هو الجنرال «النحيف المخيف»، كما وصفته جولدا مائير، رئيسة وزراء إسرائيل، خلال حرب أكتوبر المجيدة.

أستاذ المدرعات فى الشرق الأوسط.. وواحد من أهم خبراء العمليات فى الإقليم.. قالت عنه إسرائيل: «إنه الرجل الذى نخشاه أكثر مما نخشى من بقية القادة المصريين..»!

اللواء أركان حرب محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة العمليات فى الحرب المجيدة، ثم رئيس أركان حرب القوات المسلحة، وبعدها أصبح قائداً عاماً ووزيراً للحربية.

اللواء الجمسى.. أو الجنرال «النحيف المخيف»، هو صاحب أهم كراسة دونت فيها أسرار وتفاصيل الحرب بالكامل وبكل دقة، والتى عُرفت فيما بعد باسم «كشكول الجمسى».

هذا الكشكول كُتب بالكامل بخط يد اللواء محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، لضمان سريته، فقد ظل المرافق له فى جميع المشروعات، وتم تسليمه إلى الفريق أول أحمد إسماعيل على، القائد العام ووزير الحربية، الذى ناقش كل تفاصيله مع الرئيس السادات فى لقاء «برج العرب» الشهير الذى تحدد فيه موعد الحرب.

الرئيس السادات يفاجئ «الجمسى» بسؤال غريب أثناء حديثه: هل قرأت عن «غزو نورماندى» فى الحرب العالمية الثانية؟!

كان هذا الكشكول قد وضع كأساس لطبيعة المرحلة، التى تتطلب تحركاً عسكرياً كبيراً، بعد فشل كل التحركات السياسية خلال العامين اللذين سبقا الحرب.

«كشكول الجمسى» حمل خلاصة فكر عقول العسكرية المصرية فى مختلف تخصصات القوات المسلحة وإعدادها للحرب بأسلوب غير نمطى

المرحلة بكل ما فيها تعنى الخروج عن التقليدية والفكر النمطى.. وتحول الفكر العسكرى المصرى من مرحلة الاستنزاف إلى الحرب الشاملة.

حديث عن «نورماندى»!

التاريخ.. فى يوم من أيام بدايات أغسطس من عام ١٩٧٢.

فى هذا اليوم.. دعا الرئيس السادات وزير الحربية، الفريق أول محمد صادق، ورئيس الأركان، الفريق سعد الشاذلى، وبعض القادة؛ لحضور اجتماع خاص فى القناطر الخيرية.

كان الاجتماع صريحاً لأبعد الحدود والحديث أكثر صراحة وموضوعية.

فى الاجتماع قدم اللواء محمد عبدالغنى الجمسى، بوصفه رئيساً لهيئة العمليات -كما ذكر الكاتب موسى صبرى- تقريراً شاملاً عن أوضاع القوات المسلحة المصرية.. وتناول فى تقريره وجود المستشارين والخبراء السوفيت، وعدم تبعيتهم للقيادة المصرية، والنتائج التى يمكن أن تحدث من جرَّاء ذلك إذا وقعت الحرب.

أثناء حديث «الجمسى» فاجأه الرئيس السادات بسؤال غريب.. قائلاً: هل قرأت عن غزو نورماندى فى الحرب العالمية الثانية؟

- اللواء الجمسى: نعم.. يا سيادة الرئيس.

-الرئيس السادات: خذ هذا الكتاب، واقرأه جيداً.. أعتقد أنه سيفيدك. وكان الكتاب الصغير، باللغة الإنجليزية، على منضدة بجوار الرئيس، فأعطاه للواء الجمسى، الذى قرأه عدة مرات.. ولاحظ أن الرئيس قد وضع خطوطاً وملاحظات على بعض سطور وفقرات من الكتاب.

ولاحظ «الجمسى» أن هناك أوجه شبه فى بعض النواحى العسكرية بين إنزال قوات الحلفاء فى نورماندى، وبين عبور قواتنا إلى شرق القناة. تلك عملية إنزال قوات فى أرض يحتلها عدو على نطاق واسع.. والعبور هو أيضاً الوصول بقوات ضخمة إلى أرض يحتلها عدو ويفصلهما عائق مائى.. والكتاب يتناول عمليات الطيران.. وعمليات تنظيم القوات ذات الأعداد الضخمة بعد إنزالها.. كما يتناول دور القادة المحليين فى العملية الكبرى.

