هل اليمن في الصراع مع اليهود.. (تأصيلٌ تاريخي – وقائعُ معاصرة) (تحليل موضوعي)
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
د. محمد عبدالله شرف الدين
تعتمد الدراسات العلمية الحديثة في استقراء الظواهر الإنسانية وتحليل ملابساتها واستشراف مستقبلها على عناصرَ عدة؛ من أهمِّها:
١- التأثيلُ للقضية: وهو البُعد الأنثروبولوجي؛ إذ يعد التأثيل عنصرًا فاعلًا ومؤشرًا دقيقًا لما يمكن أن يُستجَدَ في قضية (ما)، فمن خلاله يمكن تحليل القضية على مستوى (المرجع / الواقع) واستشراف مستقبل القضية بشكل صحيح.
٢- تقصي السنن الإلهية في القضية: الله تعالى معروف لدى البشرية جمعاء؛ إذ لا ينكر ذلك حتى عتاولة الطغاة على مر العصور وإنما كانوا ينكرون التعددية الإلهية، فحسب، ولا عزاء للنظريات الإلحادية الحديثة؛ لأَنَّها تبلورت من عمق الأيدولوجية اليهودية والنصرانية اللتين تعترفان بألوهيته سبحانه.
وبناء على تلكما المسلَّمتَين؛ فَــإنَّه يمكن الولوج في قضية عصرية لها امتداد جذري في العمق الزمني؛ فليست قضية طارئة من جهة، وليست قضية تَرَفية من جهة أُخرى؛ ألا وهي: (الصراع مع اليهود).
طرفا الصراع:
وعند تبئير طرفَي القضية يتراءى طرف غير متوقع طرفيته؛ إذ حاول الطرف الآخر على مدى سنين طوالٍ تغييبه؛ كي لا يطفو على السطح البشري؛ مما يذكي جذوته.
والمقصود بهذا الطرف هو: (أهل اليمن).
وهنا يتبادر سؤال مركزي للمقال يصب الرد عليه في تدعيم صوابية النتائج: ما علاقة أهل اليمن في الصراع مع اليهود؟
لعل أقدم عمق زمني لطبيعة العلاقة بين طرفَي الصراع تبدأ وفقًا للعنصرَينِ: (التأثيلي- السُّنني) ما قبل ألفَي عام؛ إذ من المقطوع به تاريخيًّا تعدد الممالك في عهد نبي الله سليمان في العالم، ومع تلك التعددية إلا أن عنصر الاختيار توجّـه نحو مملكة يمنية، وهذا الاختيار الواعي من متعدد له معطياته، وله بُعده الاستراتيجي.
تقرير استقصائي للهدهد:
وهنا يمكن للهدهد تقصي أطراف معطيات الاختيار، وأبعاده الاستراتيجية في المستقبل؛ فلو كانت جغرافية المسافة معطىً مهمًّا لجَدُرَ بالهدهد التوجّـه لمملكة الفراعنة بمصر أَو البابلية بالعراق، فهما الأقرب لمملكته ولو كانت الأبهة الملكية هي الجاذبة مع استبعاد العنصر الجغرافي؛ لكانت مملكة الصين هي محط الهدهد.
إذن؛ هناك اختيار إلهي لتقصي الهدهد الواعي لمملكة سبأ، وليس الموضوع بإزاء سرد تفاصيل القصة بقدر التركيز على ما يخدم نتائج الموضوع.
إسلام أهل اليمن على يد نبي الله سليمان:
لقد دعا نبي الله سليمان أهل اليمن للإسلام؛ فاستجابوا، فمثلوا ركيزة مهمة من ركائز الإسلام الممتد عبر العصور حتى عهد رسولنا محمد “صلوات الله عليه وآله” فتقاطروا من أنحاء اليمن؛ ليرابطوا لقرون بين جبلَي أُحُد وعير مهاجر نبي الإسلام في آخر الزمان؛ لينصروه.
في المقابل كان اليهود يتوافدون من أرجاء العالم إلى المكان ذاته، في سباق مع اليمانيين الذين حاول اليهود استمالتهم لليهودية بعد إسلامهم الأول، وقصة أصحاب الأخدود شاهد عيان؛ فاليهود منذ إسلام اليمانيين في عهد نبي الله سليمان أدركوا أهميّة وفاعلية أهل اليمن كركيزة أَسَاسية في إقامة مشروع الإسلام.
