أحَد شُعَرَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَدِ الْبَدْرِيِّينَ، وهو أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار، الذي َشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وكان رجلاً صالحاً تقياً سباقاً للخير والفضل، موالياً لأهل الإيمان، معادياً أهل الكفر، لا تأخذه في الله لومة لائم، مجاهداً في سبيل الله، حتى أكرمه الله بالشهادة، إنه الصحابي الأمير السعيد الشهيد عبدالله بن رواحة، أبو عمرو الأنصاري، الخزرجي البدري، النقيب الشاعر، رضي الله عنه وأرضاه.

اسمه ولقبه وكنيته:

هو الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة، بن ثعلبة، بن امرئ القيس، بن عمرو، بن امرىء القيس، بن مالك الأغر، بن ثعلبة، بن كعب، بن الخزرج، بن الحارث، بن الخزرج الأنصاري الخزرجى، الشاعر المشهور، يكنى أبا محمد، ويقال كنيته أبو رواحة، ويقال أبو عمرو، وأمه كبشة بنت واقد، بن عمرو، بن الإطنابة، خزرجية أيضاً (الإصابة، ابن الأثير، م2).

صفاته وفضائله:

إن من يقرأ سيرة هذا الصحابي الجليل، وما جاء عنها  في كتب التاريخ والسير ونقله الرواة، أو ما استعرضه وحلله الدارسون والباحثون، يستطيع أن يستخلص من ذلك نموذجاً فريداً عن رجل قل نظيره من الرجال عبر التاريخ، حيث تتجلى الصفات السامية والقيم الفضيلة في حياة عبدالله بن رواحة، والتي تعطيه سمة مميزة له، مثل شجاعته فهولا يهاب الأعداء، ولا يخاف الموت، مقدام لا يتوانى عن طلب المبارزة في المعارك، كما حصل في غزوة بدر عندما خرج مسرعاً للمبارزة، بعد أن دعا إليها عتبة بن ربيعة، كما عرف عنه حب الشهادة وحرصه عليها، وقد وهبه الله الشهادة، فقُتل رضي الله عنه، بعد صاحبيه، في قلب المعركة، وهو يحث المسلمين على قتال الروم مقبلين غير مدبرين، وقد كان رضي الله عنه محباً لرسول الله ﷺ مدافعاً عنه بكل ما يملك من مقدرة كلامية بالشعر، أو قوة بدنية بالسلاح، ففي الغزو كان أول الخارجين، وآخر العائدين، وفي الشعر فقد انصهر حب الرسول والإسلام بقلبه ودمه، فبان ذلك في شعره بأبهى صورة، وكان يحرص أشد الحرص على التمسك بدينه ودفاعه عنه، ويجعل ذلك نصب عينيه في الجد والهزل، ويتصف بصدق الحديث، وهو كغيره من الصحابة الذين حرصوا على أن يطبقوا أوامر دينهم عملاً، وأن يجعلوا تعليماته نموذج سلوك، وكان رضي الله عنه سريع البديهة حاضر القلب، قال عنه الرسول ﷺ (ليأتينكم وقد لقن حجته)، فكان حريصاً على طاعة الله ورسوله، كثير العبادة والخوف من الله، متفهم لمعاني القرآن الكريم بنظره الفاحص المدقق. ومن هذه الصفات يبرز أمامنا صدق إيمان عبد الله بن رواحة وتعاطف قلبه ووجدانه مع الرسالة وحاملها صلى الله عليه وسلم، ووعيه لدقائقها وهيمنة ذلك على هواجسه وانفعالات نفسه حيث عبر عن لك شعراً (عبدالله بن رواحة، الشويعر، ص21).

ابن رواحة المحدث:

إذا عرفنا ما تقدم من حياة عبد الله بن رواحة واتصاله بالرسول ﷺ وجدنا من البداهة أن يكون له شأن مذكور في رواية الأحاديث النبوية الشريفة، فقدر روى عبد الله بن رواحة عن النبي ﷺ وعن بلال مؤذنه رضي الله عنه، وروى عنه جماعة كثيرة منهم: ابن عباس، وأسامة بن زيد، وأنس بن مالك، والنعمان بن بشير ـ ابن أخت عبد الله . وأبو هريرة، وأرسل عنه جماعة من التابعين كأبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة، وعطاء بن يسار وغيرهم، وكل أولئك من عظماء الإسلام (عبد الله بن رواحة أمير شهيد، سلطان، ص71).

