مستشار سابق بالأمم المتحدة لـعربي21: إعمار قطاع غزة قضية سياسية بامتياز
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
أكد المستشار السابق للأمم المتحدة لإعمار قطاع غزة والرئيس السابق للفريق الوطني الفلسطيني لإعمار غزة التابع للحكومة الفلسطينية، مأمون بسيسو، أن "عملية إعادة إعمار قطاع غزة أصبحت للأسف قضية سياسية بامتياز، وباتت مرتبطة بشكل وثيق بمستقبل غزة السياسي".
وقال بسيسو، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن "هناك اشتراط سياسي لدى الدول المانحة بأنها لن تقدم الدعم المالي للإعمار إلا بعد أن تضمن توفر الاستقرار في قطاع غزة وعدم نشوب حرب جديدة تُدمّر مُجدّدا كل ما سيتم إعماره".
ولفت إلى أن "الأمم المتحدة تتجنب استخدام مصطلح التعويض في عملية إعادة الإعمار؛ لأن القوانين الدولية تنص على أن الذي تسبّب في الدمار هو المُلزم بالتعويض، ولذلك تتحدث المؤسسات الدولية عن تقديم مساعدات للناس ومنح للإعمار، وتقول إنها تساعد وتساهم في دعم جهود الاستقرار والسلام في المنطقة العربية، وخاصة في فلسطين".
وأوضح بسيسو أنه "تم وضع العديد من السيناريوهات المختلفة لليوم التالي في غزة، ولا يمكن الجزم بما سيحدث لأن الأحداث تتطور بشكل دراماتيكي، مضيفا: "هناك 25 سيناريو لليوم التالي في غزة، وهذه السيناريوهات تُدرس من وراء الكواليس في القاهرة والدوحة وإسطنبول بشكل غير مُعلن".
وإلى نص الحوار الخاص مع "عربي21":
كيف تنظرون لعملية إعادة إعمار قطاع غزة بعد انتهاء الحرب؟ وهل هذه العملية المرتقبة ستكون مختلفة عن غيرها من عمليات إعادة الإعمار السابقة؟
دون أدنى شك، هذا العدوان الذي قارب العام يختلف بشكل جذري عن سلسة العدوان السابقة، وذلك نظرا لحجم الضحايا وحجم الدمار المهول والفترة الزمنية التي ستتجاوز العام، ووفقا لأحدث التقديرات فإن كلفة الإعمار تصل إلى 80 مليار دولار.
وفي الخسائر البشرية، لدينا أكثر من 150 ألف ضحية من المدنيين ما بين شهيد ومفقود وجريح، وهناك1.9 مليون نازح (90% من سكان غزة)، ويواجه مليون شخص مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي، وهناك دمار كبير طال الوحدات السكنية والمنشآت الاقتصادية والبنية التحتية والطرق، وأكثر من 60% من المباني السكنية تدمرت، وأكثر من 80% من المرافق التجارية تدمرت، وأكثر من 65% من إجمالي شبكة الطرق تدمرت. لذلك من الطبيعي أن العملية المرتقبة للإعمار ستكون مختلفة وبشكل جذري عن جميع التجارب السابقة.
ومن الناحية الفنية، هناك تغييرات في مفهوم إعادة الإعمار عند الفلسطينيين، وينبغي تركيز الإعمار على تعزيز الصمود والاستدامة والتنمية الشمولية والمشاركة، فضلا عن ضرورة تعزيز دور المجتمع المدني، وتعزيز جهود القطاع الخاص.
وهناك جهود أخرى غير الجهود المعروفة حاليا، والجميع ينتظر نهاية الحرب حتى نعلم مَن هو المسؤول عن إدارة الإعمار، هل السلطة الفلسطينية منفردة ستقوم بالإعمار أم هل ستقوم جهات أخرى بالإعمار؟
ولقد اقترحنا ضرورة وجود هيكلية جديدة ومختلفة لعملية الإعمار، وهي قيد النقاش والدراسة، والسؤال الأصعب: ما هي آلية الإعمار المتوقعة؟، فنحن لدينا نحو 40 مليون طن من الركام، وإذا تمت معالجتها في الآلية السابقة سنحتاج إلى 10 أعوام، وعملية الإعمار تنتظر موقف الأطراف السياسية والفاعلة في المشهد.
