في السابع من أبريل/نيسان الماضي قال إيلون ماسك إن محركات رابتور، تلك التي تدير صواريخ شركته سبيس إكس "تعمل بالقرب حافة الفيزياء الممزقة" في إشارة إلى أن مادة هذه المحركات الخفيفة نسبيا تتحمل ضغط إطلاق وقود هو الأقسى على الإطلاق، صانعة تاريخ جديد لمحركات الصواريخ.

https://x.com/elonmusk/status/1776776455634190703

وفي الواقع، لقد حقق هذا المحرك أعلى ضغط بغرفة الاحتراق خلال اختبار في أغسطس/آب 2020، حيث وصل إلى 330 بار، متجاوزًا الرقم القياسي السابق الذي سجله محرك "آر دي-701" التابع للاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الفائت.

والأمر لا يتوقف عند القوة، حيث ربما تتفاجأ حينما تعرف أن تكلفة إنتاج هذا المحرك تقل عن مليون دولار، ولغرض المقارنة فإن محرك من نوع "آر إس-25" الذي تنتجه وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) يكلف حوالي 146 مليون دولار للقطعة الواحدة.

لماذا رابتور؟

ولفهم مدى قوة محرك من هذا النوع، دعنا نتعرف أولا إلى الشكل العام لمحركات الصواريخ، حيث تحمل الصواريخ كلا من الوقود الذي يحترق (مثل الهيدروجين السائل) والمادة المؤكسدة التي تساعد على الاحتراق (مثل الأكسجين السائل).

ويتم خلط الوقود والمؤكسد وإشعالهما في غرفة الاحتراق، مما يتسبب في انفجار هائل في مساحة ضيقة متحكم بها، ينتج عن هذا غازات ساخنة عالية الضغط.

وبعد ذلك تندفع الغازات الساخنة الصادرة عن هذا الضغط عبر فوهة ضيقة في نهاية الصاروخ. وعندما تخرج من الفوهة بسرعة عالية، فإنها تدفع الصاروخ في الاتجاه المعاكس، بحسب بفضل قانون نيوتن الثالث: لكل فعل رد فعل مساوٍ له في القوة ومضاد في الاتجاه. وبالتالي، يتحرك الصاروخ إلى الأمام لأن الغازات تنطلق من الخلف، مما يدفع الصاروخ في الاتجاه المعاكس.

لكن رابتور يختلف قليلا عن تلك الدورة المعتادة، حيث يستخدم "دورة احتراق متدرجة التدفق الكامل" وهي تقنية احتراق فعالة للغاية، ولكنها معقدة للغاية أيضًا.

وفي هذا التصميم، يحترق كل من الوقود والمؤكسد بالكامل في حارقات أولية أصغر منفصلة، قبل الدخول إلى غرفة الاحتراق الرئيسية.

وتعمل هذه الطريقة على تعظيم كفاءة الوقود وتوليد أداء أعلى، مما يوفر قوة دفع أكبر مع تقليل الهدر، كما تعمل أيضًا على تحسين عمر المحرك من خلال تقليل الضغط على المكونات داخل غرفة الاحتراق الرئيسية.

صاروخ ستارشيب (الفرنسية) سر التكلفة

إلى جانب ذلك، يستخدم رابتور الميثان السائل كوقود والأكسجين السائل كمادة مؤكسدة، أما الصواريخ التقليدية فتستخدم الكيروسين أو الهيدروجين، ولكن الميثان له العديد من المزايا منها أن محركات الميثان توفر تدفقا محددا جدا يسهل من خلاله قياس كفاءة الوقود وتعديلها، كما يحترق الميثان بشكل أنظف من الكيروسين، مما يقلل من تراكم السخام ويجعل من السهل إعادة استخدام المحركات.

وقد تم تصميم محرك رابتور ليكون قابلاً لإعادة الاستخدام، بل ويمكن إطلاقه عدة مرات قبل أية حاجة لتجديده بشكل كبير، وهذا هو المفتاح لتقليل تكلفة الرحلات الفضائية.

وعام 2012 بدأت سبيس إكس اختباراتها على نظام إعادة الصواريخ إلى قواعد أرضية بعد أداء مهامها بدفع المرحلة الثانية للفضاء، وبدأت الاختبارات على نموذج مبسط وكان الهدف أن يعلو عن الأرض مسافة صغيرة ثم ينزل واقفًا، مترا واحدا، ثم عشرة، ثم عشرات الأمتار، ثم مئات الأمتار، ومع الوصول إلى حد ألف متر أعلى سطح الأرض بدأت التجارب على الصاروخ العملاق "فالكون 9".

