من داخل دائرة صناعة القرار.. شهادتي على اعتصام رابعة
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
تأتي الذكرى العاشرة على فض اعتصام رابعة لتعيد إلى النفس ذكريات وشجونا لا يمكنها أن تمحى من الذاكرة، خاصة وأنّ آثارها لا تزال حاضرة وضاغطة على عشرات الملايين من المصريين، فلا يزال الآلاف معتقلين من يومها، ولا يزال المصريون يعيشون تحت وطأة الفقر والعوز والظلم بعد عشر سنوات من عمر الانقلاب الذي مرّ على جثث المصريين وأشلائهم يوم الفض وما سبقه وما لحقه.
هذه الشهادة هي تاريخ أسجله للأجيال القادمة لعله يكون فيه الفائدة والنفع فلا تتكرر المأساة، فمن تعلم التاريخ حافظ على حاضره ومستقبله.
مع بدء اعتصام رابعة احتاج تحالف دعم الشرعية الذي كان يقود الاعتصام ويقود المواجهة مع الانقلاب إلى عقد عدة جلسات استشارية مع مجموعات متخصصة في مجالات عدة ومن شتّى الاتجاهات، حضرتُ في إحدى هذه اللقاءات مع مجموعة من أساتذة العلوم السياسية وخبراء الشؤون الاستراتيجية للإجابة عن تساؤل وحيد: ما العمل لإسقاط الانقلاب؟ أو كيف ندير المواجهة معه؟
قلتُ لأحد قادة التحالف الجالسين أمامي والذي يمثل فصيل مهم فيه: لكي نبني تصورا استراتيجيا للمواجهة أحتاج إلى معلومات عن الوضع الحالي تفيدني في فهم أبعاد ما نواجهه، وفي نفسي كان السؤال لفهم أبعاد ما لدى التحالف من قدرات، فقلت له: هل هناك تظاهرات وصلت إلى المليون في أعداد المشاركين خلال فترة الاعتصام؟
فقال لي: نعم وصلنا ثلاث مرات إلى متوسط ١-٢ مليون في القاهرة، قلت له: كتلة واحدة أم أكثر، قال لي: كتلتان أو ثلاث أو أكثر، قلت له: أين كانت مواقع التظاهر؟ قال لي: أمام كل الأماكن السيادية في الدولة أجهزة الأمن والمخابرات والحرس الجمهوري ومجلس الوزراء وغيرها، قلت له نصا: وماذا فعلتم بهذه الحشود الهادرة أمام هذه الأجهزة السيادية؟
قال لي: لم نفعل شيئا، قلت له متغابيا: لم تفعل شيئا لأنك لديك خطة أخرى، أم أنّك لم تفعل شيئا لأنك لا تعرف ماذا تفعل؟
فقال لي محرجا: الثانية، فقلت له مندهشا: أنت أمام مؤسسات الدولة التي تملكها كسلطة منتخبة ورئيس منتخب ومحتجز داخل الحرس الجمهوري ولا تعرف ماذا تفعل؟! قال لي: لقد فوجئنا بالأعداد الهائلة من الحشود ولم نعرف ماذا نفعل بها!!
قلت له: فلماذا أخرجتهم إذا؟ ولماذا تحشد فيهم على منصة رابعة وتكلمهم عن الشهادة والجنة والثبات والتضحية ونحو ذلك؟! فلم أتلق ردا.. وبهذا تنتهي الشهادة الأولى.
الشهادة الثانية: ليلة الفض كنت قد خرجت لأمر ما خارج الاعتصام وعدت نحو الثانية عشرة ليلا إلى خيمتي، فشاهدت حالة من الهرج والمرج والتأهب فذهبت إلى أحد القادة الميدانيين المسئولين عن تنظيم الاعتصام وسألته عن سرّ ما أراه، فقال لي: هناك معلومات شبه مؤكدة أن الفض سيتم بعد الفجر، خلال الساعات القادمة، فقلت له: وماذا أعددتم لذلك؟ فقال لي نصا: "سينام نصف المعتصمين لأن هناك تظاهرات في الصباح أمام المباني الحكومية للدولة، والنصف الآخر سيقوم بحراسة بوابات الاعتصام وصد أي هجوم عليها".
