نماذج علمائية ملهمة (25) عبد الله بن رواحة «الشاعر الشهيد» رضي الله عنه
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
أحَد شُعَرَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَحَدِ الْبَدْرِيِّينَ، وهو أحد النقباء الاثني عشر من الأنصار، الذي َشَهِدَ بَدْرًا وَأُحُدًا وَالْخَنْدَقَ وَالْحُدَيْبِيَةَ وَخَيْبَرَ وَعُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَكَانَ أَحَدَ الْأُمَرَاءِ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ مُؤْتَةَ، وكان رجلاً صالحاً تقياً سباقاً للخير والفضل، موالياً لأهل الإيمان، معادياً أهل الكفر، لا تأخذه في الله لومة لائم، مجاهداً في سبيل الله، حتى أكرمه الله بالشهادة، إنه الصحابي الأمير السعيد الشهيد عبدالله بن رواحة، أبو عمرو الأنصاري، الخزرجي البدري، النقيب الشاعر، رضي الله عنه وأرضاه.
اسمه ولقبه وكنيته:
هو الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة، بن ثعلبة، بن امرئ القيس، بن عمرو، بن امرىء القيس، بن مالك الأغر، بن ثعلبة، بن كعب، بن الخزرج، بن الحارث، بن الخزرج الأنصاري الخزرجى، الشاعر المشهور، يكنى أبا محمد، ويقال كنيته أبو رواحة، ويقال أبو عمرو، وأمه كبشة بنت واقد، بن عمرو، بن الإطنابة، خزرجية أيضاً (الإصابة، ابن الأثير، م2).
صفاته وفضائله:
إن من يقرأ سيرة هذا الصحابي الجليل، وما جاء عنها في كتب التاريخ والسير ونقله الرواة، أو ما استعرضه وحلله الدارسون والباحثون، يستطيع أن يستخلص من ذلك نموذجاً فريداً عن رجل قل نظيره من الرجال عبر التاريخ، حيث تتجلى الصفات السامية والقيم الفضيلة في حياة عبدالله بن رواحة، والتي تعطيه سمة مميزة له، مثل شجاعته فهولا يهاب الأعداء، ولا يخاف الموت، مقدام لا يتوانى عن طلب المبارزة في المعارك، كما حصل في غزوة بدر عندما خرج مسرعاً للمبارزة، بعد أن دعا إليها عتبة بن ربيعة، كما عرف عنه حب الشهادة وحرصه عليها، وقد وهبه الله الشهادة، فقُتل رضي الله عنه، بعد صاحبيه، في قلب المعركة، وهو يحث المسلمين على قتال الروم مقبلين غير مدبرين، وقد كان رضي الله عنه محباً لرسول الله ﷺ مدافعاً عنه بكل ما يملك من مقدرة كلامية بالشعر، أو قوة بدنية بالسلاح، ففي الغزو كان أول الخارجين، وآخر العائدين، وفي الشعر فقد انصهر حب الرسول والإسلام بقلبه ودمه، فبان ذلك في شعره بأبهى صورة، وكان يحرص أشد الحرص على التمسك بدينه ودفاعه عنه، ويجعل ذلك نصب عينيه في الجد والهزل، ويتصف بصدق الحديث، وهو كغيره من الصحابة الذين حرصوا على أن يطبقوا أوامر دينهم عملاً، وأن يجعلوا تعليماته نموذج سلوك، وكان رضي الله عنه سريع البديهة حاضر القلب، قال عنه الرسول ﷺ (ليأتينكم وقد لقن حجته)، فكان حريصاً على طاعة الله ورسوله، كثير العبادة والخوف من الله، متفهم لمعاني القرآن الكريم بنظره الفاحص المدقق. ومن هذه الصفات يبرز أمامنا صدق إيمان عبد الله بن رواحة وتعاطف قلبه ووجدانه مع الرسالة وحاملها صلى الله عليه وسلم، ووعيه لدقائقها وهيمنة ذلك على هواجسه وانفعالات نفسه حيث عبر عن لك شعراً (عبدالله بن رواحة، الشويعر، ص21).
