ترجمة: نهى مصطفى

منذ بداية ولايته السابقة كرئيس للولايات المتحدة، أطلق دونالد ترامب تحذيرًا بشأن عودة المنافسة بين القوى العظمى. وأكدت استراتيجية الأمن القومي لإدارته أن خصوم الولايات المتحدة يسعون إلى تقويض مكانتها الدولية. هذه النظرة كانت جديدة نسبيًّا في ذلك الوقت، ولكن اليوم يتقاسم جزء كبير من مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية تقييم ترامب الأساسي.

في السنوات التي تلت ذلك، اشتدت المنافسة حيث باتت الدول المنافسة -خاصة الصين، روسيا، إيران، وكوريا الشمالية- يتعاونون بشكل متزايد. من أوروبا إلى الشرق الأوسط، يخلقون تحديات سياسية ويزيدون المخاطر على واشنطن.

إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض، فسوف يواجه ساحة جيوسياسية أكثر خطورة من تلك التي تركها قبل أربع سنوات. واستئناف السياسة الخارجية التي انتهجها في ولايته الأولى لن يكون كافيًا للتعامل مع البيئة المعقدة التي تسلح فيها خصوم الولايات المتحدة بسرعة، وفي حالة روسيا وإيران، بخوض حروب إقليمية. لقد انتقلت المنافسة إلى مرحلة الصراع، الذي قد يكون مقدمة لحرب أوسع.

ستحتاج إدارة ترامب الثانية إلى تعديل في العقلية لضمان قدرة الولايات المتحدة على حماية نفسها واستعادة الردع في عالم متزايد الخطورة. الولايات المتحدة بحاجة إلى تبنّي استراتيجية «التفوّق»، وهو مفهوم عسكري يشير إلى الجمع بين القدرات الكافية لضمان انتصار واضح. ولتحقيق التفوق، يجب أن تكون القوات الأمريكية قادرة على اتخاذ المبادرة، الحفاظ على حرية الحركة، والحد من ردود الأفعال السلبية من الخصوم. وبتطبيق هذا النهج على نطاق أوسع، يتعين على الولايات المتحدة أن تسعى لامتلاك مزايا عسكرية، سياسية، واقتصادية كبيرة، أو تطوير هذه المزايا على منافسيها.

في الواقع، تكافح الولايات المتحدة لتحقيق هذه القدرات في كل مسارح المنافسة الجيوسياسية. ويشكل التصلب البيروقراطي عائقًا أمام أي استراتيجية شاملة. ولكن ترامب، بغرائزه التنافسية وميله إلى تحدي الوضع الراهن، قد يكون القائد القادر على دفع الولايات المتحدة نحو هذه القدرات. كرئيس، سيحتاج إلى تعزيز القدرات العسكرية للبلاد، دعم القاعدة الصناعية المحلية، تقليل الاعتماد الاقتصادي الخارجي، وتعزيز التحالفات الرئيسية -وكل ذلك في سبيل تعزيز موقف الولايات المتحدة في مواجهة المخاطر الجيوسياسية المتزايدة.

البعد الدفاعي: تتجاوز المنافسة بين القوى العظمى المجال العسكري. فهي تنتشر في مناطق جغرافية مختلفة، كما يتضح من تزايد تدخل الصين في أمريكا اللاتينية لتعزيز مصالحها بالقرب من الولايات المتحدة. وتشمل هذه المنافسة الحرب بالوكالة. كما أن المنافسة تشتد في الفضاء، حيث تتعاون روسيا وكوريا الشمالية في تطوير ونشر أقمار صناعية متقدمة لشن حرب فضائية.

كانت استجابة الولايات المتحدة بطيئة جدًا إزاء هذه التطورات. ولا تزال أطر السياسات القديمة، مثل أنظمة مراقبة الصادرات التي تعود إلى الحرب الباردة، تعوق التعاون العسكري مع الحلفاء وتبطئ مبيعات الأسلحة. وعلى الرغم من إدراك الإدارات الأمريكية لاعتماد البلاد على الإمدادات الخارجية من المعادن الحيوية على مدى العقود الأربعة الماضية، فإن ذلك لم يُترجم إلى إجراءات جدية لمعالجة هذا الضعف.

