عاشوا ساعات الرعب في هيروشيما.. من هم الهيباكوشا؟
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
ربما قبل وقوع تلك اللحظة المأساوية بثوانٍ فقط كانت هناك فئات عديدة تحمل معها أحلامها المختلفة ما بين الصغار والبالغين وحتى كبار السن، لكن في صباح يوم 6 أغسطس عام 1945 تغيَّر كل شيء للأبد وتحولت الصورة للمدينة السالمة إلى أنقاض فقط تكسوها الأدخنة في كل مكان، لكنها لم تكن عادية فقد كانت مُحملة بإشعاعات تم التعرض لها لأول مرة في البشرية، لكن هناك مَن نجوا وسطر لهم القدر معجزة للخروج من هذه المأساة لكنهم عاشوا كالموتى الأحياء وحملت تشوهاتهم تفاصيل ما وقع بتلك الكارثة الإنسانية في التاريخ.
الهيباكوشا هم الضحايا الناجون من القنبلتين الذريتين اللتين سقطتا على هيروشيما وناجازاكي، وعلى الرغم من نجاة هؤلاء الأفراد من الآثار المباشرة للانفجارات الذرية، إلا أنهم عانوا من آثار المرض الإشعاعي وفقدان الأهل والأصدقاء والتعرض للتمييز العنصري لتغير ملامحهم.
وعلى الرغم من الصعوبات التي يواجهها أصحاب هذه الفئة، إلا أن العديد من الهيباكوشا أصبحوا نماذج مشرقة لتحويل مآسيهم الشخصية إلى كفاح من أجل تعزيز السلام وخلق عالم خالٍ من الأسلحة النووية، بحسب منظمة الأمم المتحدة.
ماذا تعني الهيباكوشا؟يعني مصطلح «هيباكوشا» في اليابانية الأشخاص المتضررين من القنبلة، ووفق قانون إغاثة الناجين من القنبلة الذرية، هناك فئات معينة معترف بها من الهيباكوشا، كالأشخاص الذين تعرضوا للقنبلة مباشرة وما تلاها، وكذلك الأشخاص الذين تعرضوا في دائرة نصف قطرها 2 كيلومتر ودخلوا مجال الدمار في غضون أسبوعين من وقوع الكارثة الإنسانية، وكذلك الذين تعرضوا للتساقط الإشعاعي بشكل عام، وأولئك الذين تعرضوا له وهم في طور الجنين داخل الأرحام وكانت أمهاتهم من الفئات المذكورة.
وبخلاف التعرض لإشعاع القنبلة الذرية وسوء الصحة، إلا أن أصحاب هذه الفئة عانوا من التمييز أيضًا على أيدي غيرهم من اليابانيين الأصحاء، فلم يكن حينها معروفًا سوى القليل عن آثار التلوث الإشعاعي في اليابان، وانتشرت الشائعات بأن التعرض للإشعاع كان أشبه بمرض معدٍ.
وبمرور الوقت وقع هؤلاء الأشخاص ضحايا للتمييز وغالبًا ما تم اعتبارهم غير مؤهلين للعمل والزواج، ومن المؤسف أن التمييز ضد الهيباكوشا لا يزال مستمرًا حتى اليوم وقد تفاقم أو ربما تجدد بسبب الكارثة الإشعاعية التي وقعت في مجمع الطاقة النووية في فوكوشيما دايتشي بعام 2011.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: هيروشيما القنبلة الذرية مدينة هيروشيما الذین تعرضوا
إقرأ أيضاً:
الذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون
عائشة بنت سالم المزينية
هناك أشخاص حين تلتقي بهم، تشعر أنك لم تلتقِ بشخص، بل بدعاء سكن قلبك يوما، ولبّاه الله لك دون أن تدري. أولئك الذين يشبهون الدعاء لا يمرّون مرور الكرام في حياتنا، بل يزرعون شيئا ناعمًا في الروح، شيئًا لا يُرى بالعين، ولا يُقاس بالكلمات، لكنه يبقى. يبقى كأثر المطر على الأرض، وكطمأنينة السجود بعد ضيق.
ولأنهم يشبهون الدعاء، فإن حضورهم لا يكون صاخبا، بل هادئا يشبه نسيم الفجر، يدخل القلب دون استئذان، ويُضيء العتمة دون أن يُشعل ضوءًا. هم أولئك الذين يكفون عن الكلام حين يحين وقت الإصغاء، ويُحسنون الظن بك حين تعجز عن تبرير صمتك. وجودهم لا يعتمد على قرب المسافة، بل على نقاء النية، وصدق الشعور، وسخاء القلب.
وفي كل مرحلة من مراحل العمر، لا بد أن تصادف شخصًا واحدا على الأقل، يُعيد ترتيبك من الداخل. لا يطلب شيئا، لا ينتظر رد الجميل، لا يسعى لفرض حضوره، فقط يكون هناك حين تحتاج، كأن قلبه يرنّ مع ألمك، وكأن نفسه لا تهدأ حتى يطمئن عليك. هؤلاء لا يُنسَون، لأنهم ببساطة يشبهون تلك اللحظات التي بُثّت فيها أمنياتنا إلى السماء.
