إنجاز يشهد له العالم| مصر قصة نجاح في مكافحة الملاريا بشهادة الصحة العالمية
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
في خطوة تاريخية تضاف إلى سجل الإنجازات الصحية في مصر، أعلنت منظمة الصحة العالمية أن البلاد أصبحت خالية من مرض الملاريا، ويُعتبر هذا الإنجاز بمثابة ثمرة جهود مضنية استمرت لعقود، حيث قامت الحكومة المصرية بتبني استراتيجيات فعّالة لمواجهة هذا المرض الذي يشكل خطرًا على الصحة العامة.
مرض الملارياتُعتبر الملاريا من الأمراض الفتاكة التي تنتشر عبر لدغات بعوضة الأنوفيلة، وقد كانت مصر تُعاني من هذا المرض في الماضي، حيث كانت تسجل آلاف الحالات سنويًا، لكن مع بداية الألفية الجديدة، اتجهت الحكومة المصرية نحو تنفيذ خطة شاملة للقضاء على الملاريا.
ومنذ أكثر من 100 عام، وضعت مصر نصب عينيها القضاء على الملاريا، المرض الذي عرفته منذ العصور الفرعونية، وقد أظهرت الحكومة والشعب التزامًا صارمًا بتحقيق هذا الهدف، وجاءت النتائج تتويجًا لهذه الجهود، حيث صرحت منظمة الصحة العالمية بأن مصر تمكنت من القضاء على المرض بشكل كامل.
بدأت وزارة الصحة المصرية بحملات توعية للمواطنين في المناطق المهددة، وتم توزيع منشورات ومواد توعوية تتناول أساليب الوقاية من الملاريا وأهمية الحفاظ على النظافة الشخصية والبيئة.
أُجريت عمليات مكثفة لمكافحة البعوض، حيث تم معالجة المناطق الراكدة والمستنقعات، بالإضافة إلى استخدام مبيدات حشرية آمنة وصديقة للبيئة.
قامت الوزارة بإجراء فحوصات دورية في المناطق المعرضة، وتقديم العلاج المجاني للمصابين. ونتيجة لذلك، انخفضت معدلات الإصابة بشكل كبير.
تعاونت مصر مع منظمات دولية مثل منظمة الصحة العالمية وجمعية الهلال الأحمر، حيث حصلت على الدعم الفني والمالي اللازم لتطوير برامج مكافحة الملاريا.
تكللت هذه الجهود بنجاح كبير، حيث لم تسجل مصر أي حالات جديدة من الملاريا منذ عدة سنوات. وبهذا الإنجاز، تضع مصر نفسها في مقدمة الدول التي تمكنت من القضاء على هذا المرض.
وقال المدير العام للمنظمة، تيدروس أدهانوم جيبريسوس: «الملاريا قديمة قدم الحضارة المصرية نفسها، ولكنها الآن أصبحت جزءًا من ماضي مصر وليس مستقبلها، والإشهاد على خلو مصر من الملاريا هو نجاح تاريخي وشهادة على التزام المصريين».
مصر أصبحت ثالث دولة في إقليم شرق المتوسط تحصل على شهادة خلوها من الملاريا، بعد الإمارات والمغرب، وأول بلد ينال هذا الاعتراف منذ عام 2010، وتنضم مصر إلى 44 دولة حول العالم، حققت نفس الإنجاز، وهو ما يعزز مكانة مصر كقائد إقليمي في مجال الصحة العامة والوقاية من الأمراض المعدية.
قال خالد عبدالغفار، وزير الصحة ونائب رئيس الوزراء: «حصول مصر على شهادة القضاء على الملاريا ليس نهاية الرحلة، بل هو بداية مرحلة جديدة تتطلب منا مواصلة الجهود»، وأكد على أهمية الحفاظ على أعلى معايير الترصد والتشخيص والعلاج لمنع أي عودة للمرض.
وأضاف الوزير: «سنعمل بلا كلل مع جميع الشركاء للحفاظ على م صر خالية من الملاريا، وضمان استدامة جهودنا في إدارة النواقل والتصدي للحالات الوافدة».
خلو مصر من الملارياوسبق أن أكدت وزارة الصحة أن آخر انتقال مثبت لمرض الملاريا داخل مصر كان في عام 1998، في حين لا يوجد أي سريان للمرض داخل البلاد حتى الآن.
وفي فبراير 2023، خاطبت وزارة الصحة والسكان، مدير عام منظمة الصحة العالمية بجنيف، بملف يتضمن جهود الوزارة في مواجهة المرض وإجراءات الحصول على الإشهاد بخلو مصر من الملاريا، للبدء في اتخاذ الخطوات اللازمة للتحقق من خلو مصر من المرض.
