- السنوار لم يكن مختبئا في الأنفاق ولا محتميًا بالرهائن أو المدنيين.. بل سقط شهيدًا في ميدان القتال
- انهيار المقاومة يفتح الطريق أمام المشروع الإسرائيلي لتحقيق أطماعه
- نحن دعاة سلام ولكن العدو لا يريد سلامًا ويحدث تغييرًا في عقيدته العسكرية لصالح التطرف والحسم
دعك من أحاديث الخونة والمتصهينين، دعك من محاولة جر الأمة إلى فتنة كبرى في الوقت الذي نُذبح فيه من الوريد إلى الوريد، المرحلة تنذر بالخطر الشديد الذي لا يستثنى أحدًا، هذا المجنون النتن ياهو يقتل بلا رحمة، حرب الإبادة تزداد شراسة، انظر إلى مذبحة «مشروع بيت لاهيا» أمس الأول، 73 شهيدًا وعشرات الجرحى في أقل من نصف ساعة، تأمل معي مشهد شمال غزة، حيث تم فصلها عن المدينة كاملة، الجثث مكدسة في الشوارع وحصار الموت والجوع في كل مكان، هنا يشعر الناس بأن يوم القيامة قد بدأ، لا تسألني عن الضمير الإنساني، ولا تحدثني عن قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، لا تنتظر شيئًا من المنظمات الدولية، فالكل متواطئون.
أمضى في الدروب والشوارع، الركام في كل مكان، رائحة الجثث تطارد أنفاسي، أطفال بلا مأوى، عائلات بأكملها اندثرت، لكن هذا الشعب حقًا غريب رغم طوفان الموت، رغم الخراب والدمار، رغم أن كل فرد يدرك أنه مشروع شهيد، إن لم يكن اليوم فغدا.. لكنهم لا يزالون مصرين على زرع الأمل: غدًا فلسطين تعود.قالها طفل لم يتعد العاشرة من عمره، رغم الدماء التي تنزف من رأسه لتغطي وجهه، لقد أخرجوه للتو من تحت جدار منزل حطمه طيران العدو بصواريخه الفتاكة.
في ظل هذه الظروف والأجواء، يرحل يحيى السنوار الذي استشهد على يد جنود من جيش الاحتلال، كان العثور عليه صدفة، لم تكن فتاكة من الإسرائيليين، لم يكن الرجل مختبئًا في الأنفاق، ولا محتميًا بالمدنيين أو الرهائن، كان ممسكًا بسلاحه مقاتلًا في الصفوف الأمامية، فرحل شهيدًا، وخلد اسمه في قائمة الشرف، قبله رحل كثيرون، رحل (أبو العبد) إسماعيل هنية، ورحل حسن نصر الله، كانوا جميعًا يحملون الراية، ولم يتخلوا عنها.
دعك من حديث الإفك، هؤلاء الذين يسعون إلى الإساءة التي تصب في نهاية الأمر لصالح الصهاينة، أعداء الماضي والحاضر والمستقبل، دعك من اللجان الإلكترونية التي أنشأها الموساد بأسماء عربية، دعك من الأغبياء الذين لا يعرفون أن انهيار المقاومة معناه فتح الطريق للعدو ليمارس المزيد من الطغيان، نحن الآن أمام التحدي الأكبر.
هل يعقل في وقت يقتل فيه البشر، وتقام المذابح ليلًا ونهارًا أن يتصاعد الخلاف حول هذا الشخص أو ذاك؟ هل يعقل أن يتناسى البعض من يقتلنا ويمثل بجثث أطفالنا، لنختلق صراعًا حول من هو «الشهيد»؟ بينما العدو يراكم جميعًا مشروع ذبح مؤجلا، اقرأوا كلمات النتن ياهو، عن مطامعه وحلم كيانه من النيل إلى الفرات، توقفوا عن هذا العبث سريعًا، ووحدوا الصفوف وانتصروا للشرف والعرض.
نحن دعاة سلام، ولكن العدو لا يريد سلامًا.. لديه مشروع يسعى إلى تحقيقه، ويرى أن هذه اللحظة مناسبة. المخطط ليس سهلًا، لا تبرئوا أحداث الربيع «العبري» الفوضى الخلاقة من هذا السيناريو الذي هو استكمال لمخطط هذا الربيع الذي سقط في «بئره» الجميع بلا استثناء.
كانت عملية «طوفان الأقصى» صدمة للعدو، لم تكن فعلًا مغامرًا، لكنها أرادت فرملة مخطط رهيب، ظهرت ملامحه منذ تأسيس حكومة النتن ياهو الأخيرة، حيث سيطرة الأحزاب الأمنية والمتطرفين الذي لا يعترفون بشيء اسمه فلسطين أو شعب فلسطيني، وهم الحالمون بالعودة إلى سيناء مرة أخرى، لكنهم ينسون أو يتناسون أن هناك جيشًا مصريًا عظيمًا وقائدا وطنيًا جسورًا يقف لهم بالمرصاد، يدير الأزمة بحكمة وبرؤية ثاقبة.
