(1)
لن تمضي القافلة من هنا؛ فهذا الدَّرب مسرى الأنبياء، والمجانين، والمشعوذين، والصَّالحين، والشُّعراء، والثُّوار، والكاذبين، والصَّعاليك.
لكن، على القافلة أن تمضي من هنا.
(2)
يتحقَّقون فـي الهواء المُرِّ، والمؤامرة، والطَّماطم الرَّكيكة، وحالات الإسهال الحاد على الفِراش والذِّكريات، والحسابات المصرفـيَّة المتشِّحمة، والشُّهرة الشَّهريَّة (وتقريبا هذا كل شيء).
إنما أحكي عمومًا عن قوم تعرفونهم، وإنما أخصُّ بالذِّكر نفرًا ستعلمون.
(3)
مساكين ومثيرون للشفقة هؤلاء الأيتام (بأكثر مما هم أيتام): يبحثون عن آباء وأمَّهات لدى الضِّباع، وفـي حدائق الحيوانات.
(4)
أبحث عن ماءٍ غير النَّهر، وأكبر من البحر (وفـي مكانٍ ما من هذا العالم لا توجد مدينة، ولا غرفة، ولا ماء، ولا قدَّاحة، ولا استغفار).
(5)
لستُ فـي وارد الطِّين؛ لستُ بمنأى عن الخلق؛ لستُ شريدًا فـي الموت؛ لستُ بعيدًا عن الجلجلة؛ لستُ فـي حِلٍّ من الأسى..
أنا أقربُ فـي الحسبان، وفـي السَّراب.
(6)
لا وصف لليأس (حصادٌ هائلٌ، ولا عصفور واحد).
(7)
صباح من غير قُبلة. النَّهار وآخر المجرَّات تطوف حول بحرٍ عظيم.
(8)
انتزع الليل رموشي من غير مساومة أو قصائد، وأعرف أني لن أراك فـي رابعة المشهد.
(9)
أنتِ فـي الكلمات التي فـي التَّأتأة، والنِّسيان حصْرَم النَّواجذ.
(10)
لأنكَ قد فعلتَ هذا أو ذاك، أو لأنه كان ينبغي أن تفعلَ ذلك.
(11)
على المجداف محاطا بالأسماك الصَّغيرة، على الملح المُشَبَّع بالملح، أيتها اللوعة التي تعرفـين، ولا تعرفـين.
(12)
فـي لغطٍ، ليس كمن يحاولون، ولا مثل من يعترفون، وليس كما من يعرفون.
(13)
فـي الهجرةِ يا رائحتكِ.
(14)
نسيتُ الوداع على حافَّة العباءة، غفلتُ عن النَّار فـي القميص، وكنتِ تمشين على فردتي حذاء من نوع الكعب العالي الذي أكرهُ، فخِفتُ.
(15)
الخوف هو الشيء الوحيد الذي لا تنتهي مدة صلاحيته.
(16)
أنتِ وأنا لسنا فـي الباقي.
(17)
كنت سعيدًا لحوالي دقيقة كاملة.
أكنتِ أنت بين البرزخ والمغيب؟ أكنتُ أنا بين الشَّرشف والسُّجود؟
ترى، هل عليَّ أن أؤمن بتناسخٍ عَرَضِيٍّ للأرواح؟ («نحن لا نرى الأشياء كما هي، بل نراها كما نحن. لا يموت الحب أبدا موتا طبيعيَّا» (أنايَس نِنْ، «غواية المينوطور»).
(18)
شيء واحد فقط صرت أعرفه عن السِّر: لم يوجد قَط. نحن فقط نكابد كل الحياة من أجله.
(19)
بقي على الفداحةِ فداحةٌ لا ريب فـيها.
(20)
السُّتون من العمر: موسم الضياع الجديد، وطقس الطَّائر اليتيم، وقهقهة كل الجسور.
(21)
لا تذهبي فـي الإغماض لدى قانون العيون فـي الكلام.
أخاف أن أموت فـي أثناء الحديث.
(22)
ارتشت الأكابر بالصَّغائر، وصار على الشَّمس أن تغيب مجددا خلف آخر حكاية.
(23)
لا أكُفُّ عن الزَّوال (مرَّة أخرى، لأجلكِ).
(24)
ليس فـي النَّشيد، ولا فـي الأعلام الخَفَّاقة، والشَّوارع الكسيحة، وليس فـي القبر: يوجد الغد فـي قبرٍ أو مكان آخر.
(25)
إنَّما أحبُّكِ، لوجهكِ، ووجهي (وليس لغير هذين من وجوه).
(26)
المعطوب لا يحتاج الطريق (للنُّجوم شأن آخر يعنيها).
(27)
الأب والأم: أفضل تدريب ممكن (لعدم إمكانية تدريب سابق عليهما).
