المتحف الكبير.. ثقافة وإبهار وتفرد دون المساس بالمتاحف الأخرى رحلة مع ملوك مصر القديمة.. بالتكنولوجيا الحديثة
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
ويستقبلك أقوى ملوك مصر شامخًا مهيبًا فى مدخل البهو العظيم الذى يطل على الأهرامات رمز الخلود، وكأنه من مقره الملكى الجديد أول من يأذن لك بأن تكون ضيفًا على حضارة لا مثيل لها، بادئًا بفخامة تمثال الملك العظيم رمسيس الثانى الذى يقف ومعه خمسة من التماثيل الضخمة على مساحة سبعة آلاف متر بعد أن انتقل إلى هذا الفضاء عبر رحلتين، الأولى من قلب ميدان "رمسيس" أو "باب الحديد" فى وسط مدينة القاهرة فى ذلك الموكب المهيب الذى نقلته شاشات العالم، والثانية من ميت رهينة حيث انتظر أعوامًا ليكون أول قطعة توضع داخل المتحف فى 25 يناير 2018.
ويستقبلك الآن بجسده من الجرانيت الأحمر وطوله الفارع الذى يصل إلى اثنى عشر مترًا، كأجمل استهلال لجولة بين دروب تاريخ آثاره المبهرة تفصح عن بعض أسراره فى هذا العرض المتحفى الفخم، الذى تلعب فيه الإضاءة دورًا بارزًا يبرز المهابة والجمال ويمنح زائر هذا الصرح الذى لا مثيل له فى العالم تجربة لا يمكن أن ينساها.
لكنك قبل أن تدخل إلى الصرح المهيب الشاسع سيأخذك جمال واجهته "حائط الأهرامات" التى صممت بعرض 600 متر وارتفاع حوالى 45 مترًا، بكسوة من الرخام المستخرج من محاجر سيناء، وتشتمل على أجناب المدخل الرئيس، التى تتشكل من خراطيش ملوك مصر.
ولا يمكنك أن تمر دون أن تعبر من تحت أول مسلة معلقة، لتتمتع بالنظر لخرطوش الملك الذى يزين قاعدتها ولم تتح رؤيته للجمهور من قبل.
أنت فى المتحف الكبير، فى جولة نادرة، على أنغام الموسيقى الهادئة وتحت نقوش السقف المزينة بالأهرامات، وبين تناسق الألوان، يأخذك بين كل ذلك جمال سيناريو العرض المتحفى الذى سمحت بإبرازه المساحات المفتوحة، وتستمتع بشاشات العرض الضخمة، وبتجربة فريدة للواقع المعزز حيث تشعر وكأنك فى قلب مصر القديمة، تعيش تلك التجربة المدهشة الفريدة بين مشاهد حضارة لم تعرف منها من قبل إلا نقوشها وتماثيلها ومسلاتها وحلى الذهب والمومياوات والمعابد الضخمة، لكنك رغم كل هذا الجمال لن تشاهد كل الكنوز، لأنه افتتاح تجريبي، فمازال الملك ذو القناع الذهبى توت عنخ آمون ومجموعته الكاملة ينتظرون الافتتاح الرسمى الذى سيحدد لاحقًا، لكن ما ستراه كافٍ لتشعر بكل هذا الاختلاف والمتعة التى لا مثيل لها والفخر بحضارتك.
ما بين البهو الرئيسي والدرج العظيم واثنتى عشرة قاعة عرض، ما بين الحدائق والنظر إلى الأهرامات عن بعد والموقع الفريد لتمثال رمسيس الذى اختير بعناية لتتعامد الشمس على وجهه فى 21 فبراير من كل عام، والتجربة المميزة التى سيمر بها الأطفال.
ويقودنا الجمال الآسر- قبل أن تتوالى أسئلتنا الأخرى- إلى السؤال الأهم الذى توجهنا به إلى الدكتور عيسى زيدان مدير عام الترميم ونقل الآثار فى المتحف المصرى الكبير: ترى هل سيؤثر هذا الصرح الفريد على رغبة السائحين فى زيارة أشهر متحفين بالقاهرة، الحضارة بالفسطاط، والمتحف المصرى بالتحرير؟!
فيجيبنا: "لكل متحف من المتاحف الثلاثة هوية مستقلة عن الآخر، فالمتحف المصرى بالتحرير سيظل يعرض روائع فن النحت بمصر القديمة وهى قطع نادرة غير موجودة بأى من المتحفين الآخرين إضافة إلى أنه قبلة الزائرين وتظل به مجموعة مجوهرات رائعة مثل مجموعة "يويا وتويا" ومجوهرات "تانيس"، بينما يتميز متحف الحضارة بالمومياوات الملكية، بينما يتميز المتحف الكبير بالمجموعة الكاملة للملك توت عنخ آمون، تعرض كاملة لأول مرة وهى أكثر من 5398 قطعة، إضافة للمركبين الخاصين بالملك خوفو، والمسلة المعلقة للملك رمسيس، إضافة إلى الدرج العظيم الذى يتدرج من الأرض بارتفاع 36 مترًا وفكرته أيضًا غير موجودة فى أى متحف فى العالم.
