تُعدّ مقالة ثيودور ليفيت الشهيرة في مجلة هارفارد للأعمال، نقطة تحول في التفكير التسويقي، حيث سلَّطت الضوء على مفهوم “قصر النظر التسويقي” (Marketing Myopia). يدعو هذا المفهوم الشركات، إلى تجاوز الحدود التقليدية في التفكير حول منتجاتها وخدماتها، والتركيز بدلاً من ذلك على فهم أعمق لمجال العمل الحقيقي الذي تنتمي إليه.
قصر النظر التسويقي، هو فخّ يقع فيه العديد من الشركات عندما تركِّز على منتجاتها، أو خدماتها الحالية دون التفكير في احتياجات العملاء المتغيرة، أو الفرص المستقبلية. هذا المفهوم، الذي قدمه ثيودور ليفيت في مقالته الشهيرة في مجلة هارفارد للأعمال، يشير إلى أن الشركات التي تقتصر على التفكير في ما تقدمه اليوم، تخاطر بفقدان البصيرة اللازمة للنمو والتطور في المستقبل. بدلاً من التركيز على المنتج، يجب أن تركز الشركات على ما يسعى إليه العملاء، وما يمكن أن توفره لتلبية احتياجاتهم في المستقبل.
أحد الأمثلة الواضحة على هذا التوجه هو القطاع الصحي. في الماضي، كانت المستشفيات تركَّز بشكل أساسي على علاج المرضى. ولكن مع تطور الفهم لأهمية الوقاية، توسَّعت هذه المؤسسات لتشمل خدمات صحية شاملة، تهدف إلى تعّزيز صحة الأفراد قبل وقوع الأمراض. هذا التحول، يعكس فهماً أعمق لدور المستشفيات في المجتمع، وهو ليس فقط علاج المرضى، بل المساهمة في تحّسين جودة الحياة على المدى الطويل. لقد تجاوزت هذه المؤسسات التفكير الضيق في تقديم العلاج الفوري، لتصبح جزءًا من رحلة المريض نحو حياة أكثر صحة.
التحول الرقمي، بدوره أجبر العديد من الشركات على إعادة النظر في أعمالها. الصحف التقليدية، التي كانت تعتمد في الماضي على طباعة الأخبار، واجهت تحدّيات كبيرة مع تطور التكنولوجيا، وانتشار الأجهزة الرقمية. لم يعد العملاء يرغبون في الانتظار حتى صباح اليوم التالي للحصول على الأخبار، بل يريدون الوصول إلى المعلومات بسرعة، ومن خلال أجهزة متعدِّدة. نتيجة لذلك، قامت الصحف الكبرى، بتحويل تركيزها إلى صناعة المحتوى الرقمي، حيث أدركت أن عملها الحقيقي ليس مجرد طباعة الأخبار، بل تقديم معلومات موثوقة عبر منصّات مختلفة تلبي احتياجات العملاء الحديثة. هذا التحول يعكس الفهم العميق لاحتياجات المستهلكين المتغيرة، والتكيُّف مع هذه الاحتياجات بطريقة مبتكرة.
لكي تتمكن الشركات من البقاء في المنافسة في عصر التحول الرقمي، من الضروري أن تطرح السؤال الصحيح: “كيف يستخدم المستهلكون ما نقدمه؟” بدلاً من السؤال التقليدي “ما هو منتجنا؟”. من خلال هذا التحول في التفكير، يمكن للشركات توقع التحولات المستقبلية، وتقديم حلول جديدة ومبتكرة تلبي احتياجات عملائها. هذه العقلية تساعد الشركات على الابتعاد عن الفخّ التقليدي لقصر النظر التسويقي، وتمنحها القدرة على مواكبة التغيرات السريعة في السوق.
في النهاية، النجاح في عالم الأعمال اليوم يتطلب من الشركات، أن تبتعد عن التفكير الضيق، الذي يركِّز فقط على ما تفعله حاليًا، وأن تتبنّى رؤية مستقبلية تعزِّز الابتكار والتطور. قصر النظر التسويقي قد يحدّ من فرص النمو، إذا لم يتم التغلُّب عليه من خلال التفكير الاستراتيجي، الذي يركِّز على تلبية احتياجات العملاء بطرق جديدة.
في عصر التحول الرقمي، تحتاج الشركات إلى توسيع آفاقها، والتكيُّف مع البيئة المتغيرة باستمرار، لضمان استمراريتها، ونجاحها على المدى الطويل.
المصدر: صحيفة البلاد
إقرأ أيضاً:
“قيم الدين والأخلاق” في أغاني أيوب طارش
على الرغم من التباين الملحوظ بين المدافعين عن الأغاني والمناهضين لها، ثمة وجهة نظر يجب قولها، من زاوية أن هناك أغانٍ يمنية فيها تعبيرات مهمة تدل على القيم الأخلاقية والدينية والوطنية، والتي هي بمثابة نشر للخصال الإيجابية
عن طريق “الموسيقى الحميدة”.
فعلى سبيل المثال، تغنى الفنان الكبير أيوب طارش بعديد من الأغاني التي تحمل قيمًا حميدة وخصالاً نبيلة، تدعو إلى الوحدة والحب والوئام ورفض الخضوع أو الاستسلام للواقع.
