لجريدة عمان:
2025-04-10@21:11:34 GMT

رقصة القمر مع أنشتاين

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

انتهيت مؤخرا من قراءة كتاب «رقصة القمر مع أنشتاين» (Moonwalking with Einstein) للكاتب جوشوا فوير وهو كتاب يجمع بين السرد الشخصي والتاريخي والعلمي لاستكشاف تقنيات تحسين الذاكرة والقدرات العقلية. الكتاب يتناول رحلة الكاتب الشخصية التي بدأت أثناء عمله كصحفـي لتغطية مسابقة الذاكرة، لكن الأمر استهواه فقرر أن يشارك كمتسابق ممثلًا لبلاده فـي هذه المسابقة، ليحرز بعد عام من التدريب لقب بطل الولايات المتحدة الأمريكية فـي الذاكرة، بعد أن استفاد خلال تغطيته للمسابقة من تقنيات حديثة وقديمة مثل استخدام «قصر الذاكرة» لتخزين المعلومات بشكل فعّال.

الكتاب رحلة جميلة وساحرة فـي هذه المعجزة التي تسمى بالذاكرة، جعلتني أقف مشدودة أمام هذا الإعجاز الرباني، فقد اكتشفت فالذاكرة ليست مهارة خارقة يتمتع بها البعض فقط، بل هي قدرة يمكن لأي شخص تطويرها بالتدريب المناسب. تعلم جوشوا فوير كيفـية استخدام تقنيات مثل التصور الذهني وربط المعلومات بصور مرئية، وهي استراتيجيات استخدمها المشاركون فـي مسابقات الذاكرة على مر العصور.

ويشدد الكاتب على أن الهدف من تحسين الذاكرة ليس مجرد تخزين المعلومات، بقدر ما هو تغيير طريقة تفكيرنا فـي المعلومات ذاتها وتحليلها. ذلك أن الذاكرة ليست مجرد وسيلة لتذكر الحقائق، بقدر ما هي أداة لتعزيز الإبداع والتفكير النقدي.

علاوة على ذلك، يعزز الكتاب فكرة أن امتلاك ذاكرة قوية لا يعني بالضرورة النجاح فـي الحياة، فالتحدي الحقيقي يكمن فـي كيفـية استغلال هذه القدرات لتحقيق أهداف ذات معنى.

فـي نهاية الكتاب، يستعرض فوير تجربته الشخصية مع الذاكرة وكيف غيّرت هذه الرحلة رؤيته لنفسه وللعالم، بعد أن اكتشف بأن الذاكرة ليست مجرد مجموعة من المعلومات، بل هي جزء من هُويتنا وثقافتنا، هي شخصيتنا ببساطة. الذاكرة ليست أداة للماضي فحسب، بل هي وسيلة لبناء مستقبل أكثر إبداعًا ومعرفة. وهذه الجزئية بالذات جعلت الكاتب يتساءل إن كنا قد أخطأنا فـي تغيير نظام التعليم الذي كان قائما على الحفظ، لأن ما توصل له العلم أننا لا نستطيع أن نطور مهارات التحليل، والتفكير، والتخيل والإبداع، بدون معلومات أساسية قضينا جُل حياتنا فـي تجميعها، فبدون ذاكرة لا يمكن أن نتعلم ببساطة.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