بعيداً عن التفكير النمطى

وفى اجتماع القناطر (أغسطس ۱۹۷۲)، نبّه الرئيس أنور السادات -والكلام لموسى صبرى- وزير الحربية والقادة إلى عدة نقاط مهمة منها:

- قال لهم الرئيس إنه يحذرهم من التفكير النمطى المعروف فى وضع الخطة العسكرية.. التفكير النمطى يمكن أن يتوقعه العدو، ويتيسر له أن يقاومه.. وطالبهم الرئيس بالابتكار والخلق من واقع ظروفنا الموضوعية المحلية.

- طلب إليهم الرئيس أن تكون مفاجأة العدو هى الأساس المهم فى الخطة العسكرية.. وأضاف: توفير المفاجأة والمباغتة يعتمد عليه نجاحنا فى تلافى خسائر كبيرة فى العبور.

 رئيس العمليات يُسلِّم بنفسه للفريق أول «إسماعيل» دراسة مكتوبة بخط اليد فى «كشكوله الخاص» لضمان السرية الكاملة

ومن هنا فعلاً، بدأ التفكير العملى فى خطة الخداع.. التى نُفذت على أحسن وجه، ووضع «الجمسى» أساسها فى «الكشكول»، الذى كتبه بخط اليد من نسخة واحدة، وقدمه إلى الرئيس.

كان الرئيس مهتماً بالغ الاهتمام بوضع الطيران، وبضرورة مواجهة تفوق العدو فى الطيران.. وفى هذا الاجتماع أصبح واضحاً أنه من الممكن الاعتماد على القوات الجوية المصرية، ابتداء من أكتوبر ۱۹۷۲، بعد تنفيذ اقتراحات معينة طُرحت فى هذا الاجتماع.

قرار الحرب.. قريباً

خرج اللواء الجمسى من اجتماع أغسطس وهو على يقين كامل بأن الرئيس أنور السادات جاد كل الجد فى أن يصدر قرار الحرب فى فترة قريبة.. وقريبة جداً.. وبدأ على الفور تنفيذ تكليفات القائد الأعلى.

لذلك لم يفاجأ «الجمسى» بقرارات إعفاء وزير الحربية، الفريق أول محمد صادق، وبعض القادة، وكان فى دمشق مكلفاً بمهمة عسكرية، عندما قرأ هذه الأنباء، وملأه التفاؤل بتعيين الفريق أحمد إسماعيل وزيراً للحربية.. الذى عمل معه سنوات طويلة، ويعرف مدى كفاءته القيادية، وقدراته العسكرية.. وبدأ الوضع فى القوات المسلحة يتطور إلى الإعداد الشامل الجدى للقتال؛ عبوراً، وهجوماً، وتطويراً للقتال.. وانتقلت الخطة العسكرية إلى مناقشة كل الجزئيات.. وبدأ ٦ أكتوبر العظيم.

الرمال الناعمة

بعد أسابيع قليلة من هذا اللقاء، وتحديداً فى ٢٨ من سبتمبر عام ١٩٧٢، ألقى الرئيس أنور السادات خطاباً إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الرئيس جمال عبدالناصر.

فى هذا الخطاب على وجه التحديد كانت رسائل «السادات» واضحة.. وصريحة، والمتأمل لهذا الخطاب ربما يجد فيه العبارات والجمل التى تلقى بظلالها على الأحداث الحالية، وما تشهده المنطقة الآن، ما يعنى أن هذا الرجل كان سابقاً لعصره!

