أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، العدد الخامس من تقرير مدن المستقبل بعنوان «القاهرة مركز مالي عالمي.. مدن المستقبل.. الإطار والممارسات العالمية»، أوضح من خلاله أن المؤسسات الدولية والمحلية تبنت مؤخرًا نهجًا جديدًا في التنمية العمرانية يعتمد على محددات مفهوم المدن الذكية المستدامة، خاصة مع توسع الدول حول العالم في إنشاء مدن جديدة بمعايير وتقنيات تكنولوجية وخضراء في الوقت نفسه، وفي إطار عمل المركز على مشروع المدن المصرية 2050 يسلط التقرير الضوء على مفهوم المراكز المالية العالمية، والأدوات المستخدمة من جانب المؤسسات المعنية لتقييم مستوى تقدم تلك المراكز، ويتناول الأطر العالمية ومؤشرات القياس المعتمدة دوليًا بشأن المراكز المالية حول العالم، إلى جانب إلقاء الضوء على تطبيقات وممارسات تلك المعايير والمؤشرات على أرض الواقع في محاولة تستهدف فهم عملية بناء المراكز المالية من خلال دمج تطبيقات وشبكات تكنولوجيا المعلومات في واقع الحياة اليومية الحضرية.

وأشار المركز خلال التقرير إلى توقعات الأمم المتحدة أنه بحلول 2050 سيعيش 68% من سكان العالم في مدن، ومن ثم من المتوقع أن تصبح المدن بحلول هذا العام أكبر وأكثر كثافة سكانية مما هي عليه اليوم، وفي هذا الإطار تزداد التوقعات بشأن ما قد تواجهه المدن في المستقبل من تحديات تؤثر في مستوى جودة الحياة لذلك يهدف مشروع مستقبل المدن المصرية إلى استشراف مستقبل عدد من المدن المصرية وصياغة رؤى مستقبلية تسهم في إحداث تحولات إيجابية في واقع حياة سكان تلك المدن، انطلاقًا من أهم الاتجاهات المستقبلية والتحديات والفرص المحتملة وأفضل المفاهيم والممارسات الدولية والحلول المبتكرة.

وتضمن التقرير قسماً حول أهمية المراكز المالية العالمية، مشيراً إلى أنها تلعب دورًا مهمًا ومحوريًا في الاقتصاد العالمي خاصًة في ظل التطورات والتغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم كما تعمل على توفير الخدمات المالية المتنوعة ودعم الابتكار المالي وتسهيل التجارة الدولية وتعزيز الاستقرار المالي، وبالرغم من التحديات التي تواجهها مثل التطورات التكنولوجية والمتغيرات الجيوسياسية، تبقى هذه المراكز محركات رئيسة للنمو والازدهار في عالمنا المترابط.

وفي هذا السياق يمكن عرض أهمية المراكز المالية العالمية من خلال أربعة محاور رئيسة على النحو التالي:

أولاً: دور المراكز المالية في تعزيز التجارة العالمية

-تعمل المراكز المالية بمثابة وسطاء بين المشترين والبائعين مما يتيح التدفق السلس لرأس المال والسلع والخدمات عبر الحدود كما تعمل تلك المراكز كمحفز للنمو الاقتصادي من خلال جذب الاستثمار وتشجيع ريادة الأعمال وتسهيل إنشاء أعمال تجارية جديدة وتوفر هذه المراكز مجموعة واسعة من الخدمات المالية بما في ذلك الخدمات المصرفية والتأمين وإدارة الأصول والتي تعد ضرورية لازدهار الشركات، فعلى سبيل المثال كان المركز المالي في لندن محركًا رئيسًا لاقتصاد المملكة المتحدة حيث ساهم بشكل كبير في نمو الناتج المحلي الإجمالي وخلق فرص العمل.

-توفر المراكز المالية للشركات والحكومات الوصول إلى رأس المال وهي بمثابة مركز لأسواق رأس المال، حيث يمكن للشركات جمع الأموال من خلال العروض العامة الأولية (IPOs)، أو إصدارات السندات أو استثمارات رأس المال الاستثماري فعلى سبيل المثال تعد بورصتي نيويورك وناسداك في الولايات المتحدة من المراكز المالية البارزة التي تمكن الشركات من زيادة رأس المال عن طريق إدراج أسهمها ويتيح الوصول إلى رأس المال للشركات التوسع والاستثمار في البحث والتطوير واستكشاف أسواق جديدة.

-تلعب المراكز المالية أيضًا دورًا حاسمًا في تخفيف المخاطر المرتبطة بالتجارة الدولية فهي توفر أدوات مالية مختلفة مثل «التمويل التجاري، وخطابات الاعتماد، والتأمين، التي تساعد على إدارة المخاطر المتعلقة بتقلبات العملة، والتخلف عن السداد، وعدم الاستقرار السياسي»، على سبيل المثال يوفر المركز المالي في سنغافورة بنية أساسية قوية لتمويل التجارة مما يسمح للشركات بتخفيف المخاطر وضمان المعاملات السلسة.

-تعد المراكز المالية بؤرًا للابتكار ونقل المعرفة حيث تجتذب المهنيين المهرة ورجال الأعمال والباحثين من جميع أنحاء العالم، حيث إن تركيز الخبرات والموارد المالية في هذه المراكز يعزز التعاون وتبادل الأفكار مما يؤدي إلى تطوير منتجات وخدمات وتقنيات مالية جديدة، كما تعمل المراكز المالية أيضًا على تعزيز التعاون الدولي من خلال تسهيل المعاملات عبر الحدود وتعزيز الشراكات بين الشركات والحكومات وهي بمثابة نقاط التقاء للمنظمات العالمية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي مما يتيح الحوار والتنسيق بشأن سياسات الاقتصاد الكلي واللوائح المالية، ويتجلى دور المراكز المالية في التعاون الدولي بشكل خاص في مدن مثل جنيف وزيورخ التي تستضيف العديد من المنظمات الدولية وتعمل كمراكز للدبلوماسية والمالية.

ثانيًا: الدور المتزايد للمراكز المالية في تحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر

-تلعب دورًا مهمًا في المناطق التي ترتفع فيها الضرائب حول العالم، فكثيرًا ما يكون المستثمرون أكثر قدرة على هيكلة التزاماتهم الرأسمالية تجاه البلدان التي تفرض ضرائب مرتفعة من خلال الجمع بين استثماراتهم في البلدان التي تفرض ضرائب مرتفعة والاستثمار في المراكز المالية الدولية، وبالنسبة للمستثمرين الذين يقعون في بلدان تفرض ضرائب على الدخل التجاري المكتسب في أماكن أخرى، فإن استخدام المراكز المالية الدولية يمكن أن يُسهل تأجيل ضريبة البلد الأم على الدخل الأجنبي مما يزيد من العائدات على الاستثمارات الأجنبية كما تعمل الخدمات المالية والسلع والخدمات الوسيطة الأخرى التي يتم الحصول عليها بتكلفة منخفضة بعد الضريبة في المراكز المالية الدولية على زيادة إنتاجية وتنافسية العمليات الاقتصادية في البلدان ذات الضرائب المرتفعة وبالتالي زيادة الطلب على الإنتاج في تلك المواقع.

-تسهم المؤسسات المالية الدولية أيضًا في ضبط الأسواق في أجزاء أخرى من العالم والحد من الدرجة التي قد تتمكن بها البنوك وغيرها من المؤسسات الضخمة من استغلال الاحتكارات المحلية على نحو يلحق الضرر بالأفراد والشركات كما أن قدرة المستثمرين عل توجيه المعاملات المالية من خلال مراكز التمويل الدولية تقلل من فروض أسعار الفائدة والتخصيص التعسفي للائتمان وغيرها من المشكلات المرتبطة بالقوة السوقية المفرطة من جانب الوسطاء الماليين المحليين، ونتيجة لهذا فإن المؤسسات المالية الدولية تعمل على تعزيز استقرار البنية المالية العالمية، كما تسهم مؤسسات التمويل الدولية في تحصيل الضرائب والمنافسة الضريبية بين الدول الكبرى حيث تسمح لحكومات البلدان الكبرى بتنفيذ السياسات الضريبية المحلية التي تريدها وتحتاج إليها في مواجهة الضغوط الاقتصادية الدولية، والدليل من الأعوام الثلاثين الماضية هو أن المنافسة الضريبية كانت ضئيلة للغاية بين بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مع توسع القواعد الضريبية في الوقت نفسه وبالدرجة نفسها مع انخفاض معدلات الضرائب.