ابن رواحة المحدث:
إذا عرفنا ما تقدم من حياة عبد الله بن رواحة واتصاله بالرسول ﷺ وجدنا من البداهة أن يكون له شأن مذكور في رواية الأحاديث النبوية الشريفة، فقدر روى عبد الله بن رواحة عن النبي ﷺ وعن بلال مؤذنه رضي الله عنه، وروى عنه جماعة كثيرة منهم: ابن عباس، وأسامة بن زيد، وأنس بن مالك، والنعمان بن بشير ـ ابن أخت عبد الله . وأبو هريرة، وأرسل عنه جماعة من التابعين كأبي سلمة بن عبد الرحمن وعكرمة، وعطاء بن يسار وغيرهم، وكل أولئك من عظماء الإسلام (عبد الله بن رواحة أمير شهيد، سلطان، ص71).
إسلامه ومشاهده واستشهاده:
كان رضي الله عنه من ألمع الصحابة شخصية وأظهرهم أثراً، فهو لا يكاد يغيب عن أنظارنا في السيرة منذ إسلامه إلى أن لقي الله تعالى شهيداً مكرماً، لأنه شهد مع رسول الله ﷺ المشاهد كلها، وعندما هاجر الرسول ﷺ إلى يثرب، آخى بين المهاجرين والأنصار، فآخى بين عبد الله بن رواحة والمقداد بن عمرو، وأصبح عبد الله بن رواحة شاعر النبوة وأحد أمناء الوحي يكتب بين يدي رسول الله، وأول مشهد نراه فيه هو العقبة الثانية مع السبعين من الأنصار، ثم شهد بدراً، وهو يتوقد إيماناً وثقة بالله تعالى، وحضر عبد الله موقعة أحد، وأبلى فيها بلاءً حسناً، كما استخلفه رسول الله ﷺ على المدينة وسار في ألف وخمسمائة، فيهم عشرة أفراس، وحمل لواءه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وشهد ابن رواحة الخندق، وكان رسول الله ﷺ ينقل التراب يومئذ مع القوم، حتى وارى التراب بياض إبطيه، ويرتجز برجز عبدالله بن رواحة:
والله لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إن لاقينا (سابق، سلطان، ص19ـ 30).
كما شهد رضي الله عنه المريسيع، والحديبية، وعمرة القضاء، وفي مؤتة ودع الناس الأمراء ومن معهم، ولما دعوا ابن رواحة بكى، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: أما والله ما بي حب الدنيا، ولا صبابة إليها، ولكني سمعت رسول الله ﷺ يقرأ: (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً)، فلست أدري كيف لي بالصدر بعد الورود؟ فقال المسلمون: صحبكم الله، وردكم إلينا صالحين ودفع عنكم، فقال ابن رواحة:
لكنني أسأل الله مغفرة وضربة ذات فرع تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مروا على جدثي يا أرشد الله من غاز وقد رشداً
ثم أتى ابن رواحة رسول الله فودعه، وقال:
أنت الرسول فمن يحرم نوافله والوجه منه فقد أزرى به القدر
فثبت الله ما آتاك من حسن في المرسلين ونصراً كالذي نصروا
إني تفرست فيك الخير أعرفه فراسة خالفت فيك الذي نظروا
ثم قال: يا رسول الله مرني بشيء أحفظه عنك، فقال صلى الله عليه وسلم: إنك قادم غداً بلداً السجود فيه قليل فأكثر السجود.