ووفق تقرير سبق أن حصل عليه مصراوي، فإن القضاء على الملاريا يأتي نتيجة برامج التطعيم الوطنية المجانية الموسعة ضد الملاريا، ما قلل معدلات انتشارها بصورة كبيرة، ومكّن الدولة المصرية من إعداد الملف الخاص لإعلان خلو مصر منها نهائياً.
وعلى وقع ذلك، وبختام يونيو الماضي، استقبل الدكتور خالد عبد الغفار، وفدًا من منظمة الصحة العالمية (برنامج الملاريا العالمي)؛ تمهيدًا لحصول مصر على الإشهاد الدولي بالخلو من مرض الملاريا، بعدما قام الفريق بتنفيذ زيارة ميدانية، خلال الفترة من 22 إلى 29 يونيو الجاري؛ للتحقق من عدم حدوث سريان لمرض الملاريا داخل مصر، وأن جميع الحالات المكتشفة كانت حالات وافدة من دول يتوطن بها المرض، ووجود نظام ترصد قوي، قادر على الاكتشاف المبكر للحالات، وذلك من خلال التعاون مع جميع الجهات المعنية.
وزار فريق المنظمة عددًا من المستشفيات، والوحدات الصحية بمحافظات القاهرة، والفيوم، وأسوان؛ لمراجعة الإجراءات الوقائية والاحترازية التي تطبقها الدولة لمنع إعادة توطن مرض الملاريا بالبلاد، من خلال مراجعة ملفات الحالات، وكذلك المعامل والأنظمة المساعدة ونظام الإحالة، وبروتوكولات العلاج المطبقة.
كما قامت البعثة بزيارة عدد من وحدات الرعاية الصحية الأولية؛ للوقوف على قدرات الأطقم الطبية في الاكتشاف والإحالة لأية حالة ملاريا وافدة، وتم زيارة معامل وحدات الملاريا، لمراجعة قدرة العاملين على التشخيص السليم والترصد المستمر للحالات، وزيارة وحدات مكافحة نواقل الأمراض بالمحافظات، بالإضافة إلى مقابلة مجموعة من الرائدات الريفيات؛ للتعرف على النظام المجتمعي، وطرق توصيل الرسائل الصحية المختلفة للمواطنين.
وأشادت بعثة الصحة العالمية بجودة المنظومة الصحية المصرية، والتي تتيح حصول المريض على الخدمات الصحية، بالإضافة إلى وجود نظام ترصد قوي، واستجابة عالية لسرعة اكتشاف والتعامل مع أية حالة ملاريا وافدة، ومكافحة نواقل الأمراض (البعوض الناقل للمرض)، ومنع إعادة توطين المرض عن طريق وجود خرائط محددة ومحدثة، وأشادت بدور مكاتب تقديم خدمات الوقاية من مرض الملاريا للمسافرين إلى الدول التي يتوطن بها المرض.
أعراض الملارياأعراض الملاريا تتراوح بين عدم وجود أعراض وبين وجود جلطات في الأوعية الدموية واحتقان الرئة والوفاة.
ويعاني معظم المرضى من الحمى والصداع وآلام الظهر والرعشة و العرق والآلام العضلية والغثيان والقيئ، وعادة ما يصاحب ذلك تضخم بالطحال وفقر بالدم.
أما الحالة المشتبه في إصابتها بالمرض، فهي أي مريض يعاني من حمى لا يوجد تفسير لحدوثها، أو أعراض إكلينيكية أخرى كالصداع وآلام الظهر والرعشة والعرق والآلام العضلية والغثيان والقيئ، وعادة ما يصاحب ذلك تضخم بالطحال وفقر بالدم وتاريخ سفر أو إقامة في منطقة موبوءة أو منطقة موجود بها العائل الناقل.
وتشمل الحالة المؤكدة، هي الحالة الإيجابية بالتحليل السيرولوجي باستخدام كاشف سريع RDT، مع وجود طفيل الملاريا على شريحة الدم بأطواره المختلفة.
