بوابة الوفد:
2024-10-20@20:52:01 GMT

كيف نُسر فى زمن الحزن!

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

من نبأٍ عاصف إلى هم نازف يتنقل الناس حولي، كأنهم بتعبير الشاعر الراحل محمد الماغوط «يستيقظون قبل الجميع مبكرا، حتى لا يسبقهم إلى العذاب أحد».

هموم الحياة من غلاء، وضيق حال، ونقص خدمات، يصاحبها تردٍ عام فى سلوك البشر، يحاصر الناس ويدفعهم لبلع مرارات الأيام لتمر سريعا، فيفاجئ كل صاحب نفس بأنه على وشك التقاعد، ولسان حاله يقول إنه لم يسعد.

العالم قاس ومحبط. فمرارات طافحة فى الأنباء القادمة من الخارج، وإحباطات مهلكة فى أخبار الداخل، وتناقض فى الصور والمواقف والآراء بشأن الشخوص والأحداث، حتى لا تستبين قاتلا من بطل، ولا خائنا من فدائى. الصور خادعة، والكذب سمة شائعة، والحدية فى قراءة ما يحدث تدفع مَن يحمل بقايا روح للانزواء والفرار.

ما التكشيرة سوى أبسط رد فعل على كل ما يحيق بنا من أوجاع. وما التأفف سوى محاولة احتجاج مكتومة على القبح المُحيط. وما الدعاء السرى والعلنى على القتلة المنتشرين فى كل ركن سوى مقاومة الساكن الطيب الصابر المُحتسب.

أدرك كل ذلك وأدرك أن من حق الناس أن تحزن وتُحبط وتمل وتنزعج وتكتئب مما تراه وتسمعه وتعرفه فى هذا العالم القاسي، وذلك الزمن شديد القسوة.

لكن ماذا بعد ؟ ماذا بعد؟

الأحزان سياج دوائر متصلة لا تنتهى بمن يُمسك بها. ندب الحظ لا يُحسنه، ولوم الظروف لا يغيرها. أعمارنا تنقضى فى سرعة ونحن منشغلون بحل مشكلات أزلية لا تُحل، والتورط فى مجادلات عبثية لا تُفضى إلى شيء.

أتصور أننى كتبت المقال قاصدا نفعا، وساعيا لقيمة حقيقية، وراميا لمصلحة. لذا أرى أن استهداف البهجة والسعادة والسلام الإنسانى ضرورة رغم كل ملامح الحُزن المُعششة حولنا.

نحن مطالبون بالفعل المعاكس للظروف العصيبة. أن نفرح بكوننا مازلنا أحياء، قادرين على التغيير حتى لو كان بعيدا. نُسر بأن هناك أخيارا مازالوا على قيد الحياة، نطيب خاطرا بشخص ما يبادلنا حُبا، نرضى بلحظة راحة بعد يوم تعب، نواجه ما هو مُحزن باستيعاب وجلد وتسليم بأن كل الأفعال والحركات والسكنات والتجارب مردها الوحيد إلى الله الخالق الذى يعلم كل شيء، ظاهرًا وباطنًا.

افتح خزانة ذاكرتى لأتذكر نصائح مارك مانسون فى كتابه القيم «فن اللامبالاة» ومنها قوله «عش سعيدا بما تملك لتحصل على ما تملك». فنحن ننشغل دوما بالأحزان والمواجع، ولا ننظر فى إطار ذلك إلى نعم أخرى كالصحة والحركة والتفكير.

أستعين بالقراءة على تخطى الأحزان المُقيمة. أستذكر شعر محمود درويش وهو يخبرنا بأن « الكل زائل أو باطل أو زائلٌ.. فعش الحياة فى امرأة تُحبك» لأذكركم بالاعتصام بالحب، بكل أنواعه. كل شعور إيجابى تجاه آخر هو صك براءة من الجرائم الجارية، وفرار من كآبات المشهد.

أكتب نصائحى لنفسى ولغيرى. أقول: انفع الآخرين تسعد. انصحهم برفق. قُل، طبطب، ساعد، علّم، ارشد، دل. فكل جسر يربط إنسانين هو حبل متين من السرور الخفى.

