أسابيع قبل الانهيار.. تفاصيل واقع أسود للمستشفيات في لبنان
تاريخ النشر: 21st, October 2024 GMT
تلقّت المواطنة اللبنانيّة مريم اتّصالًا هاتفيًا من إدارة أحد المستشفيات لإبلاغها بتأجيل عمليّة استئصال اللوزتَين لابنتها الصغيرة. فوجئت مريم بالاتّصال وحاولت الحصول على موعد آخر، لكنها لم تفلح، وقيل لها إنّ كلّ العمليّات غير الطارئة سيتمّ تأجيلها حاليًا، بسبب الأوضاع الراهنة.
مريم نموذج لعشرات أو مئات الحالات التي تحاول الدخول إلى المستشفى من دون نتيجة بعدما قرّرت إداراتها استقبال الحالات الطارئة فقط بفعل الوضع الراهن في لبنان وظروف الحرب الدائرة بين إسرائيل وحزب الله.
ولبنان الذي يعرف بسياحته الطبيّة، يرزح اليوم تحت وطأة أزمة طبيّة مستفحلة منذ السابع عشر من سبتمبر الفائت، يوم انفجرت مئات أجهزة الاتصال بعناصر حزب الله في الجنوب اللبناني وأيضًا في الضاحية الجنوبيّة بطريقة غامضة، وتسبّبت بمقتل وإصابة مئات منهم.
وفيما تتوالى الأحداث الأمنيّة الطارئة، ويُصاب مئات بل آلاف الأشخاص من جرّاء الحرب المستمرّة بين الحزب وإسرائيل، أصبحت المستشفيات وطواقمها الطبيّة أمام تحدّيات هائلة تتفاقم يومًا بعد يوم، خاصة بعد تعرّضها وتعرّض طواقمها الطبيّة في عدد من المناطق للاستهداف، وتوقّف 5 من هذه المستشفيات عن العمل، 4 منها في الجنوب وواحدة في البقاع.
أمّا المستشفيات الأخرى في "المناطق الساخنة" سواء في الضاحية، أم في البقاع الشمالي والجنوب، فتعمل بالحدّ الأدنى على المستويَين البشري والتقني، بعد تحويلها إلى مستشفيات ميدانيّة لمصابي الحرب بشكل خاصّ.
وفي مراجعة لخريطة المشهد الصحيّ، يلاحظ أنّ المستشفيات الموزّعة على الأراضي اللبنانيّة كافة، تعاني من ضغوط كبيرة للحفاظ على خدماتها الصحيّة الأساسيّة.
نقيب أصحاب المستشفيات في لبنان، سليمان هارون، أكد في حديث لموقع "الحرّة"، أنّ "المستشفيات تعاني الأمرّين، وهي لم تتعافَ بعد من الضربة الاقتصاديّة التي مرّ بها لبنان ودفعت إلى هجرة عدد كبير من الأطبّاء والممرّضين والممرّضات، لتأتي الحرب الحاليّة بشراستها فترفع جاهزيّة المستشفيات والطواقم الطبية كافة إلى حدّها الأقصى، سواء من أجل إسعاف المصابين أو لمتابعة علاج المرضى النازحين، إذ يعاني عدد كبير منهم من أمراض مزمنة تحتاج غسيل الكلى أو علاجات الأمراض السرطانية، أو حتى عمليّات جراحيّة كبيرة طارئة، كلّها تأمّنت وتوزّع المرضى على المستشفيات كافة بالتنسيق مع وزارة الصحّة من خلال غرفة عمليّات لا تهدأ، وهي تشكّل صلة الوصل بين الوزارة والمستشفيات كافة في لبنان بهدف تأمين العناية الصحية اللازمة".
وتابع هارون أنّ "الطواقم الطبيّة تعمل ليل نهار لإحاطة الوضع قدر المستطاع، لكنّ الأولويّة اليوم لمصابي الحرب والحالات المرضيّة الطارئة، أما الحالات غير الطارئة والعمليات الباردة فيتمّ تأجيلها إلى وقت لاحق".
