الهوية والمنفى عند كنفانى وجيمس جويس
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
تحظى قضايا الهوية والمنفى باهتمام ملحوظ فى الأدبين العربى والأيرلندي، حيث يجسد المنفى تجربة مزدوجة، فردية وجماعية، تلقى بظلالها الثقيلة على شعور الإنسان بالانتماء وهويته الثقافية. ففى الأدب العربي، يتجلى المنفى عادةً فى سياقات الاحتلال والحروب والهجرة القسرية، ما يخلق شعورًا بالفقدان والاغتراب، أما فى الأدب الأيرلندي، فيُناقَش المنفى من خلال التهجير الناتج عن الاحتلال البريطانى والمجاعات، مسلطًا الضوء على الصراع الداخلى بين التمسك بالجذور والرغبة فى الوصول إلى الحرية الشخصية.
فى أعمال الفلسطينى غسان كنفاني، تتجسد معاناة الفلسطينيين نتيجة التهجير وضياع الوطن، بينما يعالج الايرلندى جيمس جويس فى رواياته مفهوم الهوية الفردية فى ظل الاستعمار البريطانى لأيرلندا.
فى رواية «رجال فى الشمس»، يصوّر كنفانى مصير الفلسطينيين الذين يبحثون عن وطن جديد وهوية ضائعة بين أطلال وطنهم، حيث تموت الشخصيات مختنقة فى خزان ماء مهجور، رمزًا لضغوط التهجير النفسية والمادية التى يعانيها الفلسطينيون. وفى «عائد إلى حيفا»، يصوِّر كنفانى الزوجين الفلسطينيين اللذين يواجهان حقيقة فقدان منزلهما وابنهما، ما يعمّق شعورهما بالمهانة والضياع وهما يعيشان على حدود الوطن.
وفى رواية صورة الفنان فى شبابه لجيمس جويس، يستكشف الكاتب موضوع النفى كوسيلة للتعبير عن الحرية الشخصية، خصوصًا من خلال صراع ستيفن ديدالوس مع الهوية الوطنية والضغوط الخانقة للتقاليد الدينية والاجتماعية والثقافية. رحلة ستيفن هى رحلة نفى ذاتي، جسديًا وروحيًا، حيث يرفض التقاليد المتعلقة بالقومية الأيرلندية والكاثوليكية من أجل تشكيل هويته الفردية كفنان، ويأتى إعلانه الشهير بأنه سيطير «بعيدًا عن تلك الشِباك» من القومية واللغة والدين ليجسد سعيه نحو الحرية، ليس فقط من القيود الخارجية، بل أيضًا من التوقعات المجتمعية المتأصلة فى ذاته. فى النهاية، يصوّر جويس النفى كخطوة ضرورية للتطوّر الفنى والشخصي، حيث تُكتشف الحرية الحقيقية فى رفض الأدوار المفروضة واحتضان هوية مستقلة يتم اختيارها بحرية.
يُبدع كنفانى فى نسج لوحة رمزية، تفيض بألوان المعاناة، حيث تتحدث الأشياء من دون كلمات، وكل رمز يحمل بين طياته قصة جماعية لشعب يرزح تحت وطأة النسيان. شخوصه ليسوا مجرد أفراد، بل نوافذ تُطل على جراح الوطن، وأحداثه عناقيد من آمال تقاوم الاندثار. وفى حين يختار كنفانى أن يعبر عن نضال أمة بأكملها، يمضى جويس فى رحلة الغوص داخل أصداف النفس البشرية، مستخرجًا لآلئ الصراع الداخلى بأدق تفاصيلها. شخوصه تهمس بحرياتها المأسورة بين قضبان الدين والمجتمع، باحثة عن مخارج من متاهات القيود.
وعلى الرغم من أن كنفانى وجويس يقفان على ضفاف متباعدة، تفصلهما بحار الجغرافيا وأقاليم الثقافة، إلا أنهما يتوحدان فى فضاء الهوية والمنفى، حيث تتصارع الأرواح بين أسوار الغربة وصدى الأسئلة الملحة عن الوطن المحتل الذى يسكن القلوب، والحرية التى تتوق لها الأرواح.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: ى قضايا الهوية
إقرأ أيضاً:
«الحرية المصري»: كلمة الرئيس السيسي في قمة الثماني حددت ثوابت موقف مصر
قال حزب الحرية المصري؛ برئاسة الدكتور ممدوح محمد محمود، إن استضافة مصر لقمة الدول الثماني الإسلامية يُعزز مكانتها السياسية والاقتصادية على الساحتين الإقليمية والدُولية، فضلا عن دعم الشراكات الاقتصادية، وزيادة حجم التبادل التجاري، ونقل التكنولوجيا والخبرات، مما يساهم في دفع عجلة التنمية المستدامة.
قمة الدول الثمانىوقال ممدوح محمد محمود، إن كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي فى قمة دول الثماني الإسلامية حددت ثوابت الموقف المصري تجاه القضايا الإقليمية والدولية؛ وبصفة خاصة تطورات الأوضاع في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والجهود المصرية لاستعادة الاستقرار في المنطقة، التي تشهد تهديدات جسيمة؛ في ظل ازدواجية المعايير؛ وتهميش لقواعد القانون الدولي.
وأكد رئيس حزب الحرية المصري، أن موقف مصر ثابت؛ وداعم لوحدة وسيادة الدول العربية؛ ورافض للانتهاكات الصارخة للاحتلال الإسرائيلي بحق الشعوب والدول العربية والاستيلاء على الأراضي بالمُخالفة لمبادئ القانون الدولي.
القضية الفلسطينيةوذكر ممدوح محمود أن الرئيس السيسي أكد مرارا وتكرارا رفض مصر القاطع لأي سيناريوهات تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، سواء من خلال التهجير أو من خلال فصل قطاع غزة عن الضفة والقدس، لافتا إلى أن مصر تُواصل جهودها لدعم الشعوب العربية والإسلامية لحفظ سيادتها وسلامة أراضيها، والعمل على خفض التصعيد واستعادة الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة.