أفريقيا الغربية تنفض غبار الاستعمار
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
أفريقيا الغربية تنفض غبار الاستعمار
عوامل كثيرة، خارجية وداخلية، تقف خلف الانقلابات التي وقعت في النيجر، وقبلها في مالي وبوركينا فاسو.
الالتفات إلى موقف أوّل المعنيّين، أي شعوب البلدان الثلاثة، هو المدخل الصحيح لمقاربة غير استعمارية للتحوّلات فيها.
تحكّمت فرنسا طويلا عبر شراكاتها مع نخب حاكمة توالت على السلطة بثروات ومصائر الشعوب، وهو المعطى الذي يسمح بإدراك ما آلت إليه الأوضاع.
تمكّنت فرنسا مع شركاء محليّين من إنشاء منظومة سيطرة ونهب دامت عقوداً، دمّرت فرص أيّ تنمية حقيقية وحالت دون قيام دول وطنية حديثة بالمعنى الحقيقي.
خلال السنوات الأخيرة، تحرّرت مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي بلدان كانت في قلب «الحديقة الخلفية الأفريقية» لفرنسا، من السيطرة الفرنسية الشاملة والمديدة.
نجح الاستعمار الفرنسي بعد اندلاع ثورات التحرّر الوطني في فيتنام والجزائر وفشل العدوان الثلاثي على مصر في منع امتداد الثورات نحو غرب أفريقيا، بالحديد والنار.
* * *
بعد الانحدار، أتى الانهيار. فخلال الثلاث سنوات الأخيرة، تحرّرت مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي بلدان كانت في قلب «الحديقة الخلفية الأفريقية» لفرنسا، من السيطرة الشاملة والمديدة لهذه الأخيرة.
الاستعمار الفرنسي كان قد نجح، بعد اندلاع ثورات التحرّر الوطني في فيتنام إثر الحرب العالمية الثانية، ومن ثمّ في الجزائر، وفشل العدوان الثلاثي على مصر - والذي شارك فيه هو، وما نجم عن هذه التطوّرات من انحسار لسطوته عن الكثير من مناطق آسيا والعالم العربي، في منع امتداد الحريق الثوري نحو غرب أفريقيا، بالحديد والنار.
استعادة تاريخ سياسات فرنسا في هذه المنطقة من العالم، وتنظيمها للانقلابات العسكرية، وتورّطها المباشر في عمليات القمع والمجازر الوحشية إلى جانب الأنظمة الديكتاتورية، كما فعلت في الكاميرون مثلاً في أواخر الستينيات، كافية لنزع أيّ صدقية عن حجّة «الدفاع عن الديموقراطية» التي توردها حالياً لتبرير تدخّلها العسكري المحتمل ضدّ النيجر.
واذا كان تفاعل عوامل كثيرة، خارجية وداخلية، يفسّر أسباب الانقلاب الذي وقع في هذا البلد، وقبله في مالي وبوركينا فاسو، فإن تلك «الخارجية»، أي تحكّم فرنسا، عبر شراكاتها مع النخب الحاكمة التي توالت على السلطة فيها، بثروات ومصائر شعوب هذه الدول، هو المعطى البنيوي الرئيسي الذي يسمح بإدراك ما آلت إليه أوضاعها.
فهي تمكّنت، مع شركائها المحليّين، من إنشاء منظومة سيطرة ونهب دامت عقوداً طويلة، دمّرت فرص أيّ تنمية حقيقية وحالت دون قيام دول وطنية حديثة بالمعنى الحقيقي للكلمة.
وعندما حاولت نخب وطنية، وصلت إلى السلطة بالقوة لاستحالة أيّ سبل أخرى للوصول إليها، التصدّي لهذا الواقع، كما فعل رئيس بوركينا فاسو المغدور، توماس سانكارا، في بداية ثمانينات القرن الماضي، أشرفت باريس مباشرة على الانقلاب الذي أطاح به في 1987، وأدّى إلى تصفيته مع معظم رفاقه.
