بوابة الوفد:
2024-12-21@00:03:11 GMT

يحيا يحيى.. أهل الله وخاصته

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

يحيى.. إن كان المقصود برثائك يا يحيى تأثرًا بما حدث، فنحن نعلم يقينًا أن لا حاجة لك بمرثية الكلمات الهزيلة، ومشاعر الوجع والألم البالية، فبعد استشهادك العظيم، لن تحتاج إلى مرثيات الدنيا الفانية.

يحيى.. فما حدث لك طامة كبرى، فلا حاجة لك لسجع الكلمات العبقرية ووقع العبارات الشعرية فى فن الرثاء المخزى.. ولا أنت بحاجة إلى وجع الثمالى وآهات الثكالى، فبعد استشهادك أصبح الرثاء حقارة ووهنًا، يقال فقط فى وصف حال أمتنا الخانعة، أو يقال تعبيرًا عن الحزن والأسى لفقدان الاشخاص، ولكن ليست بحجم وقدر يحيى السنوار.

يحيى.. نال شهادة ومفازة الله، وترك لنا جميعًا الخزى والعار والانكسار، رحلت عن هذه الدنيا وأنت تحمل فى قلبك جرح وطنٍ وألم شعبٍ تجرّع مرارة الاحتلال والتشريد، كنت رجلًا صامدًا لم تعرف الضعف، رمزًا للشجاعة والقوة التى لا تلين أمام المحن.

يحيى.. رحيلك ترك فى قلوبنا حزنًا عميقًا لا تكفى الكلمات للتعبير عنه، فلم يكن رحيلك مجرد حدث، بل كان صفعةً قوية، تذكيرًا بفداحة ما نعانيه وما يعانيه شعبك. كان رحيلك كرحيل الجبال، ثقيلًا على صدورنا، عصيًّا على النسيان، كم هو مؤلم أن تبتلع الأرض جسدك الطاهر بينما يظل صوتك يتردد فى الأفق، صوت رجلٍ أحب الأرض حتى الرمق الأخير.

يحيى.. نفتقدك، نفتقد روحك المقاتلة وصمودك الذى كان يمدنا بالأمل حين كان العالم يشيح بوجهه عن آلامنا، كنت أكثر من قائد، كنت رمزًا وأبًا وروحًا نابضة بالحياة، غاب جسدك، لكن ظلك باقٍ فى كل شبر من تلك الأرض التى ناضلت من أجلها. لن ننساك، ولن ننسى أن هناك فراغًا كبيرًا تركته، فراغًا لا يُملأ ولا يُعوّض. رحلت عنا بجسدك، لكن اسمك سيظل محفورًا فى قلوبنا، يتردد فى دعوات الأمهات وفى نبض كل من لا يزال يحلم بحريةٍ آمنت بها ووهبت حياتك لأجلها.

يحيى.. لن أستطيع أن أكتب إليك رثاء يعبر عما بداخلى، فمشاعر الحزن والوجع والألم والفخر والشرف والانكسار والانهزام والانتصار والفرح والبشرى والخنوع والخضوع والشموخ والهزيمة والنصر، تعصف بنا، فمثلك يا يحيى لا يحتاج لعبارات الرثاء المنكسرة، بموتك فقد أحتل الخزى جدران نخوتنا، وسكن العار قلوبنا المزيفة، ورغم هذا كله سوف نرثيك، اضطرارا، حتى يقال عنا، بأننا موجعون، متألمون، مقهورون لموتك يا أمام المقاومين.

يا شهيد القضية، يا رمز الكرامة والفداء، يا من حملت الوطن فى قلبك وجعلت من آلامك جسورًا نعبر بها نحو الحرية.

يحيى.. لقد كنت حارسًا للكرامة وحاميًا لأرض الإباء، ورغم كل التحديات، لم تنحنِ ولم تنكسر.

اليوم يا يحيى نبكيك، ودموعنا تمزجها روح الصمود التى زرعتها فينا، لقد رحلت جسدًا، لكن صوتك سيبقى فى أزقة المخيمات، وفى أنين الأمهات وفى قلوب كل من آمن بحقه فى أرضه وكرامته.