إسلامه ومشاهده واستشهاده:

كان رضي الله عنه من ألمع الصحابة شخصية وأظهرهم أثراً، فهو لا يكاد يغيب عن أنظارنا في السيرة منذ إسلامه إلى أن لقي الله تعالى شهيداً مكرماً، لأنه شهد مع رسول الله ﷺ  المشاهد كلها، وعندما هاجر الرسول ﷺ إلى يثرب، آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الله بن رواحة والمقداد بن عمرو، وأصبح عبد الله بن رواحة شاعر النبوة وأحد أمناء الوحي يكتب بين يدي رسول الله، وأول مشهد نراه فيه هو العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار،  ثم شهد بدراً،  وهو يتوقد إيماناً وثقة بالله تعالى، وحضر عبد الله موقعة أحد، وأبلى فيها بلاءً حسناً، كما استخلفه رسول الله ﷺ  على المدينة وسار في ألف وخمسمائة، فيهم عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشهد ابن رواحة الخندق، وكان رسول الله ﷺ  ينقل التراب يومئذ مع القوم، حتى وارى التراب بياض إبطيه، ويرتجز برجز عبدالله بن رواحة:

والله لولا أنت ما اهتدينا      ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينة علينا         وثبت الأقدام إن لاقينا (سابق، سلطان، ص19ـ 30).

كما شهد رضي الله عنه المريسيع، والحديبية، وعمرة القضاء، وفي مؤتة ودع الناس الأمراء ومن معهم، ولما دعوا ابن رواحة بكى، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا، ولا صبابة إليها، ولكني سمعت رسول الله ﷺ يقرأ: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً)، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله، وردكم إلينا صالحين ودفع عنكم، فقال ابن رواحة:

لكنني أسأل الله مغفرة    وضربة ذات فرع تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة     بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقولوا إذا مروا على جدثي   يا أرشد الله من غاز وقد رشداً

ثم أتى ابن رواحة رسول الله فودعه، وقال:

أنت الرسول فمن يحرم نوافله     والوجه منه فقد أزرى به القدر

فثبت الله ما آتاك من حسن     في المرسلين ونصراً  كالذي نصروا

إني تفرست فيك الخير أعرفه    فراسة خالفت فيك الذي نظروا

ثم قال: يا رسول الله مرني بشيء أحفظه عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: إنك قادم غداً بلداً السجود فيه قليل فأكثر السجود.

وبلغ المسلمون مؤتة، بعد أن اقاموا يومين بمعان، وهرقل يومئذ بمآب، فرأوا كثرة الأعداء وكانوا مائة ألف من الروم، ومعهم من العرب مائة ألف، فأراد المسلمون أن يكتبوا إلى الرسول ﷺ  فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال: (والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد، ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول، إلا بهذا الدين، الذي أكرمنا الله به، انطلقوا، والله قد رأيتنا يوم بدر، ما معنى إلا فرسان، ويوم أحد إلا فرس واحد، فإنما هي إحدى الحسنين، إما ظهور عليهم، فذلك ما وعدنا الله ووعد نبينا، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة فنلحق بإخوان نرافقهم في الجنان، فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة، فقال عبد الله في محبسهم:

جلبنا الخيل من أجإ وفرع       تغر من الحشيش لها العكوم

حذوناها من الصوان سبتاً     أزلك أن صفحته أديم

أقامت ليلتين على معان      فأعقب بعد فترتها جموم

فرحنا والجياد مسومات    تنفس من مناخرها السموم

فلا وأبي مآب لنأتينها     وإن كانت بها عرباً وروم

فعبأنا اعنتها فجاءت   عوابس والغبار لها بريم

بذي لجب كان البيض فيه   إذا برزت قوانصها النجوم

فراضيه المعيشة طلقتها   اسنتها فتنكح أو تئيم

ثم مضى الناس، واستعر القتال والطعن والضرب، حتى سقط زيد بن حارثة شهيداً، وتبعه جعفر بن أبي طالب فدعى الناس عبد الله بن رواحة، وهو في جانب المعسكر، فتقدم فقاتل حيناً ثم نزل فآتاه ابن عم له بعرق من لحم قال له: شد بهذا ظهرك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده، فانتهش منه نهشة، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس – أي: سمع صوت القتال في ناحية الناس- ، فقال لنفسه: وأنت في الدنيا! ثم أخذ سيفه وأسرع وقال مخاطباً نفسه:

يا نفس إلا تقتلي تموتي     هذا حمام الموت قد صليت

وما تمنيت فقد أعطيت     إن تفعلي فعلهما هديت

وإن تأخرت فقد شقيتي

وحمي الوطيس، فطعن عبد الله بن رواحه فاستقبل الدم بيده فدلك به وجهه، ثم صرع بين الصفين، فجعل يقول: يا معشر المسلمين ذبوا عن لحم أخيكم فجعل المسلمون يحملون حتى يحوزوه، فلم يزالوا كذلك حتى مات مكانه شهيداً، وكان رسول الله ﷺ قد قال له حينما أنشده قوله:

فثبت الله ما آتاك من حسن     تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا

وأنت فثبتك الله يا ابن رواحة، قالوا: فثبته الله أحسن الثبات، فقتل شهيداً وفتحت له أبواب الجنة فدخلها سعيداً (سابق، سلطان، ص44ـ 48).