من أراد الاطّلاع على هذه الصفحات المظلمة من تاريخ علاقة «عاصمة الأنوار» بالقارة السمراء، يتوافر لديه اليوم أكثر من 80 كتاباً، صادرة جميعها بالفرنسية في العقدين الماضيين.
ومنها للمثال لا الحصر كتاب توماس بوريل، «الإمبراطورية التي ترفض الموت»، أو «حرب الكاميرون» لتوماس ديلتومب، أو «حرب فرنسا في مالي» لجان كريستوف نوتان، وآخرها كتاب ندونغو سابا سيلا وفاني بيجو: «عملة أفريقيا الاستعمارية الأخيرة».
قسم كبير من هذه الكتب يستند إلى وثائق صادرة عن جهات رسمية فرنسية وأفريقية، وإلى شهادات لمعنيّين بالأحداث التي وقعت، وإلى وقائع سياسية واقتصادية صلبة واضحة للعيان، لمَن يريد أن يرى طبعاً.
الخراب العميم الناتج من عقود من النهب الاستعماري البدائي للموارد، والاضمحلال التدريجي لمؤسّسات دول حديثة النشأة وخاضعة لسيطرة نخب فاسدة، ونموّ ظاهرة التطرف والإرهاب، دفعت مؤسّسات كـ«البنك الدولي» مثلاً إلى تصنيفها دولاً «متداعية»، وتحميل فساد النخب المذكورة وحدها مسؤولية الأمر، وتجاهل الدور المركزي لشريكها ووليّ نعمتها الباريسي.
هذا هو السياق العام والبنيوي الذي تمّ في إطاره استيلاء مجموعات عسكرية على السلطة في دول دخلت طوراً متقدّماً من التحلّل.
المشكّكون في نوايا المجموعات العسكرية التي استلمت السلطة في الدول الأفريقية الثلاث، يرتكزون أساساً على الأدبيات التقليدية لخطاب «أفضلية الديموقراطية على ما عداها من النظم»، وإلى السجل البائس لمعظم الانقلابات العسكرية في الجنوب العالمي. يتعامى هؤلاء عن السجل الذي لا يقلّ بؤساً للنخب «المنتخَبة ديموقراطياً» في غرب أفريقيا، وخيانتها للوعود التي قدّمتها لشعوبها، والتداعيات الكارثية للسياسات التي اعتمدتها بوحي فرنسي.
حقيقة أن مثل هذا الخطاب لم يَعُد يلقى آذاناً صاغية بين أغلبيات شعوب البلدان المشار إليها، أصبحت محلّ إقرار حتى في تقارير الأمم المتحدة، كالتقرير الأخير الصادر عن «برنامج الأمم المتحدة للتنمية»، بعنوان «جنود ومواطنون. الانقلابات العسكرية وضرورة التجدّد الديموقراطي في أفريقيا».
إذ يلحظ التقرير الدعم الشعبي للحكومات العسكرية الجديدة، ويعتبره مؤشّراً إلى «موجة جديدة من التطلّعات الديموقراطية المتعاظمة في القارة».
الالتفات إلى موقف أوّل المعنيّين، أي شعوب البلدان الثلاثة، هو المدخل الصحيح لمقاربة غير استعمارية للتحوّلات فيها. عندما تقرّر السلطة الجديدة في النيجر وقف تصدير اليورانيوم، الذي يوفّر حوالي 70% من الطاقة الكهربائية في فرنسا، إلى هذه الأخيرة، ينبغي التذكّر، كما يشير توماس فازي في مقال على موقع «أنهرد»، بأن واحداً من كلّ 7 نيجريين فقط تتوافر لديه الكهرباء.
توجّه الحكومات العسكرية إلى التحكّم بمواردها الطبيعية الاستراتيجية، وتعزيز التعاون السياسي والاقتصادي في ما بينها، وتبنّيها لخطاب الاستقلال والوحدة الأفريقية - والأوضح في هذا المجال هي حكومة بوركينا فاسو التي تستعيد خطاب توماس سانكارا -، جميعها مؤشّرات إيجابية إذا ترسّخت كسياسات ثابتة طويلة الأمد.
