آثار مليحة.. قصص الماضي تلهم الحاضر وتبني المستقبل
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
بقلم: الشيخة بدور القاسمي
بمناسبة اليوم العالمي للآثار، نحتفي بالجهود القيمة لمن كرَّسوا حياتهم لاكتشاف قصص ماضينا المشترك من علماء الآثار والباحثين والمجتمعات المحلية التي كشفت بالدليل العلمي جوانب من حياة من خاضوا هذه المغامرة قبلنا في هذه المنطقة. هذه الجهود ساهمت بشكل كبير في الحفاظ على تراثنا، وضمان استمرار سرديات الحضارات القديمة في إلهامنا وإثارة فضولنا، وساعدت جميع الساعين على فهمها.
ربما يكون البعد الأكثر أهميةً في علم الآثار هو ذلك الذي يتجاوز عملية اكتشاف دليل محدَّد من الماضي، ويأخذنا إلى مساحات نتعرف فيها على تاريخ عالمنا وجوهر إنسانيتنا؛ إذ تُعلّمنا قصص أجدادنا، التي نكتشفها ونجمع أركانها واحدة تلو الأخرى، دروساً قيمة حول قدرة الإنسان على التغلب على الشدائد وتجاوز التحديات، وتكشف القطع والبقايا الأثرية، التي يستخرجها أفراد كرّسوا أوقاتهم وشغفهم وحياتهم لهذا المجال، كيف استطاعت الحضارات والثقافات القديمة التغلب على ظواهر تشبه كثيراً ما نعايشه اليوم، مثل تغيّر المناخ وندرة الموارد والاضطرابات الاجتماعية. ومن خلال فهم استراتيجياتهم في النجاة والبقاء ودراسة تجاربهم، يمكننا استخلاص الحكمة اللازمة لإنقاذ عالمنا المعاصر.
تشكّل مليحة كنزاً حضارياً متجذراً عبر التاريخ والعصور. تقع وسط الكثبان الرملية الذهبية والصخور الأحفورية في قلب إمارة الشارقة، وتقف شاهدة على إبداعات البشرية التي تعود إلى أكثر من 200 ألف عام.
وتتردد فيها أصداء أجدادنا عبر الزمن، لتذكرنا برحلتنا المشتركة عبر العصور، انطلاقاً من العصر الحجري القديم والحديث، مروراً بالعصر البرونزي والحديدي، إلى عصور ما قبل الإسلام، وصولاً إلى العصر الحديث.
أثبتت الاكتشافات الأثرية أن مليحة كانت موطناً سكنه الأجداد بعد رحلاتهم من أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية وأوروبا وشرق آسيا، وغيرها من مناطق العالم، وفي ظل ذروة العصر الجليدي، تكوّن جسر بري بسبب امتصاص الصفائح الجليدية لمياه البحار والمحيطات، مما شجّع البشر الأوائل على عبور المساحات التي تشكّلت بين القارات واستكشاف آفاق جديدة، وهنا في البيئة الخصبة التي سبقت تشكّل رمال الصحراء، تم اختراع أدوات حجرية سردت لنا قصص الشجاعة والبطولة، مؤكدة أن مليحة لم تكن مكاناً للاستراحة على المدى القصير، وإنما قاعدة أساسية شكّلت حجر أساس في رحلتنا البشرية المشتركة.
إن شغفي بفن السرد القصصي ساعدني على فهم السرديات التي كشفتها بعثات الآثار، فكما يصحب كل كتاب القراء في رحلة عبر الزمن إلى عالم الخيال، تروي القطع والبقايا الأثرية التي تم اكتشافها في مليحة حكاية شيقة عن التاريخ البشري، حيث يُعد كلٌّ من الأدب وعلم الآثار أدوات فعالة لفهم عالمنا، وأنفسنا، تعزز التزامنا بالحفاظ على هويتنا الثقافية وإثراء سردياتنا الجماعية.
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: الآثار مليحة التاريخ الثقافة
إقرأ أيضاً:
اكتشاف أثري فريد.. أول طريقة نقل استخدمها الإنسان
في اكتشاف أثري فريد من نوعه، أعلن فريق من العلماء عن العثور على أدلة تشير إلى استخدام الإنسان لزحافات بدائية في منطقة وايت ساندز الوطنية بولاية نيومكسيكو، تعود إلى نحو 20 ألف عام قبل الميلاد، مما يعيد كتابة جزء كبير من تاريخ تطور وسائل النقل البري.
ويعد متنزه "وايت ساندز"، المعروف برماله البيضاء الناعمة، أحد أغنى المناطق بالأدلة الأثرية في أميركا الشمالية، حيث سبق العثور فيه على أكبر مجموعة آثار أقدام بشرية تعود للعصر الجليدي.
لكن الاكتشاف الجديد الذي نشره موقع SFGate، يضيف بعدا غير مسبوق لفهم حياة البشر الأوائل في القارة.
وبحسب الدراسة التي شارك فيها علماء من جامعات بورنماوث وكورنيل وأريزونا، وهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فقد كشفت التحليلات عن مسارات محفورة في الرمال لا تتطابق مع آثار الأقدام، بل تبدو ناتجة عن زحافات استخدمت لنقل أوزان ثقيلة أو أطفال، فوق الأرض الطرية أو الموحلة في محيط بحيرة أوتيرو القديمة.
وأوضح الباحثون أن هذه الوسائل البدائية، والتي صنعت على الأرجح من عصي طويلة وسلال أو شبك، تشبه عربات يدوية من دون عجلات، وكانت تسحب بواسطة مقابض لتحريك البضائع أو الأشخاص.
وقد قاد هذا الاكتشاف إلى تعديل التقديرات السابقة التي كانت تحدد ظهور تقنيات النقل البري بـ4000 عام قبل الميلاد، لتصبح 20,000 عام قبل الميلاد.
وفي تصريح لعالم الآثار دانيال أوديس من متحف الشمال، أوضح أن الفريق العلمي قام بإعادة تصنيع زحافات مشابهة لتلك التي خلفت المسارات، وجرى اختبارها في ظروف مماثلة، حيث أظهرت تطابقا شبه تام مع المسارات القديمة المكتشفة.
وأضاف أوديس: "الزحافة كانت أداة عملية وبسيطة، تعكس قدرة الإنسان القديم على التكيف والابتكار، وقد استخدمت لنقل الصيد والبضائع وربما حتى الأطفال الصغار، كما تشير بعض آثار الأقدام الصغيرة المجاورة للمسارات".
يشار إلى أن هذا الكشف يغير كثيرا من الفرضيات السابقة حول توقيت وصول الإنسان إلى أميركا الشمالية، حيث كانت التقديرات تشير إلى نحو 15 ألف عام، بينما تؤكد الأدلة الجديدة أن الوجود البشري في المنطقة يمتد إلى ما قبل 23 ألف عام، وفقا لتحليل بذور وحبوب لقاح محفوظة في طبقات الأرض مع آثار الأقدام.
ويأمل الباحثون أن تفتح هذه الاكتشافات الباب لمزيد من الدراسات حول تطور التقنيات والأنماط الحياتية للإنسان القديم، في ظل أدلة مادية نادرة كتلك التي تحتضنها رمال وايت ساندز.