تعزيز الموقف العسكري للولايات المتحدة هو المفتاح لاستراتيجية التفوق؛ لأن القوة العسكرية هي التي تدعم وتؤمّن المزايا الاقتصادية والسياسية للبلاد. واليوم، تراجعت القوة العسكرية الأمريكية مقارنة بالقوى الأخرى. ويشير تقرير حديث، مؤيد من الحزبين، إلى أن جيش التحرير الشعبي الصيني في طريقه ليصبح «منافسًا عسكريًّا ندًا للولايات المتحدة، إن لم يكن متفوقًا عليها». لعكس هذا الاتجاه، تحتاج واشنطن إلى تطوير قدرات كافية لردع أي أعمال عدوانية تهدد مصالحها. وهذا يعني امتلاك القدرة -وإثبات الاستعداد- لشن حملات عسكرية مستدامة في مسارح متعددة.

هذه القدرة ضرورية لإعادة إرساء الردع، وللتغلب على الخصوم في حال فشل الردع. ولتحقيق هذا المستوى من القدرة العسكرية، يتطلب الأمر تغييرًا جذريًّا في التخطيط الدفاعي بواشنطن، الذي يعتمد حاليًّا على خوض صراع رئيسي واحد. على إدارة ترامب أن تشرح للشعب الأمريكي أهمية زيادة الإنفاق الدفاعي، والعمل مع الكونجرس لتأمين الدعم الحزبي لهذا الجهد، مثلما فعلت إدارة ريجان في العقد الأخير من الحرب الباردة.

النقطة الرئيسية هنا ليست مواكبة كل خصم، بل تطوير قدرات حربية تمنح الولايات المتحدة مزايا غير متماثلة. ففي أوكرانيا، عطلت الطائرات دون طيار الدبابات والسفن الحربية الروسية. وفي صراع محتمل حول تايوان، يمكن للصواريخ المضادة للسفن والصواريخ الباليستية متوسطة المدى تقويض مزايا الصين الجغرافية.

الأجندة الاقتصادية: التفوّق العسكري يتطلب أيضًا أن تتمكن الولايات المتحدة من تجديد قوتها البشرية والمواد والذخائر بمعدلات عالية. ولتحقيق ذلك، يجب تعزيز القدرات الاقتصادية. تحتاج واشنطن إلى السعي نحو سيادة اقتصادية أكبر، وتقليص الاعتماد على المواد الحيوية المستوردة من دول غير موثوقة.

الخطوة الكبرى تكمن في تحفيز الاستثمارات في الصناعة المحلية، وخاصة في القطاعات التي تعزز قاعدة التصنيع العسكري. ويتلخص جزء من الحل في فرض التعريفات الجمركية لحماية القطاعات الرئيسية، مثل البطاريات المتطورة. ومن الممكن أن تساعد التعريفات الجمركية في مواجهة الدعم وممارسات الإغراق التي تنتهجها الصين وتشجيع الشركات الخاصة على نقل استثماراتها من الصين وإعادتها إلى الولايات المتحدة أو إلى الدول الشريكة للولايات المتحدة. يجب أيضًا خفض تكلفة ممارسة الأعمال في الولايات المتحدة وتبسيط عمليات المراجعات البيئية، إلى جانب تقديم حوافز ضريبية وبرامج لدعم الإنتاج المحلي.

إعادة التصنيع ستساعد في مواجهة جهود الصين لإضعاف الولايات المتحدة. فالشركات الصينية تغمر الأسواق الأمريكية بمنتجات مدعومة في قطاعات استراتيجية مثل الصلب، أشباه الموصلات، والمركبات الكهربائية. وهذا يزاحم الإنتاج المحلي ويجعل الجيش الأمريكي يعتمد على السلع المصنوعة في الصين.

