بوابة الوفد:
2025-01-20@08:56:22 GMT

يحيا يحيى.. أهل الله وخاصته

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

يحيى.. إن كان المقصود برثائك يا يحيى تأثرًا بما حدث، فنحن نعلم يقينًا أن لا حاجة لك بمرثية الكلمات الهزيلة، ومشاعر الوجع والألم البالية، فبعد استشهادك العظيم، لن تحتاج إلى مرثيات الدنيا الفانية.

يحيى.. فما حدث لك طامة كبرى، فلا حاجة لك لسجع الكلمات العبقرية ووقع العبارات الشعرية فى فن الرثاء المخزى.. ولا أنت بحاجة إلى وجع الثمالى وآهات الثكالى، فبعد استشهادك أصبح الرثاء حقارة ووهنًا، يقال فقط فى وصف حال أمتنا الخانعة، أو يقال تعبيرًا عن الحزن والأسى لفقدان الاشخاص، ولكن ليست بحجم وقدر يحيى السنوار.

يحيى.. نال شهادة ومفازة الله، وترك لنا جميعًا الخزى والعار والانكسار، رحلت عن هذه الدنيا وأنت تحمل فى قلبك جرح وطنٍ وألم شعبٍ تجرّع مرارة الاحتلال والتشريد، كنت رجلًا صامدًا لم تعرف الضعف، رمزًا للشجاعة والقوة التى لا تلين أمام المحن.

يحيى.. رحيلك ترك فى قلوبنا حزنًا عميقًا لا تكفى الكلمات للتعبير عنه، فلم يكن رحيلك مجرد حدث، بل كان صفعةً قوية، تذكيرًا بفداحة ما نعانيه وما يعانيه شعبك. كان رحيلك كرحيل الجبال، ثقيلًا على صدورنا، عصيًّا على النسيان، كم هو مؤلم أن تبتلع الأرض جسدك الطاهر بينما يظل صوتك يتردد فى الأفق، صوت رجلٍ أحب الأرض حتى الرمق الأخير.

يحيى.. نفتقدك، نفتقد روحك المقاتلة وصمودك الذى كان يمدنا بالأمل حين كان العالم يشيح بوجهه عن آلامنا، كنت أكثر من قائد، كنت رمزًا وأبًا وروحًا نابضة بالحياة، غاب جسدك، لكن ظلك باقٍ فى كل شبر من تلك الأرض التى ناضلت من أجلها. لن ننساك، ولن ننسى أن هناك فراغًا كبيرًا تركته، فراغًا لا يُملأ ولا يُعوّض. رحلت عنا بجسدك، لكن اسمك سيظل محفورًا فى قلوبنا، يتردد فى دعوات الأمهات وفى نبض كل من لا يزال يحلم بحريةٍ آمنت بها ووهبت حياتك لأجلها.

يحيى.. لن أستطيع أن أكتب إليك رثاء يعبر عما بداخلى، فمشاعر الحزن والوجع والألم والفخر والشرف والانكسار والانهزام والانتصار والفرح والبشرى والخنوع والخضوع والشموخ والهزيمة والنصر، تعصف بنا، فمثلك يا يحيى لا يحتاج لعبارات الرثاء المنكسرة، بموتك فقد أحتل الخزى جدران نخوتنا، وسكن العار قلوبنا المزيفة، ورغم هذا كله سوف نرثيك، اضطرارا، حتى يقال عنا، بأننا موجعون، متألمون، مقهورون لموتك يا أمام المقاومين.

يا شهيد القضية، يا رمز الكرامة والفداء، يا من حملت الوطن فى قلبك وجعلت من آلامك جسورًا نعبر بها نحو الحرية.

يحيى.. لقد كنت حارسًا للكرامة وحاميًا لأرض الإباء، ورغم كل التحديات، لم تنحنِ ولم تنكسر.

اليوم يا يحيى نبكيك، ودموعنا تمزجها روح الصمود التى زرعتها فينا، لقد رحلت جسدًا، لكن صوتك سيبقى فى أزقة المخيمات، وفى أنين الأمهات وفى قلوب كل من آمن بحقه فى أرضه وكرامته.

يحيى.. إن خسارتنا لك عظيمة، لكنها تزيدنا عزمًا وإصرارًا على المضى قدمًا فى طريق النضال الذى اخترته لنا.

يحيى.. نام قرير العين، فإن الوطن الذى أحببته سيظل يذكر تضحياتك، وستبقى ذكراك نبراسا ينير دروب الأحرار.