كنّا أمام حالة من الارتباك الكامل وأن الاستراتيجية الوحيدة هي الانتظار عسى أن تسفر الاتصالات الدولية عن شيء، وكان قادة الاعتصام رغم إخلاص غالبيتهم للقضية ونضالاتهم في سبيل حرية الوطن طوال حياتهم لا يمتلكون القدرة النفسية الكافية -إلا من رحم ربي- على التعامل مع تحد بهذا الشكل
فقلت له وقد أصابني الذهول مما أسمع: "ينام نصف المعتصمين!!! كيف هذا؟ هل تظن أنه سيبقى حجر وأشجر أو بشر إذا كان الجيش قادما للفض؟!! إذا كان الفض خلال ساعات فسيتم محو هذا المكان من على الخريطة بمن فيه". وحتى أدلل على جدية ما أقول، حملت أوراقي المهمة وحقيبة الحاسب المحمول وقلت سأضعهم في المركز الإعلامي (مبني أسمنتي ملحق بمسجد رابعة) لأن الخيمة التي نقف فيها الآن ستحترق ويتم تجريفها، فنظر لي مشدوها متوترا وقال لي: لا تخبر أحد برأيك هذا حتى لا نتسبب بالبلة بين المعتصمين.
فقلت له: احمل رأيي هذا إلى المسئولين عن الاعتصام حتى لا تحمل وزر هؤلاء الناس، وكتبت ليلتها على حساباتي الشخصية على منصات التواصل أننا ننتظر الفض بعد قليل، إبراء للذمة، ولا تزال هذه التغريدة موجودة كما هي لمن يريد التأكد. وطبعا حدث الفض أسوأ مما توقعت وانتهى اليوم بإصابتي برصاصة غادرة في ظهري نحو الخامسة عصرا، ونجاني الله من الموت بأعجوبة بعد المرور بنحو ١٢ كمين مع الإخوة الكرام الذي حملوني مصابا حتى كتب الله لي النجاة.
لقد كنّا أمام حالة من الارتباك الكامل وأن الاستراتيجية الوحيدة هي الانتظار عسى أن تسفر الاتصالات الدولية عن شيء، وكان قادة الاعتصام رغم إخلاص غالبيتهم للقضية ونضالاتهم في سبيل حرية الوطن طوال حياتهم لا يمتلكون القدرة النفسية الكافية -إلا من رحم ربي- على التعامل مع تحد بهذا الشكل، فغالبيتهم الساحقة أطباء ومهندسون ورجال أعمال ومهنيون من تخصصات مختلفة، تنتهي قدرات أغلبهم عند عمل برلماني أو إدارة نقابة مهنية أو لقاءات تربوية أو محاضرات تثقيفية أو نحو ذلك.
لكن صراعات حدية تقوم على أسنة الرماح وفوهات المدافع وحسابات دولية معقدة يتداخل فيها الأمن القومي مع مصالح أجهزة سيادية واستخباراتية فهذا أكبر من احتمال معظمهم ولم يكن هذا منقصة فيهم مع العيش في ظل ديكتاتورية متأصلة كمصر لم تسمح لغير رجال النظام باكتساب هذه الخبرات، لذلك كان البقاء على وهم الانتظار أفضل لديهم من حقيقة التحدي المٌرّة التي لا يقووا على مواجهتها.
هنا قد يعترض معترض ويقول لم يكن هناك خيارات أمامهم غير هذا الانتظار، وأحيل أصحاب هذا الرأي إلى مقال قديم نشرته في موقع "عربي٢١" تحت عنوان "في ذكرى رابعة.. هل كان من الممكن اجتناب المجزرة؟"، والذي يجيب بشكل تفصيلي وواضح عن هذا التساؤل، وسأقتبس فقرة صغيرة منه هنا توضح فكرة أنه إذا كانت إمكانياتك العقلية والنفسية ومواردك غير مؤهلة لصراع كهذا، فلم يكن ينبغي عليك خوضه وإذا خضته ما كان يجب عليك الاستمرار فيه، خاصة وقد اتضح لك في مجزرة المنصة والحرس الجمهوري والتي وقعتا قبل فض رابعة أنّه لا حدود للقتل وإراقة الدماء لدى هذا السّفاح ورجاله.. قلت في المقال: "وهنا ننتقل الى الخطأ الاستراتيجي الثالث، والقاتل كذلك، وهو غياب الرؤية والاستراتيجية للتعامل مع الأزمة، رغم أنه كانت هناك سيناريوهات متعددة للتعامل معها أنتجها عدد من الباحثين، وكنت واحدا منهم، لكن متخذ القرار لم يجرؤ على تنفيذ أي منها، فلا هو قادر على المواجهة ولا قادر على الانسحاب حتى لا يخذل أنصاره ومؤيديه.