-تتمتع المؤسسات المالية الدولية -كمجموعة- بنمو اقتصادي سريع في السنوات الخمس والعشرين الماضية وهو ما يعكس الأهمية المتزايدة للقطاعات المالية في الاقتصادات الحديثة.

ثالثًا: دور المراكز المالية الدولية في تعزيز المنافسة وتلبية احتياجات المستثمرين

-تتمتع المراكز المالية الدولية بالقدرة على معالجة المشكلات المرتبطة بالقطاعات المالية غير التنافسية وذلك من خلال توفير المنافسة للبنوك المحلية وغيرها من الوسطاء الماليين، وتكمن أهمية الوجود في مكان قريب في أن المستثمرين من البلدان الغنية يستثمرون رؤوس أموال أكبر بكثير في المراكز الدولية القريبة مقارنًة بتلك البعيدة، حيث أصبح من المهم في الأسواق المالية العالمية اليوم أن تكون مؤسسة التمويل الدولية قريبة من منزل المستثمر وربما يعكس ذلك أن الشركات في المراكز المالية الدولية تصمم خدماتها بما يتناسب مع احتياجات العملاء القريبين، وهناك شواهد على أن المنافسة التي توفرها المؤسسات المالية الدولية القريبة فاعلة، حيث إن البنوك التجارية في البلدان التي توجد بها مراكز مالية دولية قريبة لديها فروق أسعار فائدة أقل (الفروق بين أسعار الاقتراض والأسعار التي يدفعها المودعون) مقارنًة بالبلدان الأخرى وهو مؤشر على زيادة المنافسة المصرفية، كما تؤدي المراكز المالية الدولية دورًا حاسمًا في تعزيز المنافسة في القطاعات المصرفية المحلية.

-يؤثر وجود المراكز المالية الدولية بشكل كبير في الاقتصادات المجاورة، فالشركات الخاصة في هذه البلدان تميل إلى الحصول على قروض أكبر وأكثر سهولة مقارنًة بالشركات في البلدان البعيدة عن هذه المراكز وهذا يعني أن نشاط الاقتراض والاستثمار في هذه الاقتصادات يكون أعلى بكثير، وتساهم مؤسسات التمويل الدولية في عمق القطاع المالي في البلدان المجاورة حيث إن التمويل الدولي يسهل التمويل المحلي والدليل هو أن الاقتصادات التي تتمتع بقطاعات مالية أكثر قدرة على المنافسة تتمتع بمستويات أعلى من نصيب الفرد في الدخل وتظهر معدلات أسرع لنمو الناتج المحلي الإجمالي مقارنًة بالاقتصادات الأخرى.

رابعًا: دور المراكز المالية في تقديم حلول مبتكرة عبر الاستفادة من التكنولوجيا

تعمل شركات التكنولوجيا المالية على تغيير الخدمات المالية التقليدية من خلال تقديم حلول مبتكرة تستفيد من التكنولوجيا لتقديم خدمات أسرع وأكثر ملاءمة وفاعلية من حيث التكلفة وغالبًا ما تتميز هذه الشركات بسرعتها ونهجها الذي يركز على العملاء وقدرتها على تسخير قوة تحليلات البيانات، ومع احتضان المراكز المالية للتكنولوجيا المالية يمكنها جذب شركات جديدة وتعزيز الابتكار وإنشاء نظام بيئي يدعم ريادة الأعمال، وقد برزت سنغافورة كمثال رائد للمركز المالي الذي نجح في احتضان العصر الرقمي حيث تهدف مبادرة المركز المالي الذكي في المدينة إلى الاستفادة من التكنولوجيا لإنشاء نظام بيئي نابض بالحياة للتكنولوجيا المالية، وقد نفذت سنغافورة مبادرات مختلفة مثل البيئة التجريبية التنظيمية لتشجيع الابتكار مع الحفاظ على الرقابة التنظيمية، واستثمرت الحكومة أيضًا في البنية التحتية الرقمية وتدابير الأمن السيبراني وتنمية المواهب لدعم نمو شركات التكنولوجيا المالية ونتيجة لذلك اجتذبت سنغافورة العديد من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا المالية وأثبتت نفسها كمركز عالمي للتكنولوجيا المالية.