السوجرة قرية من وحي الخيال

قررنا أن نقضي يومنا بطريقة مختلفة، فاخترنا أن يكون الإفطار في مكان لا يشبه غيره، "قرية السوجرة"، تجربة تشعرك وكأنك على وشك الدخول إلى فصل من كتاب قديم، تحمله أوراقه عبق التاريخ، وتروي سطوره حكايات من زمن بعيد، وصلنا إلى القرية التي تقع بين جبلين، تمامًا كأنها مخبأة بعناية في حضن الطبيعة، وكأن الجبال تحرسها من عبث الزمن، السكون كان سيد المكان، لا صوت سوى همسات الريح التي تمر بخفة بين البيوت الحجرية، وكأنها تهمس لنا بقصص من عاشوا هنا قبل عشرات السنين، قرية السوجرة ليست كبقية القرى؛ فهي تعود بأصولها إلى أكثر من 500 عام، عاش فيها جدّان شقيقان، وأسّسا معًا نواة لحياة بسيطة جمعت حولها ست عائلات فقط، ورغم قلة عدد السكان، إلا أن الترابط والانسجام كانا واضحين في كل ركن، في كل حجر من جدران البيوت، وفي كل شجرة زُرعت بيدٍ محبة، ما أثار دهشتنا أن الحكومة لم تُجبر الأهالي على إخلاء القرية كما يحدث في بعض المناطق النائية، بل احترمت ارتباطهم بالمكان، وجلبت إليهم الخدمات الأساسية، حتى في الحالات الطارئة، لم يكن مستحيلًا الوصول إليهم، فكانت طائرات "الهليكوبتر" تُرسل عند الحاجة، وكأن السماء نفسها كانت مفتوحة لهم عند الضرورة.

تخيّل أن تعيش في قرية منعزلة عن العالم، وتضطر أن تمشي لأيام فقط لتصل إلى السوق الأقرب! هذا ما كان يفعله أهل السوجرة، كانوا يحملون معهم ما زرعته أيديهم من ثمار، ويتوجهون إلى سوق نزوى، في رحلة تستغرق ثلاثة أيام كاملة، يومًا ونصف اليوم ذهابًا، ويومًا ونصف اليوم عودة، يبيعون ثمارهم هناك، ويشترون ما يحتاجونه من طعام وبهارات وأساسيات حياتهم البسيطة، تخيّل كل تلك المسافة، كل ذاك الجهد، فقط لتأمين لقمة العيش، لكنه كان جزءًا من نمط حياة لا يعرف التذمر، بل تحكمه القناعة والرضا، أوقاتهم كانت تسير على إيقاع الطبيعة والعبادة، يصحون مع أذان الفجر، ويبدؤون يومهم مع شروق الشمس، ويخلدون إلى النوم بعد صلاة العشاء، حين يغمر الظلام القرية ويعود السكون ليحتضنها من جديد، لا ضوضاء، لا أضواء اصطناعية، فقط سكون يعلّق الزمن بين الجبلين.

البيوت هناك تُشبه القصص، صغيرة، حجرية، لكنها تحوي دفئًا لا يمكن أن تراه، بل تشعر به، ربما لأن كل جدار فيها شهد ضحكة، وكل زاوية فيها تحمل ذكرى، وكل ممر بين بيوتها ضم خطوات لأجيال مضت، السوجرة ليست مجرد قرية، بل فصل محفوظ من كتاب الهوية العُمانية، هي نموذج لحياة اتسمت بالبساطة، لكنها مشبعة بالقيمة، حياة لا تعرف الإسراف، ولا تلهث خلف التكنولوجيا، بل تسير على إيقاع الشمس والظل، الماء والتربة، الدعاء والكد، وأثناء جلوسنا هناك، وتناول الإفطار وسط هذا الهدوء الساحر، أحسسنا أننا لسنا مجرد زائرين، بل ضيوف على قصة أزلية، قصة لا تزال تُروى رغم أن معظم شخوصها قد غادروها وانتقلوا إلى مساحة مجاورة.