هل هناك جهود تُبذل في هذا الإطار حاليا؟ وكيف سيتم تعويض الأسر المتضررة؟
منذ اليوم الأول للعدوان الإسرائيلي، باشرت الأمم المتحدة وباقي المؤسسات الدولية تدخلات كثيرة وعديدة مستمرة، ويتم التركيز حاليا على المساعدات الإنسانية الإغاثية الطارئة وتوفير مستلزمات الحياة الأساسية من طعام ومياه ومسكن مؤقت عبارة عن خيام، إضافة إلى الحد الأدنى من الخدمات الصحية، آخذين بعين الاعتبار أن الاحتلال يعيق بشكل كبير جهود المؤسسات الدولية، ويتم التحكم من قِبل الاحتلال في كل ما يدخل قطاع غزة.
لكن من المبكر لأوانه الحديث الآن عن تعويض الناس عن الأضرار، وذلك لحين انتهاء الحرب بشكل كامل.
وحتى هذه اللحظة، لا توجد تعهدات رسمية مُلزمة من أي مؤسسات دولية بخصوص ملف الإعمار، حتى قطر التي ضخت سابقا أكثر من مليار دولار في الإعمار لا تزال تنتظر القرار النهائي حتى الآن، والانتظار سيد الموقف.
ما هي الأولويات العاجلة لإعادة الإعمار في قطاع غزة من وجهة نظرك؟
الأولوية الأولى هي إنقاذ ما تبقي من أرواح ووقف الحرب، ويلي ذلك تقديم الخدمات الأساسية المنقذة للحياة وتشمل المياه والطعام والمأوى المؤقت، ثم يلي ذلك تقديم الخدمات الأساسية من حيث الخدمات الصحية وإزالة النفايات والركام، وإعادة ترميم البنية التحتية والطرق والكهرباء، وتقديم خدمات الاتصالات والإنترنت، واستئناف التعليم. من المهم تقديم خدمات الدعم النفسي لكل الناس وخصوصا الأطفال الذين تعرّضوا لصدمات عصبية كبيرة نتيجة الحرب.
ما بعد الحرب هناك مرحلة أولى يتم التركيز فيها على تقديم الإغاثة الإنسانية الطارئة، ويلي ذلك مرحلة التعافي المبكر، وبعد هذا تأتي عملية الإعمار الشامل، والتي ستستغرق سنوات طويلة للأسف.
هل عملية إعادة الإعمار مرتبطة بالحلول السياسية للقضية الفلسطينية أم لا؟
عملية إعادة الإعمار للأسف أصبحت قضية سياسية بامتياز، ولذلك إعمار غزة مرتبط بشكل وثيق بمستقبل قطاع غزة السياسي، وهذا اشتراط سياسي لدى الدول المانحة أنها لن تقدم الدعم المالي للإعمار إلا بعد أن تضمن توفر الاستقرار في قطاع غزة وعدم نشوب حرب جديدة تُدمّر مُجدّدا كل ما سيتم إعماره. وهنا أشير إلى أن هناك مؤسسات دولية عانت من الإحباط في الملف الفلسطيني؛ جراء استمرار الانقسام السياسي الفلسطيني.
كيف ترى موقف المؤسسات الدولية عامة، والسلطة الفلسطينية خاصة، من آلية إعادة الإعمار؟
المؤسسات الدولية على اختلافها، وخصوصا الأمم المتحدة، تبذل جهودا كبيرة تتعلق بالإغاثة والإعمار، وهذا ما تقوم إسرائيل بتعطيله، وقد وضعت إسرائيل قيود كبيرة على عمليات الأونروا، وقامت بتدمير العديد من مقراتها ومنعتها من العمل، واستهدفت موظفي الأونروا وقتلت منهم عدد كبير يزيد عن 224 موظف، إضافة إلى تدمير المدارس وتدمير المراكز الصحية الخاصة بالأونروا.
السلطة الفلسطينية ليست في وضع مثالي؛ فهي أيضا مُستهدفة ومُحاصرة، والسلطة الفلسطينية تتحمل المسؤولية الكاملة عن عملية الإعمار بغزة باعتبارها الجهة الشرعية الوحيدة المُعترف بها دوليا، وبالتالي تم تأسيس الفريق الوطني لإعمار غزة ليكون مؤسسة مستقلة الآن.