وبلغ المسلمون مؤتة، بعد أن اقاموا يومين بمعان، وهرقل يومئذ بمآب، فرأوا كثرة الأعداء وكانوا مائة ألف من الروم، ومعهم من العرب مائة ألف، فأراد المسلمون أن يكتبوا إلى الرسول ﷺ فشجعهم عبد الله بن رواحة وقال: (والله ما كنا نقاتل الناس بكثرة عدد، ولا بكثرة سلاح، ولا بكثرة خيول، إلا بهذا الدين، الذي أكرمنا الله به، انطلقوا، والله قد رأيتنا يوم بدر، ما معنى إلا فرسان، ويوم أحد إلا فرس واحد، فإنما هي إحدى الحسنين، إما ظهور عليهم، فذلك ما وعدنا الله ووعد نبينا، وليس لوعده خلف، وإما الشهادة فنلحق بإخوان نرافقهم في الجنان، فقال الناس: قد والله صدق ابن رواحة، فقال عبد الله في محبسهم:
جلبنا الخيل من أجإ وفرع تغر من الحشيش لها العكوم
حذوناها من الصوان سبتاً أزلك أن صفحته أديم
أقامت ليلتين على معان فأعقب بعد فترتها جموم
فرحنا والجياد مسومات تنفس من مناخرها السموم
فلا وأبي مآب لنأتينها وإن كانت بها عرباً وروم
فعبأنا اعنتها فجاءت عوابس والغبار لها بريم
بذي لجب كان البيض فيه إذا برزت قوانصها النجوم
فراضيه المعيشة طلقتها اسنتها فتنكح أو تئيم
ثم مضى الناس، واستعر القتال والطعن والضرب، حتى سقط زيد بن حارثة شهيداً، وتبعه جعفر بن أبي طالب فدعى الناس عبد الله بن رواحة، وهو في جانب المعسكر، فتقدم فقاتل حيناً ثم نزل فآتاه ابن عم له بعرق من لحم قال له: شد بهذا ظهرك، فإنك قد لقيت في أيامك هذه ما لقيت، فأخذه من يده، فانتهش منه نهشة، ثم سمع الحطمة في ناحية الناس – أي: سمع صوت القتال في ناحية الناس- ، فقال لنفسه: وأنت في الدنيا! ثم أخذ سيفه وأسرع وقال مخاطباً نفسه:
يا نفس إلا تقتلي تموتي هذا حمام الموت قد صليت
وما تمنيت فقد أعطيت إن تفعلي فعلهما هديت
وإن تأخرت فقد شقيتي
وحمي الوطيس، فطعن عبد الله بن رواحه فاستقبل الدم بيده فدلك به وجهه، ثم صرع بين الصفين، فجعل يقول: يا معشر المسلمين ذبوا عن لحم أخيكم فجعل المسلمون يحملون حتى يحوزوه، فلم يزالوا كذلك حتى مات مكانه شهيداً، وكان رسول الله ﷺ قد قال له حينما أنشده قوله:
فثبت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصرا كالذي نصروا
وأنت فثبتك الله يا ابن رواحة، قالوا: فثبته الله أحسن الثبات، فقتل شهيداً وفتحت له أبواب الجنة فدخلها سعيداً (سابق، سلطان، ص44ـ 48).
هذا هو عبد الله بن رواحة في نظرة عاجلة على سيرته العطرة، صحابي عرف حقيقة هذا الدين ودور الفرد المسلم فيه، وأهمية التضحية والشجاعة في نصرته، فسار مجاهداً لإعلاء كلمة الله، وكان نموذجاً للشاعر المجاهد في عدة جبهات: جهاد النفس، وجهاد مع الشيطان، وجهاد شعراء قريش والمناوئين للدعوة الإسلامية، وجهاد مع أسرته ومجتمعه، وجهاد نوازع النفس، وجهاد بالكلمة والفكرة.
المراجع:
عبد الله بن رواحة رائد شعر الجهاد الإسلامي، محمد الشويعر، دار الرفاعي للنشر والتوزيع، ط1، 1986م. الإصابة في معرفة الصحابة، ابن الأثير. عبد الله بن رواحة أمير شهيد وشاعر على سرير من ذهب، جميل سلطان، دار القلم، دمشق، ط5، 1994م.الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: رضی الله عنه رسول الله ﷺ الرسول ﷺ الله ما
إقرأ أيضاً:
حملة «وقف الأب».. رسائل ملهمة ترسخ حراكاً وطنياً هو الأكبر عالمياً لاستدامة الخير
دبي - وام
تجسد حملة «وقف الأب» الرمضانية، التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، بهدف تكريم الآباء في دولة الإمارات من خلال إنشاء صندوق وقفي مستدام، يخصص ريعه لتوفير العلاج والرعاية الصحية للفقراء والمحتاجين وغير القادرين، مضامين ورسائل ملهمة، وأهدافاً فاعلة ومؤثرة، في المستويات الإنسانية والاجتماعية، حيث تنطلق الحملة من رؤية سموه الهادفة إلى تحويل العمل الإنساني والخيري إلى عمل مؤسسي مستدام وترسيخ حراك مجتمعي شامل يعزز قيم البذل والعطاء كهوية للمجتمع الإماراتي المحب للخير.
وتعكس حملة «وقف الأب»، في أول مضامينها، أهمية بالغة، في تشجيعها على واجب من أعظم الفرائض في ديننا الحنيف، وهو بر الوالدين، حيث يمثل الصندوق الوقفي للحملة صدقة جارية عن الآباء في دولة الإمارات، وتشجع المبادرة على تقديم إسهامات تشتمل في مقاصدها على ثواب بر الوالدين، مرسخة من خلال ذلك هذه القيمة السامية التي تحدث أثراً عميقاً في دعم التماسك المجتمعي، خصوصاً أن هذه الحملة تأتي تماشياً مع إعلان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، تخصيص عام 2025 ليكون «عام المجتمع» في دولة الإمارات تحت شعار «يداً بيد».
وتترجم الحملة الرمضانية من خلال تركيزها على تقديم الإسهامات براً بالآباء، رؤية القيادة الرشيدة والتوجهات الوطنية تعزيز مزيد من التماسك المجتمعي بتفعيل أحد أهم القيم الإسلامية والمجتمعية، والإنسانية، وهي بر الوالدين، ممثلة في بر الأب، عبر هذا الوقف الخيري والإنساني، حيث يعدّ بناء المجتمع القوي والمتماسك والمستقر من المقومات الأساسية للحفاظ على الوطن المزدهر القادر على تحقيق تطلعات وطموحات أبنائه وضمان المستقبل الأفضل لأجياله.
وتسلط الحملة الضوء على الدور الكبير الذي يمثله الأب في حياة كل فرد، وفي الحفاظ على بناء واستقرار الأسرة، وبالتالي المجتمع ككل، حيث يؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالقول: «الأب أول قدوة.. وأول سند.. وأول معلم.. مصدر القوة والحكمة والأمان في حياتنا صغاراً وكباراً»، لذلك تأتي حملة «وقف الأب» خلال شهر رمضان الفضيل، لتحقق مع نظيرتها السابقة «حملة وقف الأم» التي تم إطلاقها العام الماضي، شمولية بر الوالدين الذي أوصانا به الله تعالى في قوله: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا».
وانطلاقاً من هذه الرسالة كبيرة الأهمية، تستهدف حملة «وقف الأب»، حشد الجهود لمساعدة الأشخاص في المجتمعات الأقل حظاً وتمكينهم من الحصول على احتياجاتهم الأساسية في مجال مؤثر في حياة الجميع وهو الرعاية الصحية التي تعد حجر الزاوية في ضمان سلامة الحياة وجودتها واستقرار وتمكين الأفراد، وبالتالي تحقيق استقرار المجتمع وتنميته ورفاهه، حيث تهدف الحملة إلى استثمار ريع «وقف الأب» في توفير الرعاية الصحية والعلاج للفقراء والمحتاجين وغير القادرين ودعم المنظومة الصحية في المجتمعات الأقل حظاً من خلال تطوير المستشفيات ودعمها بالتجهيزات الحديثة، وتأمين الأدوية والعلاجات اللازمة.
وتنسجم أهداف الحملة في دعم قطاع الرعاية الصحية، مع جهود دولة الإمارات ورسالتها الداعمة لأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030، إذ يمثل هدف «الصحة الجيدة والرفاه» الهدف الثالث من هذه الأهداف، ويشكل هذا الهدف أهمية كبيرة في ظل ما يواجه العالم من تحديات صحية متزايدة، فرغم ما شهده العالم من جهود دولية خلال العقود الماضية وإنجازات في القضايا الصحية بما يخدم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، إلا أن هذه الإنجازات بدأت بالتباطؤ في الآونة الأخيرة، وفق ما أكدته منظمة الأمم المتحدة، وخصوصاً فيما يتعلق بالوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية والحد من الصعوبات المالية الناجمة عن تكاليف الرعاية الصحية في الكثير من المجتمعات.
