سراييفو – قدّم مفكرون وسياسيون وناشطون ما وصفوها بخريطة طريق جديدة للديمقراطية العربية في ظل تفاقم التسلط الداخلي والعدوان الخارجي، وذلك في وثيقة بعنوان "العهد الديمقراطي العربي".

وصدرت الوثيقة في ختام مؤتمر بمدينة سراييفو، نظمه المجلس العربي برئاسة الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، وشارك فيه وزراء ومسؤولون سابقون وكتاب وباحثون من مختلف البلدان العربية.

ويأتي العهد الديمقراطي في ظل "هذه المرحلة الحرجة التي تشهد تعثر مسار الربيع العربي في بلداننا وتصاعد أزمة الديمقراطية على الصعيد العالمي حتى في معاقلها التقليدية بالإضافة إلى تنامي الشعبوية وصعود اليمين المتطرف في العديد من دول العالم"، وفقا للوثيقة.

وخلال المؤتمر، قال الرئيس التونسي الأسبق للجزيرة نت إنه آن الأوان لاستعادة الحراك الثوري الديمقراطي، في ظل ما وصفه بفشل الثورة المضادة حيث "الأمور تزداد تعفنا وتعقدا خاصة بفضيحة سقوط هذه الأنظمة أمام ما يقع في غزة".

ويقول الموقعون على الوثيقة "نؤمن أن الديمقراطية ليست فقط نظام حكم، بل عملية تحرير شاملة من هذا الإذلال الجماعي. إنها السبيل الوحيد لتحويل شعوبنا من رعايا إلى مواطنين أحرار ومبدعين".

ويؤكدون على التبني الكامل للهدف المشترك "بين جميع الأحزاب والمنظمات الديمقراطية في العالم وهو إنهاء الصراع الدموي على السلطة من خلال الانتقال السلمي عبر انتخابات حرة ونزيهة"، وضمان قيم الديمقراطية من "الفصل بين السلطات والمشاركة الشعبية الحقيقية وتكريس الحقوق السياسية والمدنية للأفراد وحرية التعبير"، وغيرها.

المؤتمر دعا إلى رفض مخططات التقسيم والتدخل الخارجي والتطبيع (الجزيرة) ديمقراطية عربية

وتضيف الوثيقة إلى هذه القواسم المشتركة 3 أهداف خاصة للديمقراطيين العرب تشكل دافعا إضافيا للانخراط في هذا المشروع، وفق قولهم.

وهي "الديمقراطية سبيلنا للتحرر من الاستعمار"، إذ تؤكد الوثيقة أن الاستبداد في العالم العربي والاستعمار وجهان لعملة واحدة، وتدعو إلى تحقيق السيادة الحقيقية وقطع كل أشكال التبعية المهينة ورفض مخططات التقسيم والتدخل الخارجي والتطبيع.

أما الهدف الثاني فهو أن تكون الديمقراطية سبيلا لتحقيق العدالة الاجتماعية، حيث إن "أولوية الأولويات بالنسبة لنا هي الخروج من الفقر والتصدي للفساد وبناء التنمية المستدامة وتحقيق العدالة في توزيع الثروة الجماعية".

والهدف الثالث هو أن تكون الديمقراطية أداة لبناء فضاء التضامن العربي، إذ تقول الوثيقة إننا اليوم "نشهد في عجز تام التنكيل بالشعب الفلسطيني أشجع شعوبنا نتيجة تفرق الأمة إلى 22 دولة ضعيفة تابعة ومتناحرة".

من ناحية أخرى، تشير هذه الرؤية الديمقراطية إلى رفض "الخلط بين الأنظمة الغربية التي تدعم الصهيونية والاستبداد العربي وبين الديمقراطية كمنظومة قيم وأفكار".

وفي الختام، تقول الوثيقة "نتجمع تحت راية هذا العهد، عاقدين العزم على النضال من أجل تحقيق ديمقراطية عربية مواطنية، سيادية، اتحادية، اجتماعية، يكون هدفها الأسمة بناء دول قانون ومؤسسات وخلق شعوب من المواطنين الذين يتمتعون بالاحترام الكامل لأشخاصهم ولحقوقهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ولتعدديتهم الثقافية والدينية والعرقية".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات

إقرأ أيضاً:

ثوريون عرب يكتبون في سراييفو ميثاقا للديمقراطية وأعينهم على غزة

بينما الحرب على غزة مستعرة للعام الثاني على التوالي، اجتمعت نخبة من المثقفين والسياسيين العرب في العاصمة البوسنية سراييفو لصياغة رؤية جديدة للديمقراطية التي يرون أن غيابها عامل رئيسي وراء اجتراء الاحتلال الإسرائيلي على ارتكاب الإبادة بحق الفلسطينيين.