السلطة الفلسطينية أعلنت التزامها بالمشاركة في عملية الإعمار وقدّمت خطة للقمة العربية الأخيرة التي انعقدت في البحرين، وكذلك قدّمت أكثر من خطة للإعمار، وهي في نقاش مستمر مع المانحين. مؤخرا أعلن رئيس الوزراء الفلسطيني رؤية الحكومة الفلسطينية لإعمار غزة بإنشاء صندوق ائتماني تحت إدارة البنك الدولي لاستقطاب أموال المانحين، كذلك سيتم إنشاء هيئة فنية مستقلة لإدارة ملف إعمار غزة بإشراف من السلطة الفلسطينية والمؤسسات الدولية المانحة.
في الواقع، المؤسسات الدولية الآن تنتظر موقف السلطة الفلسطينية من آلية إعادة الإعمار، والسؤال: هل ستقع السلطة الفلسطينية مرة أخرى في خطيئة كبرى وتوافق على نفس الآلية السابقة؟، وبالتالي تقتل أي بوادر للإعمار؟، وحديثنا اليوم مع المؤسسات الدولية؛ فنحن في حوار دائم معهم، ونبحث عن حل سياسي مُستدام، لأن أي عملية إعمار غزة في غياب حل سياسي مُستدام هي مجرد عبث لا طائل منه، رغم أنه يتكرر بشكل دائم.
كيف تنظرون لموقف إسرائيل المحتمل من عملية إعادة إعمار غزة؟
جرت العادة وفي كل الاعتداءات السابقة أن إسرائيل ستعيق عملية الإعمار حتى تتحول غزة إلى بؤرة من البؤس والمعاناة. آلية الإعمار السابقة جعلت إسرائيل المتحكم في دخول مواد البناء واشتراط موافقة إسرائيلية مسبقة على مشاريع الإعمار في غزة، لذلك من المتوقع أن تضع إسرائيل عراقيل كثيرة تبطئ من عملية إعادة الإعمار، وهذا ما ترفضه المؤسسات الدولية.
والبعض يسأل: هل ستتوجّه إسرائيل نحو الإنعاش الاقتصادي لغزة وتقديم بديل اقتصادي مزدهر لغزة حتى يبتعدوا عن العنصرية في القطاع أم ستتعاظم المعاناة في غزة حتى تكون درسا لما يحدث في الضفة الغربية؟
لماذا تتجنب الأمم المتحدة استخدام مصطلح التعويض في عملية إعادة الإعمار؟
حسب القوانين الدولية، أن الذي تسبّب في الدمار هو المُلزم بالتعويض. وفي هذه الحالة إسرائيل التي دمّرت وهي مُلزمة من الناحية القانونية بتعويض أهالي غزة وتحمل تكاليف إعادة الإعمار، لكن إسرائيل تزعم أن ما تقوم به هو دفاع عن النفس حتى تتهرب من التزاماتها القانونية.
المؤسسات الدولية ترفض مبدأ التعويض حتى لا يتم تحميلها مسؤولية الدمار، وحتى لا يكون التعويض إلزامي بحقها، ولذلك تتحدث المؤسسات الدولية عن تقديم مساعدات للناس ومنح للإعمار، وتقول إنها تساعد وتساهم في دعم جهود الاستقرار والسلام في المنطقة العربية، وخاصة في فلسطين.
هل ترى أن هناك إجراءات قانونية يمكن اتخاذها ضد إسرائيل لتعويض الأضرار الناتجة عن الحرب؟
اللجوء إلى المؤسسات الدولية مثل محكمتي "العدل الدولية" و"الجنايات الدولية"، مع العلم أن إسرائيل تدعي أنها في حالة دفاع عن النفس حتى تتنصل من مسؤولياتها.
برأيكم، ما هي السيناريوهات المختلفة لليوم التالي في غزة بعد انتهاء الحرب؟
تم وضع العديد من السيناريوهات المختلفة، ولا يمكن الجزم بما سيحدث لأن الأحداث تتطور بشكل دراماتيكي. ويمكن القول إن هناك 25 سيناريو لليوم التالي في غزة، وهذه السيناريوهات تُدرس من وراء الكواليس في القاهرة والدوحة وإسطنبول بشكل غير مُعلن.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية مقابلات الأمم المتحدة السلطة الفلسطينية الإسرائيلي قطر إعمار غزة إسرائيل الأمم المتحدة السلطة الفلسطينية قطر إعمار غزة المزيد في سياسة مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات مقابلات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة عملیة إعادة الإعمار للیوم التالی فی غزة السلطة الفلسطینیة المؤسسات الدولیة إعمار قطاع غزة الأمم المتحدة عملیة الإعمار إعمار غزة
إقرأ أيضاً:
اليوم الموالي لإعلان وقف العدوان على غزة.. قراءة في كتاب
الكتاب: التداعيات الاقتصادية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وكلفة إعادة الإعمار، دراسة حقليةالكاتبان: مازن صلاح العجلة ومحمود حسين عيسى
الناشر: مركز فينيق للأبحاث والدراسات الحقلية فينيق غزة - فلسطين ديسمبر 2024
عدد الصفحات: 155 صفحة
ـ 1 ـ
لمّا أُعلنت الحرب على غزة، كان القطاع يشهد أدنى مستويات المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية تاريخيا. فقد جاء العدوان بعد أكثر من عقد ونصف من خضوعه حصار شامل استبعده إلى حد كبير من جدول أعمال التنمية، وبعد خمسة اعتداءات تدميرية سابقة. فكانت كل المعطيات تشير إلى هشاشة بنيته الاقتصادية وهيكلها العام بحيث تراجع حجم الاقتصاد في القطاع من ثلث الاقتصاد الفلسطيني عامة حتى عام 2006 الى 17% عام 2022. وكان معدل نموه الاقتصادي العام 2022 سالبا، بحيث وصل إلى 2.6- % بينما كان في عامة الأراضي الفلسطينية في حدود 2.6% إيجابي.
وانعكس هذا الوضع المتدهور على سوق العمل. فسجلت معدلات البطالة في القطاع خلال الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2023 معدلا يصل إلى نحو 46%. وكانت معطيات برنامج الأغذية العالمي تؤكّد أن أكثر من ثلث سكانه يصنفون بأنهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي. فقد طال الفقر 60% من مجموع سكانه مقارنة بنحو 19% في الضفة الغربية .
ـ 2 ـ
في هذا السياق الخاص جدا، ينزّل الباحثان مازن صلاح العجلة ومحمود حسين عيسى أثرهما "التداعيات الاقتصادية للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وكلفة إعادة الإعمار، دراسة حقلية". فيعملان على تقدير حجم التداعيات الاقتصادية وحجم التمويل المطلوب لعملية إعادة الإعمار والبحث في السيناريوهات المتوقعة لخطة التعافي بعد انتهاء العدوان ، ولا يخفيان إدراكهما أن تدهور الوضع يتزايد باستمرار مع كل يوم إضافي يعيشه القطاع تحت القصف. ويعوّلان في تحليلهما على استقصاء الإحصاءات التي تقدمها المصادر المؤسسات الرسمية التي تديرها السلطة أو مخرجات المعاهد والمراكز التابعة لمؤسسات المجتمع المدني وعلى المصادر الخارجية الصّادرة عن المؤسسات الدولية في شكل تقارير دورية عن تداعيات العدوان، مثل البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي والأونكتاد والأوتشاء ووكالات الأمم المتحدة ذات العلاقة، وبرنامج الغذاء العالمي، واليونيسيف.
ـ 3 ـ
أدت الهجمات العسكرية على قطاع غزة إلى خسائر فادحة في الأرواح، وهذا ما تتداوله وسائل الإعلام. فوصل عدد الشهداء حتى 13 أكتوبر 2024 لحظة الانتهاء من تحرير هذا الكتاب إلى 42227 شهيدا، فضلا عن عدد كبير من المفقودين تحت الأنقاض بحيث يمثل العدد الجملي ما نسبته 1.8% من السكان. وتعرض 83% من سكان القطاع للتهجير وأصبح أكثر من نصفهم على حافة المجاعة. ولكن وجوها أخرى من الإبادة يتعرض لها القطاع، تشمل المرافق الصحية والفلاحة وتوجه ضد الذات الفلسطينية جسدا دون أن تسلط عليها أضواء كافية. فالتدمير المنهجي المستمر للمنشئات الصحية يستهدف تفكيك النظام الصحي.