لكن كان هناك طريق ثالث وسط، كان يمكن عن طريقه اجتناب المجزرة أو تقليل خسائرها في الأرواح للحد الأدنى، وهو الانسحاب التكتيكي الذي يقيك المواجهة التي لست مستعدا لها أو يظهرك وسط أنصارك بالمتراجع، كان يمكن الإعلان عن نقل الاعتصام لمكان آخر لسحب الناس من الميدان. وبكل تأكيد لن يسمح لك النظام بنقل الاعتصام، وتكون قد أنهيته دون إعلان ذلك، ويتفرق الناس. وحتى لو استخدم العنف معهم، فسيكون بكل تأكيد محدودا؛ لأن اشتباكات الشوارع لا تسمح له بالسيطرة الكاملة كما في حالة الاعتصام.
كان يمكن كذلك الخروج من الميدان بتظاهرات ضخمة تسحب معظم المعتصمين من الميدان لأماكن مختلفة، وعندما يجد الأمن الميدان شبه فارغ ستتم محاصرته ويمنع المتظاهرين من العودة إليه، وبالتالي تتفرق الجموع وتحقن دماؤها، أو تقل خسائرها للحد الأدنى.
مواجهة الناس بالحقيقة المرّة أهم كثيرا من أن تجعلهم يعيشون الوهم أو السراب اللذيذ، فالحقائق تضع الجميع أمام مسئولياتهم وتترك للناس حرية الاختيار ما يناسبهم، لكن الوهم اللذيذ يجعل الجميع أسرى لما ينتظرونه منك، فتتحمل وزرهم حين ينقشع السراب وتـأتي الحقيقة تتسربل في الدماء
هذه الحلول كانت ستحافظ على قوتك وتعيد انتشارها في المحافظات، وتحقن بها كثير من الدماء، وتعطيك فرصة لاستكمال رؤيتك لمواجهة الانقلاب".
في باقي المقال السابق رددت على كل الحجج التي قد تعترض على هذا الطرح فيُفضل الرجوع إليه حتّي تكتمل الفكرة.
إن الغاية التي أرجوها من خلال هذا المقال والتي أتمنى أن تكون درسا مستفادا للأجيال القادمة في نضالاتهم من أجل الحرية والكرامة، هي ألا تخوض معركة لا تملك أدواتها ولا إمكانياتها، وإذا فرضت نفسها عليك فيجب عليك أن تقدر حسابات الربح والخسارة فيها، فإذا ما استقر في يقينك أنّ الخسارة شبه مؤكدة فالانسحاب بأقل الخسائر حقنا للدماء هو الحل المٌرّ الواجب أحيانا، وقد فعله سيدنا خالد سابقا، وتحدث عنه القرآن (إلا متحرفا لقتال)، فالانسحاب لا يعني الاستسلام ولكن يعني إعادة التموضع لإعادة الكرّة مرة أخرى بمعطيات مختلفة.
أيضا الدرس الأهم كذلك أن مواجهة الناس بالحقيقة المرّة أهم كثيرا من أن تجعلهم يعيشون الوهم أو السراب اللذيذ، فالحقائق تضع الجميع أمام مسئولياتهم وتترك للناس حرية الاختيار ما يناسبهم، لكن الوهم اللذيذ يجعل الجميع أسرى لما ينتظرونه منك، فتتحمل وزرهم حين ينقشع السراب وتـأتي الحقيقة تتسربل في الدماء.
ولا تزال المعارضة المصرية حتى الآن -إلا من رحم ربي- لم تتعلم الدرس ولا تزال تبحث عن بوصلتها التي فقدتها في الشارع المظلم، تبحث عنها في شارع آخر مضيء، طلبا للأسهل والأريح لها وهروبا من استحقاقات البحث في الشارع المظلم الذي تعلم يقينا أن البوصلة ضاعت فيه!!
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه رابعة المصريين مصر رابعة الإنقلاب مجازر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة اقتصاد سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة من المیدان لا تزال قال لی ة التی
إقرأ أيضاً:
دماء داخل البيوت.. الجرائم الأسرية عرض مستمر.. خبراء: من أخطر الظواهر التي تهدد المجتمعات الحديثة وغياب الأدوار الثقافية والتربوية سبب رئيسي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تعد الجرائم الأسرية من الظواهر المؤلمة التى باتت تشغل الرأى العام والمجتمع فى العديد من الدول، خاصة فى الآونة الأخيرة، حيث شهدنا زيادة ملحوظة فى معدلاتها بشكل مقلق تتضمن هذه الجرائم أشكالاً متعددة مثل العنف الزوجي، الاعتداءات على الأطفال، جرائم الطلاق، وغيرها من الحوادث التى قد تنتهى بوفاة أحد الأطراف أو إصابته بأضرار جسدية أو نفسية خطيرة لم تعد هذه الجرائم مقتصرة على الفئات الاجتماعية أو الاقتصادية دون غيرها، بل أصبحت ظاهرة تهدد جميع طبقات المجتمع، مما يثير تساؤلات عميقة عن الأسباب الحقيقية وراء هذا الارتفاع الملحوظ.
