بوابة الوفد:
2024-10-20@20:50:18 GMT

يحيا يحيى.. أهل الله وخاصته

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

يحيى.. إن كان المقصود برثائك يا يحيى تأثرًا بما حدث، فنحن نعلم يقينًا أن لا حاجة لك بمرثية الكلمات الهزيلة، ومشاعر الوجع والألم البالية، فبعد استشهادك العظيم، لن تحتاج إلى مرثيات الدنيا الفانية.

يحيى.. فما حدث لك طامة كبرى، فلا حاجة لك لسجع الكلمات العبقرية ووقع العبارات الشعرية فى فن الرثاء المخزى.. ولا أنت بحاجة إلى وجع الثمالى وآهات الثكالى، فبعد استشهادك أصبح الرثاء حقارة ووهنًا، يقال فقط فى وصف حال أمتنا الخانعة، أو يقال تعبيرًا عن الحزن والأسى لفقدان الاشخاص، ولكن ليست بحجم وقدر يحيى السنوار.

يحيى.. نال شهادة ومفازة الله، وترك لنا جميعًا الخزى والعار والانكسار، رحلت عن هذه الدنيا وأنت تحمل فى قلبك جرح وطنٍ وألم شعبٍ تجرّع مرارة الاحتلال والتشريد، كنت رجلًا صامدًا لم تعرف الضعف، رمزًا للشجاعة والقوة التى لا تلين أمام المحن.

يحيى.. رحيلك ترك فى قلوبنا حزنًا عميقًا لا تكفى الكلمات للتعبير عنه، فلم يكن رحيلك مجرد حدث، بل كان صفعةً قوية، تذكيرًا بفداحة ما نعانيه وما يعانيه شعبك. كان رحيلك كرحيل الجبال، ثقيلًا على صدورنا، عصيًّا على النسيان، كم هو مؤلم أن تبتلع الأرض جسدك الطاهر بينما يظل صوتك يتردد فى الأفق، صوت رجلٍ أحب الأرض حتى الرمق الأخير.

يحيى.. نفتقدك، نفتقد روحك المقاتلة وصمودك الذى كان يمدنا بالأمل حين كان العالم يشيح بوجهه عن آلامنا، كنت أكثر من قائد، كنت رمزًا وأبًا وروحًا نابضة بالحياة، غاب جسدك، لكن ظلك باقٍ فى كل شبر من تلك الأرض التى ناضلت من أجلها. لن ننساك، ولن ننسى أن هناك فراغًا كبيرًا تركته، فراغًا لا يُملأ ولا يُعوّض. رحلت عنا بجسدك، لكن اسمك سيظل محفورًا فى قلوبنا، يتردد فى دعوات الأمهات وفى نبض كل من لا يزال يحلم بحريةٍ آمنت بها ووهبت حياتك لأجلها.

يحيى.. لن أستطيع أن أكتب إليك رثاء يعبر عما بداخلى، فمشاعر الحزن والوجع والألم والفخر والشرف والانكسار والانهزام والانتصار والفرح والبشرى والخنوع والخضوع والشموخ والهزيمة والنصر، تعصف بنا، فمثلك يا يحيى لا يحتاج لعبارات الرثاء المنكسرة، بموتك فقد أحتل الخزى جدران نخوتنا، وسكن العار قلوبنا المزيفة، ورغم هذا كله سوف نرثيك، اضطرارا، حتى يقال عنا، بأننا موجعون، متألمون، مقهورون لموتك يا أمام المقاومين.

يا شهيد القضية، يا رمز الكرامة والفداء، يا من حملت الوطن فى قلبك وجعلت من آلامك جسورًا نعبر بها نحو الحرية.

يحيى.. لقد كنت حارسًا للكرامة وحاميًا لأرض الإباء، ورغم كل التحديات، لم تنحنِ ولم تنكسر.

اليوم يا يحيى نبكيك، ودموعنا تمزجها روح الصمود التى زرعتها فينا، لقد رحلت جسدًا، لكن صوتك سيبقى فى أزقة المخيمات، وفى أنين الأمهات وفى قلوب كل من آمن بحقه فى أرضه وكرامته.

يحيى.. إن خسارتنا لك عظيمة، لكنها تزيدنا عزمًا وإصرارًا على المضى قدمًا فى طريق النضال الذى اخترته لنا.

يحيى.. نام قرير العين، فإن الوطن الذى أحببته سيظل يذكر تضحياتك، وستبقى ذكراك نبراسا ينير دروب الأحرار.

يا يحيى.. يا صوتًا ارتفع فى وجه الظلم ولم ينكسر، قد رحلت عن دنيانا، لكن الصمت الذى تلاه رحيلك كان أكثر صخبًا من أى نداء. رحلت وترك العالم جريحًا بصمته، وكأن العدل صار كلمة تُهمس بها فى الزوايا البعيدة ولا تجد من يسمعها.