عتقد أنّ "اليوم الموالي" لإعلان وقف إطلاق النار يجب أن يضع على رأس أولوياته التفكير في خطة تضمن بقاء الذات الفلسطينية وضمان صمودها اعتمادا على مواردها الذاتية على المدى القصير وإقناع المؤسسات العربية والإسلامية بالعمل على انتزاع النفوذ المالي والإعلامي من اللوبيات الصهيونية على المدى الطويل لأنه وحده الكفيل بتحقيق التوازن وضمان تحرير فلسطين.لقد سجلت منظمة الصحة العالمية حتى 25 سبتمبر 2024، 516 هجومًا صحيا، و 110 منشأة صحية متضررة، منها 32 مستشفى، و 115 سيارة إسعاف. فتم تدمير 84% من جميع المرافق الصحية بتكلفة 554 مليون دولار أمريكي. ويبدو أنّ القصف قد طال ما بقي فاعلا منها بعد تحرير هذا الكتاب.
ومثل تدمير القطاع الفلاحي عنصرا مضاعفا للإبادة عبر استهداف البطون. فقد أضر العدوان بما نسبته 67.6% من الأراضي الزراعية وأكثر من %71 من الأراضي المزروعة بالأشجار وأكثر من 44% من البيوت المكيفة، ودمّر 70% من سفن الصيد و87% من قواربه الصغيرة.
ووُجّه العدوان ضد الذات الفلسطينية فكرا وعقلا. فاستهدف التدمير المنهجي قطاع التعليم. وطال 87% من المدارس، دُمّر منها ما لا يقل عن 71 مدرسة تدميرا كليا، وتعرضت 48 مدرسة إلى تدمير نصف مبانيها على الأقل وكان ثلث المدارس المتضررة ممّا تديره الأونروا. وطال نحو 200 موقع ذي أهمية تاريخية وثقافية، دمّر ثلثها تقريبا بالكامل.
ـ 4 ـ
وبديهي أنّ الخدمات العادية ستكون المستهدف الأول. ذلك شأن قطاع السكن. فقد استـأثر بالنصيب الأكبر وبلغت نسبته 72% من إجمالي الخسائر. ونتيجة لذلك تحوّل مليونا مواطن فلسطيني إلى نازحين. وقدر الجهاز المركزي للإحصاء الوطني أن عدد الوحدات السكنية المدمرة كليا وجزئيا يصل إلى 380 ألف وحدة سكنية، ربعها تقريبا مدمرٌ كليا، أو شأن قطاعات المياه والصرف الصحي والطاقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والخدمات البلدية والنقل. فقد مثلت أضرارها نسبة 19% من مجموع الخسائر. فدُمرت 510 كيلومتر من شبكة توزيع الكهرباء بالكامل أو تضررت بشدة. وأصبحت معدات إمدادات الكهرباء غير قابلة للإصلاح غالبا. ويقدّر الباحثان تكلفة إصلاحها بـ 280 مليون دولار.
وخسر قطاع النقل ما قيمته 358 مليون دولار أميركي لما كان للقصف من تأثير على الطرقات. فقد أضر ب 62% منها، تسع أعشارها من الطرقات والشوارع الرئيسية ودمّر عددا غير محدّد من العربات. وطالت أضرار قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات نحو 75% من شبكات الهاتف المحمول وشبكات الاتصالات الثابتة.
ولأن أكثر من 70% من مرافق المياه والصرف الصحي تعرّض للتلف أو التدمير أصبح حجم التلوث الناجم عن نقص المياه وملوحتها مهولا. وبلغت أضرار الأصول المادية للتجارة والصناعة والخدمات نحو عشر خسائر قطاع الخدمات. وبناء على الإحصائيات الأولية والتقييم المؤقت للأضرار، بلغت قيمة الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في قطاع غزة نهاية يناير 2024 فقط، حوالي 18.5 مليار دولار أمريكي.