تتداخل الأسباب الاجتماعية والنفسية لتساهم فى هذه الظاهرة بشكل معقد، مما يجعل من الضرورى تحليلها من زوايا متعددة فى مقدمة هذه الأسباب نجد الأزمات الأسرية المستمرة مثل الطلاق والخلافات العائلية، التى قد تؤدى إلى تصاعد التوترات والمشاكل بين الأطراف ويعد عدم وجود آلية فعّالة للتعامل مع هذه الأزمات فى المجتمع أحد أبرز الأسباب المؤدية إلى هذه الجرائم، حيث إن التأثير النفسى العميق الناتج عن هذه الصراعات قد يدفع بعض الأفراد إلى اتخاذ قرارات مؤلمة مثل العنف أو الانتقام.
من الجوانب النفسية المهمة التى تتعلق بهذه الجرائم هى اضطرابات الصحة النفسية، التى قد تكون ناتجة عن مشاكل نفسية غير معالجة مثل الاكتئاب، القلق، أو اضطرابات الشخصية، مما يؤدى إلى تأثيرات سلبية على السلوك كما أن تعاطى المخدرات يلعب دورًا رئيسيًا فى هذه الجرائم، حيث يؤثر بشكل مباشر على قدرة الفرد على التحكم فى مشاعره وتصرفاته، ويزيد من احتمالية ارتكاب الأفعال العنيفة.
ومن جانب آخر، تساهم الدوافع الانتقامية التى تبرز فى كثير من هذه الجرائم فى تفاقم المشكلة، مما يبرز الحاجة إلى بناء ثقافة اجتماعية قائمة على الحوار والتفاهم بدلاً من العنف، وتكمن أهمية التعامل مع هذه الظاهرة فى أنها تؤثر بشكل مباشر على النسيج الاجتماعي، حيث لا تقتصر تداعياتها على الأفراد المتورطين فيها، بل تمتد لتؤثر على الأسر والمجتمع ككل، مما يزيد من الحاجة إلى استراتيجيات فعّالة للتوعية والوقاية تشير الدراسات إلى أن التدخل المبكر يمكن أن يكون له تأثير كبير فى منع تصاعد الأزمات إلى مستويات تهدد السلامة العامة. لذا فإن تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية والمجتمع المدنى فى تقديم الدعم النفسى وتوفير المساعدة للأسر أصبح ضرورة ملحة.
من جانب آخر، يلعب التعليم وتثقيف الأفراد فى أهمية الصحة النفسية دورًا أساسيًا فى الوقاية من الجرائم الأسرية. يجب تعزيز الوعى حول ضرورة التعامل مع الأزمات النفسية بطرق سليمة بعيدًا عن العنف، مع التأكيد على أهمية الوصول إلى العلاج والدعم المناسبين فى حال ظهور علامات أى اضطراب نفسي. ولا يمكن تجاهل دور السياسات الحكومية فى مكافحة تعاطى المخدرات وتوفير برامج إعادة التأهيل التى من شأنها تقليل هذه الظاهرة، مواجهة هذه الظاهرة تتطلب جهدًا مشتركًا من جميع أفراد المجتمع، بما فى ذلك الأسرة، المدرسة، وسائل الإعلام، والمؤسسات الحكومية والمدنية. من خلال تضافر هذه الجهود، يمكننا بناء مجتمع أكثر استقرارًا وأمانًا خالياً من العنف الأسري، مما يضمن بيئة صحية ومزدهرة للأجيال القادمة.
جرائم
شهدت منطقة عزبة الصفيح التابعة لقرية كفر منصور فى طوخ بمحافظة القليوبية جريمة قتل مروعة خلال الفترة الماضية، حيث أقدم أب على قتل زوجته وطفليه بدم بارد، ثم قام بحرق والدته وأصاب شقيقه بجروح خطيرة.
وقعت الجريمة فى الساعات الأولى من الصباح، عندما استيقظ الطفل الضحية وشقيقته بملامح بريئة وتوجها إلى والدهما طلبًا للإفطار. وبعد تناول وجبتيهما، جلس الأب فى حالة شرود تام تحت تأثير المخدرات. وفجأة، قام بالاعتداء على زوجته وطفليه مستخدمًا سلاحًا أبيض، ليذبحهم جميعًا دون أدنى رحمة داخل غرفة نومهم.