وفي البداية كانت التجارب غير موفقة، لكن ذلك -في الحقيقة- هو جزء آخر من سياسة هندسية بسيطة أيضًا وفعّالة للغاية "المحاولة والخطأ".

وشيئًا فشيئًا، تراكمت الخبرة الهندسية في المحاولة والخطأ لتصل نسب نجاح الهبوط للقواعد الأرضية إلى 100%، في كل صاروخ لـ"سبيس إكس" يمكن أن تجد 6 حيل هندسية بديعة تتعاون معًا بمرونة شديدة لتجعل الصاروخ أشبه ما يكون بشخص يهبط إلى الأرض.

وفي هذا السياق، يتمتع محرك رابتور بنسبة دفع إلى وزن عالية، مما يعني أنه ينتج الكثير من الطاقة بالنسبة لكتلته، ويصب ذلك في مصلحة التكلفة، فهو يعني أن المحرك يمكنه دفع المزيد من الحمولة إلى المدار أو أبعد بالفضاء. وهذا يجعله مثاليًا لمهام الرفع الثقيل مثل إرسال مركبات فضائية كبيرة أو حمولات إلى القمر والمريخ وما بعدهما.

ولذلك، تم تصميم النسخ الأخيرة من مركبة ستارشيب التابعة لسبيس إكس، والتي تعمل بمحركات رابتور، لحمل أكثر من 200 طن من البضائع إلى مدار أرضي منخفض، مع إمكانية دفع حمولات كبيرة إلى القمر والمريخ. وهذا يجعلها مثالية للمهام واسعة النطاق، مثل نقل المعدات الثقيلة لبناء الموائل على كواكب أخرى.

ومع كل هذا التطوير، نجحت سبيس إكس في خفض تكلفة توصيل الحمولات إلى الفضاء بشكل كبير. وعلى سبيل المثال، تبلغ تكلفة إطلاق حمولة باستخدام صاروخ فالكون 9 حوالي 2720 دولارًا للكيلوغرام إلى محطة الفضاء الدولية، وهذا انخفاض كبير مقارنة بعصر مكوك الفضاء، حيث كانت التكلفة حوالي 54 ألفا و500 دولار للكيلوغرام.

فلسفة ماسك

ماسك بالطبع ليس عالمًا ولا حتى مهندسا بالمعنى المفهوم، لكنه رائد أعمال يدمج العلم بالصناعة بالتجارة، وهو هنا أشبه ما يكون بهنري فورد، حيث لم تكن وظيفة الأخير اختراع تكنولوجيا جديدة للسيارات من الصفر، بل العمل على إعادة النظر إلى ما هو موجود بالفعل، لذلك فإن إدارة سبيس إكس تسأل دائما: كيف يمكن أن نعدل هذا المنتج بحيث يصبح أرخص؟ كيف يمكن أن نجعل من الصواريخ نشاطًا تجاريًا مثلما حوّل فورد السيارات إلى نشاط تجاري فوصلنا لمرحلة يحوي العالم خلالها مليار سيارة تقريبا؟

وأول شيء ساعد ماسك كان قناعة بناها أثناء تطويره لشركته "تسلا" والمشكلات التي واجهها هنا، وهي أنه لجذب انتباه المستثمر يجب أن تخفّض السعر بحيث يصبح الأمر مفاجئا للجميع بالسوق، ولتطبيق هذا التوجه يجب أن تعتمد على فكرة أساسية للغاية في عالم الاقتصاد تقول ببساطة "اصنعها بنفسك".

ولكي تبني وكالة الفضاء والطيران الأميركية (ناسا) صاروخًا فإن الأمر لا يتطلب أن تقوم بصنع كل أجزائه، بل فقط تقوم باستيراد مجموعة كبيرة منها من شركات أخرى عبر مجموعة من الوكلاء.

وإذا تأملت تكلفة كل الوكلاء، والشركات المصنعة وموظفيها، في رحلة جهاز إرسال واستقبال بسيط إلى أحد صواريخ فالكون على سبيل المثال، فإن الأمر قد يجمع تكلفة مقدارها 100 ألف دولار، بينما تصنعه "سبيس أكس" بتكلفة حوالي 5 آلاف دولار فقط، إنه خفض هائل في النفقات، خاصة وأن الشركة تصنع 85% من مكونات صواريخها من الصفر.