أهل اليمن ضد اليهود وجهًا لوجه:
خاب اليهود في مساعيهم الشيطانية لشيطنة أهل اليمن، فوقع ما كان يحسب اليهود له ألف حساب من الخطر القادم عليهم من أهل اليمن، وفعلًا تحت راية الإسلام المحمدية كان لأهل اليمن الدور المركزي في إجلاء اليهود إلى خارج الجزيرة العربية.
إن أحداث خبير لا زالت ماثلة في الذاكرة اليهودية الجمعية، حَيثُ كان لثنائية (أعلام الإسلام – أهل اليمن) الدور المحوري في تقهقر مشروع الإفساد اليهودي في الأرض، وهذه الثنائية هي ذاتها منذ عهد نبي الله سليمان الذي مَهَّدَ لتلازمية هذه الثنائية.
وهنا يمكن توصيف الحاضر في المعاصرة بناء على معطيات التأثيل السابق؛ فثمة سباق محموم بالحربين الصُّلبة والناعمة ليسيطرَ اليهود على اليمن، وعندما خاب مسعاهم؛ صاح المجرمُ نتنياهو، وناح من إمْكَانية سيطرة ثنائية الإسلام (أعلام الإسلام، يمانيي الإسلام) على باب المندب، بل اعتبر ذلك أخطرَ من النووي الإيراني على اليهود، قبل أن يدخُلَ ثنائيةُ الإسلام (أعلامُ الإسلام، يمانيو الإسلام) في مواجهة مباشرة مع اليهود بتسع سنوات.
فلماذا صياح المجرم نتنياهو الذي بلغ أُذُنَي التاريخ؟
اليهود درسوا البُعْدَ التأثيلي لهذه الثنائية مع استقرائهم للسنن الإلهية؛ فهما عقدة تشاؤمية حلت باليهود، أمامها تنهار معنوياتهم، تخار قواهم، وتبددت ترتيباهم، وفشلت خططهم’ فقطع دابرهم في البحار’ وافتقرت موانئهم’ وصارت يافا المسماة زورًا “تل أبيب” عاصمتهم تحت رحمة صواريخ ومسيَّرات ثنائية الإسلام، التي سبقهما شعار الصرخة الذي خرق مسامعَ أفئدتهم الواجفة من الموت.
وهنا يمكن استشراف المستقبل، فعن كلتا المرتين الإفساديتين لليهود قال تعالى: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا}’ [سُورَةُ الإسراء: ٥].
ومن عجيب الإعجاز القرآني حضور الفعل: (بعثنا) بصيغة الزمنية الماضوية’ في دلالة ختمية لوقوعية الوعد الإلهي في المرتين على الرغم من كون وعد الآخرة زمنية مستقبلية:
{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} ‘[سُورَةُ الإِسرَاءِ: ٧]؛ بمعنى أنه قد سبق الإعداد والتهيئة وهو ما كان يصيح منه المجرم نتنياهو.
ثم يلاحظ أخص خصائص القوم: (أولو بأس شديد) وهي الخصيصة ذاتها في عهد نبي الله سليمان في أهل اليمن.
وبالعود إلى الهدهد تحدّدت ملامح حضارة ثنائية الإسلام (أعلام الإسلام ويمانيي الإسلام) ببناء لدولة حضارية تملك من كُـلّ شيء من مقومات بالحضارات اقتصاديًّا وعسكريًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا وعلميًّا ومعرفيًّا ومهاريًّا… إلخ، وما انبهار الهدهد إلا دليل على عظمة تلك الحضارة الإسلامية.
وأخيرًا: وعدُ الله لا يتخلَّفُ والمستقبل معروف سَلَفًا عن نهاية العدوّ الإسرائيلي، فالإعداد جارٍ والخطط حكيمة، والقيادة ربانية، والإيمان يمان والحكمة يمانية والإنجازات العسكرية الميدانية شهد لها العدوّ والصديق.
وإن غدًا لناظره قريب بإذن الله تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سُورَةُ يُوسُفَ: ٢١]. صدق الله العظيم.
المصدر: يمانيون
كلمات دلالية: مع الیهود أهل الیمن
إقرأ أيضاً:
«الضويني»: الأزهر منحة ربانية منّ الله بها على الأمة لتعبر عن روح الإسلام
قال الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، إن الأزهر منحة ربانية، من الله بها على الأمة، لتعبر عن روح الإسلام، وتحمل أنوار الوحي إلى العالم كله، وتقدم للبشـرية ترجمة حقيقية للوسطية التي لا تتلاقى مع إفراط أو تفريط، ولا تقبل المغالاة ولا التهاون، موضحا أننا نحتفل اليوم بذكرى ميلاد الأزهر الذي أزهرت به ربوع مصـر، وقوي عوده واشتد ساعده وصار قبلة علمية عالمية، يبذل من فهم علمائه السلام للدنيا، والأمن للأرض، والتوجيه للبشرية، وما تزال ثمراته تخرج بإذن ربه تحمل مشعل هداية القلوب، واستنارة العقول.