وقد استعرض المركز من خلال التقرير مؤشر المراكز المالية العالمية ومنهجيته وأقسامه والمؤشرات الفرعية الخاصة به ومقومات نجاح التجارب الدولية المميزة، كما تم استعراض المراكز الخمس الأولى للمؤشر والتي تمثلت في «نيويورك التي لا تزال تتصدر قمة المؤشر وتتفوق على لندن التي تحتل المركز الثاني بالمؤشر وتحتل سنغافورة وهونج كونج المركزين الثالث والرابع بينما احتفظت سان فرانسيسكو بالمركز الخامس».

وتناول مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار مشروع مركز القاهرة المالي الدولي، حيث تتخذ الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة خطوات لتنفيذ هذا المشروع في العاصمة الإدارية الجديدة، وسيتم إنشاء مركز القاهرة المالي العالمي كمدينة مالية تعمل وفق أنظمة ونماذج أعمال المراكز العالمية المماثلة، وسيكون الهدف الرئيس للمركز هو تسهيل الوصول إلى التمويل والاستثمارات الدولية لتمويل مخاطر ريادة الأعمال وتطوير أسواق رأس المال والصناعات ومشروعات البنية التحتية، كما تهدف الدولة في المقام الأول إلى تحقيق أهدافها الاقتصادية وجذب رؤوس الأموال والاستثمارات المباشرة من خلال المركز.

وقدَّم التقرير مجموعة من التوصيات والمقترحات حتى يمكن لمصر تحقيق المستهدف وتنفيذ مشروع مركز القاهرة المالي العالمي (CIFC) في العاصمة الإدارية الجديدة والتي يمكن توضحيها عبر المحاور التالية:

1- الاستقرار الاقتصادي: أحد العوامل الأساسية التي تحدد نجاح المراكز المالية العالمية ويوفر الاقتصاد المستقر أساسًا متينًا للأنشطة المالية ويجذب المستثمرين المحليين والدوليين.

2- القوى العاملة الماهرة: والتي تعد عاملًا حاسمًا آخر في تحديد نجاح المراكز المالية وتضمن القوى العاملة ذات المهارات العالية توافر الخبرة في مجالات مثل المالية والمحاسبة وإدارة المخاطر والخدمات القانونية.

3- الابتكار والتكنولوجيا: يكتسب تبني الابتكار والاستفادة من التكنولوجيا أهمية متزايدة بالنسبة للمراكز المالية لكي تظل قادرة على المنافسة ومن الممكن أن يؤدي اعتماد التقنيات المتقدمة مثل "سلسلة الكتل، والذكاء الاصطناعي، وتحليلات البيانات الضخمة" إلى تعزيز الكفاءة التشغيلية وتمكين المعاملات بشكل أسرع وتحسين إدارة المخاطر.

4- السياسات الضريبية: والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير في جاذبية المراكز المالية حيث يمكن لمعدلات الضرائب المنخفضة والسياسات الضريبية المواتية أن تحفز الشركات والأفراد على إثبات وجودهم في مركز مالي معين.

5-البنية التحتية والاتصال: والتي يلعب توافرها دورًا حاسمًا في نجاح المراكز المالية وتعمل شبكات النقل المتطورة بما في ذلك المطارات والموانئ البحرية والسكك الحديدية على تسهيل حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال، بالإضافة إلى ذلك تعد شبكات الاتصالات المتقدمة ضرورية للاتصال السلس وتبادل البيانات في الوقت الفعلي.

6- البيئة التنظيمية: حيث يعد وجود نظام مالي شفاف وجيد التنظيم أمر حيوي لنجاح المراكز المالية وتساعد الأطر التنظيمية القوية في الحفاظ على سلامة السوق وحماية المستثمرين وضمان المنافسة العادلة.

