ما معنى «كبُر مقتاً عِندَ اللَّهِ»؟.. علي جمعة يوضح
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إن كل قول له حقيقة في العمل؛ والله سبحانه وتعالى ينهانا أن يخالف قولنا علمنا، أو أن يخالف عملنا قولنا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}.
ما معنى كلمة كبر مقتا؟وتابع علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”: فإذا كنتم مشتغلين بالصلاة على النبي ﷺ لسانًا، فيجب أيضًا أن تشتغلوا بها في الجَنان وفي الأبدان، كما تلتزموا بها في ألسنتكم لابد أن تلزموها بأفعالكم.
وبين: [فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} لم يكلفنا الله سبحانه وتعالى إلا بأن نلهج بالصلاة على النبي ﷺ بألسنتنا، وأن نطيعه ونتأسى به في حياتنا وفي أفعالنا، وأن نجعله حكمًا بيننا فيما شجر من أمور.
يقول سيدنا رسول الله ﷺ : " لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ " هذه هي أسس المجتمع الرباني الذي يريد شياطين الإنس والجن في الداخل والخارج أن نحيد عنها.
ودعا علي جمعة في ختام حديثه قائلًا: «اللهم حققنا بسيدنا النبي المصطفى والحبيب المجتبى صلى الله عليه وآله وسلم واطبع صورته وشأنه كله ومنهجه وسيرته وسنته في قلوبنا ونفوسنا وعقولنا وحياتنا ؛ حتى نصير ربانيين نتبع النبي المصطفى والحبيب المجتبى في كل شأنه وحركاته وسكناته وحتى يملك علينا حياتنا {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}».
وجاء في تفسير الطبري: قوله:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ) يقول تعالى ذكره: يا أيها الذين آمنوا صدّقوا الله ورسوله، لم تقولون القول الذي لا تصدّقونه بالعمل، فأعمالكم مخالفة أقوالكم ( كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) يقول: عظم مقتًا عند ربكم قولكم ما لا تفعلون.
واختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله أُنـزلت هذه الآية، فقال بعضهم: أُنـزلت توبيخًا من الله لقوم من المؤمنين، تمنوا معرفة أفضل الأعمال، فعرّفهم الله إياه، فلما عرفوا قصروا، فعوتبوا بهذه الآية.
ذكر من قال ذلك : حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، في قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ) قال: كان ناس من المؤمنين قبل أن يفرض الجهاد يقولون: لوددنا أن الله دلنا على أحبّ الأعمال إليه، فنعمل به، فأخبر الله نبيه أن أحب الأعمال إليه إيمان بالله لا شكّ فيه، وجهاد أهل معصيته الذين خالفوا الإيمان ولم يقرّوا به؛ فلما نـزل الجهاد، كره ذلك أُناس من المؤمنين، وشقّ عليهم أمره، فقال الله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ )
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ) قال: كان قوم يقولون: والله لو أنا نعلم ما أحب الأعمال إلى الله؟ لعملناه، فأنـزل الله على نبيه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا ) ... إلى قوله: بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ فدلهم على أحبّ الأعمال إليه.
حدثنا ابن حُمَيْد، قال: ثنا مهران، عن سفيان، عن محمد بن جحادة، عن أَبي صالح، قال: قالوا: لو كنا نعلم أيّ الأعمال أحبّ إلى الله وأفضل، فنـزلت: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ فكرهوا، فنـزلت ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ ) .
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: علي جمعة الصلاة على النبي تفسير الطبري م ا لا ت ف ع ل ون ا ت ف ع ل ون م ن وا ل م ت ق ول ون علی جمعة ى الله
إقرأ أيضاً:
علي جمعة: حين يغيب قلبك عن ذكر الله يغيب نور الله عن قلبك
قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، ان هناك قلوب قاسية، وهناك قلوب عليها أقفال، وهناك قلوب عليها غلف، وهناك قلوب عليها ران، وهناك قلوب عليها حجاب، وهناك قلوب مظلمة... وهكذا. وكل نوع من هذه الأنواع يشترك في شيء واحد ويتعدد في صفات كثيرة؛ كل هذا يشترك في الغفلة عن الله: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}. كل هذه الصفات تغفل عن الله -سبحانه وتعالى- فتتوه في هذه الحياة الدنيا بجزئياتها، بتكاثر جهاتها، وبمجالاتها المختلفة، بنكدها، بكدرها، بشواغلها ومشاغلها. فما دام قد غاب قلبك عن ذكر الله وغاب الله عن قلبك، فإنك ستتصف بصفة من هذه الصفات ولابد: { قَسَتْ قُلُوبُكُمْ}؛ يعني أنها لم يعد يؤثر فيها الذكر.