ـ 5 ـ
ووصلت معدلات البطالة في الربع الرابع من عام 2023 إلى 75%، مما يعني فقدان ما لا يقل عن 200 ألف وظيفة خلال هذه الفترة. وسجلت أعلى معدلات للبطالة بين الشباب (18-29) بنسبة 95% وانخفضت كميات الغذاء المتاحة، انعدمت الإمداداته وارتفعت أسعار جميع السلع بنسب متفاوتة. فتضاعفت أسعار الطحين مثلا عشرة مرات، ليبلغ سعر الـ 50 كغ من الطحين 825 شيكل.
ويتوقع الباحثان بناء على المعطيات التي انتهيا إليها أن تكون لهذه الحرب آثار عميقة تستمر على مدى العقود القادمة وأنها ستعود بمستوى التنمية البشرية لعموم دولة فلسطين ما بين 11 عاما و 16 عاما إلى الخلف. فيتراجع مستوى التحصيل العلمي ويتدنى نصيب الفرد من الدخل، ويتأثر عميقا بنقص التغذية.
ـ 6 ـ
يخصص الكتاب قسمه الثاني لما يُصطلح عليه بـ"اليوم المالي" لوقف إطلاق النار. ويعرض التحديات الكبرى التي تواجه عملية إعادة الإعمار. ومن أهمها ما هو سياسي متعلق بقدرة القادة على تدبير الشأن العام ضمن إطار سياسي وأمني متفق عليه يكفل وصول السلع والمواد والمعدات على نطاق واسع وتمويل منسق ومرن ومتعدد السنوات. فلا يطلب إليه أن يحقّق إعادة الإعمار فحسب، بل أن يستأنف الحياة بكل جوانبها بما فيها الإغاثة والتعافي الذي يمثّل مرحلة إجبارية من الناحية الموضوعية والإنسانية، بالنظر إلى تردي أحوال سكان القطاع الإنسانية والنفسية والمعيشية، وبالنظر إلى "فداحة الخسائر واتساعها أفقيا وعموديا، وقطاعيا وجغرافيا". هذا فضلا عن استعادة الخدمات الأساسية ومواجهة تراكم الأنقاض والملوثات وما تقتضيه من إزالة وتخلص من الذخائر غير المنفجرة.
وليس المنتظر بالأمر الهيّن. فمؤسسات الأمم المتحدة تؤكد أنّ برنامج الإنعاش المبكر سيحتاج لمدة ثلاث سنوات لإعادة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الملاجئ المؤقتة وضمان إقامتهم في سكن كريم خلال السنوات الثلاث الأولى بعد وقف إطلاق النار وسيكلف ما بين 2 و 3 مليار دولار. وهو ما يظل رهين توفر التمويل ورؤى الدول المانحة.
ـ 7 ـ
ويمثّل عدم الاستقرار من التحديات الهامة التي قد تعيق عملية إعادة الإعمار. وهذا ما يوجب:
ـ وجود سلطة وطنية فلسطينية موحدة تعهدات ذات مصداقية للإسهام في صندوق إعادة الإعمار وتمويل الإغاثة الإنسانية، بما يعني ضرورة توفير اعتمادات مالية تتجاوز الـ 30 مليار دولار، وتصل حتى إلى 40 مليار دولار.
ـ الاهتمام بالأبعاد المتعددة للقضية بما فيها الإنساني والاجتماعي. فتكون إعادة دمج المناطق المتضررة وإعادة تأهيلها من الاتجاهات الرئيسية الأولوية التنمية في السنوات القادمة.
ـ تحقّق ترتيبات إقليمية ودولية لإقامة الدولة الفلسطينية وللقيام بالإصلاحات والسياسات الاقتصادية ضمن شكل جديد ضمني أو صريح للعقد الاجتماعي يشمل فلسطين بأكملها، ويقصد الباحثان بذلك إحياء العملية التنموية بالتكامل مع الخطة الوطنية العامة لدولة فلسطين، وإعادة توحيد غزة والقدس الشرقية. مع الضفة الغربية المحتلة سياسيا وإداريا وماليا واقتصاديا واجتماعيا في ظل حكومة وطنية واحدة تضمن المصالحة والتكامل بين شطري الوطن.