وبيّن وكيل الأزهر، خلال كلمته اليوم باحتفالية الأزهر بمرور 1085 عاما على تأسيس الجامع الأزهر، أن الأزهر المعمور ولد لتكون أروقته منارة للعلم، وقبلة للطلاب، فيها تعلم الملوك والسلاطين، وفي معاهده تخرج الرؤساء والوزراء والسفراء من شتى بقاع الدنيا، وإلي علمائه تقرب الملوك والأمراء، ومن صحنه انطلقت الثورات، ومن على منبره وجهت، وبقيادة علمائه ومشاركة طلابه انكسـرت قوي الطغيان، وتحطمت أحلام الغزاة، وتحت قبابه مد العلماء أرجلهم، ولم يمدوا أيديهم طمعا، ولم يحيدوا عن رسالتهم تملقا.
وأضاف الدكتور الضويني، أن المتأمل لمنهج الأزهر الشـريف يرى أنه ينبئ عن فكر ونظر وبصيرة، وإلمام بـ«واجب الوقت» الذي يلزم أن يقوم به العقلاء، كما عاش على هذا المنهج العامر مشايخ الأزهر الشـريف وعلماؤه، وفي ظل ما مرت به الأمة الإسلامية كان للأزهر جهوده المتنوعة التي تنبئ عن وعي وإدراك وفهم مسدد، ولن أقرأ التاريخ، فتاريخ الأزهر تاريخ طويل بطول القرون، وعريض بسعة أرجاء الأرض.
وتابع وكيل الأزهر، أن المتأمل للشخصية الأزهرية يرى منهجا متكاملا متوازنا يلبي مطالب الجسد والروح، ويجمع بين المعارف الدينية والدنيوية معا، ويعمر القلب بالإيمان واليقين، والعقل بالفكر والنظر، ويعمل على إصلاح الدنيا والآخرة، ومن هنا تجاورت في رحاب الأزهر كليات الإلهيات والحكمة القديمة والفلسفة الحديثة، مع كليات العلوم التجريبية والطب والهندسة والزراعة وغيرها، كما أن الناظر إلى واقعنا وما فيه يرى الأزهر الشريف يحمل مسئولية الجانب العلمي والدعوي من رسالة الإسلام، خاتمة الرسالات الإلهية إلى البشـر كافة، رسالة السلام العالمي والمساواة والعدالة والكرامة الإنسانية، والتحرر من الآصار والقيود التي تثقل كاهل البشر.
وشدد الدكتور الضويني، على أن الأزهر يوقن بضـرورة التجديد في كل زمان ومكان، ويرى التجديد حقيقة شديدة الوضوح في الإسلام: نصا وشريعة وتاريخا،
كما أن الأزهر ينادي بالتعايش الذي شهدت بتطبيقه عمليا حضارة الإسلام التي لم تخرج عن إطار المؤاخاة مع أبناء الأديان الأخرى، والتي عاملتهم من منطلق القاعدة الشرعية «لهم ما لنا وعليهم ما علينا»، موضحا أن هذا التعايش صاغه الأزهر صياغة حضارية في «بيت العائلة المصري».
وأكد الدكتور الضويني، أن الأزهر يقف صامدا في مواجهة الفكر المتطرف، وينادي في الشباب بألا تسلموا عقولكم وتفكيركم لهذه الدعوات التي تربط ربطا خاطئا بين الإرهاب والدين، وتهدد الهوية، وتعبث بالثوابت، وتزيف الشواهد والأدلة، مشددا على أن الدين والعنف نقيضان لا يجتمعان أبدا، ولا يستقيمان في ذهن عاقل، مبينا ان الأزهر وقف في وجه هذا الفكر المتطرف الذي ينادي على الناس بالغلو والتشدد من ناحية، والإلحاد والتفلت من ناحية أخرى، فأصدر بياناته، وعمد إلى الإنترنت فاقتحم صفحاته، ليكون قريبا من الشباب قياما بالواجب وأداء للرسالة.