لم تتوقف فصول هذه المأساة عند ذلك الحد، حيث توجه الجانى إلى منزل والدته وشقيقه فى وقت لاحق. استغل نومهما ووضع مواد قابلة للاشتعال داخل المنزل، ثم أشعل النيران قبل أن يلوذ بالفرار. أسفرت الحادثة عن مصرع والدته حرقًا، بينما نُقل شقيقه إلى المستشفى فى حالة حرجة.
وتلقت الأجهزة الأمنية بالقليوبية بلاغًا من الأهالى حول الواقعة، وسرعان ما ألقت القبض على المتهم بعد الكشف عن هويته. وباشرت النيابة العامة التحقيق، وأمرت بانتداب الطب الشرعى لفحص جثث الضحايا، والاستعلام عن حالة المصاب، وطلبت تحريات المباحث لاستكمال ملابسات الحادث.
كما شهدت قرية دكران التابعة لمركز أبوتيج بمحافظة أسيوط فى أواخر شهر نوفمبر الماضى واقعة مأساوية هزّت المنطقة بأكملها، حيث أقدم أب على ارتكاب جريمة بشعة باستخدام ساطور، أسفرت عن مقتل ثلاثة من أبنائه وإصابة الابن الرابع بجروح خطيرة. تم الإبلاغ عن الحادث من قبل الأهالى الذين سمعوا أصوات استغاثة صادرة من المنزل، ما دفعهم للتدخل وإبلاغ السلطات على الفور.
ووفقاً لشهادات شهود العيان، كان الأب المتهم، المدعو "فتح الله. أ. ن"، يعانى من اضطرابات نفسية حادة فى الفترة الأخيرة، الأمر الذى دفعه إلى الاعتداء الوحشى على أبنائه داخل المنزل. الجيران الذين هرعوا إلى مكان الحادث أكدوا أنهم سمعوا صراخ الابن الرابع، الذى نجا بأعجوبة من الموت بعد أن أصيب بإصابات بالغة وتم نقله إلى العناية المركزة بمستشفى أبوتيج النموذجي. أما الأبناء الثلاثة الآخرون، فقد فارقوا الحياة جراء الإصابات الجسيمة التى لحقت بهم.
وفى حادثة مروعة هزت قرية حلابة بدائرة مركز قليوب بمحافظة القليوبية خلال الفترة الماضية، أقدم أب على ارتكاب جريمة قتل بشعة بحق أبنائه الأربعة الذين تتراوح أعمارهم بين خمس سنوات وواحد وعشرين عامًا هذه الجريمة المؤلمة أثارت صدمة واسعة فى المجتمع المصري، خاصة مع الكشف عن الدوافع النفسية والاجتماعية التى قادت إلى ارتكابها.
أيمن محفوظ المحامى والخبير القانونيأسباب تفشى الجريمة الأسرية
أيمن محفوظ: من أخطر الظواهر التى تهدد المجتمعات الحديثة
يقول أيمن محفوظ المحامى والخبير القانوني، الجريمة الأسرية أصبحت واحدة من أخطر الظواهر التى تهدد المجتمعات الحديثة، حيث تجاوزت حدود الأخلاق والقيم الإنسانية، وبدأت تضرب النسيج الأسري، الذى يعتبر الركيزة الأساسية لأى مجتمع موضحًا أن تفاقم هذه الجرائم وتحولها إلى ممارسات بشعة تتراوح بين التحرش والاعتداء وزنا المحارم وصولاً إلى القتل، يعكس وجود اختلالات عميقة فى القيم الاجتماعية والإنسانية، مؤكدًا أن الجريمة الأسرية ليست مجرد انتهاك لحقوق أفراد الأسرة، بل هى انعكاس لتدهور القيم الإنسانية فى المجتمع موضحًا أن مسئولية التصدى لهذه الظاهرة تقع على عاتق الجميع، سواء من خلال تعزيز القيم الدينية والأخلاقية، أو بتطبيق القانون بصرامة، أو عبر توفير الدعم النفسى والاجتماعى بهذه الخطوات يمكن تقليل معدلات الجريمة الأسرية وبناء مجتمع أكثر أمانًا واستقرارًا.
وأضاف محفوظ فى تصريحات خاصة لـ "البوابة"، أن غياب الوازع الدينى والأخلاقى يعد أحد أبرز أسباب انتشار الجريمة الأسرية، حيث يؤدى ذلك إلى تراجع الفطرة السليمة التى تحث على حماية أفراد الأسرة بالإضافة إلى ذلك، تسهم الاضطرابات النفسية غير المعالجة فى دفع الأفراد لارتكاب جرائم مروعة ضد أقرب الناس إليهم كما أن العنف المتوارث داخل الأسر يعزز من قبول العنف كوسيلة لحل الخلافات.