الحلم الإسرائيلي لا يتوقف، النتن يرى أنها الحرب الأخيرة، يسميها «حرب يوم القيامة» بدلًا من "السيوف الحديدية"يعتبر أن الحرب التي يخوضها هي حرب «وجودية»، من هنا كان سلوك جيش الاحتلال بلا قيم وبلا أخلاق، لا يعير القانون الدولي، ولا الإنساني اهتمامًا. انتهى زمن الحرب الخاطفة، الحرب على فلسطين مستمرة لأكثر من عام، وأمريكا لا تتوقف عن الإمداد، 50 ألف طن من الذخيرة تسلمها جيش الاحتلال ناهيك عن الأسلحة وعشرات المليارات التي تدفقت إلى العدو. العقيدة الإسرائيلية الجديدة تركز على الاستعمال المفرط للقوة دون ضوابط، هي ذاتها العقيدة التي تحدث عنها الجنرال يعقوب عميدور مستشار نتنياهو السابق للأمن القومي.
لقد كتب يقول: في الماضي كان مقبولًا التفكير أن على إسرائيل العمل على تقليل مدة الحروب وذلك لمنع أي ضرر للاقتصاد وتحرير الاحتياط، ولكن هناك حاجة إلى التفكير بهذا الأمر من جديد.يكمل بقوله: اليوم إسرائيل هي الجانب «الثقيل» في المواجهة أمام التنظيمات المسلحة، يوجد لديها عمق «لوجيستي» وقدرة على الاستمرارية، وحتى قدرة على تكثيف العمل العسكري لمدة زمنية طويلة، وهما أفضليتان لا تملكهما التنظيمات التي تواجهها. ويضيف: صحيح أن إطالة الحرب قد تؤدي إلى استمرار القصف على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، ولكن في الحساب العام فإن الوضع الحالي الذي يشهد حربًا طويلة بالذات، سيؤدي إلى تدمير منهجي لقدرات الخصم وبنيته التحتية وهو (الوضع) المفضل لإسرائيل.
هذا عن كلام عميدور، وهو واحد من أعمدة التخطيط الاستراتيجي الإسرائيلي، نحن هنا أمام عقيدة عسكرية جديدة، هي عقيدة تختلف اختلافًا جذريًا عن العقيدة التقليدية، عقيدة اليوم تقول: إن الواقع الذي تخلفه العملية العسكرية هو الواقع السياسي الذي يجب التمسك به وفرضه، من هنا يرى عميدور أن على إسرائيل التمسك بمحور صلاح الدين «فيلادلفيا» وإلا فما معنى للحرب إذا انسحبت إسرائيل من المحور، حيث تستطيع حركة حماس عن طريقه أن تعيد بناء قواتها العسكرية من جديد، وأيضًا تكريس محور «نتساريم» بما يؤدي إلى فصل شمال القطاع عن جنوبه، وتفريغ الشمال من السكان، تمهيدًا لخلق واقع جديد في القطاع يعتمد على الواقع العسكري دون تسويات سياسية.
إذن علينا أن نتوقف أمام هذه العقيدة الإسرائيلية الجديدة التي بمقتضاها جرى التوافق على حسم الصراع بدلًا من إدارته، الإدارة كانت تعني في السابق تحقيق الرؤية الإسرائيلية ببطء، توسيع الاستيطان بطرق محسوبة، الفصل بين الضفة والقطاع ودون أفق سياسي يؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية، وأيضًا محاولة احتواء حماس وإيجاد منافذ للتواصل مع السلطة الفلسطينية. يبدو أن كل ذلك قد انتهى في ضوء معطيات الواقع الجديد.
الآن تقرر تبني استراتيجية الحسم، التي تهدف إلى القضاء نهائيًا على حركة «حماس» بدلًا من احتوائها، والسيطرة العسكرية والأمنية على القطاع، وضم مناطق من أراضيه وإقامة مستوطنات إسرائيلية ومناطق أمنية عازلة عليها، وكذلك الحال رفض أي اعتراف دولي بالدولة الفلسطينية، وهو ما تأكد في تصويت الكنيست الإسرائيلي في يوليو 2024، والذي تجسد في رفض السلطة التشريعية الإسرائيلية للمرة الأولى منذ اتفاق أوسلو للدولة الفلسطينية أيًا كان شكل هذه الدولة.
صحيح أن جيش الاحتلال يقتل ويدمر، يغتال القادة وينصب المجازر، يتحدث عن حرب القيامة وعن مشروع إسرائيل الكبرى، لكنه يتناسى أن المقاومة قادرة على أن تزلزل وتصل حتى إلى منزل النتن ياهو نفسه.
لقد تجاهل الخسائر الفادحة في صفوف ضباطه وجنوده بينما الروح المعنوية لجيشه باتت على المحك.