يقول الرئيس السادات: «أقول لكم بصراحة وبصدق.. إنه منذ بدأ العدوان فى يونيو ٦٧، ومنذ تلك الأيام المظلمة الكئيبة التى عشناها بعد ذلك، وطوال السنوات الخمس الماضية، لم أشعر حقيقة أننى أتنفس بسهولة إلا هذا الصيف. لعل هذا يعطى بعض الضوء على ما سأقوله لكم بشأن الموقف الحاضر، نحمد الله.. نحن نتنفس الآن بسهولة وبيسر. ووجهت فى الصيف الماضى بموقف كنت أصفه، كما يصفه بعض الروائيين، بأننا نقف على «الرمال الناعمة».. فالمسألة ليست إلا وقتاً لكى تبتلعنا هذه الرمال الناعمة المتحركة من تحت أقدامنا. القضية لا تتحرك، إسرائيل تتلقى كل أنواع المعونة من أمريكا وكل أنواع السلاح، حتى بعد اجتماع موسكو فى ۲۰ أبريل الماضى، الادعاء الأمريكى تزايد بأنهم هم الوحيدون القادرون على الحل، ولا أحد يستطيع أن يحل المشكلة سواهم، سيل من المعونات العسكرية والاقتصادية على إسرائيل، وسيل كما قلت لا ينقطع، من هنا كان عتابى على الأصدقاء، لأن هذا الموقف الذى حصل بعد ذلك فى لبنان من مارس ۷۱ وأنا باتكلم فيه وباتكلم فيه بصراحة. تذكروا أنه فى ١٣ يناير الماضى، وفى حديث تليفزيونى إلى الشعب، قلت إننى وجهت للرئيس الأمريكى رسالة، قلت له إن وقاحة إسرائيل، وإن غرور إسرائيل وصل إلى درجة الوقاحة.. ده فى ١٣ يناير الماضى من هذا العام من سنة ٧١ وأنا باقول لأصدقائنا.. لإخواننا السوفيت.. إنه لا يمكن أن نترك إسرائيل فى هذه العربدة، لأنها بتعربد فى المنطقة.. تفعل ما تشاء.. تضرب أينما تريد.. بالشكل الذى تريده ولا رادع، علشان كده اللى حصل فى لبنان ماكانش مستغرب من جانبى، ده أنا من سنة ونص باتكلم فى هذا، قلته للأمريكان صراحة وعلناً، وقلته للأصدقاء منذ اجتماع مارس ۷۱، إن هذه العربدة الإسرائيلية لازم يكون لها حد، ولن يكون لها حد إلا بالردع داخل عمق إسرائیل»!

العقبة الحقيقية

كانت العقبة الرئيسية أمام القوات المسلحة المصرية هى خط بارليف بتحصيناته الشاملة. فحتى بدايات عام ١٩٧٣ أنفقت إسرائيل ما يقرب من 300 مليون دولار لإقامة هذا الخط وتحصيناته الشاملة، ما دفع موشيه ديان، وزیر دفاع إسرائيل، لوصفه بأنه الخط المنيع الذى لا يمكن اختراقه! وقال عنه مصممه، حاييم بارليف، نفسه: يستحيل اجتياز القوات المصرية لهذا الخط الذى يشكل خطراً داهماً.

بعد أسابيع قليلة من انطلاق شرارة الحرب، نظمت وزارة الحربية (الدفاع فيما بعد) مؤتمراً على مدى يومين فى بدايات ديسمبر عام ١٩٧٣، ليتحدث القادة العسكريون أمام وسائل الإعلام وممثلى الشعب عما قدمته مصر فى هذه الحرب.

وقد افتتح الفريق أول أحمد إسماعيل على، وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة، المؤتمر بكلمة قال فيها: «إن الهدف من هذا اللقاء، هو إبراز صورة حقيقية، دون مغالاة، وقد التزمنا منذ اليوم الأول للمعركة بأن نقول الصدق، كل الصدق، وأن تكون كل بياناتنا صادقة، ولقد كنا نذكر فى كثير من الأحيان فى بياناتنا العسكرية أقل من الحقيقة عن عبور قناة السويس، لقد كان عبور القناة مستحيلاً، لكن ثقتنا فى جنودنا وضباطنا مكنتنا من العبور». وتحدث الوزير عن الإرادة المصرية لدى الضباط والجنود الذين قاموا بالتنفيذ العملى للخطة الموضوعة بكل دقة.

وقبل أن ينهى وزير الحربية كلمته طلب من الحاضرين الوقوف دقيقة حداداً على أرواح الشهداء، بعدها قدّم اللواء محمد عبدالغنى الجمسى، بصفته رئيس هيئة عمليات حرب أكتوبر، والذى أسهم بفكره وعلمه فى التخطيط لها.

مكونات خط بارليف

وقف اللواء محمد عبدالغنى الجمسی يتحدث بمنطق حاسم قائلاً: تأكد العالم أننا لن نستطيع عبور خط بارليف المنيع، ولهذا، رصدنا كل إمكانياتنا العقلية والعملية، فى محاولات جادة، للوصول إلى حل نحطم به قوة هذا الحصن، الذى يمتد بطول القناة ويصل طوله إلى ١٧٥ كيلومتراً فى خط موازٍ للساحل الشرقي، وبعمق ۱۰ كيلومترات.

