تُعرف المقاومة لغة بأنها الممانعة وعدم الرضوخ لتغيّرات وقوى مفروضة من الخارج، وهي رد فعل طبيعي على الظلم والاستبداد والاحتلال، وتمثل الإرادة الجماعية للشعوب -بمختلف دياناتها وأعراقها- نحو الحرية والكرامة والعدالة. وعلى مر العصور منذ الإنسان البدائي، إلى عصرنا هذا، ظهرت المقاومة بأشكال مختلفة، متكيّفة مع الظروف المحيطة بها كرمز للتحدي والصمود.
وسواء كانت مقاومة مسلحة أو نضالًا سلميًّا فإنها تعبّر عن رفض الاستسلام والخنوع وتجسّد التطلع نحو الحرية والكرامة والعدالة. ففي العصور القديمة، بدأت المقاومة كرد فعل على الغزوات والاحتلالات، حيث قاومت الجماعات والشعوب الغزاة والديكتاتوريين بأساليب وطرق متنوعة. ومع مرور الزمن تطورت أشكال المقاومة لتشمل حركات التحرر الوطني في مواجهة الاستعمار والاحتلال، وكذلك حركات الحقوق المدنية التي ناضلت ضد التمييز العنصري والظلم الاجتماعي. وبعودة عابرة للتاريخ، وعلى سبيل المثال لا الحصر، خلال الاستعمار الإسباني للأمريكتين، الذي بدأ في ٢٤ سبتمبر ١٤٩٣م وانتهى في ١٣ يوليو ١٨٩٨م، نرى كيف أسهمت حركات المقاومة، وتحديدًا بقيادة الفنزويلي سيمون بوليفار الذي توفي في عام ١٨٣٠م، في استقلال بوليفيا وكولومبيا وإكوادور وبيرو وبنما وفنزويلا وإنهاء الاستعمار الإسباني لها، حتى استحق بحق لقب «الليبرتادور» أي «المحرر». وفي القارة الأوروبية أمثلة كثيرة على ذلك، منذ العصور الوسطى، حتى العصر الحديث والذي حاربت واحتلت القوات العسكرية لألمانيا النازية فيه، خلال الفترة من ١٩٣٩م إلى ١٩٤٤م كلا من بولندا والدنمارك والنرويج وبلجيكا ونيذرلاند ولوكسمبورج وفرنسا ويوغسلافيا واليونان وجزءا شاسعا من الاتحاد السوفييتي، والتي بدورها بالتعاون بالطبع مع بريطانيا وغيرها من الدول، قاومت هذا الاحتلال حتى استسلمت ألمانيا النازية في مايو من عام ١٩٤٥م. ولا يمكن الحديث عن مقاومة المحتل، دون الإشارة إلى ثورة التحرير الجزائرية التي انطلقت في الأول من نوفمبر ١٩٥٤م بعد ١٢٤ سنة من استعمار فرنسا للجزائر سنة ١٨٣٠م، وانتهت بإعلان الاستقلال في الخامس من يوليو ١٩٦٢م، متوّجة ٧ سنوات من الكفاح المسلح، استشهد خلالها أكثر من مليون ونصف مليون جزائري. ولا يمكن في هذا المقام، أن نغفل المقاومة الليبية للغزو الإيطالي لأراضيها في عام ١٩١١م، والذي أعلنت فيه روما في عام ١٩١٢م ليبيا مستعمرة إيطالية، والدور التاريخي لمقاومة هذا الاحتلال، الذي قاده المجاهد الكبير الشهيد عمر المختار لما يقارب ٢٠ عامًا، أوقع خلالها خسائر فادحة في صفوف الإيطاليين، حتى أعدِم بتاريخ ١٥ سبتمبر ١٩٣١م، والذي قال مقولاته الخالدة «نحن لن نستسلم.. ننتصر أو نموت» و«صاحب الحق يعلو وإن أسقطته منصة الإعدام». ولا يمكن أن نتجاوز المقاومة الفيتنامية للولايات المتحدة الأمريكية منذ عام ١٩٥٥م حتى تم سحب جميع القوات الأمريكية في ١٥ أغسطس ١٩٧٣م. وهذه الأمثلة تعد غيضًا من فيض فيما سجله التاريخ لحركة مقاومة المحتل، وبالتالي، تعد حركة المقاومة الفلسطينية إحدى أقوى حركات المقاومة في العالم؛ نظرًا لاستمرارها على مدى عقود في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. فشعوب ودول العالم تعلم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، أنه قبل ١٤ مايو ١٩٤٨م لا يوجد ما يسمى بإسرائيل. وأن هذا
الكيان الهجين كان نتيجة للمؤتمر الأول للمنظمة الصهيونية، الذي عُقد برئاسة تيودور هرتزل في مدينة بازل بسويسرا بتاريخ ٢٩ أغسطس ١٨٩٧م، بعد أن شعر هرتزل بالإحباط بسبب عدم حماس أغنياء اليهود بالمساعدة في تمويل مشروعه بالعمل على إقامة وطن قومي لليهود، يكون، إما في فلسطين أو الأرجنتين أو أوغندا. وقد نجح هرتزل خلال هذا المؤتمر في الترويج لفكرة استعمار فلسطين وإقامة وطن لليهود هناك. والذي أكده بعد ذلك وزير خارجية بريطانيا أرثر جيمس بلفور في ما يسمى وعد بلفور أو تصريح بلفور ”Balfour Declaration“، وهي الرسالة التي أرسلها بلفور بتاريخ ٢ نوفمبر ١٩١٧م إلى أحد أغنياء اليهود في بريطانيا، اللورد ليونيل والتر دي روتشيلد، يشير فيها إلى تأييد حكومة بريطانيا إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وبعدها تم تهجير عشرات الآلاف من اليهود من أوروبا الشرقية وغيرها من الدول وتجميعهم على مدى عقود في فلسطين؛ بهدف تغيير الطبيعة الديموغرافية لفلسطين العربية، وإقامة الكيان المزعوم في عام ١٩٤٨م. لذا، لم يكن هناك قبل هذا العام ما يسمى بدولة إسرائيل، لدرجة أن جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني خلال الفترة من ١٩٦٩م إلى ١٩٧٤م كانت تحمل الجنسية الفلسطينية، وأعلنتها مرارًا -خلال تلك الفترة- أنها فلسطينية الجنسية. فكيف تأتي اليوم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب وتسوغ أن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها في مواجهة المنظمات الفلسطينية الإرهابية -حسب قولها- ومنذ متى كان مقاومة الاحتلال إرهابا، خاصةً، وأن الكيان الصهيوني وعلى مدى أكثر من ٧٦ عامًا مارس كل أنواع الإجرام والقتل والتنكيل والإذلال تجاه أصحاب الأرض الأصليين وهم الفلسطينيون، وآخرها ما يحدث على مرأى العالم من مجازر وإبادة جماعية بحق المدنيين العزل في غزة، وبدعم عسكري واستخباراتي واقتصادي كامل ومعلن من قبل هذه الدول للكيان الصهيوني. لذا، فإن المقاومة فكرة وعقيدة لدى كل شعوب الأرض، تجاه المحتل، واستشهاد البطل الكبير المجاهد يحيى السنوار -والتهليل الغربي لذلك- وقبله القائد إسماعيل هنية وفي لبنان حسن نصر الله لن يوقف المقاومة بأي حال من الأحوال -وهذا ما أكدته الأحداث على الأرض بعد استشهادهم- وعلى الولايات المتحدة والدول الغربية أن تعي أن الفكرة لا تموت، وأن المقاومة عبر التاريخ لا يمكن في النهاية إلا أن تنتصر على من خالف طبيعة الكون وسنة الحياة في عيش الشعوب بحرية وكرامة وسيادة على أوطانها، وأن تتوقف عن الدعم الفاضح لهذا الكيان المجرم الغاصب والحفاظ على ما تبقى من ماء وجهها أمام شعوب هذه المنطقة وشعوب العالم بمن فيها شعوبها... ولا أعتقد أنها ستعي ذلك.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية:
لا یمکن
فی عام
إقرأ أيضاً:
أعاصير تجتاح الغرب الأوسط الأمريكي وتُخلف 37 قتيلا وأضرارا جسيمة (شاهد)
قُتل 37 شخصاً على الأقل بعد أن اجتاحت أعاصير مساحات شاسعة من الغرب الأوسط والجنوب الأمريكي.
وتلقّت ولاية ميسوري القدر الأكبر من الأعاصير، التي بدأت تعصف يوم الجمعة الماضي، حيث قُتل 12 شخصاً في تلك الولاية.
وأثارت الرياح القوية في ولايتي تكساس وكانساس عواصف رملية أسفرت عن تصادم مركبات ووفاة 12 شخصاً.
وأدى الطقس العاتي، الذي عمّ منطقة من البلاد يقطنها أكثر من 100 مليون نسمة، إلى اشتعال ما يقرب من 150 حريق غابات في أوكلاهوما، تسببت بحرق أكثر من 400 منزل، مما أدى إلى وفاة 4 أشخاص، كما أدت الرياح الشديدة إلى انقلاب عدة شاحنات.
كما سُجّلت وفيات في ولايات أركنساس وألاباما وميسيسيبي.
وصدرت تحذيرات من احتمالية حدوث فيضانات في أجزاء من ولايات تكساس ولويزيانا وألاباما وأركنساس وتينيسي وميسيسيبي وجورجيا وكنتاكي ونورث كارولاينا.
وانقطعت الكهرباء عن أكثر من 320 ألف شخص في المناطق المتضررة، مساء أمس الأحد.
وأُعلنت حالة الطوارئ في ولايات أركنساس وجورجيا وأوكلاهوما.
وفي ولاية ميسوري، قال الحاكم مايك كيهو: "حجم الدمار في جميع أنحاء ولايتنا مروع".
وأضاف في بيان: "دُمّرت مئات المنازل والمدارس والأعمال أو تضررت بشدة".
وفي كانساس، لقي ثمانية
أشخاص على الأقل حتفهم بعد تصادم أكثر من 55 مركبة بسبب عاصفة رملية.
وفي تكساس، تسببت عاصفة رملية أخرى في تصادم حوالي 38 مركبة، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص على الأقل.
وقُتل ستة أشخاص في ولاية ميسيسيبي حيث اجتاحت الأعاصير تلك الولاية، وأودت الأعاصير كذلك بحياة ثلاثة آخرين في ألاباما، بينهم امرأة تبلغ من العمر 82 عاماً.
وفي ولاية أركنساس، أفاد المسؤولون بمقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 29 آخرين.
DRONE DAMAGE: Our field correspondents are on the ground in Tylertown, MS after a large and powerful #tornado ????️ tore through the community. #MSwx
Take a look at the scenes below ???????? pic.twitter.com/iOvjAJpoeR
— WeatherNation (@WeatherNation) March 15,
2025 No power for us anytime soon
South Amarillo, Texas
Might as well be a tornado or hurricane but without the rain and WE NEED RAIN#Texas #Weather #Amarillo pic.twitter.com/T3lJndJMPa
— Cathlina King ???????? (@AmeraucanaLover) March 14, 2025
عائلة توثق محاصرتها داخل إعصار قمعي في منزلها في هيوستن pic.twitter.com/hYHhmsldjs
— عربي21 (@Arabi21News) March 17, 2025