اقرأ أيضاًانطلاق فعاليات المؤتمر العلمي السنوي لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بجامعة القاهرة

رئيس الوزراء يتفقد جناح «مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار» بمعرض القاهرة الدولي للكتاب

رئيس جامعة مطروح يستقبل وفد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الاستثمار الاقتصاد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار الاستقرار الاقتصادي القطاع المالي الخدمات المالية شركات التكنولوجيا المالية السياسات الضريبية البيئة التنظيمية الابتكار والتكنولوجيا القوى العاملة الماهرة مركز القاهرة المالي الدولي مرکز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المؤسسات المالیة الدولیة التمویل الدولیة الخدمات المالیة من التکنولوجیا التمویل الدولی هذه المراکز فی الاقتصاد المالیة فی فی البلدان فی المراکز رأس المال کما تعمل ا حاسم ا مقارن ة من خلال

إقرأ أيضاً:

«معلومات الوزراء» يستعرض دور التقنيات الرقمية في تعزيز كفاءة سلاسل التوريد

◄ استخدام الذكاء الاصطناعي في سلاسل التوريد يساعد في خفض تكاليف الخدمات اللوجستية بنسبة 15% وتحسين مستويات المخزون بنسبة 35%

أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تحليلاً جديداً تناول من خلاله التقنيات الرقمية، -خاصة الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين وإنترنت الأشياء- ودورها في تعزيز استدامة وكفاءة سلاسل التوريد وحوكمتها، مشيراً إلى أن الحديث عن كفاءة سلاسل التوريد واستدامتها بات ضمن أهم الملفات المطروحة على الساحة العالمية، نظرا لأهميته القصوى للأمن الاقتصادي، ومن ثمَّ الأمن القومي، وقد تصاعد الاهتمام بهذا المفهوم مدفوعًا بالعديد من الأزمات العالمية الاقتصادية والجيوسياسية التي نجمت عنها تداعيات غير مسبوقة على سلاسل التوريد، وهو الأمر الذي أكد الحاجة المُلحة لجعل سلاسل التوريد أكثر كفاءة ومرونة واستدامة من خلال توظيف التقنيات الرقمية، حيث إن سلاسل التوريد الرقمية أكثر تكيفًا وقدرة على التعامل مع الأزمات والتغيرات في البيئة المحيطة.

في هذا الصدد، فإنه يمكن لتقنيات مثل الذكاء الاصطناعي (AI) و"البلوك تشين" (Blockchain) وإنترنت الأشياء (IoT) أن تعمل على تحسين كفاءة سلاسل التوريد ومرونتها، كما تتمتع تلك التقنيات بالقدرة على تعزيز الشفافية والتكامل بين الأهداف الثلاثية للشركات (الاقتصادية - الاجتماعية - البيئية) في سلاسل التوريد بأكملها، وهو ما يجعل الرقمنة أداة قوية لتحقيق المرونة والاستدامة في سلاسل التوريد.

وأوضح المركز، أن كفاءة سلسلة التوريد تشير إلى المدى الذي يتم فيه استخدام أقل قدر من الموارد والمدخلات لتلبية احتياجات العملاء، ويشمل ذلك تحسين جوانب مختلفة من العمليات المرتبطة بسلسلة التوريد، بما في ذلك المشتريات والإنتاج والتخزين والتوزيع وتدفق المعلومات، لتحقيق أقصى قيمة ممكنة من المنتجات والخدمات بأقل تكلفة ووقت ممكن.

وأشار المركز إلى إنه لجعل سلسلة التوريد أكثر كفاءة، فإن التركيز ينصب حول كيفية تقليل النفايات وزيادة سرعة التشغيل وخفض التكاليف، وهو ما يتطلب تحسينًا مستمرًا في سلسلة التوريد من خلال أدوات مختلفة، يأتي في مقدمتها الاعتماد على التكنولوجيا المتقدمة، ومن شأن تحسين كفاءة سلاسل التوريد أن يجلب فوائد كبيرة للشركات، تتعلق بالقيمة المضافة، وخلق الكفاءة، وتعزيز رضا العملاء، وتنعكس هذه الفوائد في زيادة المخزون، وتقصير دورات تطوير المنتج، وقد يؤدي تحسين كفاءة سلسلة التوريد أيضًا إلى زيادة حجم الإنتاج، مما يساعد الشركات على تحقيق وفورات الحجم، علاوة على ذلك، فإن تعزيز كفاءة سلسلة التوريد يساهم في تحقيق أهداف الشركات المتعلقة بالاستدامة البيئية.

