لجريدة عمان:
2024-10-20@23:34:19 GMT

ملخَّص المجتمع: مرآة الشفافية وصخب التفاعل

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

ترقّبُ المجتمع العماني سنويًا لملخص المجتمع الصادر عن جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة يعبّر عن نجاح الجهاز -دون شك- في إيجاد تفاعل مجتمعي مع عمل الجهاز عبر جهود حملات توعوية إعلامية، حملات تنظيم وتفعيل وتحاور واستقراء تمّت خلال أعوام، فحصدت تكريس الثقة المجتمعية في هذه المؤسسة الرقابية، إضافة إلى تأسيس الوعي بضرورة حماية المال العام وتأكيد المواطنة الحقة استجابة ووعيا، ترقّبُ المجتمع بكل فئاته لإعلان الجهاز سنويا مُلَخَّصَ تقريره ليس احتفاءً برصد المخالفات والفساد والتقصير وحسب، بل هو احتفاء بنجاح منظومة المجتمع التفاعلي التكاملي متضمنة الجهاز بمختلف العاملين فيه مع المواطنين بكافة فئاتهم، ومن باب التأكيد على هذه الأدوار الوطنية وهذا الواجب المجتمعي فلا بد من وقفة على ملخص المجتمع لهذا العام، وإن كانت وقفة عجلى عبر هذه المقالة المختصرة.

لن تقف هذه المقالة مع المشترك المتفق عليه من تفاصيل حول نجاح مهام الرصد والمراجعة التي قام بها الجهاز خلال العامين (2022-2023) وهما موضوع التقرير وفضاؤه الزمني، ولكنها تقف حتما على بعض الإضاءات مصدّرَة بعناية جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- بالقضية المجتمعية الأبرز خلال العقدين الماضيين وهي قضية الباحثين عن عمل، وضرورة حلحلة تحدياتها وتذليل صعوباتها، لا سيما بعد تبين واقع الوحدات الحكومية وعجزها عن استيعاب الأعداد المتراكمة سنويا من الباحثين عن عمل بكفاءات ومؤهلات وأعمار متباينة، ما كان من جلالته إلا أن أسدى توجيهاته لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة بشأن متابعة واقع مؤشرات التوطين في القطاع الخاص وأداء سياسة التوطين وخطط الإحلال في الشركات الحكومية، وجاءت استجابة الجهاز ومنتسبيه للتوجيهات السامية بدراسة واستقراء الواقع الإداري الفعلي للقطاع الخاص والشركات الحكومية، والخروج بمجموعة من المقترحات الساعية لردم الهُوَّة والإسهام في استيعاب مجاميع أكبر من الباحثين عن عمل عبر سياستي الإحلال والتوطين، ورغم دقة الرصد وتبين مواضع المخالفة ومكامن التجاوز إلا أن لغة المقترحات جاءت ليّنة حيث تؤمل الشدة، نذكر منها على سبيل المثال موضعين: الأول «أهمية تطابق وتصحيح المسـميات الوظيفية للعمالة غير العمانية بين سـجلات الشركات وسـجلات وزارة العمل لسد الثغرات التي تستخدم للتهرب من توطين الوظائف» برغم وضوح المخالفة وإدراك مخاطرها اكتفت لغة المقترح بكلمة «أهمية» دون الإشارة إلى مخالفة أو تجريم لهذا الفعل، أو تذكير بجزاء أو اقتراح لتدبير منع أو تحديد زمني يضمن المراجعة، ثم في مقترح آخر «اتخاذ الإجراءات المقررة قانونًا تجاه العاملين الذين تجاوزت أعمارهم 60 عامًا» ألا يجد القارئ معي أننا بحاجة لهذه اللغة بل مضاعفتها في الحالة الأولى؟ مع إدراكنا تماما كون هذه البيانات هي ملخص لتفاصيل لم تصلنا، وتأتي التوجيهـات السـامية -مؤكدة الثقة في عمل الجهاز- بقيام وزارة العمل باتخاذ الإجراءات اللازمة - وبشكل عاجل- لوضع حد لتجاوزات الشركات وتهربها مـن تطبيق سياسات تشغيل وإحلال المواطنين العمانيين والعمـل على تصحيح الوضع القائم حاليا في شركات القطـاع الخاص والشركات الحكومية وفق مقترحات جهاز الرقابة المالية والإدارة للدولـة على أن تقوم الوزارة بالموافـاة بتقرير يتضمـن الإجراءات المتخذة والنتائج المتحققة.

