الثابت أن العقيدة القتالية للكيان الصهيوني منذ نشأته تقوم على الحرب الخاطفة ونقل الحرب خارج حدوده، واعتماد نظرية الردع كأحد أهم الوسائل للدفاع عن وجوده، وهو ما حدث طوال سنوات الصراع العربي الإسرائيلي، وإن كان الوضع قد مر بمنعطف خطير عندما اندلعت حرب السادس من أكتوبر المجيدة عام 1973، حيث وضعت جيش الاحتلال في مأزق وجودي، ولم ينقذه غير التدخل الأمريكي المباشر في الحرب، وبأكثر من صورة أشهرها الجسر الجوي بالعدة والعتاد والمساعدات العسكرية التي فاقت التصور، بعد انهيار رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير حينذاك وبكائها، وطلب النجدة لإنقاذ الكيان الصهيوني من الانهيار.

ومن الثابت أن ما يحدد العقيدة القتالية لأية دولة هو مجموعة من العوامل منها الموقع الجغرافي، والوضع الديموجرافي، وعدد السكان وأماكن تمركزهم داخل الدولة، ومساحة الأرض وامتدادها وتضاريسها، ومحيطها من حيث التعاون أو الصراع، وقوة اقتصادها، وتماسك جبهتها الداخلية والرضا العام، وكلها عوامل تصيغ العقيدة القتالية للدولة وتحدد حجم قوتها الشاملة واستعدادها للدفاع عن حدودها ووجودها، إلى جانب حجم ونوع قواتها المسلحة وسعيها للحصول على أدوات الردع المناسبة لمواجهة التهديدات المحيطة بها.

ومن هذا المنطلق صاغت إسرائيل عقيدتها العسكرية منذ نشأتها وفق عدد من المحددات منها الردع، والحرب الخاطفة، ونقل المعركة خارج حدودها، والتفوق العسكري المطلق مع السيطرة الجوية الكاملة، وتجنب القتال المباشر أو المواجهة المباشرة في القتال، واستخدام القوة المفرطة وإلى حد الإبادة الجماعية وإثارة الذعر في صفوف المدنيين، على النحو الحاصل فيما تقوم به لإضعاف المقاومة، حاليًا.

ولقد خضعت تلك العقيدة لاختبارات عديدة أثبتت فشلها في أكثر من اختبار كان أهمها على الإطلاق انتصار السادس من أكتوبر عام 1973، والذي أصاب العقيدة القتالية للعدو في مقتل حيث أنهى بلا رجعة نظرية الجيش الذي لا يقهر، وانهارت نظرية الردع الإسرائيلي أمام بسالة الجندي المصري، الذي حطم أسطورة جيش العدو وأرسل عقيدته العسكرية إلى مزبلة التاريخ، وكشف مدى ضحالة وجبن العسكري الإسرائيلي في أية مواجهة مباشرة، وهو الأمر الذي بات يدرس في المحافل الأكاديمية العسكرية العالمية حتى وقتنا الحالي.

ثم جاءت الحرب الحالية لتلقي بظلال من الشك حول جدوى العقيدة القتالية الإسرائيلية، حيث انهارت جميع عناصرها أمام المقاومة الباسلة سواء في غزة أو الضفة الغربية أو في لبنان، وذلك على الرغم من تضرر البنية الداخلية للمقاومة في جبهتي غزة وجنوب لبنان لفقدهم عددًا كبيرًا من قياداتهم في المواجهة إلى جانب الدمار وجرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال، إلا أن الصراع ما زال مستمرًا وما تزال المقاومة قادرة على إيلام العدو ووضعه في موقف الضعف، حيث كسرت المقاومة العديد من الخطوط الحمراء في نظرية الأمن الإسرائيلي، وأهمها الوصول لعمق الكيان الصهيوني وتهديد كل شبر في داخله.

ولعل أهم عناصر انهيار العقيدة القتالية الإسرائيلية وانهيار نظرية الردع مؤخرًا تكمن في العديد من النقاط أهمها:

* عنصر المباغتة الذي قامت به المقاومة الفلسطينية في غزة في السابع من أكتوبر من العام الماضي، وضربها لنظرية الأمن الإسرائيلي في مقتل، مما استدعى التدخل الأمريكي المباشر إلى جانب بريطانيا وفرنسا وعدد آخر من الدول لإنقاذ الكيان الصهيوني من الانهيار، وإمداده بالعدة والعتاد والمعلومات وتوفير غطاء الحماية الجوية في بعض المعارك والمشاركة في القتال المباشر أحيانًا.

* امتداد أمد الصراع الذي تجاوز العام وما تبعه من آثار على كافة المستويات السياسة والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية، حيث بدا الانهيار داخل المجتمع الإسرائيلي، والذي أصبح يعيش معظم أوقاته داخل الملاجئ، وتصاعد الهجرة الداخلية وهروب سكان الشمال الإسرائيلي وغلاف قطاع غزة من قطعان المستوطنين إلى مدن الداخل، وتصاعد موجات الهجرة العكسية منذ اندلاع المواجهات بوتيرة متصاعدة، والانهيار الاقتصادي والركود الذي تجاوز حد الخطر وضرب الاقتصاد في مقتل، بالإضافة إلى توجه معظم مصادر الدخل القومي إلى تمويل الحرب، وذلك على الرغم من المساعدات الأمريكية والغربية التي تخطت عشرات المليارات من الدولارات، لإبقاء الكيان الصهيوني على قيد الحياة.

* انهيار حائط الحماية الأمنية الإسرائيلية، وتجاوز المقاومة للخطوط الحمر، وتجاهل نظرية الردع الإسرائيلي عبر الوصول إلى داخل الكيان الصهيوني وتهديد كل شبر فيه، وهو ما تجلى في نفاذ المقاومة إلى داخل الكيان المحتل وفي غلاف غزة، وأسر عدد كبير من قوات العدو، وقيام حزب الله في نشر الرعب في شمال الكيان المحتل وتهجير سكانه من قطعان المستوطنين، إلى جانب وصول صواريخ حزب الله وصواريخ المقاومة في غزة والصواريخ والمسيرات الإيرانية إلى كل شبر داخل كيان العدو مع تهديد مباشر للقواعد العسكرية والمطارات الحربية، وهو ما كشف هشاشة إسرائيل من الداخل رغم الحماية الأمريكية- البريطانية- الفرنسية لهذا الكيان اللقيط.

يبقى القول إن صمود المقاومة هو العامل الحاسم في حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وذلك على الرغم من الثمن الفادح الذي يدفعه هذا الشعب البطل في قطاع غزة وفي الضفة الغربية، إلى جانب ما يدفعه الشعب اللبناني الشقيق ثمن وقوفه إلى جانب المقاومة في فلسطين، وعبر تلك التضحيات وحدها والثمن الباهظ الذي يدفعه الشعبان الفلسطيني واللبناني وما يتعرضان له من حرب إبادة جماعية ومجازر، إلا أن النصر دائمًا قرين كل مقاومة، والاحتلال إلى زوال وفق معطيات التاريخ.ِ

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: إسرائيل لبنان العدوان الإسرائيلي الوضع في لبنان المقاومة الکیان الصهیونی نظریة الردع إلى جانب

إقرأ أيضاً:

باعتراف هاليفي.. جيش الاحتلال الإسرائيلي مهدد بنقص حاد في الجنود وأداء متراجع بغزة ولبنان

اعترف رئيس الأركان الإسرائيلي، هرتسي هاليفي، اليوم الثلاثاء، خلال مثوله أمام لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست، بأن جيش الاحتلال الإسرائيلي لم يتمكن من تحقيق تحولات جوهرية أو نتائج حقيقية، رغم خوضه قتالاً مستمراً في سبعة قطاعات على مدار أكثر من عام وأربعة أشهر، وهذا التصريح عكس حالة من الجمود والفشل في تحقيق أهداف إسرائيل العسكرية بشكل واضح، وجاءت تلك التصريحات بعد أيام من استقاله هاليفي واعترافه بفشل إسرائيل في التصدي لهجوم 7 أكتوبر 2023.