ويضيف هارون أنه "على الرغم من الجهود المبذولة من وزير الصحة في حكومة تصريف الأعمال فراس الأبيض لتأمين السيولة الماديّة للمستشفيات التي تستقبل المصابين وتهتمّ بعلاجات النازحين، فإن المصروفات التي تتكبدها المستشفيات أكثر بكثير من تغطية كلّ الجهات الرسميّة الضامنة، لذلك، قد تتعثّر عمليات التغطية الطبيّة إذا استمرّ الوضع على ما هو عليه، في بلد يعيش حربًا تفوق قدرته على التحمّل ولم يتعافَ بعد من انهياره الاقتصادي".
يذكر أنّ لبنان يعاني أزمة مالية واقتصادية منذ عام 2019 حين خسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها، وارتفع سعر صرف الدولار في السوق المحلية إلى حدود 90 ألف ليرة لبنانية، بعدما استقرّ في نهاية عام 1992 على سعر 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد بعد عامين على انتهاء الحرب اللبنانية والاقتتال الذي انتهى بتوقيع اتفاق الطائف ودخول لبنان مرحلة من الاستقرار السياسي والدخول في مرحلة الإعمار.
واللبنانيون خسروا مدّخراتهم في المصارف اللبنانية بفعل هذه الأزمة، بالإضافة إلى انهيار عدد كبير من المؤسّسات المحليّة والخارجيّة التي أقفلت في البلد بشكل كامل أو عمدت إلى إقفال بعض فروعها في المناطق.
وهذا الواقع طال جميع المؤسّسات ومنها المستشفيات الخاصة التي لم تتقاضَ معظم مستحقّاتها من مؤسّسة الضمان، أو تقاضت بعضها بقيمة لا توازي قيمتها الفعليّة بعد انهيار قيمة العملة الوطنية.
ثمّ جاءت كارثة انفجار الرابع من أغسطس 2020، بعد عام على الأزمة المالية والاقتصادية، وأدّت إلى تدمير بعض المستشفيات أو أقسام منها على نحو كبير جدًا، خصوصًا أنّ معظم المستشفيات الكبرى تتمركز في بيروت وقد طالها هذا الانفجار بأضرار كبيرة، وهي لم تخرج بعد من هذه الأزمة التي كانت تكلفتها باهظة على إداراتها من ناحية الترميم والتجهيز.
وعن المدّة الزمنية لاستمرار المستشفيات بالعمل على نحو طبيعي، يقول هارون في حديثة لموقع "الحرة" أنّنا "أمام أسابيع قبل الانهيار، والصورة سوداء في المستقبل القريب، بخاصّة إذا أقفلت المعابر الجويّة، البريّة والبحريّة".
ويختم بالقول: "أنا لا أريد أن أزرع الهلع في نفوس اللبنانيين، لكن هذا هو الواقع، فالطواقم الطبيّة تعمل فوق طاقتها، وقدرة التحمّل عندها بدأت في النفاد أمام حجم وهول الإصابات".
وبلغت الحصيلة الإجمالية للقتلى والجرحى منذ بدء الحرب حتى الآن، وفق مركز عمليات الطوارئ العامة في وزارة الصحّة العامة، 2448 قتيلًا، و11471 جريحًا.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: فی لبنان الطبی ة ة التی
إقرأ أيضاً:
الأكراد يهرعون الى كركوك للمشاركة في التعداد وفرض أمر واقع
20 نوفمبر، 2024
بغداد/المسلة: تحت عنوان “عودة الجدل حول التعداد السكاني في كركوك”، يشهد المشهد السياسي والاجتماعي في العراق توتراً متصاعداً إثر موجة جديدة من عودة العوائل الكردية إلى المدينة من اجل التعداد السكاني، وهي خطوة وصفها البعض بأنها محاولة لتغيير التركيبة الديموغرافية، فيما رأى آخرون أنها حق مشروع.