ففي جانب الدعوة إلى حب الوطن والوقوف معه في كل الأوقات، لا يوجد أغلى وأروع من كلمات النشيد الوطني الذي لحنه وقام بغنائه أيوب طارش، وهو النشيد الذي يشدد على ضرورة الوحدة التي يفترض أن تظل “عالقة في كل ذمة”، إضافة إلى زرع مفهوم “الحب الأممي” والتآلف بين الأمم وأبناء الأمة ؛ بغض النظر عن أي قناعات أو اختلافات : ” عشت إيماني وحبي أمميا”.
وبغض النظر عن اختلاف الانتماء للمناطق والمحافظات، وتباين القناعات السياسية الفكرية، إلا أن اليمن هي دوما في القلب :” وسيبقى نبض قلبي يمنيا”.
وفي الشق السياسي، نجد تشديدا على أهمية السيادة اليمنية وعدم الانقياد للخارج، وأن اليمن هي لليمنيين إدارة وحكما: ” لن ترى الدنيا على أرضى وصيا”.
وثمة كلمات من أغنية أخرى في السياق نفسه : “قسما لن ينال منك دخيل أو يبيع المكاسب العملاء ”
وهنالك أغانٍ أخرى تحث على زرع الخير والحب وقيمة التفاؤل، مثل:
سيدوم الخير في أرضي مقيما
رافض الإصرار إلاّ أن يدوما
أرضنا بوركتِ من ولاّدةٍ
لم يعش في عمركِ الخير عقيما
وعلى الرغم من حالة الوجع الذي يعيشه اليمنيون، ثمة موسيقى رائعة بصوت أيوب تشدد على التفاؤل والبسمة والقوة الدائمة والوحدة وعدم الانقسام والاستسلام بغض النظر عن كل الظروف القاسية:”
املؤا الدنيا ابتساما
وارفعوا في الشمس هاما
واجعلوا القوة والقدرة في
الأذرع الصلبة خيراً وسلاما
واحفظوا للعز فيكم ضوءه
واجعلوا وحدتكم عرشاً له
واحذروا أن تشهد الأيام في صفكم
تحت السماوات انقساما
وفي ظل المحنة الحالية التي يعاني منها اليمنيون، يجب أن نستلهم الصبر والقوة والأمل والمضي قدما من أغنية أيوب الجميلة:
وسنمضي رافضين
كل من جاء لكي يدجي ضحانا
وسنمضي داحضين
كل إثمٍ شاء للناس الهوانا
وسنمضي فارضين
صدقنا حتى يرى الحق مصانا
وهناك كلمات غناها أيوب تحث على التعاون بين أبناء الوطن من أجل بنائه ونهضته، سواء في المجال الزراعي أو الصناعي، وهي قيم أخلاقية ودينية واجتماعية فريدة:
ألا معين.. ألا تعاونوا ياجماعة.. تعاونوا بالزراعة
ألا معين.. حب التراب به نفاعة
بالتعاون نقوي الزراعة
بالتعاون جمب الصناعة
بالتعاون الأرض تندي
بالتعاون ساعة بساعة
وهناك من أغاني أيوب الحث على قيمة الوفاء بين الخلق بشكل عام والأصدقاء بشكل خاص:
في مزهريات روحي لك زرعت الوفاء
واسقيت قلبي بحبك فارتوى واكتفى
لأنك الحب.. أنت الطهر.. أنت الصفاء
يافجر في ابتسامه كل ضوء اختفى
وفي المسار الديني، ثمة أغانٍ أخرى فيها مناجاة ودعاء للرب – القادر على كل شيء- باللطف وقبول التوبة وتسهيل كل عسير :
يالله يارب لاطف عبدك الحائر
يامن لك الحل والإكرام والقدرة
يامولج الليل في الإصباح ياقادر
يامالك الملك سهل كل ذي عسرة
ياقابل التوب يامن للذنوب غافر
تغفر لعبدك ذنوبه أثقلت ظهره
لأن فضلك عظيم ماقط له اَخر
والفضل واسع كريم ماينتهي حصره
وكذلك دعاء الإله بتحقيق الفرج والكرب، وكأنه لسان حالنا الآن مع الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن:
يارب بهم وبآلهمُ.. عجل بالغيث وبالفرجِ
يا سيدنا يا خالقنا
قد ضاق الحبل على الودجِ
وعبادك أضحوا في ألمٍ
ما بين مكروبٍ وشجي
أما الجانب الغزلي، فصحيح هناك بعض الكلمات التي فيها نوع من الجرأة، لكنها قليلة ولا تخدش الحياء.. ومع ذلك من لا يريد الاستماع إليها فهو ليس مجبرا على ذلك.
وأيضا من المهم القول إن : الشعر الغنائي اليمني وكذلك الفن اليمني القديم فيه كمية هائلة من العذوبة والمعاني الإيجابية الفريدة التي تدعو إلى الحب والوفاء والحفاظ على الوطن، وثمة أغان متعددة يكون ختامها بالصلاة على النبي، وبعضها قد تكون غزلية لكنها لا تخلو من المناجاة..
“يارب من له حبيب.. لا تحرمه من حبيبه”!
نقلاً من صفحة اكاتب على حسابه بفيسبوك