ويتكون خط بارليف من: ساتر ترابي على الحافة الأمامية مباشرة للساحل الشرقي لقناة السويس وبزاوية ميل تصل حتى ۸۰- ۹۰ درجة وبارتفاع ۲۰ مترا، ويضم 19 موقعاً حصينا، ويشمل ۲۰ نقطة قوية، عمق كل نقطة يصل حتى ٥٠٠ متر، وتتركز على المحاور الرئيسية المحتملة لتقدم قواتنا، وتضم ٢٠٦ ملاجئ ثقيلة، و٤٦٢ حفرة أسلحة، ودبابات مجهزة بتكسيات كثيفة؛ لحماية الأفراد ضد القصف الجوى والأرضی، حولها ۷۲ نطاقاً من حقول الألغام والأسلاك الشائكة.

ويكمل اللواء الجمسى فى سرد تفاصيل التحصينات قائلاً: كانت المكونات الهندسية للخط تتضمن: الدشم - الملاجئ - السائر الترابى - موانع الأسلاك والألغام - مرابض النيران - طبقات التقوية - نقط الملاحظة والمراقبة، وخنادق المواصلات.

والمكونات الإدارية هى: خط أنابيب تكديس إدارة من الذخيرة والمياه والتعيين.. تكفى لمدة شهر وعنصر طبى وأماكن للاستحمام ودورات مياه، ومطابخ.

مكونات إشارية هى: أجهزة الاتصال اللاسلكية - الخطية، وسائل الإنذار للقوات المسلحة، وتحتل كل نقطة طبقاً للواجبات المكلفة بها فى نطاق خطة الدفاع الشامل عن سيناء، وتجهيز بعض النقاط بمواسير متصلة بخزانات نابالم للإشعال على سطح القناة فور اكتشاف عبور قواتنا، علاوة على تجهيزات هندسية على مسافة من ٣ - ٥ كم تحتلها قوات احتياطية قريبة ووحدات مدفعية، وأيضاً تجهيزات هندسية على مسافة حتى 10 كم تحتلها قوات بعيدة، ووحدات مدفعية بعيدة المدى.

لقد كان خط بارليف أسطورة خط الدفاعات الإسرائيلية على الضفة الشرقية للقناة التى تحطمت فى ساعات، بفضل القيادة التى عملت فى صمت وتدريب مستمر، لكى تسقط الأسطورة التى كانت ذات يوم مصدر زهو الجنرالات!.

رجال المفاجأة

يقول اللواء محمد عبدالغنى الجمسی: «لا ننسى أن الذى حطم هذا الخط هم رجال الطيران، المدفعية، المشاة، وقد تكاتفت كل الأسلحة بصورة أذهلت إسرائيل وأذهلت العالم معها، وقد كانت مفاجأة عظيمة، يندر أن تحدث فى أى حرب، فقد كان العدو لا يصدق أننا سنحاربه بالمرة، ومتى؟ فى الساعة 2 ظهراً، والحروب عادة تبدأ مع أول ضوء أو آخر ضوء، كما هو معروف»، لكن حربنا هذه جاءتهم فى غير الموعد، حتى قال جنرال حاییم هيرتزوج فى إذاعة إسرائيل فى اليوم التالى للمعركة: «إن عامل المفاجأة، الذى اتبعته القوات المصرية، كان له تأثير كبير على سير المعارك».

ويضيف اللواء محمد عبدالغنى الجمسى: «عبرنا الخط الذى اعتقدوا أن المصريين سيُضربون فى أول خطوة إليه، لأنه كما ذكرت لكم، وبالقياس للموانع والخطوط التى سبقته فى المعارك العالمية، صعب، صعب بمعنى الكلمة، وارجعوا إلى ما قلته عن تحصيناته، وستتأكدون كم هو صعب، ولقد أصبح العبور لغة عالمية، غيرت الاستراتيجية العسكرية -كما قال وزیر الجيش الأمريكى موارد كولادای- إن عبور القوات المصرية لقناة السويس هو علامة بارزة فى الحرب الحديثة سوف تغير الاستراتيجية العسكرية، فلأول مرة فى التاريخ العسكرى الحديث تتمكن قوة عسكرية من إنجاز عملية عبور ضخمة لقناة السويس التى تماثل النهر.. وفى مواجهة عدو إسرائيلى مزود بطيران حدیث، دون أن تفقد القوات المصرية التى عبرت أى طائرة من طائراتها».