بالإضافة إلى تقليص الاعتماد على الصين، يجب على الولايات المتحدة أن تواصل السعي نحو ما وصفته إدارة ترامب الأولى بـ«هيمنة الطاقة»، وذلك عبر زيادة إنتاج النفط الصخري والغاز الطبيعي من خلال تخفيف القيود التنظيمية وتشجيع الابتكار التكنولوجي. فقد تجاوزت روسيا بالفعل لتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي في عام 2011، وأصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم في عام 2018، متجاوزة روسيا والمملكة العربية السعودية. ورغم أن إدارة بايدن حولت التركيز نحو سياسات التغير المناخي، فإنه من المتوقع أن يعمل ترامب في ولايته الثانية على الاستفادة من الثروات النفطية والغازية الوفيرة في الولايات المتحدة، التي يمكن أن توفر الدعم للحلفاء الأوروبيين وغيرهم من الدول.

إلى جانب الاستفادة من النفط والغاز، من المرجح أن تتضمن استراتيجية الطاقة الجديدة لإدارة ترامب دعم مشروعات الطاقة المتقدمة مثل الانشطار والاندماج النووي، إضافة إلى تحديث البنية التحتية للطاقة. والعودة إلى سياسة الهيمنة على الطاقة، التي تعترف بالدور المركزي للوقود الأحفوري حتى تصبح مصادر الطاقة البديلة قادرة على تلبية احتياجات الولايات المتحدة بشكل فعال وبسعر تنافسي، ستسمح لواشنطن بالخروج من الحلقة الاقتصادية المفرغة مع الصين. فبينما تتجه الولايات المتحدة وأوروبا نحو الطاقة البديلة، تعتمد بشكل متزايد على الصين كمصدر رئيسي لمكونات الطاقة الشمسية، طاقة الرياح، والبطاريات. هذا الاعتماد يعزز هيمنة الصين في هذا القطاع. وبالتالي، فإن استمرار الاعتماد على الوقود الأحفوري يمنح الولايات المتحدة مجالًا أوسع للتحرك اقتصاديًّا، مع إعطاء الوقت لبناء قاعدة صناعية للطاقة المتجددة في الدول الغربية.

مطلوب أصدقاء: بالإضافة إلى الجهود الاقتصادية والعسكرية، ستحتاج إدارة ترامب إلى تعزيز علاقاتها السياسية مع الدول الصديقة لتحقيق التفوّق. ففي عالم معقد وتنافسي، تكون الدول التي تمتلك حلفاء وشركاء أكثر هي الأقدر على مواجهة التحديات. لكن التحالفات القوية لا تكفي بمفردها، لتحقيق التفوق العسكري، فيجب على الحلفاء الالتزام بتطوير قدراتهم العسكرية وتكامل جيوشهم مع القوات الأمريكية. على الولايات المتحدة أن توضح لشركائها أن دورهم هو تحمّل عبء الاستجابة الأولية للصراعات الإقليمية، بينما يأتي دور الولايات المتحدة في تقديم التعزيزات والقدرات المتخصصة.

وينبغي على واشنطن التفكير في إقامة علاقات جديدة مع بلدان خارج تحالفاتها التقليدية. ويمكن أن يكون التركيز على الشراكات الثنائية والتحالفات المصغرة أكثر فعالية من الاعتماد على الهيئات المتعددة الأطراف. كذلك، يجب أن تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة علاقات اقتصادية مع الدول النامية، التي تواجه تحديات اقتصادية وتغيّرًا مناخيًّا. وقد تعتمد إدارة ترامب على موقف أكثر واقعية تجاه قضايا المناخ، من خلال إدراك أن إزالة الكربون السريعة قد تكون مكلفة اقتصاديًّا للدول النامية.

إعادة ضبط السياسات: هدف استراتيجية التفوّق ليس السعي إلى الصدارة كما كان الحال في الماضي. فقد تغيّرت موازين القوى العالمية، مما أدى إلى تراجع القوة النسبية للولايات المتحدة مع نمو القدرات العسكرية للدول الأخرى. وإذا أرادت واشنطن الحفاظ على حرية الحركة وحماية الحريات التي يتمتع بها الأمريكيون منذ فترة طويلة، فإنها بحاجة إلى استراتيجية التفوّق لتلبية التحديات الملحّة.