وتحت عنوان "العهد الديمقراطي العربي.. خارطة طريق للديمقراطية العربية"، يسعى هذا المؤتمر إلى اقتراح حلول عملية لأزمات الاستبداد والقمع وغياب العدالة الاجتماعية، وبحث "التحديات الفكرية والسياسية غير المسبوقة" التي طرحتها الحرب على غزة، كما يقول أبرز الداعين للمؤتمر، منصف المرزوقي، أول رئيس للجمهورية التونسية بعد ثورة 2011.

ويترأس المرزوقي المجلس العربي الذي يتولى تنظيم المؤتمر، والذي كان قد عقد أول منتدياته في قصر قرطاج عام 2014، لكنه الآن مضطر للالتئام في الخارج بعدما أغلقت العواصم العربية أبوابها، كما يقول المنظمون.

وتحدث المنظمون أيضا عن "خوف الأنظمة من لقاء الديمقراطيين وتوحدهم" بعدما مُنع أحد المدعوين من السفر إلى سراييفو لحضور المؤتمر.

الرئيس التونسي الأسبق يهدي قلادة مُنحت له إلى روح إسماعيل هنية ويحيى السنوار (الجزيرة)

وافتتح الرئيس التونسي الأسبق جلسات المؤتمر اليوم السبت بدعوة الحاضرين للوقوف دقيقة صمت حدادا على شهداء غزة وجميع شهداء العالم العربي.

وقال في كلمته إن الركام الذي يعيش فيه أهل غزة ولبنان الآن يقابله ركام آخر من الأفكار والقيم داخل المجتمعات العربية، وبين الركامين علاقة وثيقة، حسب تعبيره.

ويرى المرزوقي أن الركام الفكري والسياسي هو أوهام التجارب السابقة التي تصورت مثلا أن الأنظمة المستبدة يمكنها أن تنشئ اتحادا عربيا حقيقيا أو تقاوم العدوان الخارجي.

والحل في رأيه هو الابتعاد عن أوهام الماضي، ومواصلة التفكير في حلول واقعية تلبي تطلعات الشعوب إلى الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتحرر الوطني.

هدية لهنية والسنوار

وقدّم المجلس العربي لرئيسه المرزوقي قلادة "رجل العام للديمقراطية والعيش المشترك"، فما كان منه إلا أن أهداها إلى "روح أبو العبد وأبو إبراهيم وأرواح شهدائنا في غزة"، في إشارة إلى رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إسماعيل هنية وخليفته يحيى السنوار.

وقال المرزوقي "عرفت أبو العبد شخصيا واستقبلته في قصر قرطاج… نقسم أن دماء شهدائنا لن تذهب هدرا".

وينظم المؤتمر ضمن أعماله التي تستمر يومين جلسة خاصة بشأن غزة تبحث في دور الديمقراطيين العرب في دعم القضية الفلسطينية.

المشاركون يناقشون تعريفات جديدة للديمقراطية تجعلها قرينة التحرر من الاحتلال والتبعية (الجزيرة)

وتستمر الحرب على غزة للعام الثاني على التوالي بدعم أميركي مطلق، ويصف خبراء دوليون ما ترتكبه إسرائيل بالإبادة الجماعية، حيث استشهد وأصيب أكثر من 140 ألف فلسطيني، ودُمر القطاع بشكل ممنهج لم يشهده العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

بيد أن القوى الغربية ترفض وصف ما يجري بالإبادة، رغم ما وثقته تقارير عديدة من بينها تقرير المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيزي الصادر في مارس/آذار الماضي، وتواصل دول غربية عدة إمداد إسرائيل بالأسلحة والقنابل الفتاكة.

ويرى المرزوقي أن تواطؤ الأنظمة الغربية في هذه الإبادة أسهم في مزيد من فقدان الثقة لدى الشعوب العربية تجاه الديمقراطية التي باتوا يرونها أيديولوجيا غربية فقدت كل مصداقية.

إخفاق غربي

من جانبها، قالت نائبة رئيس المجلس العربي والناشطة اليمنية الحائزة جائزة نوبل للسلام، توكل كرمان إن الأنظمة الغربية التي تدعي الديمقراطية خانت مبادئها وتحالفت مع الثورات المضادة والمستبدين ودعمت المليشيات في العالم العربي.