(28)
ليس كل الصَّمت خيرًا، وراجح الاسترسال عطب.
(29)
لم يمهلونا فـي الشُّروق، ثم تفاجأنا بالليل الذي باغتهم (على طريقة «قلعة» قاسم حدَّاد، وإن يكن بطريقة معكوسة):
«أرمِّمُ أسوارَ القلعة
أدْهَنُها، وأزيَّنُها بالقناديل
كي ترشدَ الهجومَ التالي،
فربما يحلو لهم أن يَبْغتُوا فـي الليل
فها أنا وحدي والقلعة صامدة».
(30)
حلَّ البحر، ورحل البخور، وعادت الرِّياح و«الزُّطوط»، وليتكِ كنتِ أمِّي.
(31)
تبقَّى قِطٌّ فـي القمار، ومسافر واحد فـي القطار.
(32)
لغاية الآن، حَدَثَ الكثير على الأرض (والقليل فـي أماكن النَّوم والانفجارات الأخرى).
(33)
لو أتيحت لي دقيقة (أعني: دقيقة واحدة فقط، أي: ستين ثانية) قبل أن يُطَوِّح بنا العتاب إلى بقية الدَّهر، لما كنت سأقول شيئا (أيضا).
(34)
يراهم القمر فـي التَّضَعْضُع.
(35)
القماش أكثر نأيا من الميناء.
(36)
ينفق الابن كل حياته وعذابه فـي كتابة سيرة الأب التي لن يقرأها أحد.
(37)
أليس هذا غريبا بعض الشيء: يذهب النَّاس إلى النَّوم، ويتوسَّط القمر البيوت؟
(38)
نطلب النَّجدة من الرُّكبة، ونذهبُ بالرُّكبة إلى الخسوف.
(39)
كلُّهم يتكئون على الأموات (الأموات شريعة الأحياء، فقط).
(40)
أيها الأشاوس الصَّناديد: كيف فاتكم أنه ميَّت قبل إطلاق الرَّصاصة الأولى؟
(41)
لا يحتاج المعراج لأسرار.
(42)
يستضيفهم الحَرَسُ فـي الليل، والمواخير، والهِبات (ولا يكتبون شيئًا عن الحَرَس فـي النَّهار والقصائد).
(43)
كل تلك المنايا، تقتاتك المنايا (ولا أحد ينتظر).
(44)
لا تتوسل الموت أن يأتي (الهلاك أنَفَة).
(45)
فـي كل حقيبة ضيم. فـي كل ليل عناكب. فـي كل خطاب خفافـيش.
(46)
موتهم أصغر من الطَّاغية الذي رسم لهم دروب الموت.
(47)
لا حُب من دون قربان.
(48)
يا لهذا الذي ما بعده شيء: صاروا يطالبون بأجر أكبر مقابل إيواء وإطعام الغزاة.
(49)
تأخر المطر كثيرا فـي هذا الموسم (لم يعد لنا أموات، وماء، وبكاء، وذكريات).
(50)
مضى الموكب من أمامنا، وعدنا إلى الكوكب.
(51)
لا أكُفُّ عن الزَّوال (أقول هذا مرَّة أخرى. وفـي هذه المرَّة لأجلكِ، أيضا).
(52)
أفهمه كثيرا ويفهمني جيِّدا: «العصفور يقول لإخوته: فـي نهاية الأمر هناك جاذبيَّة». «خزانة من الملح مأخوذة بنفسها». «بعكَّازين ينزل إلى الهاوية» (ماجد الثّبيتي، “LCD”)، «القبر لم يعد آمنا»).
(53)
ليس سَبتا، ولا ثلاثاء، ولا جمعة، وليس «اليوم خمر وغدا أمر» (امرؤ القيس): اليوم هو الدَّهر.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
اتفاق المنامة السوداني الذي يتجاهله الجميع
"إذ نؤمن بضرورة رفع المعاناة عن كاهل شعبنا والتوصل إلى حلول للأزمة السودانية، تنهي الحرب التي بدأت في الخامس عشر من إبريل 2023، والتي يستلزم وقفُها تكاتف أبناء الشعب السوداني بمختلف مكوناته وانتماءاته. وإذ نقرّ بأن الأزمة السودانية منذ الاستقلال هي أزمة سياسية، وأمنية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية شاملة يجب الاعتراف بها وحلّها حلاً جذرياً. وإذ ندرك أنّ الحرب الحالية قد سبّبت خسائر مروّعة في الأرواح ومعاناة إنسانية لم يسبق لها مثيل، من حيث اتّساع النطاق الجغرافي، وأنها دمّرت البنيات التحتية للبلاد، وأهدرت مواردها الاقتصادية، لا سيّما في الخرطوم ودارفور وكردفان. وإذ نؤكد رغبتنا الصادقة في تسوية النزاع المستمر على نحوٍ عادل ومستدام عبر حوار سوداني/ سوداني، يُنهي جميع الحروب والنزاعات في السودان بمعالجة أسبابها الجذرية، والاتفاق على إطار للحكم يضمن لكل المناطق اقتسام السلطة والثروة بعدالة، ويعزّز الحقوق الجماعية والفردية لكل السودانيين" ... بهذه الديباجة، وأكثر، تبدأ اتفاقية المنامة الموقّعة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في 20 يناير/ كانون الثاني 2024، وجاءت بعد خمسة أيام من رفض قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان لقاء قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وتأكيده أنه لا حاجة لأيّ تفاوض جديد، بل يجب تنفيذ نتائج قمة "الإيقاد"، التي عُقدت في جيبوتي في ديسمبر/ كانون الأول 2023، على نحوٍ طارئ لمناقشة حرب السودان. وخلصت إلى التزام من قائد الجيش وقائد "الدعم السريع" بالاجتماع الفوري ووقف الأعمال العدائية.