وأوضح التحليل أنه على نطاق أوسع يمكن أن تؤدي التحسينات في كفاءة سلسلة التوريد إلى تعزيز التجارة الخارجية، وتوفير فرص العمل، وربما تحقيق عائدات ضريبية أكبر. وباختصار، يعد تحسين كفاءة سلسلة التوريد عاملًا رئيسًا للنمو المستدام للشركات، ليس فقط من خلال تحسين الأداء المالي للمؤسسات، بل أيضا من خلال توليد تأثيرات إيجابية في السياق البيئي والاقتصادي الأوسع.

وأفاد التحليل إنه مع التطور المتعمق للتقنيات المتطورة، مثل الذكاء الاصطناعي والبلوك تشين والبيانات الضخمة والحوسبة السحابية، فقد أصبحت هذه التقنيات بشكل متزايد تمثل جوهر التخطيط الاستراتيجي للشركات، فعلى سبيل المثال فإن شركة "أمازون" (Amazon) تحافظ على نتائج أداء عالية باستمرار، حيث تستثمر نحو 12% من إيراداتها في التكنولوجيا، كما تسعى شركة "أمازون" إلى إدخال القدرات الرقمية الجديدة في عملياتها رغم ما قد يصاحبها من مخاطر. ونتيجة لذلك فإن 40٪ من إيراداتها يتم الحصول عليها من خلال الخدمات الرقمية، فمن خلال الجمع بين نماذج الأعمال المختلفة داخل منصة رقمية، تحافظ "أمازون" على قدرة تشغيلية تعادل أو تتفوق على الشركات العملاقة في مجال التجزئة التقليدية مثل "وول مارت" (Walmart) و"تارجت" (Target).

بالإضافة إلى ذلك، فإنه بفضل التحول الرقمي، لم تعد حوكمة الشركات عبارة عن مجموعة ثابتة من القواعد واللوائح، بل أصبحت نظام إدارة ديناميكيا مدفوعا بالبيانات يمكنه التكيف بسرعة مع التغيرات البيئية، ودعم التحسين المستمر والابتكار التجاري، وبالتالي فإن التحول الرقمي هو حافز رئيسي في تعزيز حوكمة الشركات الحديثة، حيث يوفر الأدوات والقدرات اللازمة للمؤسسات للحفاظ على عملياتها وأنشطتها في البيئة الاقتصادية العالمية المعقدة والمتقلبة، فعلى سبيل المثال، يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لتحليل اتجاهات السوق وسلوك المستهلك لتوجيه القرارات الاستراتيجية.

وأشار مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار إلى أن تطوير الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء قد عزز بشكل كبير ظهور الثورة الصناعية الرابعة، ويرتبط الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء ارتباطًا وثيقًا ببعضهما، ويمكن من خلال استخدامهما تعزيز وتطوير سلاسل التوريد، خاصة فيما يتعلق بإدارة تلك السلاسل، حيث يساعد إدخال التقنيات الرقمية في إحداث تغيير كبير في عملية إدارة سلاسل التوريد، إذ يمكن لتلك التقنيات تجميع وتحليل كميات كبيرة من البيانات ثم استخدامها لاتخاذ قرارات مستنيرة. كما تساعد التقنيات الرقمية على تحسين الاتصال والتعاون بين جميع أصحاب المصلحة من خلال مشاركة المعلومات بشكل أكثر دقة وفي وقت قياسيّ.

كما تساعد التقنيات الرقمية على التنبؤ بالمخاطر المحتملة وبناء نماذج للمحاكاة، مما يساعد على اتخاذ تدابير للتخفيف والحد من المخاطر، وتحسين أداء سلاسل التوريد وجعلها أكثر استقرارًا واستدامة في عالمنا المتغير بشكل متزايد، وهذه القدرة على المراقبة والتنبؤ لا تحسِّن المرونة في إدارة المخاطر في سلاسل التوريد فحسب، بل تجعلها مستقرة ومستدامة.