يعيد هذا التباطؤ الرعاية الصحة إلى صدارة القضايا الدولية الملحة، مع ما يشهده العالم من استمرار في صعوبة حصول عشرات الملايين على خدمات الرعاية الصحية بما في ذلك برامج التطعيم، وانتشار الأمراض المعدية، وارتفاع معدلات الأمراض النفسية، ولا يزال أكثر من نصف سكان العالم، حتى اليوم، محرومين من الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية.
وتمتد أهمية استهداف حملة «وقف الأب» لاستثمار صندوق الوقف في دعم الرعاية الصحية، إلى أنها تخدم قضية مؤثرة في المستوى الدولي ككل، حيث لا يتوقف تأثير التحديات الصحية في مجتمعات بعينها، بقدر ما يشكل تأثيراً في جميع سكان العالم المترابط، حيث تتأثر صحة الأفراد في مختلف المجتمعات بالصحة العالمية، فرغم ما وفرته الزيادة في الاتصالات العالمية والتجارة والسفر من فوائد، إلا أنها أظهرت تحديات جديدة في انتشار الأمراض وانتقالها بين المجتمعات، ما يؤكد مسؤولية الجميع في التصدي للقضايا المهمة في القطاع الصحي العالمي، وهي من الرسائل الأساسية التي تهدف حملة «وقف الأب» تسليط الضوء عليها، من خلال تركيزها على إنشاء وقف مستدام لدعم قطاع الرعاية الصحية.
وتتفرد رسالة حملة «وقف الأب»، في تجديدها التأكيد على أهمية ضمان تدفق الدعم المستدام للقطاعات الحيوية، والذي يركز هذا العام على قطاع الرعاية الصحية، بعد أن كان تركيز الحملة في العام الماضي على التعليم، حيث تنطلق هذه الرسالة من الرؤية التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للوقف، والتي تهدف إلى ترسيخ الوقف كأداة للتنمية المستدامة في المجالات والتخصصات والقطاعات كافة، وعند شرائح المجتمع كافة، وتحويلها إلى ثقافة مجتمعية تقود المبادرات الخيرية والإنسانية، وتعمل على تعزيز مكانة الإمارات عاصمة للإنسانية ببقاء مبادراتها الخيّرة ومساعيها لخدمة الشعوب.
ويجسد الاستمرار في حملات الوقف الرمضانية التي يطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، كل عام، نهج الابتكار في العطاء، الذي يسعى ضمن أهدافه إلى تغيير المفاهيم في العمل الخيري والإنساني، ليكون أكثر ديمومة وبلا حدود أو قيود، يشمل المجتمع بكل أفراده ومؤسساته، حيث يكون مفتوحاً أمام الجميع ومنفعته تعم الجميع، دون قيود جغرافية أو دينية أو عرقية، ليكون قادراً على إحداث فارق حقيقي في حياة الملايين من البشر حول العالم، انطلاقاً من رؤية سامية تضع الإنسان وتمكين وحماية وتحسين جودة حياته في صدارة الأولويات.
كما تتميز حملات الوقف الرمضانية التي يطلقها سموه بما تحدثه من حراك وطني إنساني هو الأكبر من نوعه عالمياً، يهدف إلى إشراك الجميع أفراداً ومؤسسات، في تكاتف فريد، وتعاضد على تحقيق أهداف موحدة، تعلي قيم البذل والعطاء وحب الخير للجميع، حيث تعمل هذه المشاركة المجتمعية الشاملة التي تأتي عبر استجابة مجتمعية وتفاعل كبيرين، على ترسيخ قيم المجتمع الإماراتي الأصيلة، والتعاون من أجل تحقيق أهداف إنسانية نبيلة، وترسم مشهداً استثنائياً بروح تنسجم مع فضائل شهر رمضان المبارك لتسهم في تعزيز قيم التراحم، كما تأتي هذه الحملات الوقفية في أهدافها المتكاملة لتؤكد فضيلة شهر رمضان وأهميته كفرصة لتعزيز تماسك المجتمع وروابطه والأواصر القوية في الأسرة، وترسيخ قيم الخير والبذل العطاء، واستشعار أهمية نشر معاني المحبة والسلام والتكاتف بين الجميع، والتأثير الإيجابي لهذه القيم النبيلة على تحقيق استقرار وتطور الأوطان، ومختلف المجتمعات الإنسانية.