يا يحيى.. يا صوتًا ارتفع فى وجه الظلم ولم ينكسر، قد رحلت عن دنيانا، لكن الصمت الذى تلاه رحيلك كان أكثر صخبًا من أى نداء. رحلت وترك العالم جريحًا بصمته، وكأن العدل صار كلمة تُهمس بها فى الزوايا البعيدة ولا تجد من يسمعها.

أين الإنسانية التى طالما تغنت بالعدل والمساواة؟ أين الأعين التى بكت على آلام المظلومين؟ اليوم، رحلت أيها البطل، والعالم صامت كما لو أن رحيلك لم يكن وجعًا أصاب قلب الأرض. صمتهم بات كحجرٍ ثقيل يُلقى على صدور من بكوك بصدق، وكأنهم نسوا أنك كنت صوت من لا صوت له.

يحيى.. يا شهيدًا لم يخشَ الموت ولم ينحنى لسطوة الجبروت، غادرتنا ونحن هنا لا نملك سوى دموعًا تخونها العبارات. خنق الحزن حناجرنا ونحن نرى العالم يصمّ أذنيه عن الحقيقة التى نطقت بها حياتك، ويرتدى ثوب اللامبالاة أمام نضالك.

يحيى.. وإن صمتت الدنيا كلها، فإن أزقة غزة وجدران المخيمات ودهاليز رفح، ستبقى تردد اسمك، وأحلام الأجيال التى قاومت وستقاوم لن تنسى أنك كنت رمزها، ولن يغفر التاريخ صمتهم ولا خذلانهم.

يحيى.. لقد رحلت عن دنيانا، لكنك لم ترحل عن قلوب من آمنوا بك، رحلت، لكن صوتك سيبقى عاليًا، أقوى من صمتهم المريب.

يحيى.. ما كان راغب فى الحياة إلا لحكمة يرضاها الله، فقد كان شغلك الشاغل أن تكون ممن قال فيهم رسول الله ووصفهم بأنهم أهل الله وخاصته « هم الذين اختصهم بمحبته، والعناية بهم سموا بذلك تعظيمًا لهم، وذلك أن الله تعالى يخص بعض عباده، فيلهمهم العمل بأفضل الأعمال، وليس هناك أفصل من الجهاد فى سبيل تحرير الاوطان، حتى يرفع درجاتهم فوق كثير مِن الناس

يحيى.. رحلت وأنت مرفوع الهامة مستجاب الدعوة، فقد دعوت الله جهرًا بأن تقتل شهيدا مقاوما لا خائنا، أبيا لا متخاذلا، وكنت تردد ما تعلمته من الشيخ أحمد ياسين شيخ المقاومة : الموت فى سبيل الله اسمى أمانينا.

يحيى.. ذلك القمر الذى أضاء السماء، يعشق الموت فداءا للوطن، ذلك النور الذى يملأ الحياة مقاومة واستشهاد، لا ينطفيء الا بقدر الله، لا بمهابة البشر وسطوتهم

يا يحيى.. عشت بطلا، ومت شهيدا مقبلًا غير مدبر فى جنة الخلد يا أمام المقاومة وعطرتها، وعد الله الحق، ولن يخلف الله وعده يا أبا إبراهيم

يحيا يحيى السنوار.. أمآم المقاوميين، أهل الله وخاصته

 

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رادار أهل الله وخاصته رحلت عن

إقرأ أيضاً:

عبدالغفور البرعى!!

 

 «عبدالغفور البرعى» هو إحدى أشهر الشخصيات الدرامية التى أتحفنا بها الروائى  إحسان عبدالقدوس فى رائعته «لن أعيش فى جلباب أبى» والتى تجسد قصة حياة أحد أكبر تجار الحديد والخردة بمنطقة الحدادين بمدينة طنطا والذى يدعى نادى السباعى والذى التقاه الفنان نور الشريف شخصياً قبل تصوير المسلسل للتعرف على ملامح شخصيته عن قرب وأبدع في تجسيدها أيما إبداع.

ويمثل عبدالغفور البرعى - أو نادى السباعى- نموذجاً للرجل العصامى الذى بنى نفسه من لا شىء ولم يكن يملك سوى حلمه وقوة إرادته فى تحقيق ما يريده فى الحياة، فشق طريقه وسط الصعاب متحدياً كل من -وما- يقابله من صعوبات إلى أن وصل إلى ما يريد وهو نموذج موجود منذ الأزل فى جميع البيئات والبلاد، وإذا جبت صفحات التاريخ -وأيضاً الجغرافيا- تجد عبدالغفور الأمريكانى والصينى والكورى والهندى فى أقصى أرجاء المعمورة شمالها وجنوبها، شرقها وغربها.