في النهاية، التفوّق لا يتعلق بالسعي نحو الصدارة بأي ثمن، بل هو حول ضمان أن الولايات المتحدة ستظل قادرة على حماية مصالحها في عالم يزداد خطورة.

ناديا شادلو نائبة مستشار الأمن القومي السابق للولايات المتحدة

المقال نشر في Foreign Affairs

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: للولایات المتحدة الولایات المتحدة الاعتماد على إدارة ترامب

إقرأ أيضاً:

الجيش اليمني: الأصوات التي تغرد خارج سرب الوحدة والسيادة عميلة ومرتهنة

أكدت القوات المسلحة اليمنية، أن كل صوت يغرد خارج سرب الوحدة والسيادة ومصلحة الوطن العليا بجغرافيته الطبيعية لن يكون سوى صوت عميل مرتهن يشكل خطرًا على المشروع الوطني الجامع الهادف إلى القضاء على جماعة الحوثي المرتهنة لإيران ومشروعها التوسعي.

 

وأضافت صحيفة 26 سبتمبر الأسبوعية الناطقة باسم القوات المسلحة اليمنية، في افتتاحيتها أن اليمن منذ الأزل وجد ليبقى يمنًا واحدًا جمهوريًا حرًا مستقلا عصيًا على كل محاولات النيل من وحدته أرضًا وإنسانًا، بنظامه الجمهوري الذي شاءه الله وشاءه الثوار ومن خلفهم كل أبناء الشعب اليمني العظيم.

 

وأكدت أن اللحظة التاريخية الراهنة التي نعيش أفراح حدثها العظيم ثورة الـ 14 من أكتوبر الخالدة تقتضي أن نستلهم قيم التضحية والفداء، وإعلاء المصلحة الوطنية العليا فوق كل المصالح الشخصية أو الجهوية أو الحزبية أو المناطقية التي تعمل على اذكائها مليشيا الحوثي الإرهابية في أوساط القوى المناهضة لمشروعها السلالي الكهنوتي المتخلف المدعوم من إيران المجوسيّة صانعة الخراب والدمار وكل صنوف الإرهاب في اليمن والمنطقة".

 

وتابعت أن "مناضلو الثورة اليمنية 26 سبتمبر و 14 أكتوبر ما كان لهم أن ينجزوا هذين المنجزين العظيمين لو أنهم عملوا تحت طائلة النزعات الفردية والرؤى المناطقية التي تحول العمل الثوري إلى فعل جهوي لن تكون نتائجه بالضرورة إلا تجزئة وحدة أداة الثورة إلى شلل ومليشيات تستغلها القوى المعادية لتحقيق مصالحها التي هي بالضرورة ضد مصالح الوطن والشعب وثوابته الوطنية وطموحاته في الحرية والاستقلال والتقدم والرخاء والازدهار".

 

ودعت القوى الوطنية الحية المؤمنة بأهداف الثورة اليمنية في هذا القوت الراهن المكتظ بحملة المشاريع المتصادمة مع مشروع اليمن الكبير إلى العمل بمقتضى الانتماء لهذه الأرض المُقدّسة وهذا الشعب المناضل عبر تاريخه الطويل على مواجهة كل هذه المشاريع ووأدها قبل استفحالها.


مقالات مشابهة

  • تنافس شديد بين هاريس وترامب.. من يتقدم في الولايات المتأرجحة؟
  • الجيش اليمني: الأصوات التي تغرد خارج سرب الوحدة والسيادة عميلة ومرتهنة
  • من يمول الانتخابات الأمريكية.. وما تأثيرهم على رؤساء الولايات المتحدة؟
  • الصين تطور ترسانتها النووية وتثير مخاوف حلفاء الولايات المتحدة في شرق آسيا
  • وزير الخارجية: «مصر الدولة الوحيدة التي تعمل على وقف الحرب في السودان»
  • هاريس وترامب.. وخطاب «الوقت الحرج»
  • مبعوث الصين للشرق الأوسط: نعارض الأعمال التي تنتهك سيادة لبنان
  • الصين تُفضل هاريس على ترامب من أجل استقرار العلاقات
  • مبعوث الصين: نعارض الأعمال التي تنتهك سيادة لبنان وأمنه