في خطابه إلى القمة العربية الطارئة، أكد البرهان أن أولوليات حل الأزمة (الحرب) هي الالتزام بإعلان جدّة للمبادئ الإنسانية، ووقف إطلاق النار، وإزالة معوقات تقديم المعونات الإنسانية، وتعقب ذلك عملية سياسية شاملة للتوصل إلى توافق وطني لإدارة المرحلة الانتقالية ثم الانتخابات، لكن في 20 يناير 2024، وفي يوم توقيع اتفاق المنامة الذي وقّعه عن القوات المسلّحة الفريق أول شمس الدين كباشي نائب القائد العام للجيش، وعن الدعم السريع "الفريق"(!) عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي، الذي حصل مثله ومثل غيره من قادة المليشيات على رتب عسكرية من الجيش السوداني، في اليوم نفسه، جمّد السودان عضويته في منظمة الإيقاد! وتحوّلت المنظمة التي كانت قبل أيام "صاحبة دور مهم في الوصول إلى السّلام" إلى "منظمة الجراد" في الخطابات الشعبوية التي تطلقها السلطة العسكرية.
مرّ اتفاق المنامة من دون ضجيج. وربما لو لم يتسرّب خبر التفاوض الذي أكده بعد ذلك تصريح أميركي، لظلّ الأمر في دائرة الشائعات. رغم الحضور الدولي والمخابراتي في التفاوض.
اتفق الطرفان، في البند السابع من وثيقة المنامة، على "بناء وتأسيس جيش واحد مهني وقومي، يتكوّن من جميع القوات العسكرية (القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وحركات الكفاح المسلح)، ولا يكون له انتماء سياسي أو أيديولوجيّ، يراعي التنوع والتعدّد، ويمثل جميع السودانيين في مستوياته كافّة بعدالة، وينأى عن السياسة والنشاط الاقتصادي"، واتفق الطرفان في البند 11 على "تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 في مؤسسات الدولة كافّة"، أما البند 19 فقد نصّ على "حوار وطني شامل للوصول إلى حل سياسي، بمشاركة جميع الفاعلين (مدنيين وعسكريين)، دون إقصاء لأحد، عدا حزب المؤتمر الوطني المحلول والحركة الإسلامية التابعة له وواجهاته، بما يؤدي إلى انتقال سلمي ديمقراطي".
بمقارنة اتفاق المنامة بين الجيش و"الدعم السريع" مع إعلان أديس أبابا الموقّع بين تنسيقية القوى الديموقراطية والمدنية و"الدعم السريع" في 2 يناير 2024 (قبل 18 يوم من توقيع اتفاق المنامة) يصعب فهم إدانة الجيش إعلان أديس أبابا! فالإعلان نصّ على أن التفاهمات الواردة فيه "ستطرح بواسطة تنسيقية القوى الديموقراطية والمدنية لقيادة القوات المسلحة لتكون أساساً للوصول إلى حل سلمي ينهي الحرب"، وهو الحل السلمي نفسه الذي نصّت عليه اتفاقية المنامة قائلة: "نجدّد قناعتنا بأن التفاوض هو السبيل الأفضل والأوحد للتوصل إلى تسوية سياسية، سلمية شاملة للنزاعات والحروب في السودان"، وهو ما أكده قائد الجيش في خطابه إلى قمة "الإيقاد"، قبل أن ينقلب على المنظمة ويجمّد عضوية السودان فيها، مدّة قاربت العام.
... سيبقى ما حدث لغزاً للسودانيين فترة طويلة، ضمن ألغاز أخرى تحيط بهذه الحرب. كيف دار هذا التفاوض؟ لماذا لم يجرِ الإعلان عنه، لماذا وقّع عليه نائبا البرهان وحميدتي ثم تجاهله الجميع؟
نقلا عن العربي الجديد