عظمة الجندى المصرى

ولكن ستبقى مفاجأة الحرب الحقيقية كلها متجسدة فى أداء الجندى المصرى، الذى كان وراء الاعتراف الذى قدمه الجنرال دافيد إليعازر، رئيس الأركان الإسرائيلى خلال الحرب، قائلاً: «إن لكل حرب مفاجأتها.. وهناك أشياء لا بد لنا أن نتعلمها وأن نصحح معلوماتنا بشأنها، وأكبر هذ المفاجآت أن الجنود المصريين.. كذلك السوريون.. قد أظهروا قدراً من الكفاءة والتضحية بالنفس، وتوفر الدافع، يفوق بكثير ما أظهروه فى الحروب السابقة».

هوامش:

الندوة الاستراتيجية بمناسبة مرور 25 عاماً على حرب أكتوبر المجيدة «المحور العسكرى» - إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة.

مجموعة خطب وأحاديث للرئيس محمد أنور السادات خلال الفترة من يناير 1970 وحتى نهاية ديسمبر عام 1974. 

وزارة الإعلام المصرية - الهيئة العامة للاستعلامات.

وثائق حرب أكتوبر - الكاتب الكبير موسى صبري.

 

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: القوات المسلحة الرئیس السادات القوات المصریة وزیر الحربیة أنور السادات حرب أکتوبر الفریق أول خط بارلیف الرئیس أن فى الحرب هذا الخط فى هذا

إقرأ أيضاً:

مستشار حميدتي السابق اللواء نورالدين عبد الوهاب: صبيحة تحرير المصفاة كان اليوم المقرر لإعدامي

مستشار حميدتي السابق اللواء نورالدين عبد الوهاب لـ (ألوان): 2/2

صبيحة تحرير المصفاة كان اليوم المقرر لإعدامي

حرمت من الأكل والشرب في زنزانة ضيقة

650 ألف جنجويدي هلكوا في معركة الكرامة

حميدتي مصاب وإنتهى سياسيًا وعسكريًا

++++++

يواصل اللواء نور الدين عبد الوهاب في هذه الحلقة الثانية والأخيرة من حوار كشف الأسرار الذي أجرته معه “ألوان” في مكة المكرمة حيث وصل إليها معتمرًا شاكرًا لأنعم الله بعد خروجه المعجزة من غياهب سجون حميدتي الجبلية شرق مصفاة الجيلي بالخرطوم بحري.
حاوره: عبداللطيف السيدح

ما الذي حدث لحميدتي بعد 25 أكتوبر؟

بدأ يهاجم الناس الذين وقفوا معه وساندوه قبل وبعد قرارات 25 أكتوبر الشهيرة والتي كان هو عرابها والممول الرئيسي لها، وهو ما يسميه قادة الحرية والتغيير اعتصام الموز ويسميه رئيس مجلس السيادة ونائبه بالقرارات التصحيحية، ومن خلال خطابات غريبة وغير مألوفة عنه بدأت تظهر في عباراته أحاديث مؤيدة ومنحازة للتيار اليساري المتطرف وظهر ذلك جليًا في خطاب الأسف والاعتذار عن الانقلاب ومن خلال الرصد والمتابعات تأكد أن الرجل وقع تمامًا في مصيدة الاستخبارات الأجنبية وإلتفت حول عنقه حبال مخابرات الدولة التي أيدته ودعمته في حربه ضد الجيش السوداني.

متى تقدمت بإستقالتك من الدعم السريع؟

قدمتها قبل نشوب الحرب بأشهر وذلك بعد أن لاحظت أن تغييرات عديدة بدأت تظهر على تصرفات الرجل، وهذا طبعًا كان بعد قرارات 25 أكتوبر، وكانوا يسمونها هو والفريق البرهان تصحيحية وتسميها أحزاب الحرية والتغيير إنقلابًا، وأذكر في ذلك الوقت أنه أصبح يستقبل يوميًا في مكتبه ياسر عرمان ومحمد التعايشي ويجلسان معه الساعات الطوال، وعندما تكررت هذه الزيارات غير المرتبة وغير العادية والمريبة في ذات الوقت دخلت عليه ناصحًا وقلت له بما أنك تمثل الرجل الثاني في الدولة يجب أن تقف على مسافة واحدة من جميع مكونات الشعب السوداني، وأكدت له أن هؤلاء يمثلون التيار الملحد المتطرف وانحيازك لهم يعني الوقوف ضد الفطرة السودانية السليمة، وعليك ألا تنحاز لطرف على الآخر ولاتعادي شخصًا حتى تصل البلاد إلى مرحلة الانتخابات ويختار الشعب من يمثله.