وتابع محفوظ، أن الضغوط الاقتصادية والاجتماعية تلعب أيضًا دورًا رئيسيًا فى تفاقم هذه الظاهرة، حيث تؤدى إلى اضطراب العلاقات الأسرية وزيادة التوتر بين أفراد الأسرة علاوة على ذلك، فإن الإدمان على المخدرات والكحول يزيد من احتمالية وقوع الجرائم خاصة وأن انعدام الرقابة القانونية أو ضعف تطبيق القوانين يجعل الشعور بالإفلات من العقاب محفزًا إضافيًا لارتكاب الجرائم.
الحلول الممكنة
وأشار محفوظ، إلى أن الحل الأمثل لمواجهة هذه الظاهرة، يجب تعزيز التربية الأخلاقية والدينية داخل الأسر والمجتمع، حيث تساهم فى بناء علاقات أسرية قائمة على الاحترام والمحبة كما أن توفير الدعم النفسى من خلال مراكز متخصصة يمكن أن يساعد فى علاج الاضطرابات النفسية التى تدفع إلى ارتكاب الجرائم، إلى جانب التشديد على تطبيق القوانين ومعاقبة مرتكبى الجرائم الأسرية بصرامة لأن ذلك يعد خطوة ضرورية لردع مثل هذه الجرائم ومنع تكرارها بالإضافة إلى ذلك، يجب إطلاق حملات توعوية شاملة تسلط الضوء على خطورة الجريمة الأسرية وتأثيرها المدمر على الأفراد والمجتمع، ومن الضرورى أيضًا مكافحة الإدمان عبر إنشاء برامج خاصة لعلاج المدمنين وتوفير الدعم الاقتصادى للأسر الفقيرة لتخفيف الضغوط التى تؤدى إلى تفكك العلاقات الأسرية.
أبعاد اجتماعية ونفسية
سامية خضر: الحوادث تكشف عن خلل كبير فى التعامل مع الأزمات النفسية داخل الأسر المصرية
وفى نفس السياق تقول الدكتورة سامية خضر أستاذة علم الاجتماع، ينبغى تفعيل دور المؤسسات الاجتماعية والمجتمع المدنى فى تقديم الدعم النفسى للأسر، خاصة فى حالات الطلاق والخلافات العائلية، حيث إن تأثير هذه الأزمات يمكن أن يمتد ليشمل الأبناء ويؤدى إلى عواقب وخيمة.
وأضافت خضر فى تصريحات خاصة لـ"البوابة"، أن تلك الحوادث تكشف عن خلل كبير فى التعامل مع الأزمات النفسية داخل الأسر المصرية، ويبرز الحاجة الملحة إلى الاهتمام بالصحة النفسية خاصة وأن اضطراب المتهم وعدم حصوله على الدعم النفسى المناسب يؤدى إلى تلك الجرائم إلى جانب تأثير المخدرات، حيث إن المخدرات تساهم بشكل مباشر فى وقوع هذه الكارثة كما أن الدوافع الانتقامية التى ذكرها المتهمون فى تلك الحوادث تبرز أهمية بناء ثقافة الحوار وحل الخلافات بطريقة بناءة بعيدًا عن العنف.
وتابعت خضر، ما حدث من تكرار تلك الجرائم يمثل نداءً للمجتمع بأسره للعمل على الوقاية من مثل هذه الجرائم مستقبلاً مؤكدًا أن هناك حاجة ملحة لتعزيز التوعية بأهمية الصحة النفسية، وضرورة التدخل المبكر لعلاج الأشخاص الذين تظهر عليهم علامات اضطراب نفسى كما يجب تكثيف الجهود لمكافحة تعاطى المخدرات، التى تؤثر بشكل مدمر على الأفراد وأسرهم.
أسباب اجتماعية وأسرية
اللواء علاء الدين عبدالمجيد: غياب الأدوار الثقافية والتربوية سبب رئيسي
بينما يقول اللواء علاء الدين عبدالمجيد مساعد وزير الداخلية الأسبق والخبير الأمني، إن انتشار الجرائم داخل المجتمع المصرى لم يعد أمرًا مستغربًا، بل أصبح نتيجة حتمية لمجموعة من الظواهر والأسباب المتجذرة على مدار سنوات طويلة هذه الجرائم، خاصة الأسرية منها، تعكس أزمات اجتماعية واقتصادية وثقافية تفاقمت بمرور الزمن دون حلول جذرية، موضحًا، من أبرز العوامل التى ساهمت فى انتشار الجرائم الأسرية هو الزواج المبكر، الذى يؤدى إلى نشوء أسر غير قادرة على تحمل مسؤوليات التربية، مما ينتج أجيالًا تعانى من غياب الوعى والقيم بالإضافة إلى ذلك، يُعَدّ التفكك الأسرى من الأسباب الرئيسة، حيث يعيش العديد من الأسر فى حالة من الانفصال العاطفى والاجتماعى نتيجة الضغوط المتراكمة.