ويعد إعلان منظمة الصحة العالمية عن خلو مصر من الملاريا يُعتبر إنجازًا تاريخيًا. إنه ليس مجرد انتصار ضد مرض، بل هو تجسيد لإرادة قوية وجهود متواصلة نحو مستقبل صحي أفضل، وتعكس هذه الخطوة التزام الحكومة المصرية بتحسين جودة الحياة لمواطنيها وتقديم نموذج يُحتذى به في مواجهة التحديات الصحية.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الملاريا مرض الملاريا منظمة الصحة العالمية الصحة العالمية الصحة العامة منظمة الصحة العالمیة القضاء على الملاریا خلو مصر من الملاریا مرض الملاریا
إقرأ أيضاً:
مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم (الحلقة 5)
فبراير 20, 2025آخر تحديث: فبراير 20, 2025
محمد الربيعي
بروفسور متمرس ومستشار علمي، جامعة دبلن
في قلب ولاية كاليفورنيا المشمسة، حيث تتراقص اضواء التكنولوجيا وتتلاقى عقول المبتكرين، تقبع جامعة ستانفورد، شامخة كمنارة للعلم والمعرفة. ليست مجرد جامعة، بل هي قصة نجاح ملهمة، بدات بحلم، وتحولت الى صرح عظيم، يضيء دروب الاجيال.
منذ سنوات خلت، تشكلت لدي قناعة راسخة بجودة جامعة ستانفورد، وذلك من خلال علاقات علمية بحثية مشتركة في مجال زراعة الخلايا. فقد لمست عن كثب تفاني علماء الجامعة وتميزهم، وشهدت انجازات علمية عظيمة تحققت بفضل هذا التعاون المثمر.
ولعل ما يزيد اعجابي بهذه الجامعة هو شعار قسم الهندسة الحيوية (الرابط المشترك بيننا) والذي يجسد رؤيتها الطموحة: “بينما نستخدم الهندسة كفرشاة، وعلم الاحياء كقماش رسم، تسعى الهندسة الحيوية في جامعة ستانفورد ليس فقط الى الفهم بل ايضا الى الابداع”. انه شعار ينم عن شغف اعضاء القسم بالابتكار وتطوير المعرفة، ويؤكد التزامهم بتجاوز حدود المالوف.
البداية: قصة حب ملهمة
تعود جذور هذه الجامعة العريقة الى قصة حب حزينة، ولكنها ملهمة. ففي عام 1885، فقد حاكم ولاية كاليفورنيا، ليلاند ستانفورد، وزوجته جين ابنهما الوحيد، ليلاند جونيور. وبدلا من الاستسلام للحزن، قررا تحويل محنتهما الى منحة، وانشا جامعة تحمل اسم ابنهما، لتكون منارة للعلم والمعرفة، ومصنعا للقادة والمبتكرين.
ستانفورد اليوم: صرح شامخ للابداع
تقف جامعة ستانفورد اليوم شامخة كواحدة من اعرق الجامعات العالمية، ومنارة ساطعة للابداع والابتكار. فهي تحتضن بين جدرانها نخبة من الاساتذة والباحثين المتميزين الذين يساهمون بشكل فعال في اثراء المعرفة الانسانية ودفع عجلة التقدم الى الامام. ولا يقتصر دور ستانفورد على تخريج العلماء والمهندسين المهرة، بل تسعى جاهدة ايضا الى تنمية مهارات ريادة الاعمال لدى طلابها، لتخريج قادة قادرين على احداث تغيير ايجابي في العالم.
ويعود الفضل في هذا التميز لعدة عوامل، لعل من ابرزها تبنيها لمفهوم الحريات الاكاديمية. وكما اجاب رئيس الجامعة على سؤال لماذا اصبحت ستانفورد جامعة من الطراز العالمي في غضون فترة قصيرة نسبيا من وجودها اجاب لان: “ستانفورد تكتنز الحرية الاكاديمية وتعتبرها روح الجامعة”. هذه الحرية الاكاديمية التي تمنح للاساتذة والباحثين والطلاب، هي التي تشجع على البحث العلمي والتفكير النقدي والتعبير عن الاراء بحرية، مما يخلق بيئة محفزة للابداع والابتكار.
من بين افذاذ ستانفورد، نذكر:
ويليام شوكلي: الفيزيائي العبقري الذي اخترع الترانزستور، تلك القطعة الصغيرة التي احدثت ثورة في عالم الالكترونيات، وجعلت الاجهزة الذكية التي نستخدمها اليوم ممكنة.
جون فون نيومان: عالم الرياضيات الفذ الذي قدم اسهامات جليلة في علوم الحاسوب، والفيزياء، والاقتصاد. لقد وضع الاسس النظرية للحوسبة الحديثة، وكان له دور كبير في تطوير القنبلة الذرية.
سالي رايد: لم تكن ستانفورد مجرد جامعة للرجال، بل كانت حاضنة للمواهب النسائية ايضا. من بين خريجاتها المتميزات، سالي رايد، اول امراة امريكية تصعد الى الفضاء، لتثبت للعالم ان المراة قادرة على تحقيق المستحيل.