هل استمع لنصيحتك؟

طبعا لا ضرب بها عرض الحائط ووضع يده في أيدي عرمان والتعايشي، وهما يمثلان التيار الملحد المتشدد حتى في مكون الحرية والتغيير، فبدأت العلاقة تفتر بيني وبينه حتى أصبحت لا أحضر إلى المكتب، حتى أنه إتهمني بالتمرد عليه وقال لي “مالك إيه الحاصل عليك” فقلت له يا أخي الآن أنت ماشي في طريق غلط أنا نصحتك أنت لم تقبل النصيحة وما عدت أصلح أن أكون مستشارًا لك دون فائدة.

هل تعتقد أن عرمان والتعايشي هما من أوغرا صدره ضدك؟

ما من شك في ذلك بل إن المعلومات التي توفرت لدى أنهما ذكرا له أنني أعمل ضده ولا زال ولائي للبشير والمؤتمر الوطني، وهكذا بل هو قال لي ذات مرة نفس هذا الكلام، وقلت له هات ما يؤكد أنني أعمل ضدك، فلم يستطع الإتيان بدليل واحد، بل قلت له نحن تعاهدنا داخل الحرم المكي أن نعمل جميعًا بإخلاص من أجل السودان الوطن الواحد وألا نعمل لأي جهة أخرى سواء كانت داخلية أو خارجية، لكنه للأسف انقلب على عقبيه وتمكنت المخابرات الأجنبية وبواسطة عملاء الداخل من استقطابه لصالح المشروع التدميري.

كيف تمت عملية الفراق؟

ابتعدت عنه تمامًا لدرجة أن السلام لم يعد بيننا، لأن مدير مكتبه العميد حسن محجوب أبلغني أن الرجل أصبح يتخوف مني أو “أبى جيهتي” على قول المثل الدارجي، لدرجة أنه وضع كاميرات لمراقبة تحركاتي داخل منظومة المكتب. وفي يوم من الأيام ناداني وقال لي “إنت ما داير تشتغل معانا؟ قلت له نعم، فقام على طول أعطاني متحرك لي ناس الجهاز وقلت له الجهاز ذاتو ما عايز اشتغل فيه” فقال لي خلاص أنا بكلم مفضل ينزلك. قلت له جدًا. فأخذت أمر تحركي ونزلت بنفس رتبتي.

متى نشب الخلاف بين البرهان وحميدتي؟

الخلاف بدأ يظهر بصورة واضحة بعد الخطابات التي ظل يقرأها كل مرة وفي كل مناسبة عبد الرحيم دقلو. وطبعًا هي مكتوبة بأيدي عرمان والتعايشي الحليفان السياسيان للدعم السريع، وذلك بتنسيق شامل وكامل ورعاية من مخابرات وسفارة الدولة التي تكفلت بتوفير السلاح والمرتزقة بعد نشوب الحرب، وخطاب عبد الرحيم الشهير في قاعة الصداقة الذي قال فيه لرئيس مجلس السيادة القائد لقوات الشعب المسلحة ” سلم السلطة من غير لف أو دوران” وهذا الخطاب كان بداية التمرد الحقيقي، فأنت كعسكري تتبع للقائد العام، فكيف تحذره وأمام الملأ ففي كل الدنيا هذا اسمه تمرد، والتمرد الثاني بدأ بتحريك قوات من الزرق عبارة عن دبابات، وناقلات جنود حركوها من هناك وجابوها الخرطوم بدون علم القيادة ثم أدخلوا 65 ألف متدرب في المعسكرات في عموم ولايات السودان في معسكر قري لوحده أدخلوا 18 ألف وأدخلوا 16 ألف في معسكر فتاشة وأدخلوا تقريبًا نفس الكمية في معسكر طيبة، ووزعوا باقي المتدربين على المعسكرات الموجودة في باقي ولايات السودان.

هل تعلم شيئًا عن جنسيات هؤلاء المجندين؟

هؤلاء الـ 65 ألف متدرب هم من تحدثت عنهم المجالس والاعلام بأن الغالبية العظمى منهم غير سودانيين، وتم إدخالهم إلى السودان واستخرجوا لهم أرقامًا وطنية وجوازات والغريبة لم تكن هذه العملية سرية والأجهزة الأمنية رصدت ذلك وأبلغت الجهات ذات العلاقة في موضوع التجنيس وعلى رأسها وزارة الداخلية بل إن الاتهام الأكبر كان موجهًا للشرطة لكن لم تتحرك الدولة وتحسم الأمور في وقتها حتى وقعت الفأس على الرأس.