هذا هو عبد الله بن رواحة في نظرة عاجلة على سيرته العطرة، صحابي عرف حقيقة هذا الدين ودور الفرد المسلم فيه، وأهمية التضحية والشجاعة في نصرته، فسار مجاهداً لإعلاء كلمة الله، وكان نموذجاً للشاعر المجاهد في عدة جبهات: جهاد النفس، وجهاد مع الشيطان، وجهاد شعراء قريش والمناوئين للدعوة الإسلامية، وجهاد مع أسرته ومجتمعه، وجهاد نوازع النفس، وجهاد بالكلمة والفكرة.

المراجع:

عبد الله بن رواحة رائد شعر الجهاد الإسلامي، محمد الشويعر، دار الرفاعي للنشر والتوزيع، ط1، 1986م. الإصابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير. عبد الله بن رواحة أمير شهيد وشاعر على سرير من ذهب، جميل سلطان، دار القلم، دمشق، ط5، 1994م.

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

المصدر: عين ليبيا

كلمات دلالية: رضی الله عنه رسول الله ﷺ الرسول ﷺ الله ما

إقرأ أيضاً:

حكمة الله فى امتحان عباده بابتلاء .. الأزهر للفتوى يوضح

قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الالكترونية، إنه جَرَتْ سُنَّة الله تعالى في الكَون أن يمتحن خَلقه بألوان البلاء ليستشعروا معاني القرب منه سبحانه والتوكل عليه، وتفويض الأمر إليه، وتعبَّدَهم بالصبر على ما يكرهون واليقين في حكمته وتدبيره، ثم الشكر بعد رفع البلاء عنهم، واحتساب أجر صبرهم عليه. 

واشار مركز الأزهر، أنه على المبتلَى أن ينظر لحكمة الله تعالى من محنته، ويكون عند مراده منه في البلاء، وليَعلَم أن الله تعالى أرحم من أن يضيق على عبده دون غاية؛ فعنْ عَبْدِ اللَّهِ، أن رسول الله ﷺ قَالَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى، شَوْكَةٌ فَمَا فَوْقَهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا». [متفق عليه]

أدعية للحماية من الحوادث وموت الفجأة .. رددها دائما يحفظك الله أفضل صيغة لحمد الله على النعم .. دعاء مبارك يجمع كل المحامد

فضل الصبر على الابتلاء
١- لم يحدّد الله جزاءً محدّدًا للصابرين، وإنّما قال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)، ولو لم يكن للصبر إلّا هذا الفضل لكفى، ووصف الله الصابرين بالمتقين، وهم كذلك في معيّة الله وحبّه ونصره.

٢- يعدّ الصبر سببًا من أكبر أسباب الخوض في معترك الحياة، والقدرة على السير فيها؛ فالصبر هو المغزى والوسيلة لكلّ من أراد أن يصل إلى هدفه في الحياة الدنيا؛ فمن باب أولى أنّ الوصول إلى الجنّة والفوز برضا الله يحتاج إلى تعبٍ وصبرٍ، ولا يتحقّق ذلك بالكسل والراحة؛ فرسول الله لم ينل الراحة في دعوة الناس إلى الخير ونشر الإسلام بينهم، حتى وصفه الله بأنّه ذو خُلقٍ عظيمٍ.

٣- تكفير السيئات، ومغفرة الذنوب، ومحو الخطايا، ودخول الجنّة، وهذا من أعظم ما يجنيه العبد من الصبر، دلّ على ذلك قوله - تعالى-: (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ*جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ*سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ).

كيف نستعين على الصبر عند وقوع البلاء؟

قال الدكتور علي جمعة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، إن كثير من الناس عندما يحدث له شيء من الكَدَر، من الهموم، من المصائب، من الكوارث، من الأزمات فإنه يظن أن الله قد غضب عليه، ولكن هذه هي طبيعة الدنيا التي خلقها الله سبحانه وتعالى.

أوضح علي جمعة من خلال صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك:«الله خلق الأشياء، وقدَّر لها أقدارها، خلق النار وجعلها مُحْرِقة، وجعل الإنسان يطلب منها الدفء، جعلنا إذا وضعنا فيها اللحم يحدث شوي للحم، جعلها عندها طاقة وحرارة، خلق الله سبحانه وتعالى الشمس وهي مضيئة، وهذه الإضاءة تسبب النهار».

