نستكمل حديثنا اليوم عزيزى القارئ عن الدور المصرى الذى ما زال حاضرًا وبقوة فى المشهد السوداني، وخير دليل على ذلك ان مؤتمر القاهرة الأخير هو الوحيد من بين المسارات الإقليمية والدولية الأخرى الذى تمكن من تقديم رؤية شاملة وكاملة فى تناول الأزمة السودانية، هذا المؤتمر عبارة عن مبادرة غير مسبوقة فى عمر الأزمة خصوصًا على صعيد شموله من حيث الأطراف المشاركة فى الداخل السودانى والخارج، أو من حيث الموضوعات المتناولة والتى تمثل كل جوانب الأزمة الإنسانية والأمنية والسياسية، فضلًا عن تأكيده أن القضية والحل سودانيان بالأساس ويجب أن تحل الأزمة على المستوى السودانى من دون إملاءات أو تدخلات خارجية، والحديث عن «تراجع الدور المصرى أو غياب تأثيره كما يتصور أو يصوره البعض» هو أمر «غير صحيح ومغرض»، فالموقف المصرى يتصاعد من أجل إيجاد حل للأزمة الطاحنة والمستعرة فى جارتها الجنوبية، يمكن القول إن الحديث فى الوقت الحاضر فى ما يتعلق بالدور المصرى لم يعد حول انحياز مصر لحساب طرف على حساب طرف آخر، والذى كان رائجًا بداية الأزمة لكنه لم يعد موجودًا الآن، فواقع الأمر أن الموقف المصرى منذ بداية الأزمة كان الوقوف إلى جانب الشعب السودانى ودعم خياراته انطلاقًا من الروابط التاريخية بين البلدين والمصالح المشتركة.

عند الحديث عن الدور المصرى فى السودان يجب أن نلاحظ أننا فى أزمة وتعثر وعدم القدرة على التوصل إلى حل فى كل المؤتمرات التى عقدت بما فى ذلك المؤتمر الذى عقد بالقاهرة، فهناك رواسب تاريخية تحكم النظرة المتبادلة بين البلدين تظهر على السطح فى وقت الأزمات، فمصر الآن أمام فرصة مهمة لاستعادة تأثيرها وذلك عبر تأكيد التعاطى مع السودان بصورة قائمة على الندية فى العلاقات والمصالح المتبادلة والمشتركة، والانفتاح على التيارات والأطراف السياسية كافة والتفاعل مع المبادرات العربية والدولية وعدم النظر إليها على اعتبار أنها جزء من التاريخ المصرى، ومطلوب من مصر أن تخرج من دائرة الموقف الملتبس أو الذى يؤيد ضمنًا أحد الأطراف لتأخذ موقف الأخ الأكبر الذى تهمه المصلحة العامة للسودان، وبخاصة أن الحرب تهدد أمن مصر من حدودها الجنوبية وكل حدودها تشهد حروبًا ونزاعات، وهنا أعتقد أن أولويات السياسة المصرية لوقف الحرب يمكنها أن تحدث اختراقًا إذا استطاعت أن تجمع طرفى الحرب البرهان وحميدتي، وأن تستمع مصر بعد ذاك لوجهات نظر القوى السودانية السياسية والمجتمعية من خلال اجتماعات أو مبعوث دبلوماسى محدد، ومن ثم النظر فى إمكانية عقد مؤتمر أو مائدة مستديرة، وأن تنظر مصر للملف السودانى باعتباره شأنًا سياسيًا وليس من وجهة نظر أمنية، فالأزمة السودانية وصلت طورًا يمكن معه انفراط عقد الأمن بصورة يصعب السيطرة على تداعياته فى الإقليم والعالم الذى يعانى أزمات متعددة، وأن التعثر فى التوصل إلى تفاهمات بين أطراف الصراع أدى إلى ضرورة اللجوء إلى طرق أخرى، قد تعزز دور المنابر القائمة أصلًا، وأن التوصل لتفاهمات متعلقة بالعملية السياسية لمرحلة ما بعد الحرب مسألة من المهم رسم ملامحها منذ وقت مبكر، فنحن الآن أمام بداية جديدة لطبيعة جديدة حيال السودان، عنوانها الأبرز هو وقف الحرب والدخول فى عمليات سلام، ولا نستطيع أن نخمن طبيعة هذا السلام وحدوده.

لنا هنا وقفة عزيزى القارئ أمام نداء مشترك للأمم المتحدة والمجتمع الدولي، لقد قالت ٨ منظمات إنسانية دولية إن الحرب المستمرة منذ عام ونصف العام فى السودان حولت حياة السكان العالقين فى مناطق القتال إلى «جحيم»، والجهود المبذولة حتى الآن للحد من العنف وإنهاء معاناة السودانيين ليست كافية، وتتفاقم الكارثة الإنسانية بشكل كبير، مع وصول الحرب إلى ١٣ ولاية من ولايات السودان الـ١٨، ولقد شهدت وتيرة الصراع في السودان ارتفاعا كبيرا خلال الأسابيع الأخيرة، حيث بلغ العنف أعلى مستوى له منذ اندلاع القتال منتصف أبريل ٢٠٢٣، ولقد جاء إعلان قائد قوات "الدعم السريع"، عن اللجوء إلى ما سماه الخطة (B) وتعبئة قواته، فى وقت يشهد فيه السودان تصاعدًا ملحوظًا فى أعمال العنف والاشتباكات بين الأطراف المتنازعة. هذا التصعيد يأتى بالتزامن مع بدء الجيش هجومه البرى والجوى الذى استمر لأكثر من ثلاثة أسابيع، ما يزيد من حدة التوتر فى البلاد، وللحديث بقية.

