يمانيون

د. محمد عبدالله شرف الدين

تعتمد الدراسات العلمية الحديثة في استقراء الظواهر الإنسانية وتحليل ملابساتها واستشراف مستقبلها على عناصرَ عدة؛ من أهمِّها:

١- التأثيلُ للقضية: وهو البُعد الأنثروبولوجي؛ إذ يعد التأثيل عنصرًا فاعلًا ومؤشرًا دقيقًا لما يمكن أن يُستجَدَ في قضية (ما)، فمن خلاله يمكن تحليل القضية على مستوى (المرجع / الواقع) واستشراف مستقبل القضية بشكل صحيح.

٢- تقصي السنن الإلهية في القضية: الله تعالى معروف لدى البشرية جمعاء؛ إذ لا ينكر ذلك حتى عتاولة الطغاة على مر العصور وإنما كانوا ينكرون التعددية الإلهية، فحسب، ولا عزاء للنظريات الإلحادية الحديثة؛ لأَنَّها تبلورت من عمق الأيدولوجية اليهودية والنصرانية اللتين تعترفان بألوهيته سبحانه.

وبناء على تلكما المسلَّمتَين؛ فَــإنَّه يمكن الولوج في قضية عصرية لها امتداد جذري في العمق الزمني؛ فليست قضية طارئة من جهة، وليست قضية تَرَفية من جهة أُخرى؛ ألا وهي: (الصراع مع اليهود).

 

طرفا الصراع:

وعند تبئير طرفَي القضية يتراءى طرف غير متوقع طرفيته؛ إذ حاول الطرف الآخر على مدى سنين طوالٍ تغييبه؛ كي لا يطفو على السطح البشري؛ مما يذكي جذوته.

والمقصود بهذا الطرف هو: (أهل اليمن).

وهنا يتبادر سؤال مركزي للمقال يصب الرد عليه في تدعيم صوابية النتائج: ما علاقة أهل اليمن في الصراع مع اليهود؟

لعل أقدم عمق زمني لطبيعة العلاقة بين طرفَي الصراع تبدأ وفقًا للعنصرَينِ: (التأثيلي- السُّنني) ما قبل ألفَي عام؛ إذ من المقطوع به تاريخيًّا تعدد الممالك في عهد نبي الله سليمان في العالم، ومع تلك التعددية إلا أن عنصر الاختيار توجّـه نحو مملكة يمنية، وهذا الاختيار الواعي من متعدد له معطياته، وله بُعده الاستراتيجي.

 

تقرير استقصائي للهدهد:

وهنا يمكن للهدهد تقصي أطراف معطيات الاختيار، وأبعاده الاستراتيجية في المستقبل؛ فلو كانت جغرافية المسافة معطىً مهمًّا لجَدُرَ بالهدهد التوجّـه لمملكة الفراعنة بمصر أَو البابلية بالعراق، فهما الأقرب لمملكته ولو كانت الأبهة الملكية هي الجاذبة مع استبعاد العنصر الجغرافي؛ لكانت مملكة الصين هي محط الهدهد.

إذن؛ هناك اختيار إلهي لتقصي الهدهد الواعي لمملكة سبأ، وليس الموضوع بإزاء سرد تفاصيل القصة بقدر التركيز على ما يخدم نتائج الموضوع.

 

إسلام أهل اليمن على يد نبي الله سليمان:

لقد دعا نبي الله سليمان أهل اليمن للإسلام؛ فاستجابوا، فمثلوا ركيزة مهمة من ركائز الإسلام الممتد عبر العصور حتى عهد رسولنا محمد “صلوات الله عليه وآله” فتقاطروا من أنحاء اليمن؛ ليرابطوا لقرون بين جبلَي أُحُد وعير مهاجر نبي الإسلام في آخر الزمان؛ لينصروه.

في المقابل كان اليهود يتوافدون من أرجاء العالم إلى المكان ذاته، في سباق مع اليمانيين الذين حاول اليهود استمالتهم لليهودية بعد إسلامهم الأول، وقصة أصحاب الأخدود شاهد عيان؛ فاليهود منذ إسلام اليمانيين في عهد نبي الله سليمان أدركوا أهميّة وفاعلية أهل اليمن كركيزة أَسَاسية في إقامة مشروع الإسلام.

 

أهل اليمن ضد اليهود وجهًا لوجه:

خاب اليهود في مساعيهم الشيطانية لشيطنة أهل اليمن، فوقع ما كان يحسب اليهود له ألف حساب من الخطر القادم عليهم من أهل اليمن، وفعلًا تحت راية الإسلام المحمدية كان لأهل اليمن الدور المركزي في إجلاء اليهود إلى خارج الجزيرة العربية.

إن أحداث خبير لا زالت ماثلة في الذاكرة اليهودية الجمعية، حَيثُ كان لثنائية (أعلام الإسلام – أهل اليمن) الدور المحوري في تقهقر مشروع الإفساد اليهودي في الأرض، وهذه الثنائية هي ذاتها منذ عهد نبي الله سليمان الذي مَهَّدَ لتلازمية هذه الثنائية.