يحيى.. إن خسارتنا لك عظيمة، لكنها تزيدنا عزمًا وإصرارًا على المضى قدمًا فى طريق النضال الذى اخترته لنا.

يحيى.. نام قرير العين، فإن الوطن الذى أحببته سيظل يذكر تضحياتك، وستبقى ذكراك نبراسا ينير دروب الأحرار.

يا يحيى.. يا صوتًا ارتفع فى وجه الظلم ولم ينكسر، قد رحلت عن دنيانا، لكن الصمت الذى تلاه رحيلك كان أكثر صخبًا من أى نداء. رحلت وترك العالم جريحًا بصمته، وكأن العدل صار كلمة تُهمس بها فى الزوايا البعيدة ولا تجد من يسمعها.

أين الإنسانية التى طالما تغنت بالعدل والمساواة؟ أين الأعين التى بكت على آلام المظلومين؟ اليوم، رحلت أيها البطل، والعالم صامت كما لو أن رحيلك لم يكن وجعًا أصاب قلب الأرض. صمتهم بات كحجرٍ ثقيل يُلقى على صدور من بكوك بصدق، وكأنهم نسوا أنك كنت صوت من لا صوت له.

يحيى.. يا شهيدًا لم يخشَ الموت ولم ينحنى لسطوة الجبروت، غادرتنا ونحن هنا لا نملك سوى دموعًا تخونها العبارات. خنق الحزن حناجرنا ونحن نرى العالم يصمّ أذنيه عن الحقيقة التى نطقت بها حياتك، ويرتدى ثوب اللامبالاة أمام نضالك.

يحيى.. وإن صمتت الدنيا كلها، فإن أزقة غزة وجدران المخيمات ودهاليز رفح، ستبقى تردد اسمك، وأحلام الأجيال التى قاومت وستقاوم لن تنسى أنك كنت رمزها، ولن يغفر التاريخ صمتهم ولا خذلانهم.

يحيى.. لقد رحلت عن دنيانا، لكنك لم ترحل عن قلوب من آمنوا بك، رحلت، لكن صوتك سيبقى عاليًا، أقوى من صمتهم المريب.

يحيى.. ما كان راغب فى الحياة إلا لحكمة يرضاها الله، فقد كان شغلك الشاغل أن تكون ممن قال فيهم رسول الله ووصفهم بأنهم أهل الله وخاصته « هم الذين اختصهم بمحبته، والعناية بهم سموا بذلك تعظيمًا لهم، وذلك أن الله تعالى يخص بعض عباده، فيلهمهم العمل بأفضل الأعمال، وليس هناك أفصل من الجهاد فى سبيل تحرير الاوطان، حتى يرفع درجاتهم فوق كثير مِن الناس

يحيى.. رحلت وأنت مرفوع الهامة مستجاب الدعوة، فقد دعوت الله جهرًا بأن تقتل شهيدا مقاوما لا خائنا، أبيا لا متخاذلا، وكنت تردد ما تعلمته من الشيخ أحمد ياسين شيخ المقاومة : الموت فى سبيل الله اسمى أمانينا.

يحيى.. ذلك القمر الذى أضاء السماء، يعشق الموت فداءا للوطن، ذلك النور الذى يملأ الحياة مقاومة واستشهاد، لا ينطفيء الا بقدر الله، لا بمهابة البشر وسطوتهم

يا يحيى.. عشت بطلا، ومت شهيدا مقبلًا غير مدبر فى جنة الخلد يا أمام المقاومة وعطرتها، وعد الله الحق، ولن يخلف الله وعده يا أبا إبراهيم

يحيا يحيى السنوار.. أمآم المقاوميين، أهل الله وخاصته

 

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رادار أهل الله وخاصته رحلت عن

إقرأ أيضاً:

الرقيب جل جلاله

يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِى تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا» (النساء: 1)، فهو سبحانه وتعالى الرقيب الذى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء، وهو القائم على شئون خلقه، المطلع على ما تكنه صدورهم، القائم على كل نفس بما كسبت، فهو معنا أينما كنَّا، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ» (المجادلة: 7)، ويقول سبحانه على لسان لقمان (عليه السلام) فى وصيته لابنه: «يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِى صَخْرَةٍ أَوْ فِى السَّمَاوَاتِ أَوْ فِى الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ» (لقمان: 16)، ويقول سبحانه: «وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا» (الكهف: 49)، ويقول سبحانه: «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ومَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِى ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ» (الأنعام: 59)، ويقول سبحانه: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (ق: 16-18)، فهى معية مراقبة، لا يعزب منها عن علمه سبحانه مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض.
إن صاحب الضمير الحى اليقظ هو الذى يخاف الله (عز وجل) ويسعى لتحقيق مرضاته سرًّا وعلانية، فإذا غابت عنه رقابة البشر وهمَّت نفسه بالحرام تحرك ضميره؛ فيصده عنه ويحول بينه وبين ما يغضب الله، ويذكره بأن هناك الرقيب الذى لا يغفل ولا ينام، حيث يقول الحق سبحانه: «وإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ» (الانفطار: 10)، ويقول جل فى علاه: «وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِى عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا» (الإسراء: 13-14)، ويقول نبينا (صلى الله عليه وسلم): «ثَلَاثٌ كَفَّارَاتٌ، وَثَلَاثٌ دَرَجَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ، وَثَلَاثٌ مُهْلِكَاتٌ; فَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ: فَإِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِى السَّبَرَاتِ، وَانْتِظَارُ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَنَقْلُ الْأَقْدَامِ إِلَى الْجُمُعَاتِ، وَأَمَّا الدَّرَجَاتُ: فَإِطْعَامُ الطَّعَامِ، وَإِفْشَاءُ السَّلَامِ، وَالصَّلَاةُ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ، وَأَمَّا الْمُنْجِيَاتُ: فَالْعَدْلُ فِى الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَالْقَصْدُ فِى الْفَقْرِ وَالْغِنَا، وَخَشْيَةُ اللَّهِ فِى السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَأَمَّا الْمُهْلِكَاتُ: فَشُحٌّ مُطَاعٌ، وَهَوًى مُتَّبَعٌ، وَإِعْجَابُ الْمَرْءِ بِنَفْسِهِ».
بهذا الضمير الإنسانى اليقظ يستطيع الإنسان تأدية العبادات على الوجه الأكمل، فتجده خاشعا لله (عز وجل)، مراقبًا له تمام المراقبة فى صلاته وصيامه وحجه وزكاته، لعلمه أن من أسمائه (عز وجل) الرقيب، ثم يتعدى أثر هذه المراقبة إلى بيعه وشرائه, وعمله وإنتاجه، وسائر تصرفاته، وبذلك ينضبط السلوك والتصرفات، وتُحفظ الحقوق، وتُؤدى الواجبات.
ومن ثم فإنه يجب على الإنسان أن يراقب الله تعالى حق المراقبة فى السر والعلن, وهذه المراقبة هى التى جعلت ابنة بائعة اللبن تقول لأمها التى أمرتها أن تمزج اللبن بالماء: إن كان عمر (رضى الله عنه) قد نام فإن رب العزة لا تأخذه سنة ولا نوم، وجعلت راعى الغنم الأمين يقول: إن كان صاحب الغنم لا يرانا فأين الله الذى لا يعزب عن علمه شىء فى الأرض ولا فى السماء؟.

الأستاذ بجامعة الأزهر

مقالات مشابهة

  • سوريا.. حنين لا يغادر محبيها
  • مؤتمر الصحفيين ونقطة الانطلاق
  • كأسك يا وطن
  • أنجلينا جولى:ﺗﺠﺴﻴﺪ ﺷﺨﺼﻴﺔ ﻣﺎرﻳﺎ ﻛﺎﻻس ﺣﻠﻢ وﺗﺤﻘﻖ
  • الرقيب جل جلاله
  • السفير العكلوك : نتعرض لحرب إبادة جماعية من قوات الاحتلال وسط صمت دولى رهيب
  • تعزيز التعايش السلمي .. مؤتمر بـ المغرب بحضور مدير مكتبة الإسكندرية
  • تقديراً لأمانته.. محافظ أسوان يمنح شهادة تقدير ومكافأة مالية لطفل نوبي
  • وفاة الأكاديمي والمعارض المصري يحيى القزاز.. طالب بالقبض على السيسي
  • الديمقراطية الزائفة «3»