وفي هذا السياق، يتم تصنيع محركات رابتور مثلا باستخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد، مع بعض التصنيع الإضافي لإنشاء المكونات الأكثر تعقيدا لمحرك رابتور، مما يساعد على تقليل الوزن وتحسين الأداء وخفض تكاليف التصنيع. كما يسمح ذلك بمرونة شديدة في إنتاج المحركات مما يمكن أن يساعد كل متطلبات هذه الصناعة.

والأمر إذن أن تكنولوجيا رابتور المتقدمة ليست فقط ما جعله علامة في تاريخ السفر للفضاء، بل كذلك طريقة بناء المنتج والمرونة في استخدامه، والتي سمحت له بتخفيض التكلفة إلى حد كبير، ليفتح عصرا جديدا للفضاء.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات سبیس إکس یمکن أن

إقرأ أيضاً:

«الساعة بـ65 دولارا والحسابة بتحسب».. عرض مغري من إيلون ماسك للشباب

أعلنت شركة XAI التابعة للملياردير الأمريكي إيلون ماسك عن فرصة للشباب، براتب يصل إلى 65 دولارًا في الساعة، الأمر الذي يعد حلمًا للذين يطمحون للعمل مع ماسك في مجال الابتكار المتقدم.

المهمة التي أعلنت عنها شركة الملياردير الأمريكي هى عبارة عن وظيفة فنية، حيث يقوم خلالها الشخص بالتأكد من أنظمة الذكاء الاصطناعي في الشركة، حيث تعمل بشكل صحيح من خلال توفير البيانات والملاحظات، كما أنهم يساعدون الذكاء الاصطناعي على أن يصبح أكثر ذكاءً، ويأتي ذلك من خلال إعطائه المعلومات الصحيحة بالطريقة المناسبة وفقا لما ذكره موقع «indiatoday».

المهام المطلوبة

لم تقتصر المهام عند هذا الحد، ولكنه يقدم للذكاء الاصطناعي بيانات واضحة تكون مصنفة، يمكنه التعلم منها بحيث تساعد في تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي القادرة على فهم اللغة بشكل أفضل، وذلك مثل برامج الدردشة وغيرها.

يعمل الشخص أيضًا بشكل وثيق مع الفريق الفني، وذلك حتى يتمكن من جمع وتنظيم البيانات التي يحتاجها الذكاء الاصطناعي، وبالتالي سيكون هذا الشخص مسؤولاً عن التأكد من أنها ذات جودة عالية.

شروط العمل في الوظيفة 

شروط عديدة وضعها الملياردير الأمريكي إيلون ماسك للمقبولين، وهي:

إجادة القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية. عدم الاشتراط بالخبرة في التكنولوجيا. من الممكن أن يكون عمل في الكتابة أو الصحافة.  لديه مهارات بحثية قوية.  يكون لديه قدرة عالية على البحث في المعلومات من مصادر مختلفة.

 تكون الوظيفة عن بعد، أي أن يتم العمل من المنزل وذلك بعد فترة تدريب لمدة أسبوعين، حيث من المتوقع أن يعمل الشخص لساعات عمل منتظمة، حيث يتراوح  الراتب من 35 إلى 65 دولارًا في الساعة.

مقالات مشابهة

  • فايننشال تايمز: دونالد ترامب رهان إيلون ماسك الأشد خطورة
  • غزو المريخ.. هل تقود خطط إيلون ماسك العالم إلى كارثة كونية؟
  • إيلون ماسك: الحكومة أجبرتنا على اختطاف فقمة!
  • إيلون ماسك يمنح مليون دولار يوميا للموقع على عريضته
  • فيديو..إيلون ماسك يتعهد بمليون دولار يومياً لمؤيدي ترامب
  • عالم بارز : مشاريع إيلون ماسك قد تدمر المريخ
  • دعوى قضائية من سبيس إكس لعدم السماح لها بإطلاق المزيد من الصواريخ
  • «الساعة بـ65 دولارا والحسابة بتحسب».. عرض مغري من إيلون ماسك للشباب
  • مفوضية الاتحاد الأوروبي تلوّح بغرامات على "إكس" قد تطال إيلون ماسك شخصياً