[email protected]

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: الإخوان الإرهابية إلى السودان لك الله يا مصر الدور المصري

إقرأ أيضاً:

السودان: إبادة جماعية، مجاعة، وجرائم حرب… والمأساة المستمرة في ظل صمت عالمي مخزٍ

د.احمد التيجاني سيد احمد

مقدمة
بين نيران الحرب وصمت العالم، يعيش السودان مأساة إنسانية تجاوزت حدود الوصف. المدن تحترق، والأحياء تتحول إلى مقابر جماعية، بينما ينتظر ملايين الأبرياء نجدة لن تأتي. في شوارع الخرطوم ووديان دارفور، يُسمع صوت القذائف أكثر من صوت الحياة، وأصبحت المجاعة والدمار جزءًا من يوميات الناس. ومع كل هذا، يقف العالم متفرجًا، وكأن هذه البلاد المنسية خارج خريطة الإنسانية

إنها ليست مجرد حرب بين جيوش متناحرة؛ بل هي كارثة تمزق أوصال شعب بأكمله، حيث تداخلت الأيدي الداخلية والخارجية لتجعل من السودان ساحة مفتوحة لأبشع الجرائم ضد الإنسانية. فما الذي أوصل البلاد إلى هذا الوضع المأساوي؟ ولماذا لا يزال العالم يُدير ظهره لهذه المأساة رغم حجم الدمار والمعاناة؟ في هذا المقال، نسلط الضوء على فصول هذه الكارثة التي لا تزال تتفاقم في ظل صمت عالمي مخزٍ.

الحرب التي اشعلتها مليشيات فلول الموتمر الوطني المحلول (بقيادةً مليشيا البراء )التي تسيطر علي القوات المسلحة السودانية (SAF) في محاولة للقضاء علي قوات الدعم السريع (ٍٍRSF) ، تحولت إلى كارثة إنسانية تسببت في نزوح الملايين، تدمير البنية التحتية، وانتشار المجاعة، وسط انهيار كامل لمؤسسات الدولة.

١. التطهير العرقي والمجازر في دارفور
دارفور، التي كانت مسرحًا للإبادة الجماعية في أوائل الألفية، تعود اليوم إلى الواجهة بفظائع جديدة من خلال قصف جويّ مركز من السلاح الجوي للقوات المسلحةً (SAF) و مليشيات فلول الحركة الإسلامية في عمليات توصف بأنها تهديد للشعب إذا لم يعودوا للحكم (يا نحكمكم يا نكتلكم ) .كما انها تطهير عرقي ممنهج بدأته الحركة الإسلامية منذ استيلائها علي الحكم عام ١٩٨٩ والي سقوطها عام ٢٠١٩ و منذ انقلاب البرهان في ٢٥ اكتوبر ٢٠٢١.

٢.جرائم القوات المسلحةً السودانية
رغم محاولتها تقديم نفسها كحامية للشعب، ارتكبت القوات المسلحة السودانية انتهاكات جسيمة بحق المدنيين:
القصف العشوائي:
-استخدمت القوات المسلحة الطائرات الحربية والمدفعية الثقيلة لقصف الأحياء السكنية في الخرطوم وأم درمان، ما أدى إلى مقتل آلاف المدنيين.
-الاعتقالات والإعدامات: نفذت أجهزة المخابرات التابعة للجيش حملات اعتقال واسعة ضد المعارضين، تخللتها أعمال تعذيب وإعدامات ميدانية.
-تجنيد الأطفال: أكدت تقارير أن الجيش وقوات الدعم السريع لجأوا إلى تجنيد الأطفال لتعويض الخسائر في صفوفهم، في انتهاك صارخ للقوانين الدولية
-كما لم تخلو ساحات القتال و منازل الأبرياء من تجاوزات من قوات الدعم السريع قتل فيها و تشرد بسببها الالاف من الأبرياء. لكن تبعتها تصحيحات ميدانية لعلها تعيد للابرياء حقوقهم .

٣. انهيار الدولة والكوارث الإنسانية
أدى الصراع إلى انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة، ما جعل الحياة اليومية مستحيلة بالنسبة للمواطنين.
-أزمة النزوح الأكبر في العالم: تجاوز عدد النازحين داخليًا وخارجيًا اكثر من ١٥ مليون شخص، ما يجعل السودان اليوم أكبر أزمة نزوح في العالم.-
-شبح المجاعة: توقف الإنتاج الزراعي وانقطاع سلاسل الإمداد، ما دفع البلاد إلى شفا إحدى أسوأ المجاعات في العصر الحديث، مع تحذيرات من احتمال وفاة الملايين جوعًا.
-انهيار الخدمات الصحية: تعرضت المستشفيات للقصف والنهب، وأصبحت ٨٠ % من المنشآت الصحية خارج الخدمة، ما أدى إلى وفاة الآلاف بسبب أمراض كان يمكن علاجها بسهولة
-اما الموت الذي اصاب الشعب السوداني من كل فئاته بالسلاح السوداني و المصري ، فلقد تجاوز الثلاثمائة الف بما في ذلكً ما لا يقل عن خمسون الف من حملة السلاح .مثلا قُدِّر عدد القتلى في ولاية الخرطوم وحدها بأكثر من ٦١،٠٠٠ شخص خلال الأشهر الأولى من النزاع

٤.صمت عالمي مخزٍ وتواطؤ إقليمي
رغم فداحة الجرائم المرتكبة، لم يحظ السودان بالاهتمام الدولي الكافي، ما ساهم في تفاقم المعاناة واستمرار العنف.-
تجاهل المجتمع الدولي: في الوقت الذي حشد فيه العالم دعمه لأوكرانيا وفلسطين، ترك السودان ينزف في صمت، دون أي تدخل يذكر لإنقاذ المدنيين.
الدعم الإقليمي للفصائل المتحاربة: واصلت بعض الدول الإقليمية، مثل مصر، الإمارات، والسعودية، تقديم الدعم العسكري والمالي لأطراف الصراع، ما أدى إلى إطالة أمد الحرب.
فشل العدالة الدولية: رغم إصدار المحكمة الجنائية الدولية (ICC) أوامر اعتقال بحق مسؤولين سودانيين متورطين في جرائم دارفور، إلا أن أحدًا لم يُحاسب حتى الآن، مما شجع على استمرار الإفلات من العقاب.

٦. مأساة مستمرة وصمت لا يُغتفر
في الوقت الذي يُقتل فيه المدنيون يوميًا، ويُجبر الملايين على الفرار من منازلهم، يظل العالم غارقًا في صمتٍ مخزٍ. وسائل الإعلام العالمية نادرًا ما تذكر مأساة السودان، بينما تظل المنظمات الدولية عاجزة عن إيصال المساعدات الإنسانية بسبب استمرار القتال.
هذا التجاهل الدولي ليس مجرد إهمال، بل هو تواطؤ بالصمت، حيث يُترك شعب السودان يواجه الإبادة والمجاعة والدمار دون أدنى تدخل. في ظل هذا الوضع، تتحمل المجتمع الدولي مسؤولية أخلاقية لوقف هذه المأساة قبل أن تتحول إلى عار تاريخي لن يُنسى.

خاتمة: هل ما زال هناك أمل؟
رغم ظلام المشهد، فإن السودان لا يزال يمتلك شعبًا صامدًا يسعى للسلام والحرية. و بالرغمً من فشل هذا الشعب من استمرار الثورة التي اطاحت بسلطة الحركة الإسلامية و قايدها بالبشير .. فلقد ظل يخاطب العالم من خلال تنظيماته المدنية و الفئوية و من خلال الدخول في تحالفات سلمية مع حركات التحرر السودانية ؛ لكن بدون اي تقدم في ساحات صنع السلام

الحل الوحيد لإنهاء هذه المأساة يكمن في وقف فوري لإطلاق النار، إيصال المساعدات الإنسانية دون قيود، ومحاسبة جميع المسؤولين عن جرائم الحرب. أما العالم، فقد آن الأوان أن يكسر صمته المخزي ويقف بجانب شعب السودان الذي دفع ثمنًا باهظًا بسبب هذه الحرب العبثية.

نواصل

د.احمد التيجاني سيد احمد
٢٠ فبراير ٢٠٢٥ نيروبي كينيا

ahmedsidahmed.contacts@gmail.com  

مقالات مشابهة

  • "ريا نوفوستي": روسيا تعدل مشروع القرار الأمريكي بشأن القضاء على أسباب الأزمة الأوكرانية
  • برلماني: مصر تواجه تحديات وحملات ممنهجة تقودها جماعة الإخوان الإرهابية
  • بعد استدعاء سفيره .. أول تعليق من مجلس السيادة الإنتقالي علي الأزمة مع كينيا
  • ???? السودان يجب ان يفعل مثل إيران في تجهيز حظائر للطائرات تحت الجبال
  • السودان: إبادة جماعية، مجاعة، وجرائم حرب… والمأساة المستمرة في ظل صمت عالمي مخزٍ
  • الحكومة الموازية والتصدى لخطر تقسيم السودان
  • قرقاش: نأمل أن تسهم جهود السعودية في إنهاء الحرب بأوكرانيا
  • حالة المجاعة فى البلاد ومستقبل الحرب
  • النمسا تتخذ إجراءات قانونية مشددة ضد جماعة الإخوان الإرهابية
  • في شهرها  الـ 23 المخرج من خطر التقسيم