دول المنطقة ومجتمعاتها، وتمسّ بالعمق، أمنها واستقرارها وسيادتها وسلامة أراضيها ووحدة شعوبها.

آخر الصيحات التي خرجت من أفواه قادته، جاءت على لسان الوزير جدعون ساعر، ودعوته لتشكيل "حلف أقليات" في الإقليم، تستند إليه إسرائيل في استهداف أعدائها من شرقي المتوسط إلى ضفاف قزوين.

لم يكن الرجل قد قضى سوى أيام قلائل، في منصبه على رأس وزارة الخارجية، إثر انقلاب نتنياهو على وزير دفاعه، حتى بدأ يُلقي على مسامعنا، بعضًا من فصول "نظرته الإستراتيجية" للإقليم، الذي تشكل إسرائيل فيه، "أقلية وسط أغلبية معادية"، مُقترحًا البحث عن "مُشتركات" مع أقليات أخرى، بدءًا بدروز سوريا ولبنان، وليس انتهاء بأكراد سوريا، والعراق، وتركيا، وإيران، فاللعب على ورقة "المكونات"، كفيل بجعل إسرائيل، "أكبر الأقليات وأقواها"، في فسيفساء المشرق العربي وهلاله الخصيب ودول الجوار الإقليمي للأمة العربية.

الأمر الذي يدفع على الاعتقاد الجازم، بأن ساعر لم يعرض سوى رأس جبل الجليد من مشروعه لـ "تجزئة المجزَّأ"، في حين ظل الجزء الأكبر منه، غاطسًا تحت السطح، وهو بالقطع، يشمل مختلف "المكونات" الاجتماعية في دول المشرق وجوارها الإقليمي.

وبالنظر إلى السياق الذي طُرح فيه، "حلف الأقليات" وتوقيت هذا الطرح، يمكن الافتراض، بأن تركيا، قبل غيرها، وأكثر من غيرها من الدول المستهدفة، هي الحلقة الأولى في إستراتيجية التفكيك المنهجي المنظم، لبنية هذه المجتمعات ووحدة وسلامة أراضي هذه الدول.

فأنقرة، رفعت وتيرة انتقاداتها لحرب إسرائيل البربرية على غزة ولبنان، وهي تقدم حماس والجهاد وبقية الفصائل الفلسطينية، بوصفها حركات تحرر وطني مشروعة، في مواجهة "طوفان الشيطنة" و"حرب الإلغاء" اللذين تتعرض له من قبل آلة "البروباغندا" الإسرائيلية، المدعومة من قبل أوساط غربية وإقليمية وازنة.

ولعلّ هذا ما تنبهت إليه القيادة التركية، مبكرًا وقبل أن يُخرج ساعر ما في جوفه، عندما بدأت التحذير من مغبة تطاير شرارات الحرب إلى سوريا، وعلى مقربة من حدودها، بل وإبداء الاستعداد لمواجهة تركية – إسرائيلية إن تدحرجت كرة النار، وعجز المجتمع الدولي عن وقفها.

وفي كل مرة صدرت فيها عن أنقرة، تحذيرات من هذا النوع، كانت أنظار المسؤولين والناطقين باسمها، تتجه إلى لعبة "المكونات" التي تريد إسرائيل فرضها على الإقليم، بدعم وإسناد من دوائر غربية عديدة، وتحت حجج وذرائع ومزاعم شتى.

مبادرتان استباقيتان

في هذا السياق، يمكن النظر إلى المبادرات الاستباقية الأخيرة التي صدرت عن أنقرة، وأهمها اثنتان: الأولى؛ داخلية، وصدرت عن دولت بهتشلي، حليف أردوغان وزعيم الحركة القومية و"ذئابها الرمادية"، الرامية لإغلاق ملف المصالحة بين أتراك تركيا وكردها، وهي مبادرة كانت مفاجئة لجهة توقيتها والجهة التي صدرت عنها، وسط قناعة عامة بأنها لم تأتِ منبتّة عن السياق الإقليمي، وانفلات "التوحش" الإسرائيلي من كل عقال، وأنها لم تأتِ من دون تنسيق مسبق بين الحليفين: بهتشلي وأردوغان.