أين كنت يوم الإنقلاب؟

كنت في منزلي بحلفاية الملوك، حاولت الاتصال بعدد من الضباط قيادات الدعم السريع بحكم الزمالة السابقة لكي يوقفوا هذه الحرب لكن للأسف كانت جميع الهواتف مغلقة وأصبحنا نراقب التطورات العسكرية، وبعد أن حمى الوطيس وتوسعت رقعة الحرب قررت إجلاء أسرتي إلى منطقتنا وبيت الأسرة الكبير في قري.

كيف ولماذا تم اعتقالك؟

بدون أي سابق إنذار أنا موجود في بيتي ومع أسرتي في “قري” تم اعتقالي وذلك بعد 6 أشهر من اشتعال الحرب، أما لماذا فأعتقد أن وشاية أطلقتها قيادات قحط كانت خلف اعتقالي وذلك عندما روجوا أن مستشار الدعم السريع السابق قد انضم للقوات المسلحة وبدأ في تنفيذ خطة لزرع ألغام في المنطقة لكي تقتل عناصر الدعم السريع الذين احتلوا كل المنطقة شمال الجيلي، وأعتقد أن سبب اعتقالي سياسي وليس عسكري هذا ما اتضح لي فيما بعد.

أين ذهبوا بك؟

داهمت المنزل ثلاث “تاتشرات” مدججة بالسلاح والجنود أشهروا أسلحتهم في وجهي وأمام زوجتي وأطفالي أمروني بالركوب وصلت مكان الحبس لم يكن بعيدًا عن منطقتي جوار المصفاة أدخلوني في بدروم جلست ثلاثة أشهر دون أي تحقيق. بعد ذلك نقلوني إلى الخرطوم شارع عبيد ختم جوار الأدلة الجنائية وجدت عددًا كبيرًا من المعتقلين منهم مهندسين في سوداتل، أجلسوني في أسوأ مكان والوضع مزري للغاية، طالبتهم بتقديمي لمحاكمة بسبب التهم الموجهة لي في النهاية أتوا بي لضابط يعرفني تمامًا اسمه عيسى بشارة قلت له لماذا تم حبسي كل هذه المدة دون توجيه أي تهمة فقال لي ملفك معي واطلعت عليه ولم أجد مبررًا لاعتقالك وسنطلق سراحك ، وقد كان أعادوني إلى منزلي ووضعوني تحت المراقبة والبيت محاط بالتاتشرات من جميع النواحي ولا يسمح لي بالخروج، لكن تمكنت من إجلاء أسرتي إلى عطبرة رغم الحصار، وعندما علموا بذلك أخذوني مرة أخرى إلى المعتقل.

أعادوك للخرطوم مرة أخرى؟

لا هذه المرة كان في موقع داخل التصنيع الحربي، وجاءني ضابط منهم وقال لي نحن نعرفك ونعرف خدماتك الجليلة التي قدمتها للدعم السريع ولقائده ونريد منك المواصلة حيث تتولى مهمة قيادة الدعم السريع في هذه المنطقة ونحن جميعًا جنود تحت إمرتك وتوجيهاتك ونعتذر لك عما حدث لك في الأشهر الماضية، فقلت له أعتذر عن تولي هذه المهمة ولن يجدي معي ترغيب ولا ترهيب فأرجوكم أبحثوا عن شخص غيري، وتحاججنا كثيرًا في هذا الموضوع وغادر.

ماذا حدث بعد رفضك للعرض؟

بعد ذلك تم إخراجي من التصنيع الحربي وتحويلي إلى معتقل ” الكاراكون” شرق مصفاة الجيلي منطقة جبلية سيئة جدًا والموقع من أسوأ أماكن الحبس وجدت هناك أعدادًا كبيرة من النظاميين والمهندسين والمواطنين العاديين خاصة الذين يملكون النقود يأتون بهم لتعذبيهم حتى يعترفوا بأماكن الذهب والمدخرات وأرقام حساباتهم في البنوك ليتم التحويل الفوري منها إلى حسابات أفراد المليشيا.