أمّا الإشارة إلى الروابط التي تسعى تلك الحكومات إلى تنميتها مع دول كروسيا والصين، للخروج من أسر التبعية الحصرية لفرنسا والغرب، فإن الحجة الأقوى للردّ عليها هي أن بلدان القارة السمراء، بعد أن خضعت لنير الاستعمار الغربي منذ أواسط القرن التاسع عشر، باتت تأخذ بدورها بخيار تنويع الشراكات، الذي يُتّبع اليوم من قِبَل جزء وازن من دول الجنوب العالمي.
نحن نشهد إذاً عملية إزالة لآثار الاستعمار عن غرب القارة السمراء.
*وليد شرارة كاتب وباحث في العلاقات الدولية
المصدر | الأخبارالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: أفريقيا استعمار فرنسا انقلابات مالی وبورکینا فاسو
إقرأ أيضاً:
الشاعر الأوزبكي شمشاد عبد اللهيف.. كيف قاوم الاستعمار الثقافي السوفياتي بالروسية؟
كان اسم شمشاد عبد اللهيف ذاته تقاطعًا بين الثقافات، حيث يجمع بين اسم فارسي ("شجرة تشبه الصنوبر")، ولقب عربي ("عبد الله")، والنهاية السلافية "يف" التي تعني ببساطة "من".
هذه التوليفة الثقافية كانت ممكنة في قلب طريق الحرير العظيم السابق، وتحديدًا في أوزبكستان السوفياتية السابقة، الدولة الواقعة في آسيا الوسطى والتي ارتبطت -في الحقبة السوفياتية- بالمأساة السياسية وعمالة الأطفال في صناعة القطن.
بمظهر يشبه نجمًا سينمائيًا إيطاليًا متقدمًا في العمر وسلوك أرستقراطي رفيع، كان شمشاد عبد اللهيف، الذي توفي هذا العام بسبب السرطان عن عمر ناهز 66 عامًا، شاعرًا وكاتبًا يبدع بالروسية. إنتاجه الأدبي كان متواضعًا، عدة كتب صغيرة من الشعر والمقالات، وسيناريو لفيلم لم يُنتج، ولكنه ساعده في شراء شقة في مدينة فرغانة الأوزبكية في أواخر الثمانينيات.
رغم افتقاد قصائده للقافية والوزن الثابت، فإن حياته وأعماله تقدم إجابات على أسئلة شائكة تواجه الفنانين اليوم: هل يمكن للفن أن يكون مسؤولا عن الحروب والإمبريالية؟ وكيف يمكن إزالة الاستعمار من ثقافتك إذا كنت تكتب بلغة المستعمر السابق؟ ومع استمرار الحرب الروسية الأوكرانية في عامها الثالث، يبرز سؤال آخر: إلى أي مدى يجب أن ترفض اللغة والثقافة الروسية؟ خاصة إذا كانت هذه اللغة هي أداة التعبير الفني لشخص غير سياسي يكره الاستبداد، وليس له أصول روسية، وتعرض للنقد لعدم اتباعه التقاليد الشعرية الروسية.
إعلانونشر عبد اللهيف أول مجموعة شعرية له بعنوان "الفجوة" في سانت بطرسبورغ عام 1994 من خلال مجلة Mitin. لاقت المجموعة إشادة نقدية واسعة وحصلت على جائزة أندريه بيلي في العام نفسه، وهي واحدة من الجوائز الأدبية الأكثر أهمية في روسيا.
فرغانةيرتبط اسم "فرغانة" بالنسبة لمعظم من يعرفون آسيا الوسطى السوفياتية السابقة بوادي يقطنه 16 مليون شخص، وهو المنطقة الأكثر خصوبة وكثافة سكانية بين الصين وإيران وروسيا. لعب هذا الوادي دورًا محوريًا في طريق الحرير العظيم، حيث جمع بين الثقافات والأديان والتكنولوجيا. ورغم تقسيمه بين أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان، أصبح موقعًا للتوترات السياسية والمجازر بعد الحقبة السوفياتية.