ولابد لإعادة الإعمار من آليات. ومما يقترحه الكتاب تشكيل مجلس أو هيئة تسند أعمال اللجان التنسيقية المحلية المتخصصة للعمل الإنساني والإغاثي القائمة الآن. ويقترحان أن يتحقق ذلك ضمن رؤية وطنية فلسطينية شاملة لما يعرف بـ "اليوم التالي" تتضمن الاستعانة بخبراء عرب ودوليين من ذوي الخبرة في مجال إعادة الإعمار وإنشاء صندوق عربي ودولي للإشراف على جمع الأموال في مجال إعادة الإعمار.
ـ 8 ـ
يمكن تنزيل هذا الأثر ضمن ما يعرف بـ"علم المستقبليات" أو "استشراف المستقبل" الذي يتزامن مع الحروب عادة. فمن التعابير الجاهزة في الحديث عن الحرب أنّ خوضها يرتبط مباشرة بالتفكير في "اليوم الموالي" لنهايتها، وأن مع إطلاق أول رصاصة يبعث أول مفاوض.
وتنطلق هذه المصادرات من كون الحرب ليست غاية في حدّ ذاتها. وإنما هي جدال عنيف بين طرفين لم يسعفهما الحوار الهادئ بالتفاهمات الضرورية. والسؤال المطروح هنا هو أي حدّ يمثل العدوان على غزة حربا تقليدية، تنسحب عليها هذه المصادرات؟
ليس المنتظر بالأمر الهيّن. فمؤسسات الأمم المتحدة تؤكد أنّ برنامج الإنعاش المبكر سيحتاج لمدة ثلاث سنوات لإعادة مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الملاجئ المؤقتة وضمان إقامتهم في سكن كريم خلال السنوات الثلاث الأولى بعد وقف إطلاق النار وسيكلف ما بين 2 و 3 مليار دولار. وهو ما يظل رهين توفر التمويل ورؤى الدول المانحة.يتحدث الكتاب عن "ضرورة تجنب أخطاء الماضي" وعن "معالجة الأسباب الجذرية بما في ذلك الحصار الذي تتعرض له غزة ومواصلة إسرائيل لعدوانها" وعن "التزام الأطراف بالمعاهدات" ضمن "ترتيبات إقليمية ودولية لإقامة الدولة الفلسطينية" في "إطار سياسي وأمني متفق عليه". ورغم صدوره في غزة نفسها تبدو هذه المقترحات بعيدة كل البعد عن إدراك الواقع. فهو لا يعي كفاية بأن ما يحدث إنما هو حرب إبادة جماعية تجري بمباركة دولية. ولا ينزله ضمن تعقيدات الصراع العربي الصهيوني، بما هو:
ـ هروب من صدام اليهودي المسيحي الذي ظهر مع ظهور الدولة القومية في أوروبا وتحويله إلى تحالف يستهدف الحضارة العربية الإسلامية في إطار الصراع المعلن بين الحضارات.
ـ ارتهان من سياسيي الغرب للوبيات الصهيونية ذات النفوذ المالي والإعلامي. لذلك فإن مواقفهم من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي ارتشاء لها لضمان الوصول إلى السلطة أو الاستمرار فيها.
ـ تأثير الاتجاهات الصهيونية المسيحية (الإنجيلية) الفاعلة في الولايات المتحدة الأمريكية خاصة والتي ترى في إسراف الإبادة تعجيلا بعودة المسيح وفق نبوءة الكتاب المقدس ليخوض معركته ضد الشرّ .
ولهذه العوامل جميعا لا ينتبه هذا الكتاب إلى أن "اليوم الموالي" لإعلان وقف إطلاق النار سيرتبط بقضم الأرض الفلسطينية ضمن خطة للتطهير العرقي التي تعمل على إحلال "شعب بلا أرض" في "أرض بلا شعب".
بالنظر إلى هذه المعطيات وإلى الوضع العربي والدولي، نعتقد أنّ "اليوم الموالي" لإعلان وقف إطلاق النار يجب أن يضع على رأس أولوياته التفكير في خطة تضمن بقاء الذات الفلسطينية وضمان صمودها اعتمادا على مواردها الذاتية على المدى القصير وإقناع المؤسسات العربية والإسلامية بالعمل على انتزاع النفوذ المالي والإعلامي من اللوبيات الصهيونية على المدى الطويل لأنه وحده الكفيل بتحقيق التوازن وضمان تحرير فلسطين.