الاعترافات والإخفاقات

وأقر هاليفي خلال مثوله في الكنيست اليوم، أن وضع جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب «السيوف الحديدية» صعب للغاية، مشيرًا إلى أن جيش الاحتلال يواجه تحديات حقيقية، منها النقص الحاد في الموارد البشرية والحاجة إلى زيادة عدد الجنود بعشرات آلاف، ويكون غالبيتهم من المقاتلين، كما أشار إلى أزمة التجنيد في المجتمع الحريدي، مؤكداً أن جيش الاحتلال لا يستطيع تحقيق أهدافه دون فرض عقوبات فعالة على من يرفض التجنيد، قائلًا: «بدون عقوبات، من الصعب إحداث تغيير حقيقي» حسبما نشرته الصحيفة الإسرائيلية معاريف.

الفشل يُطارد جيش الاحتلال الإسرائيلي

وفي سياق حديثه عن الوضع الأمني، لفت هاليفي إلى أن العمليات العسكرية المستمرة لم تؤدِ إلى نتائج حاسمة على الأرض، حيث قال إن «الواقع الجديد يخلق مخاطر كبيرة»، مشيراً إلى أن التغيرات الإقليمية الناتجة عن الحرب قد تكون سلاحاً ذا حدين، وحول التحقيقات المتعلقة بالفشل الأمني والعسكري، اعترف هاليفي بأن الجيش بدأ التحقيقات دون طلب من الجهات المختصة، لكنه أشار إلى بطء سير التحقيقات بسبب كثرة التفاصيل والأحداث وضغط العمليات القتالية، مضيفا: «الجودة مهمة جداً، لكننا نحتاج إلى وقت أطول بسبب الوضع الميداني» .

أداء متراجع في غزة ولبنان

وعلى صعيد العمليات الميدانية، أكد هليفي أن الأضرار التي لحقت بحماس في قطاع غزة كبيرة، لكنها لم تنجح في القضاء على التهديد تماماً، كما اعترف بأن الجيش لم يتمكن من القضاء على التهديد الكامل في لبنان، رغم استهدافه عشرات الآلاف من الأهداف، واصفاً التهديد الحدودي بأنه «لا يزال كبيراً ويحتاج إلى تعامل قوي»

تحالفات هشة ورؤية ضبابية

وفي إشارة إلى الشراكات الإقليمية، شدد هاليفي على أهمية التعاون مع الولايات المتحدة في مواجهة التهديدات الإيرانية، لكنه لم يقدم رؤية واضحة لكيفية مواجهة التحديات المقبلة، كما أشار إلى الاستعداد لمواجهة التهديدات القادمة من اليمن، لكنه اكتفى بتصريحات عامة دون تقديم تفاصيل حول استراتيجية الجيش للتعامل مع هذه المخاطر.

مقالات مشابهة

  • البخيتي: استقرار المنطقة مرهون بالتزام الكيان الصهيوني بوقف إطلاق النار في فلسطين ولبنان
  • باعتراف هاليفي.. جيش الاحتلال الإسرائيلي مهدد بنقص حاد في الجنود وأداء متراجع بغزة ولبنان
  • عودة الفلسطينيين إلى شمال غزة محاكاة ليوم تحرير فلسطين العظيم الذي نراه قريبًا
  • فضل الله: اليمن أثبت أن العروبة الحقيقية هي بالوقوف إلى جانب فلسطين ولبنان
  • خامنئي: غزة جعلت الكيان الصهيوني يجثو على ركبتيه.. وحزب الله ازدادت عزيمته
  • الأمين العام لحزب الله: نشكر إيران واليمن والعراق ولبنان على مساندة غزة
  • الإعلان عن تمديد وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي ولبنان إلى هذا الموعد
  • المقاطعة الشاملة: هل تُغيِّرُ قواعد اللعبة الاقتصادية ضد الكيان الإسرائيلي؟
  • حزب الله: الدول الراعية للاتفاق مطالب بتحمل مسؤولياته أمام انتهاكات الكيان
  • الاحتلال الإسرائيلي يخالف الهدنة ويماطل على جبتهي غزة ولبنان