لكن عبد اللهيف جعل من اسم "فرغانة" رمزا لمزيج ثقافي غير تقليدي من خلال كتاباته. ففي سبعينيات القرن الماضي، جلب عبد اللهيف تيارات الحداثة الغربية المحظورة إلى الشعر الروسي، وأسس عبد اللهيف "مدرسة فرغانة الشعرية" عام 1990 إلى جانب الشعراء الأوزبكيين حميد إسماعيلوف وهمدام زاكيروف. تميزت هذه المدرسة بتركيزها على كتابة الشعر باللغة الروسية واعتبارها أداة للحوار الثقافي بين الشعوب ما بعد السوفياتية.
الظهيرة – مشدود – بجلد ليلكي (لون زهر الليلك)
تشق على طول طية، تكشف عن طريق إلى التفتح،
العش يشعر بثقل، والموت
لا يغرق في إناء من العسل المتقزح الألوان"
(من قصيدة "الظهيرة، 1975″، مترجم بواسطة أليكس سيغال)
"النجم الشرقي"تميز أسلوب عبد اللهيف بالهروب الداخلي الذي كان مناهضًا لنبرة ولغة وأسلوب الأدب السوفياتي الرسمية، واستطاع الابتعاد عن رقابة السلطات بفضل موقع فرغانة النائي عن موسكو. أصبحت المدينة الهادئة، المغطاة بأشجار الجميز، مهدًا للإبداع غير التقليدي بعيدا عن رادار المسؤولين الشيوعيين والخدمات السرية التي أجبرت الكتاب الأكثر تسييسًا -والحائزين جائزة نوبل في المستقبل- ألكسندر سولجينتسين ويوسف برودسكي على الخروج من الاتحاد السوفياتي.
إعلانوفي فرغانة قدم موسيقيون وفنانون مثل إنفر إزمايلوف وسيرجي أليبكوف إبداعات مميزة، حيث طور الأول أسلوبًا فريدًا في العزف على الجيتار، بينما دمج الأخير بين الفن الأوروبي والآسيوي.
ظهرت أعمال عبد اللهيف فقط بعد إصلاحات البيريسترويكا التي فتحت الاتحاد السوفياتي للعالم. ومنذ عام 1991، عمل عبد اللهيف محررًا للشعر في المجلة الأدبية "زفيزدا فوستكا" ("النجم الشرقي")، ونشرت المجلة أعمال الحداثيين الغربيين التي كانت محظورة، إلى جانب الترجمة المنقحة للقرآن الكريم، وأعمال الفلاسفة الصوفيين، والفلاسفة الطاويين الصينيين، والشاعر السوري أدونيس.
برز شمشاد عبد اللهيف كأيقونة بين الفنانين غير التقليديين في الجمهوريات السوفياتية السابقة، في حين قوبل بازدراء من قبل الكتّاب المحافظين.
يقول دانييل كيسلوف، أحد أتباع عبد اللهيف الذي أصبح لاحقًا محررًا للموقع الإخباري المؤثر "فيرجانا.رو" ومحللًا لشؤون آسيا الوسطى: "في الثمانينيات، كان شمشاد قد بدأ بالفعل في استخدام لغة شعرية جديدة اخترعها بنفسه، مما أثار استياء جميع التقليديين في الأدب الروسي".
في عام 1994، حصل عبد اللهيف على جائزة تحمل اسم الشاعر الروسي البارز أندريه بيلي، وهي جائزة ثقافية مضادة يتمثل رمزها في كأس من الفودكا وتفاحة، كان على الفائز تناولها أمام لجنة التحكيم والجمهور الأدبي. ورغم أن عبد اللهيف لم يكن من هواة الكحول، فقد أجبر نفسه على "قبول" الجائزة.
شهدت مجلة "زفيزدا فوستكا" قفزة هائلة في شعبيتها، حيث بلغ توزيعها رقمًا مذهلا وصل إلى 250 ألف نسخة، معظمها بيعت في روسيا المستقلة والجمهوريات البلطيقية.