التحديات الاقتصادية
وأضاف عبد المجيد فى تصريحات خاصة لـ"البوابة"، تعانى معظم الأسر المصرية من ظروف اقتصادية صعبة، تزايدت مع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة وغلاء الأسعار مؤكدًا أن هذه الأوضاع أدت إلى تركيز الأسر على مواجهة الأزمات المالية على حساب التربية السليمة، مما أفقد الكثير من العائلات قدرتها على بناء وعى دينى وأخلاقى متين لدى أفرادها.
وتابع عبد المجيد، ساهم الإعلام، سواء عبر الأعمال الفنية أو وسائل التواصل الاجتماعي، فى تعزيز ظواهر سلبية مثل العنف والبلطجة خاصة وأن الأعمال الدرامية التى تروج للعنف، مثل بعض المسلسلات والأفلام، كان لها تأثير كبير فى تشكيل سلوكيات عدوانية لدى الشباب.
كما أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى مصدرًا للشائعات والمعلومات المضللة، مما أضعف الثقافة المجتمعية وزاد من الفوضى، إلى جانب غياب الأدوار الثقافية والتربوية، حيث كان للمؤسسات الثقافية والتعليمية فى الماضى دور بارز فى نشر الوعى وتعزيز القيم المجتمعية، إلا أن تراجع هذا الدور أدى إلى فراغ ثقافى كبير.
غياب هذه المؤسسات جعل الأجيال تعتمد على مصادر غير موثوقة، مما أدى إلى تدهور القيم والثقافة العامة، بالإضافة إلى أزمة القيم والقدوة حيث افتقد المجتمع لنماذج إيجابية يحتذى بها مما ساهم فى تفاقم الأزمات ولم يعد هناك تركيز على خلق قدوة حسنة تشجع على السلوك الإيجابي، بل أصبح البعض يمجد شخصيات تعكس سلوكيات غير أخلاقية. كما أن تراجع احترام خصوصيات الآخرين يعكس غياب الوعى المجتمعي، بالإضافة إلى بعض الفتاوى الدينية غير المدروسة وتراجع الدور الدينى الصحيح ساهم فى خلق بيئة دينية غير مستقرة إلى جانب التقصير الواضح فى تقديم خطاب دينى يدعم القيم الأخلاقية ويواجه الظواهر السلبية.
وأشار عبد المجيد، إلى أن الحلول للتغلب على الأزمات الاجتماعية والأخلاقية التى تواجه المجتمعات عديدة من بينها اتخاذ خطوات عملية وشاملة تبدأ بتعزيز الدور الثقافى والتربوى فالمدارس ومراكز الثقافة يجب أن تلعب دورًا محوريًا فى غرس القيم الإيجابية ونشر الوعى المجتمعي، من خلال تنظيم أنشطة تربوية وثقافية تُساهم فى بناء أجيال واعية ومثقفة قادرة على مواجهة التحديات المختلفة، كما أن للمحتوى الإعلامى تأثيرًا كبيرًا على تشكيل العقول والاتجاهات، مما يتطلب مراقبة دقيقة للأعمال الفنية والبرامج الإعلامية لضمان خلوها من الرسائل التى تروج للعنف أو الفساد بدلاً من ذلك.
وتابع: يجب تشجيع إنتاج أعمال تُعزز الأخلاق وتنشر القيم النبيلة، مما يُسهم فى بناء مجتمع مستنير ومتماسك، وفى الوقت ذاته، لا يمكن إغفال أهمية تحسين الأوضاع الاقتصادية كعامل أساسى فى استقرار المجتمعات. إطلاق مبادرات اجتماعية واقتصادية تهدف إلى دعم الأسر الفقيرة وتخفيف الأعباء المالية عنهم سيكون له دور كبير فى تقليل الضغوط الاجتماعية التى تؤدى أحيانًا إلى سلوكيات سلبية، وإعادة بناء القيم الدينية والاجتماعية تُعد أيضًا خطوة محورية، من خلال التركيز على خطاب دينى معتدل يشجع على التسامح والأخلاق والقيم الإيجابية. إلى جانب ذلك، يجب تعزيز القيم الاجتماعية التى تدعم التماسك والتعاون بين أفراد المجتمع.