ويوضح "زيدان" أن الدرج العظيم يبدأ بتماثيل الملك فى زيه الرسمى وفى مرحلة تالية تشاهد المعابد التى قام بإنشائها، وتماثيل للملك مع تماثيل ترمز للآلهة فى تلك الفترة، ثم قطع ترمز للملك فى رحلته الأخيرة ثم يمكن من أعلى الدرج مشاهدة الأهرامات المقر الأخير للملوك، بينما القاعات تمثل حقبًا مختلفة من عصر الأسرات الأولى وحتى العصر اليونانى الرومانى.
وربما تخيل البعض أن المساحة الشاسعة التى يقع عليها المتحف ستكون عائقًا أمام كبار السن وذوى الهمم وهو ما يؤكد "زيدان" عكسه، موضحًا أن المتحف مزود بكل وسائل التكنولوجيا الحديثة ومجهز لكبار السن وذوى الاحتياجات الخاصة، وتوجد من مدخل المتحف عند شباك التذاكر عربات "جولف" تنقل الزائر للبهو العظيم، وهناك سيجد المصاعد الكهربائية والسلالم المتحركة، وتوجد قطع من المستنسخات يمكن لمسها للمكفوفين ومكتوب عليها بطريقة برايل، كما توجد مطاعم واستراحات وبازارات، وللأطفال متحف مستقل يعلم الطفل الانتماء للحضارة المصرية والفنون المصرية، فنحن أمام متحف وصرح ثقافى وترفيهى كبير.
ويؤكد عيسى زيدان أن المتحف المصرى الكبير سواء معروضاته أو معامل ترميمه أو مخازنه مؤمنة على أعلى مستوى إضافة للتحكم فى الحرارة والرطوبة.
كما أوضح أن عدد القطع المعروضة حاليًا 57 ألف قطعة ما بين آثار معروضة أو فى المخازن للباحثين والدارسين أخذت من عموم الجمهورية دون الإخلال بالعرض المتحفى لأى متحف تم أخذ أى قطع منه لتنضم إلى معروضات المتحف الكبير، باستثناء مجموعة الملك توت عنخ آمون التى أخذت من المتحف المصرى بالتحرير وتم استبدالها بمجموعة مهمة جدًّا هى مجموعة يويا وتويا وعرضت بشكل لائق جدًّا فى التحرير.
وعن سعر التذكرة الحالى يقول زيدان: إنها 200 جنيه للمصريين، وهو ليس سعرًا نهائيًا، وإنما نظير التشغيل التجريبى، ولكن عندما يتم افتتاح المتحف رسميًا سيختلف السعر ليكون فى متناول الأسرة المًصرية لأن المتحف له رسالة أخرى غير الربح وهى رسالة تنمية الثقافة والانتماء، مؤكدًا أن الدولة اهتمت بالطرق حول المتحف إضافة إلى أن محطة مترو الأنفاق ستساعد الجماهير فى الوصول إليه فور انتهائها، وسيكون بينها وبين المتحف مسافة قصيرة جدًا، إضافة إلى وجود مطار سفنكس القريب الذى سيسمح للسائحين الراغبين فى الوصول مباشرة للمتحف المصرى الكبير.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الآثار السياحة في مصر المتحف الكبير عيسى زيدان المتحف الکبیر المتحف المصرى إضافة إلى
إقرأ أيضاً:
أشرف غريب يكتب: أرجوكم انزعجوا
فى تسعينية ميلاد «فيروز» كانت كل حياتها بمآثرها ومواقفها مادة ثرية أمام وسائل الإعلام العربية التى أرادت أن يكون احتفاؤها بعيد ميلاد «جارة القمر» مختلفاً ولائقاً بمشوارها الفنى البارز، فى هذه المناسبة استعاد البعض ظروف لقاء الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون بالمطربة الكبيرة فى مستهل زيارته للبنان فى أعقاب انفجار مرفأ بيروت قبل أربع سنوات، ما جعلنى أستعيد معه هذا الخاطر المزعج، ومن ثم قررت أن أدعوكم معى للانزعاج.
نعم أرجوكم انزعجوا أو على الأقل تأملوا وانتبهوا.. هذا الخاطر يراودنى منذ انتهاء زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون للعاصمة اللبنانية بيروت فى أغسطس 2020 عقب الانفجار المروع الذى شهده مرفأ بيروت وراح ضحيته ما يقرب من مائتى قتيل وعشرة آلاف جريح، فضلاً عن خسائر مادية هائلة، ذلك الانفجار الذى كشف سوءات الحياة السياسية فى لبنان وفساد نخبتها الحاكمة على حد وصف الإخوة اللبنانيين أنفسهم.