وأكد مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار في تحليله أن شركة "ماكينزي" (McKinsey) قد أجرت عام 2022 مسحًا شمل 150 من المديرين التنفيذيين لكبرى الشركات، أوضح أهمية الذكاء الاصطناعي في تخطيط وإدارة سلاسل التوريد، وأظهرت نتائج المسح أن استخدام الذكاء الاصطناعي في سلاسل التوريد يساعد في خفض تكاليف الخدمات اللوجستية بنسبة 15%، وتحسين مستويات المخزون بنسبة 35%، وتعزيز مستويات الخدمات بنسبة 65%. وقد يكون تبني أدوات الذكاء الاصطناعي لإدارة عمليات التصنيع مكلفًا، ولكن 70% من المديرين التنفيذيين اتفقوا على أن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي يحقق عائدًا قويًّا.

هذا، ويعد توفير المعلومات ودمجها بمثابة جوهر إنترنت الأشياء. ومع ذلك، فإن ما يحسن الأداء التشغيلي لسلاسل التوريد الرقمية هو سرعة نقل البيانات ومستوى شفافيتها.

أضاف التحليل أنه على الرغم من أن إنترنت الأشياء يوفر بشكل فعال كمية كبيرة من البيانات، فإن تحويل البيانات إلى معلومات لا يزال يتطلب معالجة البيانات، وهنا يظهر الدور الحيوي للذكاء الاصطناعي في معالجة البيانات على نحو يجعل سلاسل التوريد ذكية ذات مرونة، حيث يساعد الذكاء الاصطناعي عبر معالجته للبيانات على اتخاذ إجراءات للتكيف مع بيئة سريعة التغير من خلال تحليل المعلومات في التوقيت المناسب ومراقبة العمليات على نطاق عالمي مع التنبؤ بالمستقبل بأقل معدل خطأ.

وأوضح التحليل أن تقنية البلوك تشين، وهي تقنية حفظ السجلات الرقمية التي تقوم عليها عملة البيتكوين وغيرها من العملات المشفرة، تشكل عامل تغيير محتمل في عالم المال، ولكن هناك مجالا آخر لها، حيث يمكن أن تقوم هذه التقنية بدور كبير في إدارة سلاسل التوريد، إذ يمكن أن تعمل تقنية البلوك تشين على تحسين سلاسل التوريد بشكل كبير من خلال تسليم المنتجات بشكل أسرع وأكثر فعالية من حيث التكلفة، وتعزيز إمكانية تتبع المنتجات، وتحسين التنسيق بين الشركاء في سلاسل التوريد، والمساعدة للوصول إلى التمويل.

واتصالًا، فإنه مع تزايد تعقيد سلاسل التوريد، يطلب المستهلكون المزيد من المعلومات حول سلامة المنتجات والجودة والاستدامة، كما تتزايد الحاجة إلى الدقة والملاءمة والشفافية والثقة في المعلومات المتداولة على امتداد مراحل سلاسل التوريد.وهنا تبرز تقنية البلوك تشين كإحدى الطرق لتلبية هذه الحاجة، والمتمثلة في تقليل المسافات بين الموردين والمستخدمين النهائيين، وتبسيط سلاسل التوريد وزيادة إمكانية التتبع، حيث يمكن استخدام تقنية البلوك تشين، والتي توفر الوصول إلى جميع أصحاب المصلحة لتوفير المعلومات التي تم التحقق منها، والسماح بحل مشكلات التتبع وبناء الثقة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن عملية تصميم سلسلة التوريد، وإعادة هيكلتها، مع التأكد من الالتزام باعتبارات الأمن، والمرونة، وإدارة الموارد، وإدارة العمليات وإدارة المنتجات هي بعض الوظائف الرئيسة التي يمكن تحقيقها بواسطة تقنية البلوك تشين، حيث يمكن لسلاسل التوريد المعاد هيكلتها بشكل صحيح أن تضمن مزامنة معلومات التتبع عبر جميع مراحلها.