وطالب عبد المجيد، بتقديم نماذج ناجحة ومؤثرة من الشخصيات التى تعكس الالتزام الأخلاقى والإنجاز موضحًا أن هذه النماذج ستكون بمثابة قدوة تحتذى بها الأجيال الجديدة، وتساعد فى توجيههم نحو مسارات إيجابية، وأخيرًا، يبقى تطبيق القانون بحزم وبشكل عادل على الجميع دون استثناء خطوة أساسية لمواجهة الجرائم والحد من الفوضى. تطبيق العدالة يعزز الشعور بالأمان والثقة فى النظام القانوني، مما يُسهم فى استقرار المجتمع وتحقيق التقدم المنشود.
الدكتور جمال فرويز الخبير النفسيالعوامل الاجتماعية
جمال فرويز: تفكك الروابط العائلية وضعف التواصل بين أفراد الأسرة تساهم فى زيادة الجرائم
ويقول الدكتور جمال فرويز الخبير النفسي، تشهد المجتمعات زيادة مقلقة فى معدل الجرائم الأسرية، وهو ما يرتبط بعدة عوامل نفسية تؤثر على الأفراد داخل الأسرة من أبرز هذه العوامل الضغوط النفسية والاقتصادية التى تنشأ من الأزمات المالية والبطالة، مما يؤدى إلى تصاعد التوتر داخل المنزل بالإضافة إلى ذلك، يعانى البعض من اضطرابات نفسية غير معالجة، مثل الاكتئاب والقلق واضطرابات الشخصية، مما يجعلهم أكثر عرضة للسلوك العدواني، موضحًا تعاطى المخدرات والكحول أيضًا يعد سببًا رئيسيًا لتدهور السيطرة على السلوك وارتفاع معدلات العنف داخل الأسرة. ومن ناحية أخرى، قد يكون التنشئة الأسرية الخاطئة والتعرض للعنف فى الطفولة عوامل مؤثرة تكرس هذه الأنماط السلبية عبر الأجيال.
وأضاف فرويز لـ"البوابة"، إلى جانب الأسباب النفسية، تلعب العوامل الاجتماعية دورًا كبيرًا فى زيادة الجرائم الأسرية مثل تفكك الروابط الأسرية وضعف التواصل بين أفراد الأسرة يؤديان إلى انعدام الشعور بالأمان داخل المنزل كما أن التغيرات الثقافية والقيمية، مثل تراجع القيم الأسرية التقليدية وتأثير وسائل الإعلام التى قد تروج للعنف كحل للمشكلات، تساهم فى تفاقم هذه الظاهرة مؤكدًا أن ضعف الوعى القانونى يعد مشكلة أساسية، حيث يجهل البعض حقوقهم أو يخشون الإبلاغ عن العنف بسبب وصمة اجتماعية أو خوف من الانتقام.
وتابع فرويز، أن هناك عدة حلول ممكنة لمعالجة تلك الظاهرة ومواجهتها مثل التركيز على تقديم حلول فعالة ومستدامة والتثقيف الأسرى حيث يأتى فى مقدمة الحلول، من خلال تقديم دورات لتعليم مهارات التواصل وإدارة الغضب وتشجيع الأزواج على طلب المساعدة عند الحاجة، الى جانب تعزيز الدعم النفسى عبر توفير مراكز استشارية نفسية متاحة للجميع، مع نشر الوعى بأهمية العلاج النفسى وتأثيره الإيجابى على استقرار الأسرة، كما أن تطبيق القوانين الرادعة ضد الجرائم الأسرية وتوفير الحماية للضحايا يمثل خطوة هامة لتقليل معدلات العنف وزيادة البرامج المجتمعية التى تركز على بناء الروابط الأسرية، وتقديم الدعم الاقتصادى والاجتماعى للأسر المحتاجة يمكن أن تسهم بشكل كبير فى معالجة جذور المشكلة،
وأوضح فرويز، يلعب الإعلام دورًا محوريًا فى نشر رسائل إيجابية عن أهمية الحوار والتفاهم الأسري، مع تجنب عرض محتوى يروج للعنف أو يعزز السلوكيات السلبية، حيث تحتاج معالجة ظاهرة الجرائم الأسرية إلى تعاون جماعى من جميع أطراف المجتمع، بما فى ذلك الأسر، الجهات الحكومية، والمجتمع المدني. فقط من خلال هذا التعاون يمكننا ضمان بيئة أسرية آمنة ومستقرة، تساهم فى بناء مجتمعات أكثر صحة وسلامة.