كان أكثر ما لفت انتباهنا في قرية السوجرة هو الانسجام العجيب بين الإنسان والمكان، كل شيء هناك يشعرك وكأن الطبيعة والناس اتفقوا على نوع من التعايش السلمي، لا اعتداء فيه ولا صخب، الأشجار تنمو بهدوء، والمياه تنساب في مجاريها القديمة، والبيوت لا تحاول أن تتجاوز حدود الأرض، بل تتماهى معها، بلون الحجر نفسه وروحه، بينما كنا نتجول في أزقة القرية، مررنا بآثار الدروب الترابية، ربما لأطفال عاشوا هنا قبل عشرات السنين، وربما لحمار يحمل على ظهره الحطب، أو لامرأة كانت عائدة من الحقول، كل شيء له ذاكرة، وله حكاية، حتى الجدران المتصدعة لم تكن مجرد حجارة متهالكة، بل صفحات صامتة من تاريخ عائلات عاشت، وفرحت، وبكت هنا.

سمعنا من أصحاب المكان الذين بقوا في المنطقة والذين كانوا يشرفون على النزل، أن الحياة في السوجرة لم تكن سهلة، لكنها كانت كريمة، كانوا يزرعون ما يأكلون، ويقتسمون ما يجنونه، فلا جوع يستفرد ببيت، ولا حاجة تُترك دون سند، القوة لم تكن في كثرة المال أو البنيان، بل في الترابط، في شعور كل فرد بأن القرية بأكملها تقف خلفه إن احتاج، حدثنا أحد المشرفين القائمين على النزل عن الشتاء هناك، حيث يلبس الضباب القرية بأكملها رداءً من الغموض، ويغلق الجبلان على قريتهما الصغيرة كما لو كانا يحميانها من العالم الخارجي، وفي الصيف، تتزين الحقول بالخضرة.

ما يجعل السوجرة مميزة ليس فقط قدمها أو مكانها، بل استمرارها، قرى كثيرة هُجرت، وبيوت كثيرة تُركت، لكن السوجرة لا تزال تحتفظ ببعض من نبضها، لا تزال تنبض بالقصة، وبالذكرى، وبالأمل، حيث قام أحفاد أولئك الأجداد بإعادة الحياة لها من جديد عبر ترميم المنازل القديمة وتحويلها إلى نُزل تراثية عن طريق شركاتهم العائلية التي تبنّت هذا الدور، لكونهم أحرص الناس على تراثهم، رحلتنا هذه لم تكن مجرد نزهة، بل كانت دعوة للتأمل، وتذكيرًا بأن البساطة ليست نقصًا، بل جمال من نوع مختلف، وفي زمن تتسارع فيه الحياة، وتتشابك فيه الشاشات والتطبيقات، هناك مكان ما بين جبلين، لا يزال يحتفظ بإيقاع الزمن الجميل، وغادرنا السوجرة، لكن بقيت أرواحنا هناك، تسرح بين جدرانها العتيقة، وتتنفس من سكونها الطاهر، وكأن القرية اختارت أن تُقيم فينا، لا أن نُقيم فيها، والذي لا شك فيه أنها الزيارة الأولى، ولكنها حتمًا ليست الأخيرة.

مقالات مشابهة

  • المغرب ضيف شرف معرض الكتاب بباريس ورشيدة داتي تخصص استقبالاً فخماً للوفد المغربي (صور)
  • ودع النسيان ...8 أطعمة طبيعية تقوي الذاكرة وتساعد على التركيز
  • هيئة الكتاب تقدم تخفيضات على أعمال نجيب محفوظ
  • حزب الكتاب: الدعم الأمريكي لمقترح الحكم الذاتي سيساهم في طي ملف الصحراء نهائياً
  • احذرها.. 4 عادات تفعلها يوميا تسبب ضعف الذاكرة ببطء دون أن تشعر
  • عادات يومية تضعف الذاكرة ببطء.. احذرها
  • بالصور.. الاحتفال باليوم الوطني لليونان وتكريم اسم الموسيقار ميكيس ثيودوراكيس في الأوبرا
  • ماكرون: غزة ليست مشروعا عقاريا
  • السوجرة قرية من وحي الخيال
  • ورشة عمل بـ"زراعة القناة" لتدريب أعضاء هيئة التدريس على إعداد الكتاب الإلكتروني التفاعلي