أين الإنسانية التى طالما تغنت بالعدل والمساواة؟ أين الأعين التى بكت على آلام المظلومين؟ اليوم، رحلت أيها البطل، والعالم صامت كما لو أن رحيلك لم يكن وجعًا أصاب قلب الأرض. صمتهم بات كحجرٍ ثقيل يُلقى على صدور من بكوك بصدق، وكأنهم نسوا أنك كنت صوت من لا صوت له.

يحيى.. يا شهيدًا لم يخشَ الموت ولم ينحنى لسطوة الجبروت، غادرتنا ونحن هنا لا نملك سوى دموعًا تخونها العبارات. خنق الحزن حناجرنا ونحن نرى العالم يصمّ أذنيه عن الحقيقة التى نطقت بها حياتك، ويرتدى ثوب اللامبالاة أمام نضالك.

يحيى.. وإن صمتت الدنيا كلها، فإن أزقة غزة وجدران المخيمات ودهاليز رفح، ستبقى تردد اسمك، وأحلام الأجيال التى قاومت وستقاوم لن تنسى أنك كنت رمزها، ولن يغفر التاريخ صمتهم ولا خذلانهم.

يحيى.. لقد رحلت عن دنيانا، لكنك لم ترحل عن قلوب من آمنوا بك، رحلت، لكن صوتك سيبقى عاليًا، أقوى من صمتهم المريب.

يحيى.. ما كان راغب فى الحياة إلا لحكمة يرضاها الله، فقد كان شغلك الشاغل أن تكون ممن قال فيهم رسول الله ووصفهم بأنهم أهل الله وخاصته « هم الذين اختصهم بمحبته، والعناية بهم سموا بذلك تعظيمًا لهم، وذلك أن الله تعالى يخص بعض عباده، فيلهمهم العمل بأفضل الأعمال، وليس هناك أفصل من الجهاد فى سبيل تحرير الاوطان، حتى يرفع درجاتهم فوق كثير مِن الناس

يحيى.. رحلت وأنت مرفوع الهامة مستجاب الدعوة، فقد دعوت الله جهرًا بأن تقتل شهيدا مقاوما لا خائنا، أبيا لا متخاذلا، وكنت تردد ما تعلمته من الشيخ أحمد ياسين شيخ المقاومة : الموت فى سبيل الله اسمى أمانينا.

يحيى.. ذلك القمر الذى أضاء السماء، يعشق الموت فداءا للوطن، ذلك النور الذى يملأ الحياة مقاومة واستشهاد، لا ينطفيء الا بقدر الله، لا بمهابة البشر وسطوتهم

يا يحيى.. عشت بطلا، ومت شهيدا مقبلًا غير مدبر فى جنة الخلد يا أمام المقاومة وعطرتها، وعد الله الحق، ولن يخلف الله وعده يا أبا إبراهيم

يحيا يحيى السنوار.. أمآم المقاوميين، أهل الله وخاصته

 

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: رادار أهل الله وخاصته رحلت عن

إقرأ أيضاً:

من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان.. لك الله يا مصر (١١)

نستكمل حديثنا اليوم عزيزى القارئ عن الدور المصرى الذى ما زال حاضرًا وبقوة فى المشهد السوداني، وخير دليل على ذلك ان مؤتمر القاهرة الأخير هو الوحيد من بين المسارات الإقليمية والدولية الأخرى الذى تمكن من تقديم رؤية شاملة وكاملة فى تناول الأزمة السودانية، هذا المؤتمر عبارة عن مبادرة غير مسبوقة فى عمر الأزمة خصوصًا على صعيد شموله من حيث الأطراف المشاركة فى الداخل السودانى والخارج، أو من حيث الموضوعات المتناولة والتى تمثل كل جوانب الأزمة الإنسانية والأمنية والسياسية، فضلًا عن تأكيده أن القضية والحل سودانيان بالأساس ويجب أن تحل الأزمة على المستوى السودانى من دون إملاءات أو تدخلات خارجية، والحديث عن «تراجع الدور المصرى أو غياب تأثيره كما يتصور أو يصوره البعض» هو أمر «غير صحيح ومغرض»، فالموقف المصرى يتصاعد من أجل إيجاد حل للأزمة الطاحنة والمستعرة فى جارتها الجنوبية، يمكن القول إن الحديث فى الوقت الحاضر فى ما يتعلق بالدور المصرى لم يعد حول انحياز مصر لحساب طرف على حساب طرف آخر، والذى كان رائجًا بداية الأزمة لكنه لم يعد موجودًا الآن، فواقع الأمر أن الموقف المصرى منذ بداية الأزمة كان الوقوف إلى جانب الشعب السودانى ودعم خياراته انطلاقًا من الروابط التاريخية بين البلدين والمصالح المشتركة.