صديقي ومرشديفي تلك الفترة، تعرفت إلى شمشاد عبد اللهيف وأصبحنا صديقين. على الفور، أقنعني بترجمة عدة قصائد من الإنجليزية والإيطالية. كنت طالبًا في التاسعة عشرة من عمري أدرس الأدب الإنجليزي، وسعدت برؤية اسمي منشورًا في مجلة "جادة".
إعلانلاحقًا، بعد أن حصلت على وظيفة مكتبية، توليت كتابة عشرات من قصائده على الحاسوب لإرسالها عبر البريد الإلكتروني إلى ناشريه وأصدقائه المنتشرين على مسافات تبعد آلاف الكيلومترات.
كان عبد اللهيف يكرر لي مقولته الشهيرة: "مركز العالم ليس في أي مكان، وهو في كل مكان"، مؤكدًا أن الأدب من الطراز العالمي قد يُنسى في أماكن نائية من آسيا الوسطى.
لكن مجلة أدبية رائدة لم تكن شيئًا يمكن لرئيس أوزبكستان السلطوي إسلام كريموف أن يتسامح معه. ففي عام 1995، أمر بفصل جميع أعضاء هيئة تحرير مجلة "زفيزدا فوستكا".
شاعر بلا عملأصبح عبد اللهيف شاعرًا عاطلًا عن العمل، يعيش في حالة رثة قريبة من الفقر، لكنه ظل يسافر بشكل متكرر إلى مهرجانات أدبية في الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا والولايات المتحدة.
مثل مئات الفنانين ذوي الفكر المستقل، الذين يتجنبون رعاية الدولة وضجيج الإعلام والسياسة، جسد عبد اللهيف بشكل رمزي استعادة الفن الراقي لنقائه الأصلي.
بين التضحيات والإمبراطورياتيتطلب الفن الراقي عقودًا من التفاني في شكل فني – سواء كان موسيقى أو أدبًا أو رسمًا – ويستند إلى قرون من التقاليد. ورغم ذلك، فإنه يزدهر غالبًا في البلدان الغنية التي عادة ما تكون إمبراطوريات، إذ تقوم هذه الدول أحيانًا بتلميع سجلها الملطخ بالدماء من خلال دعم الفنون.
كان "المؤلف" الأول المعروف في التاريخ هو الشاعرة الأكدية الأسطورية إنخيدوانا، التي جعلها والدها سرجون الأكدي الكاهنة الكبرى لإله القمر "نانا"، بينما كان يوحد إمبراطورية قديمة كبرى بالشرق الأوسط.
في روما القديمة، أغدق الإمبراطور أغسطس بالذهب على الشاعر الروماني فيرجيل، الذي أصبحت قصيدته الطويلة "الإنيادة" محور الأدب اللاتيني، وجاءت هذه الثروات من غنائم حروب الإمبراطورية في حوض البحر الأبيض المتوسط.
وبالنسبة للإيرانيين، تمثل "شاهنامه"، الملحمة التي كتبها الفردوسي، الروح الوطنية الإيرانية. لكن هذه الملحمة دُعمت ماليًا من قبل السلطان محمود الغزنوي، الذي غرق في بحور من الدماء خلال حملاته شمال شبه القارة الهندية وما يعرف الآن بباكستان.
إعلان الفنانون المستقلون ودروس التاريخمع ذلك، لم يكتب فنانون مثل فنسنت فان جوخ، ومعلم الهايكو الياباني ماتسو باشو، والشاعر الفرنسي شارل بودلير، وعبد اللهيف، أناشيد مدح للحكام. لم ينحنوا أمام السلطة، ولم يقبلوا بالعمولات الغنية أو المعاشات الحكومية، ودفعوا ثمن صدقهم بحياتهم:
"أغنية الطائر المحاكي تتسرب إلى طعم الكرز الأسود
خاصة هنا في ساحة الأب والأم
حيث للمرة الأولى يُسمع السؤال
والجواب بالتناغم
انتعاش المناطق النائية المختفية في
نهاية القرن عندما
تشبه المرحلة النهائية لأي كون صغير فجرًا طويلًا."
(من قصيدة "العائلة"، ترجمة أليكس سيجال).