ورأت كرمان أن هشاشة تلك الأنظمة الغربية قد انكشفت مع صعود موجات الكراهية والعنصرية ومعاداة اللاجئين كما أنها أخفقت إزاء اختبار الحريات حين قمعت وسجنت الطلاب المناصرين لغزة وفلسطين.

في الوقت نفسه، أكدت الناشطة اليمنية الانحياز الكامل للقضية الفلسطينية لكنها قالت إن هذا "يجب ألا يعمينا عن جرائم المليشيات المسلحة الطائفية ضد بلدانها في اليمن والعراق ولبنان وسوريا"، ورأت أن مشروعهم ليس تحرير فلسطين بل هم جزء من مشروع إيراني توسعي، وفق قولها.

الناشطة اليمنية توكل كرمان نائبة رئيس المجلس العربي (الجزيرة)

من ناحية أخرى، قال السياسي المصري أيمن نور نائب رئيس المجلس العربي إنه لا ينبغي الفصل بين تحرير الأرض وتحرير إرادة الشعوب. ورأى أن الربيع العربي لم ينهزم ولم ينتصر، بل هو ما زال يقاوم.

وذكر نور أنه لا يفهم "لماذا الانزعاج من هذا المؤتمر"، مشيرا إلى منع السياسي هشام قاسم من السفر من القاهرة إلى سراييفو.

تم منعي من السفر منذ قليل من مطار القاهرة وكنت في طريقي لمدينة سراييفو لحضور مؤتمر "العهد الديموقراطي العربي: خارطة طريق للديموقراطية العربية" الذي ينظمه المجلس العربي وكان من المقرر أن اتحدث في الجلسة الأولى صباح الغد. كنت قد سافرت ثلاثة مرات منذ الإفراج عني في فبراير الماضي ١/٥ pic.twitter.com/W6gi6ppcuf

— Hisham Kassem (@hishamkassem) October 18, 2024

وفي سياق نقاشات المؤتمر، قال رئيس الحكومة المغربية السابق سعد الدين العثماني إن ما يجري اليوم من أحداث يشكل "تحديا للعقل والوجدان العربي والإسلامي، وهزة كبيرة".

لكنه رأى أن السؤال المهم هو ما إذا كان "لدينا في تركيبتنا الاجتماعية وفي وعينا من العوامل ما يحقق النهوض السليم بعد الأزمة". وقال إن العالم العربي يحتاج إلى ثلاثية الاستقرار والمقاومة والتنمية.

بدوره، قال نائب الرئيس العراقي سابقا طارق الهاشمي إن طوفان الأقصى في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 كان ملهما للشعوب العربية، وإن التخاذل عن نصرة غزة ما كان ليحصل لولا وجود المستبدين.

ورأى أن الأمة العربية لا تحتاج مشروعا للديمقراطية فقط، بل للاستئناف الحضاري.

ويسعى المشاركون في المؤتمر إلى التوافق على وثيقة "العهد الديمقراطي العربي" لتقديم خريطة طريق واضحة لإرساء الديمقراطية في العالم العربي، كما يطمحون لتقديم تعريف جديد للديمقراطية بعيدا عن تصورها كأيديولوجيا غربية، وربطها بمطالب التحرر الوطني والخروج من التبعية.

مقالات مشابهة

  • ترامب أم هاريس.. العالم العربي عند مفترق طرق!
  • مؤتمر العهد الديمقراطي العربي في سراييفو يناقش فرص الحلول للقضية الفلسطينية
  • زلزال 16 أكتوبر بتركيا.. هل يجب أن يقلق سكان العالم العربي؟
  • حتى يستطيع العالم العربي أن ينتصر
  • من سراييفو.. انطلاق فعاليات مؤتمر العهد الديمقراطي العربي بمشاركة نخبة من المفكرين والسياسيين العرب
  • انطلاق فعاليات مؤتمر “العهد الديمقراطي العربي: خارطة طريق للديمقراطية العربية” في سراييفو
  • ثوريون عرب يكتبون في سراييفو ميثاقا للديمقراطية وأعينهم على غزة
  • مؤتمر دولي بسراييفو يناقش فيه المجلس العربي وضع ميثاق ديمقراطي عربيّ شامل
  • الكويت تدعو العالم إلى وضع خطة عاجلة لإنهاء معاناة الشعب الفلسطيني