سيرجي برين ولاري بيج: هذان الشابان الطموحان، التقيا في ستانفورد، ليؤسسا معا شركة كوكل، التي اصبحت محرك البحث الاكثر استخداما في العالم، وغيرت الطريقة التي نجمع بها المعلومات ونتفاعل مع العالم.
هؤلاء وغيرهم الكثير، هم نتاج عقول تفتحت في رحاب ستانفورد، وتشربت من علمها ومعرفتها، ليصبحوا قادة ومبتكرين، غيروا وجه العالم. انهم شهادة حية على ان ستانفورد ليست مجرد جامعة، بل هي منارة للعلم والمعرفة، ومصنع للاحلام.
وادي السيلكون: قصة نجاح مشتركة
تعتبر ستانفورد شريكا اساسيا في نجاح وادي السيلكون، الذي اصبح مركزا عالميا للتكنولوجيا والابتكار. فقد ساهمت الجامعة في تخريج العديد من رواد الاعمال الذين اسسوا شركات تكنولوجية عملاقة، غيرت وجه العالم. كما انشات ستانفورد حاضنات اعمال ومراكز ابحاث، لدعم الطلاب والباحثين وتحويل افكارهم الى واقع ملموس.
ولكن، كيف اصبحت ستانفورد شريكا اساسيا في هذا النجاح؟
الامر لا يتعلق فقط بتخريج رواد الاعمال، بل يتعدى ذلك الى عوامل اخرى، منها:
تشجيع الابتكار وريادة الاعمال: لم تكتف ستانفورد بتدريس العلوم والتكنولوجيا، بل عملت ايضا على غرس ثقافة الابتكار وريادة الاعمال في نفوس طلابها. وشجعتهم على تحويل افكارهم الى مشاريع واقعية، وقدمت لهم الدعم والتوجيه اللازمين لتحقيق ذلك.
توفير بيئة محفزة: لم تقتصر ستانفورد على توفير المعرفة النظرية، بل انشات ايضا بيئة محفزة للابتكار وريادة الاعمال. وشجعت على التواصل والتفاعل بين الطلاب والباحثين واعضاء هيئة التدريس، وتبادل الافكار والخبرات.
انشاء حاضنات الاعمال ومراكز الابحاث: لم تكتف ستانفورد بتخريج رواد الاعمال، بل انشات ايضا حاضنات اعمال ومراكز ابحاث، لتوفير الدعم المادي والمعنوي للطلاب والباحثين، ومساعدتهم على تحويل افكارهم الى شركات ناشئة ناجحة.
جذب الاستثمارات: لم تكتف ستانفورد بتوفير الدعم للطلاب والباحثين، بل عملت ايضا على جذب الاستثمارات الى وادي السيليكون، من خلال بناء علاقات قوية مع الشركات والمستثمرين، وعرض الافكار والمشاريع المبتكرة عليهم.
وبفضل هذه العوامل وغيرها، اصبحت ستانفورد شريكا اساسيا في نجاح وادي السيليكون، وساهمت في تحويله الى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.
ومن الامثلة على ذلك:
شركة غوغل: التي تاسست على يد اثنين من طلاب ستانفورد، وهما سيرجي برين ولاري بيج.
شركة ياهو: التي تاسست ايضا على يد اثنين من طلاب ستانفورد، وهما ديفيد فيلو وجيري يانغ.
شركة هيوليت-باكارد: التي تاسست على يد اثنين من خريجي ستانفورد، وهما ويليام هيوليت وديفيد باكارد.
هذه الشركات وغيرها الكثير، هي دليل على الدور الكبير الذي لعبته ستانفورد في نجاح وادي السيليكون، وتحويله الى مركز عالمي للتكنولوجيا والابتكار.
ستانفورد: اكثر من مجرد جامعة
ستانفورد ليست مجرد جامعة، بل هي مجتمع حيوي، يجمع بين الطلاب من جميع انحاء العالم، ليتبادلوا الافكار والخبرات، ويبنوا مستقبلا مشرقا لانفسهم ولوطنهم. كما انها مركز للبحث العلمي، حيث تجرى ابحاث رائدة في مختلف المجالات، تساهم في حل المشكلات العالمية، وتحسين حياة الناس.
الخلاصة: ستانفورد، قصة نجاح مستمرة
باختصار، جامعة ستانفورد هي قصة نجاح ملهمة، بدات بحلم، وتحولت الى واقع ملموس. انها صرح شامخ للعلم والمعرفة، ومصنع للقادة والمبتكرين، ومركز للابداع والابتكار. وستظل ستانفورد تلهم الاجيال القادمة، وتساهم في بناء مستقبل مشرق للانسانية جمعاء.