عند الحديث عن الدور المصرى فى السودان يجب أن نلاحظ أننا فى أزمة وتعثر وعدم القدرة على التوصل إلى حل فى كل المؤتمرات التى عقدت بما فى ذلك المؤتمر الذى عقد بالقاهرة، فهناك رواسب تاريخية تحكم النظرة المتبادلة بين البلدين تظهر على السطح فى وقت الأزمات، فمصر الآن أمام فرصة مهمة لاستعادة تأثيرها وذلك عبر تأكيد التعاطى مع السودان بصورة قائمة على الندية فى العلاقات والمصالح المتبادلة والمشتركة، والانفتاح على التيارات والأطراف السياسية كافة والتفاعل مع المبادرات العربية والدولية وعدم النظر إليها على اعتبار أنها جزء من التاريخ المصرى، ومطلوب من مصر أن تخرج من دائرة الموقف الملتبس أو الذى يؤيد ضمنًا أحد الأطراف لتأخذ موقف الأخ الأكبر الذى تهمه المصلحة العامة للسودان، وبخاصة أن الحرب تهدد أمن مصر من حدودها الجنوبية وكل حدودها تشهد حروبًا ونزاعات، وهنا أعتقد أن أولويات السياسة المصرية لوقف الحرب يمكنها أن تحدث اختراقًا إذا استطاعت أن تجمع طرفى الحرب البرهان وحميدتي، وأن تستمع مصر بعد ذاك لوجهات نظر القوى السودانية السياسية والمجتمعية من خلال اجتماعات أو مبعوث دبلوماسى محدد، ومن ثم النظر فى إمكانية عقد مؤتمر أو مائدة مستديرة، وأن تنظر مصر للملف السودانى باعتباره شأنًا سياسيًا وليس من وجهة نظر أمنية، فالأزمة السودانية وصلت طورًا يمكن معه انفراط عقد الأمن بصورة يصعب السيطرة على تداعياته فى الإقليم والعالم الذى يعانى أزمات متعددة، وأن التعثر فى التوصل إلى تفاهمات بين أطراف الصراع أدى إلى ضرورة اللجوء إلى طرق أخرى، قد تعزز دور المنابر القائمة أصلًا، وأن التوصل لتفاهمات متعلقة بالعملية السياسية لمرحلة ما بعد الحرب مسألة من المهم رسم ملامحها منذ وقت مبكر، فنحن الآن أمام بداية جديدة لطبيعة جديدة حيال السودان، عنوانها الأبرز هو وقف الحرب والدخول فى عمليات سلام، ولا نستطيع أن نخمن طبيعة هذا السلام وحدوده.

لنا هنا وقفة عزيزى القارئ أمام نداء مشترك للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لقد قالت ٨ منظمات إنسانية دولية إن الحرب المستمرة منذ عام ونصف العام فى السودان حولت حياة السكان العالقين فى مناطق القتال إلى «جحيم»، والجهود المبذولة حتى الآن للحد من العنف وإنهاء معاناة السودانيين ليست كافية، وتتفاقم الكارثة الإنسانية بشكل كبير، مع وصول الحرب إلى ١٣ ولاية من ولايات السودان الـ١٨، ولقد شهدت وتيرة الصراع في السودان ارتفاعا كبيرا خلال الأسابيع الأخيرة، حيث بلغ العنف أعلى مستوى له منذ اندلاع القتال منتصف أبريل ٢٠٢٣، ولقد جاء إعلان قائد قوات "الدعم السريع"، عن اللجوء إلى ما سماه الخطة (B) وتعبئة قواته، فى وقت يشهد فيه السودان تصاعدًا ملحوظًا فى أعمال العنف والاشتباكات بين الأطراف المتنازعة. هذا التصعيد يأتى بالتزامن مع بدء الجيش هجومه البرى والجوى الذى استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، ما يزيد من حدة التوتر فى البلاد، وللحديث بقية.

[email protected]

 

مقالات مشابهة

  • من الإخوان الإرهابية.. إلى السودان.. لك الله يا مصر (١١)
  • كريمة أبو العينين تكتب: معظم الإصابات تنتهى بالموت
  • المنحوس
  • ليت «الرقيب» يعود يوماً!!
  • محافظ أسوان يلتقى وفد بنك مصر ومؤسسة مصر الخير لبحث آليات المشاركة المجتمعية
  • الشيخ ياسر السيد مدين يكتب: السنة النبوية ضرورة
  • النائب أيمن محسب: هدم المسرح العائم «مرفوض».. ونطالب الدولة برؤية لحماية الإرث الثقافى
  • حنان أبوالضياء تكتب عن: سينما صدمات ما بعد الحرب
  • نعم  للمدرب المصري