صحيح أن المبادرة، فجّرت قلق خصومها الداخليين، بالذات على "ضفتي التطرف القومي" الكردي – التركي، وأنها أثارت انقسامًا بين "تيار قنديل" داخل أكراد المنطقة، وتيار المصالحة والاعتدال، الذي يُعتقد أن عبدالله أوجلان، يقف على رأسه، من مَحبَسه على جزيرة "إمرالي".

وصحيح أن خصوم المصالحة عملوا على تفجير مركبها قبل إبحاره وسط تلاطم أمواج المواقف والمصالح المتناقضة، بدلالة الهجوم على شركة "توساش" في قلب العاصمة التركية في الثالث والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من تصعيد في العمليات طال مناطق داخل تركيا وخارجها (سوريا والعراق).. لكن الصحيح كذلك، أن قطار المبادرة ما زال على سكته، رغم العرقلة، وأنه قد يواصل مسيره، ما دام أن وجهته النهائية، تحصين الداخل التركي في مواجهة مؤامرات التفكيك.

أما المبادرة الثانية؛ فسابقة على تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وإن كانت اكتسبت زخمًا إضافيًا في الأسابيع الأخيرة، والمقصود بها، الرغبة التركية الجارفة بالمصالحة مع دمشق، وعروض الرئيس التركي المتكررة، للقاء الأسد، وإغلاق صفحات الخلاف (الصراع) بين البلدين.. وهي المبادرة، المدفوعة بجملة من الحسابات والاعتبارات التركية، من بينها قضية اللاجئين السوريين، وأهمها "المسألة الكردية".

والحقيقة أن أنقرة، لم تكن بحاجة لأن تنتظر جدعون ساعر ليخرج ما في "صندوقه الأسود" من مشاريع طافحة بالعدائية لتركيا، حتى تبدأ بالتحرك المضاد، وتشرع في العمل على إحباط مراميها وأهدافها، والمؤكد أنها كانت تدرك، أن "النجاحات" التي سجلتها إسرائيل على الجبهة الشمالية مع لبنان، وفي مواجهة حزب الله، وتكثيفها العمليات ضد حزب الله وإيران في سوريا، فيما يشبه الاستباحة الكاملة للأجواء والسيادة السوريتين، من شأنها إحياء النزعات الانفصالية لدى بعض تيارات الحركة الكردية في المنطقة، ما دام أن هذه النزعات كانت قد تغذّت تاريخيًا وتضخمت، على جذع "الغطرسة" و"الاستعلاء" الإسرائيلي.

كما أن التطاول الإسرائيلي المتكرر على إيران، سواء في عمقها أو مناطق نفوذها، وعدم نجاح الأخيرة في بناء معادلة ردع صارمة في مواجهة التهديدات باستهداف برنامجَيها النووي والصاروخي – من ضمن أهداف إستراتيجية أخرى – ساهم بدوره في زيادة المخاوف التركية، من تضخم الدور الإقليمي لإسرائيل، ولجوء تل أبيب لاستخدام أسلحة وأدوات من النوع الذي تحدث عنه ساعر: "حلف الأقليات".

العامل الأميركي

لم تكن علاقات تركيا بإدارة بايدن سلسة دائمًا، وغلب عليها التوتر في بعض الأحيان على حساب مقتضيات عضوية البلدين في "الناتو"، ومن بين جملة الأسباب الباعثة على فتور العلاقات وأحيانًا توترها، احتلت "المسألة الكردية" مكانة متميزة في صياغة شكل ومحددات العلاقة مع إدارة بايدن الديمقراطية.

فالرئيس بايدن، عُرِفَ عنه، تاريخيًا، تعاطفه الشخصي مع "الانفصالية" الكردية، وهو كان سبّاقًا من موقعه في مجلس الشيوخ لعرض تقسيم العراق إلى دويلات ثلاث. ودعم بكل قوة، قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والأطر والأذرع السياسية والاجتماعية والمالية المنبثقة عنها والموازية لها.

ونافح بقوة أيضًا عن بقاء وحدات من الجيش الأميركي في مناطق شمال شرق سوريا؛ لحماية الحركة الكردية وتدعيمها، إن في مواجهة دمشق وطهران وحلفائهما، أو بالأخص في مواجهة تركيا. وهو أغدق على أكراد سوريا، الأكثر قربًا من "مدرسة أوجلان" والـ "بي كي كي"، السلاح والعتاد، الأمر الذي لطالما قرع نواقيس الخطر في مراكز صنع القرار في الدولة التركية.