ولذلك، حين تتقاطع دروبنا مع أشخاص بهذه الروعة، فإننا نكسب شيئا أكبر من مجرد علاقة، نحن نكسب امتدادا روحيا لا يشيخ، لا يتغير بتقلبات المزاج، ولا يتبدد مع الزمن. وفي الحقيقة، ليست الصداقات التي تدوم هي الأطول عمرا، بل هي الأصدق أثرا. هؤلاء، هم أولئك الذين تجد آثارهم في كل لحظة فرح أو حزن، في كل إنجاز أو سقطة، كأنهم يرافقونك سرا حتى حين لا يكونون بجانبك.
ومن اللافت أن هؤلاء الأشخاص لا يبحثون عن أن يكونوا مميزين، هم فقط يعيشون ببساطة، ولكنهم يحملون قلوبا أكبر من العالم. تراهم في كلماتهم، في طريقة إنصاتهم، في تلك التفاصيل الصغيرة التي لا ينتبه لها أحد سواهم. هم يصغون أكثر مما يتحدثون، ويمنحون أكثر مما يأخذون، ويبتسمون رغم ما يخبئونه من أثقال.
ومع مرور الزمن، تكتشف أن أجمل العلاقات هي التي لا تحتاج إلى إثبات دائم. الذين يشبهون الدعاء لا يجعلونك تشك في محبتهم، لا يُربكونك بتقلّباتهم، لا يجعلونك تُرهق نفسك بتأويل كلماتهم. هم ببساطة نعمة، ومن رحمة الله بالقلوب أن يرزقها بأمثالهم في الوقت الذي يكون فيه الإنسان بأمسّ الحاجة ليد خفيفة على كتفه، أو لصوت صادق يقول له: "أنا هنا".
وعلى الرغم من أن الحياة تمضي، والوجوه تتغير، والأيام تأخذنا في دوّاماتها، إلا أن أولئك الذين يتركون فيك هذا الأثر الطيب، يبقون في القلب كأنهم تعويذة راحة، كأنهم غيمة طيبة تظلل عليك كلما اشتد الحر، كأنهم سكينة أُهديت لك في لحظة حيرة.
ومن المهم أن نعي، أنه كما نُرزق بهؤلاء الأشخاص، فإن علينا أيضا أن نسعى لنكون نحن من يشبهون الدعاء للآخرين. أن نُخفّف، لا أن نُثقل. أن نستمع، لا أن نحكم. أن نترك أثرا طيبا، حتى لو لم نعد موجودين. فالحياة لا تُقاس بعدد الأصدقاء، بل بجودة القلوب التي مرّت بنا.
وهنا، لا بُد أن نتأمل: من الأشخاص الذين يأتون إلى ذاكرتنا حين نكون في قاع الحزن؟ من أولئك الذين نشعر بوجودهم حتى وهم بعيدون؟ من الذين نُرسل لهم في سرّنا دعاءً خالصا لأننا لا نملك إلا أن نحبهم دون مصلحة؟ هم بلا شك الذين يشبهون الدعاء، أولئك الذين نحتفظ بهم في دعائنا لأنهم نادرا ما طالبوا بشيء، لكنهم أعطونا كل شيء.
ولعلّ أجمل ما في هذا النوع من البشر، أنهم لا يتبدلون حين تتبدل الظروف، ولا يخذلون حين يشتد التعب. هم الثابتون حين يتغيّر كل شيء. تراهم في رسائل بسيطة، في مكالمة مفاجئة، في دعاء صامت، في نصيحة غير متكلّفة، في وقفة لا يُرجى منها مقابل.
وما أجمل أن نكون مثلهم، أن نمرّ في حياة الآخرين كنسمة طيبة، لا تُؤذي، لا تُثقل، لا تُحاكم، بل تُساند، وتبتسم، وتدعُو في ظهر الغيب. إن الذين يشبهون الدعاء لا يحتاجون إلى مقدمات طويلة، ولا إلى تبريرات عند الغياب، لأن حضورهم يكفي ليملأ القلب رضا، وذكراهم تكفي لتسند الروح حين تتعب.
وهنا، تأكد أن الحياة لا تحتفظ بكل من مرّ بك، لكنها لا تنسى أبدا من شابه الدعاء في حضوره، وأثره، ونقائه. فلا تكن من أولئك الذين يعبرون الحياة بأصواتهم المرتفعة، بل كن من الذين يعبرونها بأثرٍ لا يُمحى، ومن أولئك الذين إذا ذُكروا، سبقتهم دعوة صادقة من قلب أحبهم بصدق.
فالذين يشبهون الدعاء لا يُنسَون، لأن الله وحده هو من وضعهم في دروبنا، في اللحظة التي كنّا فيها بأمسّ الحاجة لهم.