وأثار توافد مئات العوائل الكردية من أربيل والسليمانية إلى كركوك خلال الأيام الأخيرة، عاصفة من الانتقادات، لا سيما من الأحزاب العربية والجبهة التركمانية.
ووفق معلومات، فإن هذه العوائل تسعى للتسجيل في التعداد السكاني الذي يعدّ أداة حاسمة لتحديد مستقبل السيطرة الإدارية والسياسية في المدينة.
مصدر كردي أكد أن “العودة إلى كركوك تتم بناءً على حق السكن الأصلي الذي لا يمكن مصادرته”، مشددًا على أن “قرار الحكومة بتنظيم التعداد هو خطوة عادلة”. وأضاف، في حديثه لمنافذ إعلامية محلية: “لماذا يزعجهم أن يعود الناس إلى ديارهم الأصلية؟ أليس هذا تطبيقاً للحقوق الدستورية؟”.
على النقيض، اعتبرت الجبهة التركمانية أن هذه العودة بمثابة “محاولة لإعادة رسم خريطة ديمغرافية المدينة”، وأشارت في بيان إلى أن “استقرار كركوك مبني على توازن حساس بين مكوناتها”، محذرة من أن أي تغييرات ستؤدي إلى تأزيم الوضع.
من جهته، قال النائب التركماني أرشد الصالحي في تغريدة: “كركوك ليست ملكًا لفئة أو قومية واحدة، ومن واجبنا حماية هويتها التعددية”. وأضاف: “لن نقبل بأي خطوة تؤدي إلى زعزعة استقرار المدينة”.
تحليلات الخبراء ترى أن هذه الأحداث تأتي في سياق أوسع من محاولات تعزيز النفوذ السياسي على الأرض في المناطق المتنازع عليها بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان. وذكرت تقارير تحليلية أن “الوقت الحالي يُعتبر حاسمًا بالنسبة للأكراد لإعادة تعزيز موقفهم في كركوك، خاصة في ظل الجمود الذي يعانيه مجلس المحافظة منذ ما يقرب من عام”.
وقال مصدر سياسي مطّلع: “التعداد السكاني ليس مجرد إجراء إحصائي؛ بل هو مفتاح السيطرة السياسية والإدارية على المدينة”. وأضاف أن “الأحزاب السياسية تدرك تمامًا أن نتائج هذا التعداد ستؤثر على صياغة خارطة النفوذ في كركوك لسنوات قادمة”.
في المقابل، تداولت منصات التواصل الاجتماعي آراء متباينة حول الخطوة. مواطن عراقي علق في تدوينة: “كركوك لجميع العراقيين، لكن يجب أن تُحترم خصوصية مكوناتها”. بينما كتب ناشط كردي على تويتر: “العودة إلى كركوك ليست جريمة، إنها تصحيح لخطأ تاريخي”.
فيما تحدثت مصادر ميدانية عن استياء بين سكان المدينة الأصليين الذين يرون أن عودة الأكراد قد تزيد من الضغط على الخدمات الأساسية مثل السكن والبنية التحتية، خاصة مع غياب خطط حكومية واضحة لإدارة تداعيات التعداد.
وفقاً لتحليلات سياسية، فإن كركوك قد تواجه تصعيداً سياسياً خلال الأشهر القادمة إذا لم تُبذل جهود لتخفيف حدة التوتر بين المكونات المختلفة. وقالت تحليلات: “السيناريو الأسوأ هو أن تتحول قضية التعداد إلى أزمة وطنية، بينما يمكن أن تكون فرصة لتحقيق تفاهم شامل إذا أديرت بحكمة”.
المسلة – متابعة – وكالات
النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.
About Post Author زينSee author's posts