وربما لهذا السبب بالذات، سقطت أنباء فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية واكتساح حزبه الجمهوري مقاعد الأغلبية في مجلسَي الشيوخ والنواب، بردًا وسلامًا على تركيا ورئيسها رجب طيب أردوغان، فالأول نجح في إقامة "علاقات عمل" مثمرة، ونسج بعض خيوط الصداقة مع الأخير، لأسباب لا مجال للخوض فيها في هذه المقالة، وهو متحرر من أية صلات أو "مشاعر" حيال كُرد المنطقة، والأهم، أنه بادر في ولايته الأولى إلى الإعلان عن نيته سحب قواته من شمال سوريا، وقد يستكمل في ولايته الثانية، ما كان بدأ به، قبل تدخل مؤسسات "الدولة العميقة" الأميركية لإحباط مساعيه آنذاك.

على أن مشاعر الارتياح للتحولات الأخيرة في الإدارة والكونغرس الأميركيين، لا تكفي لتبديد مخاوف أنقرة مما يمكن لتل أبيب، أن تقدم عليه. فالأتراك، بلا شك، يدركون أتم الإدراك، "مساحات المناورة وحرية الحركة" التي تتمتع بها إسرائيل في علاقاتها مع الولايات المتحدة.

ويعرفون تمام المعرفة، أن اليمين الفاشي في تل أبيب، قادر على مغازلة مشاعر اليمين الأميركي المتطرف، ومداعبة أولويات "الدولة العميقة" في الولايات المتحدة، وبالضد من إرادة الإدارة في بعض الأحيان، إن تطلب الأمر و"المصلحة العليا" ذلك. ومن هنا يمكن القول إن مشوار تركيا في تعاملها مع "المسألة الكردية"، لن يكون معبدًا وسلسًا.

أنقرة تعوّل أيضًا على قلّة اهتمام ترامب بالقضية السورية، وتلمّست خلال ولايته الأولى، استعداده للتسامح مع دور روسي متنامٍ في سوريا، وتحبيذه تنامي هذا الدور على حساب الدور الإيراني بالأخص، فيما الرجل ربما يكون مقبلًا على فتح صفحة من التعاون مع الكرملين في أوكرانيا، وملفات أخرى، على الساحة الدولية.

وأنقرة تعوّل أيضًا على ما يمكن لموسكو أن تفعله بوحي من مصلحتها في خروج القوات الأميركية من سوريا، إن لجهة حفز جهودها للمصالحة مع دمشق، أو لجهة التوسط بين القامشلي والأسد، فضلًا عن تخفيف احتقانات علاقاتها مع إسرائيل، في ضوء ما يشاع عن جهود روسية للدخول على ملفات الوساطة بين إسرائيل ولبنان، ونوايا لم تتضح بعد، تنمّ على دعم روسي لقيام سوريا، بدور في الحد من قدرة حزب الله على إعادة بناء قدراته العسكرية، حال وضعت الحرب على هذه الجبهة، أوزارها.

هي مرحلة جديدة، تدخلها العلاقات التركية الإسرائيلية، تحكمها ثوابت ومتغيرات لدى الطرفين، في بيئة محلية وإقليمية بالغة التعقيد، والأيام المقبلة، تبدو محمّلة بكل جديد.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • هذه هي المخططات الخفية التي تُدبّرها إسرائيل لتركيا
  • بعد عقوبات أمريكية على 6 من قادتها.. حماس: سلوك منحاز لإسرائيل
  • "طوفان الأقصى" تعصف باستقرار المستوطنين وتدفعهم للهجرة
  • حماس تستنكر العقوبات التي فرضتها أمريكا بحق قادة الحركة
  • التطورات في الحرب الأوكرانية.. ماذا تعني لإسرائيل؟
  • وزير الإعلام يزور مكتب حماس ويسلّم شهادات تكريمية للإعلاميين الفلسطينيين
  • نتنياهو: حماس هي العائق أمام إتمام صفقة التبادل لإعادة المحتجزين من غزة
  • أستاذ تاريخ: العالم يعيش أجواء حرب عالمية ثالثة
  • صحف عالمية: اغتيال عفيف يعكس مدى توسع هجوم إسرائيل ضد حزب الله
  • تقييم "قاتم" لحالة الرهائن الإسرائيليين لدى حماس