وهنا يمكن توصيف الحاضر في المعاصرة بناء على معطيات التأثيل السابق؛ فثمة سباق محموم بالحربين الصُّلبة والناعمة ليسيطرَ اليهود على اليمن، وعندما خاب مسعاهم؛ صاح المجرمُ نتنياهو، وناح من إمْكَانية سيطرة ثنائية الإسلام (أعلام الإسلام، يمانيي الإسلام) على باب المندب، بل اعتبر ذلك أخطرَ من النووي الإيراني على اليهود، قبل أن يدخُلَ ثنائيةُ الإسلام (أعلامُ الإسلام، يمانيو الإسلام) في مواجهة مباشرة مع اليهود بتسع سنوات.

 

فلماذا صياح المجرم نتنياهو الذي بلغ أُذُنَي التاريخ؟

اليهود درسوا البُعْدَ التأثيلي لهذه الثنائية مع استقرائهم للسنن الإلهية؛ فهما عقدة تشاؤمية حلت باليهود، أمامها تنهار معنوياتهم، تخار قواهم، وتبددت ترتيباهم، وفشلت خططهم’ فقطع دابرهم في البحار’ وافتقرت موانئهم’ وصارت يافا المسماة زورًا “تل أبيب” عاصمتهم تحت رحمة صواريخ ومسيَّرات ثنائية الإسلام، التي سبقهما شعار الصرخة الذي خرق مسامعَ أفئدتهم الواجفة من الموت.

وهنا يمكن استشراف المستقبل، فعن كلتا المرتين الإفساديتين لليهود قال تعالى: {بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا}’ [سُورَةُ الإسراء: ٥].

ومن عجيب الإعجاز القرآني حضور الفعل: (بعثنا) بصيغة الزمنية الماضوية’ في دلالة ختمية لوقوعية الوعد الإلهي في المرتين على الرغم من كون وعد الآخرة زمنية مستقبلية:

{فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا} ‘[سُورَةُ الإِسرَاءِ: ٧]؛ بمعنى أنه قد سبق الإعداد والتهيئة وهو ما كان يصيح منه المجرم نتنياهو.

ثم يلاحظ أخص خصائص القوم: (أولو بأس شديد) وهي الخصيصة ذاتها في عهد نبي الله سليمان في أهل اليمن.

وبالعود إلى الهدهد تحدّدت ملامح حضارة ثنائية الإسلام (أعلام الإسلام ويمانيي الإسلام) ببناء لدولة حضارية تملك من كُـلّ شيء من مقومات بالحضارات اقتصاديًّا وعسكريًّا وأمنيًّا واجتماعيًّا وعلميًّا ومعرفيًّا ومهاريًّا… إلخ، وما انبهار الهدهد إلا دليل على عظمة تلك الحضارة الإسلامية.

وأخيرًا: وعدُ الله لا يتخلَّفُ والمستقبل معروف سَلَفًا عن نهاية العدوّ الإسرائيلي، فالإعداد جارٍ والخطط حكيمة، والقيادة ربانية، والإيمان يمان والحكمة يمانية والإنجازات العسكرية الميدانية شهد لها العدوّ والصديق.

وإن غدًا لناظره قريب بإذن الله تعالى: (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [سُورَةُ يُوسُفَ: ٢١]. صدق الله العظيم.

المصدر: يمانيون

كلمات دلالية: مع الیهود أهل الیمن

إقرأ أيضاً:

للسعادة وسلامة الصدر.. لا تترك هذا الخُلق

منذ بزوغ نور الإسلام، أرساها النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعائم التسامح والمصالحة في مختلف جوانب الحياة الإنسانية، الإسلام لم يكن مجرد دين للعبادة، بل كان منهجًا متكاملاً لحياة إنسانية قائمة على العدل والمساواة، وقد أجمعت تعاليمه على تحفيز المؤمنين على تبني سلوكيات نبيلة في التعامل مع الآخرين، حتى في أحلك الظروف. 

مفهوم التسامح في الإسلام

وفي هذا الإطار، يُعتبر التسامح أحد المبادئ الأساسية التي أرسى الإسلام قواعدها، وجعلها أساسًا من أسس الحياة المجتمعية التي تعزز من التعايش السلمي، وتحفظ حقوق الأفراد، وتُرسي علاقات إنسانية تقوم على الحب والاحترام المتبادل.

يُعد التسامح في الإسلام قيمة جوهرية لا يمكن فهم الدين الحق بدونها. من خلال آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، يبين الإسلام أن العفو عن الآخرين والقدرة على كظم الغيظ والصفح عن الإساءة هما من أعظم الفضائل التي يجب أن يتحلى بها المسلم. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران: 134). هذه الآية الكريمة تبيّن أن العفو عن الآخرين، خاصة في المواقف التي يستحق فيها الإنسان الانتقام، يُعدّ من أسمى الأخلاق التي يحبها الله ويجازي عليها، بل إنه يجعل الشخص الذي يتصف بهذه الفضيلة في مكانة خاصة في أعين الله.