فنموذج عبدالغفور نجده فى الهند متمثلاً فى لاكشمى ميتال، قطب صناعة الصلب الهندى، الذى نشأ فى أسرة هندية فقيرة فى سادولوبر فى راجستان. عمل والده بعد ذلك فى تجارة الفولاذ، وأصبح ميسور الحال مما هيأ لميتال الالتحاق بالجامعة، وبعد ذلك التحق بالعمل مع والده فى شركة الفولاذ التى أسسها. فى عام 1994، انفصل عن والده وإخوته وأسس شركته الخاصة أرسيلور ميتال، وقد كوَّن ثروته على مدار عقدين من الزمان من خلال شراء مصانع صلب مفلسة بثمن بخس وتحويلها إلى مشاريع مربحة، وغدا من المليارديرات.

وعندما نجوب أرجاء المعمورة يرسو قاربنا على شواطئ إيطاليا لنصادف ليوناردو ديل فيكيو الذى نشأ فى ميلانو لأم أرملة كانت تكافح من أجل تغطية نفقاتها، ودفعها الفقر المدقع إلى إرسال ابنها إلى دار للأيتام. لكسب لقمة العيش، وقد عمل ديل فيكيو فى مصنع لصناعة قوالب لقطع غيار السيارات وإطارات النظارات إلى جانب دراسته فى المعهد الصناعى للتصميم، وقد أنشأ بجهده الخاص مصنعاً صغيراً فى منزله لتصنيع أجزاء النظارات وكان يعمل 20 ساعة فى اليوم لكسب ثقة المصانع بجودة إنتاجه. بعد 6 سنوات أسس مصنعاً أكبر أسماه لوكسوتيكا، الذى يصنع الآن «ماركات» تجارية مثل ريبان وأوكلاى ويعد أكبر منتج للنظارات فى العالم.

ونجوب معاً آفاق المكان والزمان لنستقر فى عام 1981 حيث هاجر دو وون تشانغ وزوجته جين سوك من كوريا الجنوبية إلى لوس أنجلوس سعياً وراء النجاح والفرص الجديدة، وقد عانى الزوجان الفقر المدقع وعدم تمتعهما بتعليم رسمى إضافة إلى عدم إجادتهما للغة الإنجليزية، وكان عليه العمل ليل نهار  لتوفير «لقمة العيش»، فكان يعمل فى الصباح فى محطات الوقود وفى الظهر فى محال بيع القهوة وفى المساء بواباً، واستطاع أن يجمع رأسمال لمشروع ظل يحلم به وتحمل مشقة الوظائف الثلاث فى سبيل جمع المال الذى بدأ به أولى خطوات تحقيق حلمه. بعد فترة وجيزة، افتتح متجراً لبيع الملابس بمساحة صغيرة ليتحول بعد ذلك إلى سلسلة متاجر لبيع الملابس، والتى أصبحت واحدة من أشهر العلامات التجارية فى العالم.

إذن، قصص الكفاح والنجاح عديدة تقرأها بكل لغات العالم، وأبطالها هذه القصص ذوو إرادة حديدية لا يسمحون لشىء بأن يفت فى عضدهم بل يحولون كل ما يقابلهم من عوائق ومشكلات ومصاعب حافزاً لهم لتحقيق ما يتمنون، وعلى النقيض من هؤلاء، يصادفك العديد من الشخصيات الذين يمتلئ حديثهم بلعن الظروف والحظ العثر الذى يلازمهم فى حياتهم ويتسبب فى فشل إثر آخر يعوقهم عن تحقيق أى ما يريدون، ويختلقون لأنفسهم أى مبرر يقنعون به ذواتهم، لكن الحقيقة التى لا مراء فيها أن الفشل يبدأ عندك أنت وينتهى عندك أيضاً، وعليك أن تقرر هل ستغدو مثل «عبدالغفور البرعى» أم ستظل تلعن الظروف وتهدر حياتك فيما لا طائل من ورائه.

 

 

 

مقالات مشابهة

  • البكالوريا.. و"هموم" الثانوية
  • ????العقوبات الامريكية.. وسام على صدر البرهان
  • «السيسى» والصقور أمناء على مقدرات الوطن
  • الأكاديمية العسكرية المصرية تستقبل مسئول التعاون الدولي للقوات البرية الفرنسية
  • وفد من القوات البرية الفرنسية يشيد بقدرات الأكاديمية العسكرية المصرية
  • مجذوب
  • عبدالغفور البرعى!!
  • الأهلي يرفض مطالب ين شرقى وينسحب من الصفقة بشكل نهائى
  • هالة صدقى: انتظرونى فى الماراثون الرمضانى 2025
  • بالفيديو: ماكرون يتناول الفطائر في شوارع بيروت: يحيا لبنان