وأشار التحليل إلى أن نشر تقنية البلوك تشين في سلاسل التوريد يوفر فرصًا لموظفي إدارة سلاسل التوريد، كما تلعب تقنية البلوك تشين أيضًا دورًا مفيدًا للغاية لجعل عمليات سلاسل التوريد مستدامة، حيث تُمكن من مراقبة أداء الاستدامة لتقييم الموردين، فعلى سبيل المثال، يمكن عبر تلك التقنية تتبع أنشطة التعبئة والتغليف، وبالتالي مراقبة التأثيرات البيئية المرتبطة بتلك الأنشطة.

هذا، ويمكن أن يؤدي إحلال تقنية "البلوك تشين" محل العمليات التقليدية في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى زيادة حجم التجارة بنسبة 15% وزيادة الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة تصل إلى 5%، حيث إن لدى تقنية البلوك تشين القدرة على توسيع الإنتاج والاستهلاك المستدام لأي سلعة على نطاق عالمي.

وأوضح التحليل في ختامه إن عملية الرقمنة تعد ضرورة لتطوير الشركات والمؤسسات لعملياتها وليس فقط لسلاسل التوريد الخاصة بها، فهناك مجموعة من الإرشادات والخطوات التي تحتاج إليها المؤسسات والشركات التي تحتاج لبدء رقمنة عملياتها أو تطوير عملية الرقمنة القائمة بالفعل، حيث تتطلب الرقمنة خطوات ومشاريع مختلفة حتى تكلل بالنجاح:

أولها: أن تكون جميع الإدارات وأصحاب المصلحة مؤمنين بأهمية الرقمنة والالتزام بها، فإذا كانت هناك أقسام أو أعضاء فريق يشككون في الحاجة إلى التحول الرقمي، فقد يتسبب ذلك في التأخير وربما يؤدي إلى عدم نجاح عملية الرقمنة في النهاية.

ثانيها: أنه يجب أن تبدأ الشركات في عملية التحول الرقمي تدريجيًّا، لأن ذلك من شأنه أن يساعد على تحقيق النجاح للتجربة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن التكلفة تشكل عائقًا كبيرًا يمنع الشركات من تنفيذ التحول الرقمي في عملياتها وأنشطتها. ولكن يمكن أن يساعد الالتزام بالمتطلبات سالفة الذكر في معالجة هذه المخاوف وإقناع أصحاب المصلحة بالفوائد التي يمكن اكتسابها من خلال هذا الاستثمار. كما ينبغي توفير الأدوات والبرمجيات اللازمة لعملية التحول، بما يتضمنه ذلك من شراء للمنتجات اللازمة لعملية الرقمنة من كبار مقدمي الخدمات، أو بناء أنظمة داخلية.

اقرأ أيضاًمركز معلومات مجلس الوزراء يوقع مذكرة تفاهم مع جامعة الدول العربية

معلومات الوزراء يكشف أهمية الاستثمار غير الملموس في دفع الاقتصاد المصري

مقالات مشابهة

  • قيادي بـ«مستقبل وطن»: مصر تلعب دورا محوريا فى مجال الصحة والتنمية البشرية
  • «الوزراء»: مصر تستهدف إنشاء مدينة مالية تعمل وفق أنظمة المراكز العالمية
  • إشادة حزبية برسائل الرئيس السيسي بالمؤتمر العالمي للسكان: تعكس وعي القيادة السياسية بالتحديات التي تواجه مصر والعالم
  • وزير البترول: مصر تلعب دوراً حيوياً فى الطلب العالمي على الطاقة
  • «معلومات الوزراء»: توقعات بارتفاع نمو الطلب العالمي للغاز في 2025
  • «معلومات الوزراء» يستعرض دور التقنيات الرقمية في تعزيز كفاءة سلاسل التوريد
  • خلال لقائه مع نواب المنيا.. مدبولي: جميع استثمارات العام المالي المقبل موجهة لاستكمال مشروعات "حياة كريمة"
  • وزير الرياضة يسلّم جوائز المراكز الأولى للفائزين في بطولة وادي الفروسية الدولية
  • العربي للدراسات السياسية: مصر تلعب دورا هاما في آليات الصراع بالمنطقة