في هذا السياق، يظهر التسامح في الإسلام باعتباره مبدأً لا يتوقف عند العفو عن الإساءة فحسب، بل يتعدى ذلك ليشمل دفع السيئات بالحسنات، والتعامل مع الآخرين بحسن الخلق حتى مع أولئك الذين قد يسيئون إلينا. يقول الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (فصلت: 34)، وفي هذه الآية دعوة عظيمة لمقابلة الإساءة بالإحسان، الأمر الذي يعكس سماحة الإسلام في التعامل مع الناس بكافة خلفياتهم، مهما كان الموقف أو درجة الإساءة.

التسامح في سلوك النبي محمد صلى الله عليه وسلم

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم القدوة الأولى في ميدان التسامح، حيث كانت سيرته الشريفة مليئة بالمواقف التي تظهر عظمة خلقه في العفو والتسامح مع أعدائه قبل أصدقائه. وكان صلى الله عليه وسلم دائمًا يحث الصحابة على أن يكونوا أهلًا للتسامح، وألا يسمحوا للغضب أن يعكر صفو علاقاتهم مع الآخرين.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟" قال الصحابة: "بلى يا رسول الله"، فأجاب صلى الله عليه وسلم: "أَحْسَنُكُمْ أَخْلَاقًا" (رواه الترمذي). هذه المقولة تؤكد على أهمية الأخلاق الحميدة، وأن من يتحلى بالتسامح وحسن التعامل مع الآخرين هو الأقرب إلى الله ورسوله، وبالتالي الأقرب إلى الجنة.

تظهر في هذا الحديث النبوي الشريف العلاقة الوثيقة بين الأخلاق الحميدة والتقوى. فالإحسان في التعامل مع الآخرين، والمسامحة في لحظات الغضب، يؤديان إلى رضا الله، ويجعل صاحبه في أعلى مراتب الجنة. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُعطي دروسًا عملية في التسامح، فقد عفى عن أولئك الذين آذوه في مكة المكرمة، وكان أرحم الناس بمن حوله، حتى في أوقات المعركة.

التسامح كوسيلة لبناء المجتمعات والسعادة

إن التسامح في الإسلام ليس فقط سلوكًا فرديًا، بل هو أساس لبناء مجتمع سليم ومتلاحم، فعندما يعيش الناس معًا في تسامح، فإنهم يتجاوزون خلافاتهم ويقيمون علاقات تقوم على التعاون والمودة. هذا التسامح يحمي المجتمعات من الصراعات الداخلية ويضمن استقرارها. ولا شك أن المجتمعات التي تحرص على تبني هذه القيمة، تصبح أكثر قدرة على مواجهة التحديات والمحن، حيث يسود فيها روح المحبة والتعاون.

ومن هذا المنطلق، فإن الدعوة إلى التسامح لا تقتصر على العلاقات بين الأفراد، بل تمتد إلى العلاقات بين الشعوب والأمم. فالإسلام حث على السلام والتعايش بين مختلف الثقافات والديانات، وجعل من التسامح مبدأً يسعى المسلم لتحقيقه في كل جوانب حياته، ابتداءً من بيته، إلى مجتمعه، وصولاً إلى العالم أجمع.

 

التسامح وسيلة للسلام الداخلي 

في خضم التحديات اليومية التي قد تثير الغضب والصراعات، يظل التسامح أحد أعظم الوسائل التي يملكها المسلم لتحقيق السلام الداخلي والخارجي. من خلال تعاليم القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يمكن للمؤمن أن يواجه مشاعر الغضب والانتقام بعقلانية، ويستبدلها بالصفح والعفو. إن التسامح لا يعزز فقط العلاقات بين الناس، بل هو السبيل الأسمى لرضا الله، وتحقيق المودة بين البشر، وبناء مجتمع يتسم بالسلام والرحمة.

مقالات مشابهة

  • قرار مفاجئ من ترامب قد يغير مجرى الصراع في اليمن.. تفاصيل من المبعوث الأمريكي
  • غزة ستنتصر وأعداؤها سيُهزمون
  • رمضان عبد المعز يروي مشهدًا تاريخيًا مهمًا من السيرة النبوية.. فيديو
  • اكتشاف مرجان عملاق في جزر سليمان يمكن رؤيته من الفضاء
  • للسعادة وسلامة الصدر.. لا تترك هذا الخُلق
  • الإسلام والسلام
  • لية إعمار الكون جزء من العبودية لله في الإسلام؟
  • قرار مرتقب من ترامب قد يغير مسار الصراع في اليمن
  • مفهوم التضحية ومكانة الشهداء في الإسلام
  • حقائق وغرائب جزر المالديف