وبين طيات ملخص المجتمع تتبدى ملاحظة ضعف استجابة الجهات المشمولة بالرقابة عمومًا حيث لم تبلغ 50 % في العامين موضع الرقابة، بل إنها تراجعت عام 2023إلى (26%) عنها في عام 2022 (43%)، ثم المقارنة بين استجابة كل من الجهات الحكومية والهيئات والاستثمارات والشركات لنجد أنها أضعف في الأخيرة؛ حيث بلغت نسبة تنفيذ الجهات المشمولة بالرقابة لملاحظات الجهاز في الوحدات الحكومية 46% عام 2022، تراجعت إلى 31% عام 2023، أما في الهيئات والاستثمارات والشركات فإن نسبة تنفيذ الجهات المشمولة لملاحظات الجهاز كانت أضعف حيث تراجعت من 40% عام 2022 إلى 19% عام 2023، ما هي التحديات التي حالت دون الالتزام بالتنفيذ للجهتين؟ ولماذا لم تبلغ نسبة التنفيذ حتى النصف في العامين من الجهتين رغم أن المؤمل أن تجاوز ذلك بكثير، لماذا هي أضعف في الهيئات والاستثمارات والشركات عنها في الوحدات الحكومية؟ وإذا أضفنا لهذه الإحصائية المبالغ المحصلة خلال عام 2023 من الجهتين تتأكد منطقيًا ضرورة التركيز على الهيئات والاستثمارات والشركات حيث تجاوزت مبالغ التحصيل منها 81 مليونًا مقابل تحصيل ما لم يصل حتى 14 مليونًا في الوحدات الحكومية (مع التعجب من الفكرة السائدة بتفوق هذه القطاعات في الحوكمة والتقييم)، وضرورة التساؤل عن الفسح والتجاوزات التي تسمح بذلك في هذه القطاعات الحيوية المرتجى منها الكثير دعما لاقتصاد وتنمية البلاد.

لا يمكن إنكار عمل جهاز الرقابة حيث الدقة والمهارة رصدًا ومتابعة، ويظهر ذلك جليّا في مراجعات وصل بعضها إلى التسعينيات مضمّنة في هذا الملخص، مقابل ضعف الالتزام بالملاحظات وتنفيذها من الجهات المشمولة بالرقابة، ولعلّ نبرة التنبيه اللينة بحاجة إلى مراجعة والتفكير مستقبلا في تضمينها إلزاما وعقابا وتأطيرا زمنيا لمدة التنفيذ، خاصة مع نبرة الاستجابة الوقتية التي لا تتضمن التزاما ولا تهاب عقابا لتنفيذ المتفق عليه سلفا رغم المتابعة عاما تلو الآخر، وما نموذج الطيران العماني المتداول إلا مثال على الاستجابة اللينة على خطأ فادح تحت مبرر (حسن النوايا)! حيث بلغت قيمة المبالغ المصروفة 299 مليون ريال عماني لشركات تزويــد الوقــود خلال الــفترة (2018 -2021) بنــاءً علــى خطابــــــــات حســن نوايــا دون إبــرام عـقود معـها، والاستجابة هي أن «سيتم إبرام العقود مع الشركات المزودة للوقود»!!! ولا أدري مما تعلمنا إداريًا وماليًا خلال عقود تحت أي بند للصرف تقع «حسن النوايا» ولا كيف ينجو حسنُ النيّة بفعلته تلك التي تكبد البلاد الملايين مكتفين بانتظار صدق النوايا.

ختامًا: لا بد من تقدير واجب لجهود جهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة، فما تحقق ليس بالهيّن، كما أن المؤمل ليس بالمستحيل، ولعلّ ما نرجوه في هذه المرحلة العمل على كفتين دون أن ترجح إحداهما: الوعي المجتمعي والحوكمة الحازمة، وإن تحققت الأولى بحملات التوعية والتثقيف فإن الأخرى لا تتحقق بغير ربط التجاوز بالعقاب والبدء بالشدة وصولا إلى اللين وليس العكس، ثم إنّ نافلة القول في ضرورة تعزيز الرقابة بممكناتها من موارد بشرية مؤهلة نوعًا وكمًا سعيًا لاستيعاب مسؤوليات هذا الجهاز الكبرى وأمانته الوطنية العظيمة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جهاز الرقابة المالیة الوحدات الحکومیة الجهات المشمولة عام 2023

إقرأ أيضاً:

الصعدي يرأس اجتماعاً لمناقشة أوضاع الجامعات الحكومية

الصعدي يرأس اجتماعاً لمناقشة أوضاع الجامعات الحكومية

مقالات مشابهة

  • تطوير جديد لـتشات جي بي تي.. هل سيغير طريقة التفاعل مع التكنولوجيا؟
  • "جهاز الرقابة" و"ملخص المجتمع"
  • توقيع 4 مذكرات تفاهم واتفاقيات تعاون بين قطاع البترول والشركات العالمية (تفاصيل)
  • الحوثيون يقرّون بمصرع ثلاثة من مقاتليهم في معارك مع القوات الحكومية
  • مجابهة الفساد وترسيخ النزاهة
  • الصعدي يرأس اجتماعاً لمناقشة أوضاع الجامعات الحكومية
  • تقرير "جهاز الرقابة".. الشفافية والتنمية
  • رئيس جهاز دمياط الجديدة يلتقي ممثلي المجتمع المدني لبحث مقترحاتهم لتطوير المدينة
  • منصة إكس تثير الجدل بتغييرات على وظيفة البلوك .. ما تأثيرها على تجربة المستخدمين؟