وأضاف جمعة، في منشور له عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، ان الفطرة التي فطر الله الناس عليها هي: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. سارع إلى الله؛ فعندما تُذكِّر الإنسان يتذكر، وعندما تُذكِّره بالله يرجو وجه الله أو يخاف من عذاب الله. ولكن هناك قلوب تُذكِّرها بالله فكأن في آذانها وقر. يقول تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ}؛ يعني لا ينفع فيها الذكر {مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ}. والكاف للتشبيه والتمثيل، والحجارة شأنها الصلادة والصلابة، والحجارة شأنها أنها لا تتحرك إلا بمحرك. فالحجارة صلبة وليست لينة بحيث إذا أصابت أحدنا فإنها تصيبه، لكن لو نزل علينا ماء لا يصيبنا بشيء. {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }. يبدو أن التشبيه بكون قلوبهم كالحجارة فيه شيء من الظلم للحجارة نفسها. لماذا؟ لأن بعض الحجارة، إذا دُقَّ فيها مسمار، يدخل دون أن تمانع أو ترفض. بل إن الحجر قد يتكسر إذا تعرض لضغط كافٍ. ومع ذلك، هناك قلوب لا تلين أبداً، وتبقى قاسية بشكل مستمر، لا تتأثر ولا تتغير.
{أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} يبين لنا نقطة مهمة جدًا، وهو الإنصاف في إدراك الواقع. في كل آيات القرآن شيء خفي يعلم المسلم العدل والإنصاف. هل كل القلوب هكذا؟ قال: لا، بعضهم. وهل بعضهم على درجة واحدة؟ قال: لا، بعضهم كالحجارة، وبعضهم أشد قسوة من الحجارة. إذًا يعلمني نقطة مهمة في كيفية إدراك الواقع: أني لا آخذ الآخر جملة واحدة، فمنه ومنه. فالآخر يوجد منه من هو ضدك ويدبر للقضاء عليك، ومنه من هو معك ويؤيدك ويحبك، ومنه من لا يعرفك ولا يعرف عنك شيئًا ولم يسمع عنك شيئًا من قبل، ومنه من عنده صورة مشوهة لك من كذب وافتراء الناس، ومنه من هو عدوك لكنه شهم لا يؤذيك. فدائمًا تعلم الإنصاف. فربنا -سبحانه وتعالى- يأمرك بالعدل ويأمرك بالإنصاف. وفي كل الأمثلة عندما تفتش فيها ستجد فيها معاني، وهذه هي هداية الكتاب المبين
{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً}. وأيضًا لم يقل كل الحجارة: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ }. هل الناس التي قلوبها كالحجارة ممكن أن يأذن الله بأن تتفجر منها الأنهار؟ طبعًا، الله يفعل ما يشاء. فحينئذ يستطيع هذا الذي كان قلبه كالحجارة، وبإذن الله، وعندما يمن الله عليه ويهديه، أن تتفجر منه منابع الخير.
وهذا يوصلنا إلى نقطة مهمة: ألا نحتقر أحدًا من الناس ولا نحتقر عاصيًا. وإنما نكره فعله السيئ، لكن لا نكره الإنسان حتى ولو فعل هذا الفعل. ننكر عليه، وننكر فعله، ويمكن أن نعاقبه أيضًا، ولكن لا نكرهه.
إذن، فالآية تشير إلى أننا لا نحتقر أحدًا من البشر، ولكن نحقر أفعالهم وقسوة قلوبهم، ونتمنى لهم الخير والسعادة. نقول إن هذا الحجر يمكن أن يتفجر منه الأنهار، فنفتح له باب الرحمة وباب الخير وعدم اليأس من رحمة الله.