كيف وجدت المعاملة ممن كنت ترأسهم في يوم من الأيام؟

بعد أن اعتذرت عن العمل معهم، ويبدو أنهم تلقوا تعليمات عليا بأن يتفننوا في تعذيبي فنقلوني إلى زنزانة ضيقة جدًا لا أخرج منها إلا كل 12 ساعة لدورة المياه وأحيانا يمر يوم كامل لا يخرجوني وحرمت من الأكل والشرب وبقيت على هذا الحال عامًا وثلاثة أشهر، وتأكد لي أنهم يريدون قتلي من خلال هذه المعاملة وذلك تنفيذًا لتوجيهات ربما تكون من قيادتهم العليا.

ألم تجد من يتعاطف معك وأنت ضابط سابق معهم؟

نادر جدًا لأن معظم القوات الموجودة في منطقة المصفاة والتصنيع الحربي وقري والمعسكرات الجبلية أو 85% أجانب تشاديون، وجنوبيون، وأعداد كبيرة من قبيلة “التبو” الليبية الذين دعم بهم حفتر حليفه حميدتي وهم متدربون أشداء أقوياء، قتلة، لكن الحمد لله من بين كل هؤلاء الأجانب الأنجاس أجد شخصًا أو شخصين يأتيان إلى زنزانتي من أبناء الدعم السريع السودانيين والذين قد أكون أحسنت إليهم في يوم من الأيام، فيعطفان علي ويسربان لي “ماء معبأ في أكياس إضافة لقطع العصيدة اليابسة في تكك سراويلهم”.

كيف ومتى خرجت من المعتقل؟

سبحان الله، كتب الله أعمارًا جديدة بعد أن حكموا علينا بالإعدام، أذكر أنه في الليلة التي سبقت تحرير المصفاة أوقفوا سيارة كبيرة بطاح وأخرجونا من الزنازين وأخبرني أحد السجانين أننا ذاهبون إلى دارفور وفعلًا تم شحننا في البطاح ومع مغيب الشمس تعطل في شرق النيل وباءت جميع محاولات الإصلاح بالفشل، فأعادونا إلى معتقلاتنا مرة أخرى وعرفنا أنهم قرروا تصفيتنا صباحًا رميًا بالرصاص، ومع بزوغ الفجر سمعنا أصوات التكبير والتهليل ورأينا الجيش يقتحم المعسكر وهرب كل الجنجويد وتم تحريرنا الذي كان أشبه بالمعجزة وشاهد السودانيون جميعًا الحالة التي كنا عليها.

من خلال متابعاتك هل الدعم السريع قادر على مواصلة الحرب؟

طبعا لا لأن القوة الصلبة التي أعرفها وتم تدريبها جيدًا على أيدي الجيش السوداني قد تم سحقها تمامًا خلال الشهرين الأولين من الحرب، وبكل ثقة ومعلوماتي المؤكدة أن 650 ألف من قوات الدعم قد هلكوا، والقيادات المتبقية هربت إلى دارفور عثمان عمليات وعصام فضيل وغيرهما.

أين حميدتي؟

شوهد أخر مرة بعد ثلاثة أيام من إندلاع الحرب يحمل جنزيرًا قال “سيكلبش” به البرهان بعد إلقاء القبض عليه وإيداعه السجن مع البشير ورفاقه، لكنه اختفى فجأة عن مسرح العمليات. التقارير الاستخباراتية تقول أنه معاق إعاقة يصعب برؤها، وربما يكون موجودًا في منطقة شدة خلوية أو بين حاضنته، وفي كل الأحوال إنتهى عسكريًا وسياسيًا.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • أبوبكر الديب يكتب: إقتصاد إسرائيل يدفع ثمن طموحات نتنياهو السياسية
  • وفاة أحد مسؤولي محافظة الدقهلية المصرية خلال أدائه صلاة عيد الفطر
  • والي الجزيرة: استراتيجيات القوات النظامية في حرب الكرامة تُدرَّس في الأكاديميات العسكرية
  • عيدية الكرة المصرية لمن تذهب؟| محمد شريف يرغب في العودة للأهلي.. و 4 أندية تصارع للفوز به
  • خالد الشناوي يكتب: الحرب الصهيو أمريكية
  • النصر الكاذب
  • استجابة لأزمة الوقود.. رئيس أركان القوات البرية يوجه بإرسال شحنات عاجلة إلى الواحات
  • مستشار حميدتي السابق اللواء نورالدين عبد الوهاب: صبيحة تحرير المصفاة كان اليوم المقرر لإعدامي
  • عودة الابن الضال !
  • خالد عمر يوسف يكتب: قصة قصيرة “بعض الشيء”