الشعوب لا تهزم، حتى ولو سقط كل قادتها ضحايا، اقتل كما تشاء، فهذا لا ينتج سلامًا ولا يحقق أمنًا، بل يزيد من عنفوان المقاومة، وتضحيات المقهورين.. استشهد السنوار هناك مليون «سنوار» آخر مستعدون للموت دفاعًا عن الوطن، فلا تغتروا كثيرًا، غيركم كان أشطر، والأيام بيننا.
اقرأ أيضاًمصطفى بكري عن كتابه «حلم إسرائيل الكبرى»: يكشف سيناريو ما هو متوقع
مصطفى بكري: انفجار المسيرة بمنزل نتنياهو يؤكد فشل نظرية الردع الإسرائيلية
مصطفى بكري يستنكر الصمت الدولي على جرائم الاحتلال في غزة
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: فلسطين مصطفى بكري حماس قضية فلسطين الكاتب الصحفي مصطفى بكري العدوان على غزة يحيى السنوار السنوار جیش الاحتلال النتن یاهو
إقرأ أيضاً:
تصاعد الدعوات الإسرائيلية لتشديد حصار غزة ومنع توزيع المساعدات الإنسانية
مع اقتراب حماس والاحتلال من النقطة التي قد تنفجر عندها مفاوضات التبادل نحو تنفيذ المرحلة الثانية من الصفقة، دار نقاش حاد في الأسابيع الأخيرة حول ما إذا كان الاحتلال قادرا على تحقيق هدفي الحرب: هزيمة حماس، ومنع سيطرتها العسكرية والحكومية على غزة، وإطلاق سراح المختطفين.
المحامي يهودا شيفر الخبير الدولي بمكافحة تمويل "الإرهاب"، ومؤسس هيئة حظر غسل الأموال، ذكر أنه "بعد حوالي خمسمائة يوم منذ بدء القتال في غزة، بات من الواضح للجميع اليوم أن نقطة الضعف الرئيسية لدى حماس تتمثل في إمدادات الوقود والغذاء والمياه، لأنه في الأيام الأولى للحرب منع الاحتلال دخول المساعدات الإنسانية بشكل كامل، مما دفع الحركة للموافقة على الإفراج التدريجي عن عدد كبير من المختطفين، ثم خضع الاحتلال للضغوط الدولية الهائلة، وسمح بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع".
وأضاف في مقال نشرته القناة 12، وترجمته "عربي21" أن "تقديم هذه المساعدات حرم الاحتلال من رافعة ضغط أساسية في ملف التفاوض، وأدّى لإطالة أمد القتال، ولو استطاع الاحتلال منع الوقود والماء والغذاء من دخول غزة، فإنها كانت ستمارس ضغوطاً ستؤدي لهزيمة الحركة، وتحقيق أهداف الاحتلال فيما يتصل بصفقات التبادل، لكن علينا أن نسأل: هل يمكن منع دخول المساعدات الإنسانية للقطاع، مع أن الإجابة على السؤال ليست بسيطة، وتتطلب تفكيراً قانونياً وعملياً خارج الصندوق".
وأشار إلى أن "منع دخول المساعدات الإنسانية للقطاع يتعارض مع القانون الدولي الإنساني المرتكز على اتفاقيات جنيف، لكن هناك قواعد دولية ركيزتها الاتفاقية الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب وقواعد مجموعة العمل المالي (FATF)، التي تحظر تقديم أي مساعدة، حتى غير إنسانية، لمنظمة مسلحة، أو لأي شخص تحت سيطرتها، وهذه القواعد راسخة في القانون الأميركي، لأن المساعدات لا تصل فقط للمدنيين الفلسطينيين، بل لحماس نفسها، التي تواصل القتال، مما يعني تقديم المساعدات المباشرة للعدو".
وزعم أن "مفتاح النصر وتحقيق هدفي الحرب يكمن بتغيير النموذج، وتطبيق القواعد الدولية بشكل أكثر دقة، بحيث يتم توزيع المساعدات الإنسانية فقط في المناطق التي لا تخضع لسيطرة حماس، ومن غير المنتمين لها، وبذل الجهود لإنشاء مناطق لتوزيع المساعدات تكون تحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة للاحتلال، لأن المساعدات الإنسانية يتم توزيعها اليوم في غزة من خلال حماس ومؤسساتها".
وأشار إلى أن "تهديد الاحتلال بالعودة للحرب في حال تعثر اتفاق وقف إطلاق النار، يستدعي منها اتخاذ إجراءات لتغيير طريقة توزيع المساعدات بشكل كامل في المناطق التي لا تخضع لسيطرة حماس، وممن لا يخضعون لها، سواء من قبل الجيش نفسه، أو هيئة دولية أخرى، رغم فشله بتنفيذ هذه الخطة أثناء الحرب، بزعم عدم المخاطرة بحياة الجنود من أجل أداء مهمة مدنية، وهي توزيع المساعدات، رغم أنها ستؤدي لنتائج أفضل كثيراً بممارسة الضغوط على حماس".