وتابع:«خلق سبحانه وتعالى البحر، وأوجد فيه ماءً، وهذا الماء يُحْدِث البَلل، يعني لو الواحد ألقى نفسه في البحر يبتل، فلا يتعجب إذا ما ألقى نفسه في البحر فابتل، ولا يقول: لماذا قدَّر الله عليَّ البلل؟ وهل هذا غضبٌ من عنده؟ وهل أنا فعلت شيئًا؟ ويبدأ أولًا: في التبرّم. ثانيًا: في الحَيْرة والتردد. ثالثًا: في عدم الثقة لا بالنفس، ولا بالله».

وأكمل علي جمعة أنه لإزالة هذا التوهّم، فإن أصل الدنيا فيها الكدَر. فلا تستغرب الدنيا إذًا ما دامت دنيا، وهذه صفتها؛ فإن الأكدار جزء لا يتجزأ من حقيقتها، هى الدنيا ولأنها دنيئة، ومن الدنو، ومن الدناءة، الدنيا أبرزت الأكدار، وأبرزت المصائب، والشواغل، والهموم، والأزمات، والكوارث، والأمراض، ما هو هذا مستحق وصفها، كيف تكون إذًا من الدناءة؟ وهل يجوز أن تنعتها بهذه النعوت القبيحة، ولأنها كذلك فهي لا يُسْتَغرب أبدًا منها أن تُبرز، وأن تُظهر الأكدار، هذه الحقيقة تجعل معك ميزان للتعامل، ولقياس التعامل مع الدنيا، عندما تأتي المصائب تعرف حقيقتها هكذا الدنيا.

وتساءل: ما الذي يُفيده لك هذا الشعور؟، موضحًا أنه المساعدة على الصبر؛ لأن الصبر مُرْ، والصبر صعب، والصبر فيه معالجة للنفس، وكَبْح هذه النفس، فكيف تستعين على الصبر؟ تستعين على الصبر بأنك مهيأ، وفاهم أن هذا أمر عادي، لو أنك فَهِمت إنه هذا أمر يعني أصابك أنت وحدك، وأن هذا الأمر فريد في نوعه، وأنه كيف يحدث هذا؛ تُصاب بالحيرة، ولكن فوق هذا تُصاب بالجزع، ولذلك لما رأى النبي ﷺ هذه المرأة التي مات لها ابنها، وهي تبكي، وتَلْطِم، وكذا؛ فقال لها: «اصبري»، قالت: «عليك عني» ولم تكن تعرف أن الذي يُكلمها هو رسول الله ﷺ من شدة حزنها، واستغراقها في الحزن، وانشغالها في هذا الجزع، وأخبروها هذا رسول الله فقامت تجري وراءه، وقالت: «يا رسول الله» -يعني لم أعرفك-، فقال لها: «إنما الصبر عند الصدمة الأولى» كيف يأتي الصبر عند الصدمة الأولى؟ بالمعرفة المُسَبَّقة، بالتربية، بالفَهْم، بأن نتحقق بهذه الحكمة «لاَ تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الأَكْدَارِ مَا دُمْتَ في هَذِهِ الدَّار» هذه كلمة جميلة نحفَظها «لاَ تَسْتَغْرِبْ وُقُوعَ الأَكْدَارِ مَا دُمْتَ في هَذِهِ الدَّار» فعندما تأتيني الواقعة، والحادثة، والنازلة، تجدني وأنا مستحضر هذه الحقيقة تساعدني على الصبر، وعدم الجزع، تساعدني بذلك ما دمت هصبر.

واختتم علي جمعة قائلا: ما الذي يحدث بعد الصبر؟ ما نتيجة الصبر؟ التسليم والرضا بقضاء الله، ويقول النبي ﷺ: «إِنَّ الْعَيْنَ لتَدْمَعُ، وَ إِنَّ الْقَلْبَ ليَحْزَنُ، وَإِنَّا على ِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ، ولا نقول ما يُغْضِبُ الله»  لأنه في تربية سابقة، وفي مفاهيم سابقة مستقرة في النفس البشرية؛ ولذلك إذا ما تحققنا بهذه الحكمة؛ فإنها تساعدنا كثيرًا على إنشاء هذه النفس المُتخَلِّقة بالأخلاق النبوية المصطفوية عليه الصلاة والسلام.

مقالات مشابهة

  • جمعة: يرد الله على النبي روحه فيستغفر لأمته
  • 11 دعاء شامل وجامع لكل هم وغم وابتلاء
  • حكمة الله فى امتحان عباده بابتلاء .. الأزهر للفتوى يوضح
  • وصايا الرسول.. الصداقة وأحق الناس بصحبتك
  • علي جمعة يكشف سبب المشكلات التي تُحيط بنا من كل جانب
  • خطيب الأزهر: الإسلام قضى على شرب الخمر بحكمة بالغة.. فيديو
  • العالمي للفتوى يحذر من فعل أثناء صلاة الجمعة
  • فعل محظور أثناء صلاة الجمعة في المساجد.. احذر منه
  • عمل عظيم وسهل ينور حياتك وآخرتك ..اغتنمه