ونوّه الدكتور الضويني إلى إدراك الأزهر لمعاناة المجتمع من «الفتاوي العبثية» و«الفوضى العلمية» التي ملأت أسماع الناس ليلا ونهارا، والتي تطاردهم لتردهم لا إلى رحمة في القرآن والسنة ولا إلى يسـر في الشـريعة، فوقف الأزهر بهيئاته المختلفة وعلمائه ووعاظه لهذا العبث بالتأصيل والتحرير والتدريب، وإنشاء المراكز المهمة، ومنها مركز الأزهر العالمي للرصد والفتوى الإلكترونية، وغير ذلك، كما وقف الأزهر شامخا ينادي بأخوة عاصمة، تحفظ على الجميع تنوعهم واختلاف فهومهم، وتنادي بنداء القرآن «وإن هذه أمتكم أمة واحدة»، ويصـرخ في عقلاء الأمة وقاداتها بأمر الله «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا»، ويضع الأزهر ببصيرته المفاهيم الرصينة التي تضمن الأمن والسلام والتقدم للأمة، وتقضـي على العصبية والجمود، منطلقا في ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فذاكم المسلم له ذمة الله، وذمة رسوله، فلا تخفروا الله في ذمته»، وقد كان مؤتمر الحوار الإسلامي الإسلامي، الذي ترأسه في دولة البحرين منذ أسبوعين تقريبا، وكان شعار ذلك المؤتمر، «أمة واحدة ومصير مشترك».
وقال الدكتور الضويني، لقد أخذ الأزهر الشـريف على عاتقه - منذ أكثر من ألف عام- مسئولية الدعوة إلى الإسلام، والدفاع عن سماحته ووسطيته واعتداله، ونشـرها في مختلف دول العالم، من خلال آثاره العلمية والخلقية المباركة التي يتركها في عشـرات الدول التي تدفع بفلذات أكبادها إلى معاهده وجامعته خاشعين في محاريبه، متعلمين من مناهجه، مستفيدين من فعالياته، ثم بهذا الزاد الروحي والخلقي والعلمي الذي يحمله الأزاهرة المبتعثون، الذين يؤكدون أينما حلوا أن الإسلام دين المحبة والتعاون والتآخي والتعايش السلمي بين أبناء البشـر، وأنه دين الرحمة والمودة والبعد عن الغلو والتطرف الذى ترفضه أديان السماء، فضلا عن نشر علوم الشريعة التي تصون الحياة.
وشدد وكيل الأزهر على أن رسالة الأزهر هي رسالة عالمية، تحمل نور الإسلام للعالم أجمع، مؤكدا أنه لولا أن الله حمى هذا الدين بالأزهر ورجاله لضاعت معالم الشـريعة، وأنه لا ينكر عاقل ولا مفكر ولا صاحب رأي سديد دور الأزهر الشـريف في نشـر قيم التسامح بين الناس جميعا، ورعايته للفكر الإسلامي المعتدل في مصـر والعالم كله، قائلا: «سيظل الأزهر الشـريف له دور فاعل في تعزيز وشائج الأخوة بين بني الإنسان، وفي تقوية التعاون العلمي والفكري والثقافي بين المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي نشـر حقائق الدين والرد على أباطيل دعاة التفرقة الذين يتاجرون باسم الدين، خصوصا في هذه المرحلة التي ينشط فيها تجار المشروعات الطائفية المقيتة التي تضعف في الأمة مناعتها وقدرتها على المواجهة، وتمزق وحدتها».
وأكد وكيل الأزهر، أنه من الواجبات على دول العالم الإسلامي وقياداته وعلمائه ومؤسساته الثقافية والتربوية والإعلامية، دعم جهود الأزهر الشـريف ومساندة رسالته السمحة، ليبقى دائما حصنا منيعا من حصون الأمة الإسلامية، يصد عن دينها وهويتها وسلامة كيانها هجمات المبطلين ودسائس الكائدين، وينشـر رسالة الإسلام السمحة في الآفاق تهدي العقول والنفوس إلى الصـراط المستقيم، وإلى ما فيه الخير والصلاح.
اقرأ أيضاًللعام الرابع.. وكيل الأزهر يشارك الطلاب الوافدين إفطارهم بالجامع الأزهر
محافظ الغربية يستقبل وكيل الأزهر الشريف في مستهل زيارته لافتتاح معهد محلة زياد الأزهري
وكيل الأزهر يشارك في قمة قادة الأديان بأذربيجان تحت شعار «أديان من أجل كوكب أخضر»