الرئيس الفرنسى الذى لم يكن يريد يومها فقط تقديم دعم مادى للبنان، وإنما معنوى أيضاً، استهل زيارته بلقاء «جارة القمر - فيروز» فى منزلها، وأنهاها بلقاء آخر مع «متعة الروح - ماجدة الرومى»، وبين اللقاءين تعاطى «ماكرون» -ما شاء له- مع كل الملفات السياسية والاقتصادية التى خلفها الانفجار المروع، لكن المعنى الذى بقى حتى اليوم هو تلك اللفتة الرئاسية الرائعة تجاه رمزين من رموز لبنان، تجاه صوت لبنان، فن لبنان، ضمير لبنان، أرقى وأبقى وأنقى وربما أتقى ما فى لبنان أيضاً.
إذاً ما وجه الانزعاج فى هذا؟ تخيلوا معى أن زعيماً دولياً مرموقاً جاء فى زيارة إلى مصر، وأراد الالتقاء بأحد رموزنا الغنائية، من سيقابل؟ حينما قرر «ماكرون» فعل ذلك فى لبنان اختار صوتين غنائيين، وليس أى مبدع آخر، لأن الغناء هو الأقرب إلى روح الشعوب والأكثر وصولاً إليهم وتأثيراً فى وجدانهم.
طبعاً أنا أعلم جيداً أن لدينا بمصر فى التمثيل قامات كبرى مثل عادل إمام وحسين فهمى ويحيى الفخرانى، لكننى أحدثكم عن المطربين، وأعلم أيضاً أن لدينا أصواتاً غنائية جميلة مثل أنغام وآمال ماهر وشيرين والحجار والحلو وهانى شاكر، وغيرهم، وأصواتاً جماهيرية معروفة كعمرو دياب ومحمد منير، وظواهر شعبية لافتة وما أكثرها، لكننى أحدثكم عن الثقل، عن الوزن، عن المكانة، عن تلك الهالة التى كان يتمتع بها فى السابق كل من عبدالوهاب وأم كلثوم وعبدالحليم وشادية.
عن ذلك التاريخ المتراكم والبريق الباقى الذى أثبت قدرته على تحدى الأيام والموجات الغنائية المتلاحقة، للأسف لم يبق لنا -وبشىء من التحفظ- إلا ذلك الصوت المنعزل المعتزل والمستسلم القابع فى شرنقته، وأعنى نجاة الصغيرة، أطال الله فى عمرها.. أما فيروز وماجدة الرومى فشىء آخر.. من سيقابل أى زعيم دولى -إذا أراد- أثناء زيارته لمصر؟
هل يلتقى مثلاً بذلك الذى يصفع معجبيه بالقلم، أم من ساير موجة الأغانى الراقصة، أم من يغنى لنوعية بعينها من الجمهور، أم من أرهق صوته البديع بالمواد الكحولية؟ هل يفكر مثلاً فى لقاء من تزوجت سراً أكثر مما أعلنت، أم تلك التى تركت نفسها للإدمان وأصبحت اسماً دائماً فى صفحات الحوادث، أم تلك التى تختفى أكثر مما تظهر؟ الفارق كبير بين الموهبة وبين إدارة الموهبة، وهذا هو البون الشاسع بين «فيروز» وغيرها.
لا تحدثونى إذاً عن الريادة فى الغناء، أو عن قوة مصر الناعمة؟ أى ريادة وأى قوة ناعمة؟! إن كنا نتحدث عن السبق الزمنى، فالريادة ليست كذلك فقط، أين الاستمرارية والتميز؟ أين المكانة والثقل؟ وإذا كنا نستمتع دائماً بالكلام عن قوتنا الناعمة، فدعونى أؤكد لكم، دون أن تغضبوا، أنها باتت فى تآكل، بل وفى خطر، وكادت تتحول إلى الضعف الخشن فى زمن شاكوش وحمو بيكا وأورتيجا، ومن هو «نمبر وان» أو على شاكلة هؤلاء.. فهل من منتبه؟
إننى أخشى على تاريخنا الناصع من حاضرنا الباهت، أخاف على ريادتنا من هذا الواقع المؤلم، وأعلم أن تدارك ما أفسده الناس والدهر يحتاج إلى سنوات وسنوات، لكن من الضرورى، بل من الواجب، أن نبدأ فى تعويض ما فاتنا، لقد كانت هناك رغبة رسمية سابقة فى تجهيز مطربة مثل آمال ماهر لهذه المكانة المرجوة وإعادة استنساخ تجربة سيدة الغناء العربى أم كلثوم حتى لو كانت بمقاييس زماننا.
لكن «آمال» لم تصبر، فانجذبت إلى تيار السوق وابتعدت عن معلمها وأبيها الروحى فى ذلك الوقت عمار الشريعى، ورغم هذا فلا بد من إعادة المحاولة إن كنا نريد حقاً ريادة الغناء العربى مثلما كانت الحال فى السابق.. وإلى أن يتحقق ذلك أرجوكم أجيبونى بصراحة ودون أن يغضب منى أحد:
«لما يحب أى زعيم دولى يكلم مطرب أو مطربة مصرية يكلم مين؟!».