افتح طريق عمل لإنسان. كُن سببا فى راحته، يسر له فرصة رزق دون مقايضات. ادعو لشخص لا تعرفه، ابتسم فى وجه غريب، ولا تعاتب مبتعدا.

تخفف من أثقالك الأزلية، فهناك مشاكل عرفناها منذ المولد، فانسها الآن، أجلّها إلى وقت غير محدد، فربما تنجلى وحدها، ولا تفرط فى مشهد جميل: ورقة شجر تتلوى بتأثير نسيم رقيق، بنت صغيرة مبتسمة بضفيرة تعبر الطريق نحو مدرستها، كناس يكنس الطريق بنشاط، عصفورة طليقة تُزقزق فى صباح رائق، وصوت مؤذن يأتيك وأنت فى غفلة مرددا « الله أكبر».

السعادة ممكنة فى هذا الزمن. والله أعلم.

 

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: يحاصر الناس هموم الحياة مصطفى عبيد

إقرأ أيضاً:

الوثائقي "صول" قصة الحياة والأمل على منصة "شاهد"

بدأت منصة "شاهد" عرض الفيلم الوثائقي "صول" عن قصة الموسيقار السوري "جابي"، وهو موسيقي شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، لديه حالة نادرة تدعى "متلازمة العظم البلوري" و التي أقعدته عن الحركة والمشي وأفقدته بصره بشكل نهائي، وكان الفيلم على اسم الحرف الموسيقي"صول". 

"جابي" وجد شغفه مبكراً، وأصبحت الموسيقى أسلوب حياته ووسيلته لتحقيق أثره الخاص في هذا العالم، هو إنسان عادي لكل من يعرفه، الفارق الوحيد أنّه مُلهم! كتب سيناريو الفيلم زهرة البودي وكارمن قاسم، ومدير إضاءة و تصوير فادي زوان.

فيلم "صول" إنتاج مشترك بين سوريا ومصر، شارك في إنتاجه من سوريا زهرة البودي ومن مصر مصطفى الكيلاني، وإخراج زهرة البودي، وتوزيع دوك هاوس، وعرض ضمن فعاليات مهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة 2023، وحقق نجاحا جماهيريا ونقديا كبيرا وقت عرضه.

في عام 2015 دارت كاميرا "صول" كفكرة لمشروع فيلم مستقل غير محدد المعالم إلا من بطل ومخرجة وكاميرا.

ومع الكثير من الشغف والطموح والإرادة القوية و بعد 7 سنوات من تجاوز الكثير من الصعوبات، وبتمويل ذاتي و"ميزانية منخفضة" انطلقت رحلة الفيلم الوثائقي "صول" بالعرض العالمي الأول من مهرجان الاسماعيلية للأفلام التسجيلية والقصيرة، عام 2023، ثم سافر من خلاله إلى عدد من الدول الأجنبية والعربية.

حقق فيلم "صول" عدد من الجوائز و التكريمات منها: 
*جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان الإمارات السينمائي الدولي في دبي 
*جائزة أفضل فيلم وثائقي من مهرجان Golden FEMI Film Festival في صوفيا- بلغاريا 
بخلاف العديد من التنويهات النقدية للكثير من النقاد العرب والأجانب.

مقالات مشابهة

  • الحياة العميقة مع الله في عظة الأحد على قناة ON للقس كيرلس بشرى
  • "الحياة العميقة مع الله" في عظة الأحد
  • الوثائقي "صول" قصة الحياة والأمل على منصة "شاهد"
  • ممثلة سكرتير عام الأمم المتحدة: لا غنى عن البشرية لإنقاذ الحياة
  • إستعد الشغف في الحياة بهذه الخطوات
  • تظل سليمة بعد الموت.. كيف يؤثر نمط الحياة على صحة العظام؟
  • عندما يستحيل الرثاء.. السنوار فارس أكتوبر.. حين يتحول الحزن إلى فخر
  • غير متوقعة.. هذه 5 عبارات لا يجب قولها عند مواساة صديق حزين
  • بريطانيا تدعو لتجريم الحزن على السنوار