هل يمكن لنا أن نحدث تنمية بعيدًا عن علم ومعرفة؟ والإجابة أنه من المستحيل أن نصل لنهضة وتنمية دون وعي سليم يتمخض عن علم ومعرفة تؤدي للممارسة التي تقبل التقويم وفي الإمكان تطويرها؛ لنحقق من خلالها الابتكار في أي مجال تنموي، يضاف لذلك حالة تكوين الضمير الوطني التي تدعونا أن نعمل بإخلاص وإتقان فيما نؤديه من ممارسات نوعية أو عامة لإيجاد المناخ الذي يسهم في الحفاظ على كيان الدولة ومؤسساتها ويتوالى ذلك من جيل لآخر.


وفي خضم زخم التسارع التقني والتدفق المعرفي بات من الضرورة العمل على تنمية القيم لدى الإنسان؛ كي يتحلى بسياج الأخلاق الحميدة التي تحميه من شرور الانحراف النفسي والاجتماعي، ويصبح الجانب الروحي لديه طاغيًا على الجانب البيولوجي، وهنا نصل لحالة إعلاء التكوين الوجداني التي تعمل على ضبط النفس وحسن التصرف والسلوك القويم وحب العمل استشعارًا بالمسئولية على المستوى الفردي والجماعي.

وتشكل حالة التوازن في تشكيل وعي الفرد ما بين وجدان راقي وأداء متقن وتعامل حسن؛ حيث نستطيع أن نغرس قيم الحب والمودة في فؤاده ليصبح راغبًا في الحياة مشاركًا في إعمارها لديه رؤى يطور ويعدل من خلالها في ضوء ما يكتسبه من خبرات يتلقاها بصورة مقصودة وغير مقصودة، وهنا نرصد تقبله للخلق الحميد من صدق وأمانة وحفاظ على العهد والوعد، يؤدي ما عليه ولا يتقاعس عن أداء واجباته، يشعر بأهمية القرين الصالح ويكون علاقات اجتماعية سوية تنير له الطريق ويشعر معها بالارتياح وصفاء النفس.

وتقلبات الأحداث وتموجاتها تؤدي إلى نوع من الارتباك الفكري لدى الفرد؛ فهناك تداخل بين ما هي حقيقي ومزيف، وهناك غموض حول ماهية الصدق والإدعاء غير الصحيح، وهناك مصالح تعارضها قيم، إلى غير ذلك من المتناقضات التي تجعل الإنسان في حيرة من أمره، وهنا يكمن أهمية الأمن الفكري الذي يعد دون مواربة ركيزة لفلسفة تحقيق الأمن والأمان والاستقرار.

ومعادلة الأمن الفكري تتحقق حال إيمان الفرد بثوابت القيم المجتمعية ومبادئه وأصوله، وفي ضوء ذلك نرصد حالة الاطمئنان والاستقرار النفسي الذي يساعد على تقبل الفكر الصحيح ونبذ المنحرف منه، والإيمان بالمعتقد المنسدل من مقاصد الشريعة الوسطية السمحاء، ومن ثم يبعد عن صور المغالاة والتشدد، وهذا مجتمعيا يمثل ركنًا رئيسًا لاستراتيجية أمن الدولة ومن دعائم استقرارها على المدى البعيد.

إن أسباب التفكك المجتمعي التي نشاهدها اليوم واضحة لا لبس فيها؛ حيث تتمثل في سيل الأفكار السلبية المتطرفة الشاردة منها والواردة والتي تستهدف الفرد والجماعات وتحقق الغاية التي تكمن في إضعاف حالة الاستقرار في شتى مناحي الحياة؛ فما أخطر من الخلاف الفكري الذي يؤدي إلى نزاع مسلح يقوض مساعي الوطن في مناحيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعقدية والعسكرية، وهذا كله يطيح بماهية الأمن القومي للدولة.
ودعونا نتفق على أهمية تشكيل الوعي الصحيح لدى الفرد والمجتمع بكل أنماطه سواءً أكان سياسيًا أم مجتمعيًا أم عقديًا أم اقتصاديًا أم صحيًا أم أمنيًا أم ثقافيًا، وهذه الأنماط ينبغي أن يتوافر الحد الأدنى منها لدى المواطن؛ فيعي ما له من حقوق وما عليه من واجبات، ويتأصل في قرارة نفسه أن العدل والمساواة قائم على تجنب التميز والتفرقة في كل المعاملات والممارسات، وأن بناء الأوطان تقوم على الشراكات الفاعلة من قبل الجميع دون استثناء أو استقصاء.
وفي إطار جامع للعلم والوعي الصحيح يتأكد لدينا أهمية صقل الخبرات المفيدة لدى الإنسان التي تجعله يبذل أقصى ما لديه من طاقة في سبيل بناء مستقبله ويشارك بفعالية في نهضة وطنه، وهنا يتوجب علينا أن نوقظ لدى الفرد ما لديه من طاقات إيجابية وننمي لديه الثقة بالنفس، ونحثه على العمل وبذل أقصى ما في الجهد في سبيل اكتساب الخبرات النوعية التي تجعله شريكًا فاعلًا في التنمية بأحد مجالاتها المتعددة.
ومن ثم نتفق سويًا على أن العلم أضحى سلاح نهضة الأمم وتقدمها ورقيها وأزدهارها، وأن الوعي الصحيح بات أداة البناء والدافع للحياة التي تدعونا للإعمار، وأن الارتباط فيما بينهما وثيق؛ فلا ينفكان عن بعضهما البعض.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

المصدر: صدى البلد

إقرأ أيضاً:

الجزائر تقود جلسة مجلس الأمن لمناقشة الوضع في غزة وسوريا ولبنان

يعقد مجلس الأمن الدولي، الاثنين، جلسة مفتوحة لمناقشة القضايا المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث تترأس الجزائر هذا الشهر رئاسة المجلس.

وستتم تحت إشراف وزير الخارجية الجزائري، أحمد عطاف، مناقشة قضايا هامة تشمل الوضع في غزة، ودعم وكالة "الأونروا"، وإعادة النظر في إمكانية تنفيذ حل الدولتين بين فلسطين والاحتلال الإسرائيلي.

وتأتي الجلسة في ثاني أيام الهدنة وصفقة تبادل الأسرى المعلنة بين الاحتلال والمقاومة بوساطة أمريكية قطرية مصرية، بالإضافة إلى تأكيدات دولية على ضرورة اتخاذ خطوات حاسمة بشأن الموقف في غزة.

من المتوقع أن يلقي أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كلمة رئيسية في الجلسة، والتي ستتطرق إلى مجمل الأوضاع الإنسانية والسياسية في غزة، ويأمل المجتمع الدولي أن يعيد التأكيد على حل الدولتين كحل نهائي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

ويركز غوتيريش أيضا على دور وكالة الأونروا في توفير المساعدات للفلسطينيين في مناطق النزاع، لا سيما في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها الوكالة في تأمين الموارد اللازمة.


إضافة إلى القضية الفلسطينية، ستكون الجلسة أيضًا فرصة لمناقشة الأوضاع في سوريا ولبنان، حيث ستسلط الضوء على تداعيات الصراعات المستمرة في هذين البلدين على الأمن والاستقرار الإقليمي.

يُنتظر أن يثير المشاركون النقاش حول دور الأمم المتحدة في تقديم الدعم الإنساني وتسهيل الحلول السياسية للأزمات في كلا البلدين.

تشارك في الجلسة العديد من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ما يعكس أهمية القضية الفلسطينية في أجندة السياسة العالمية، وضرورة تعاون دولي أوسع للوصول إلى حلول سلمية تضمن حقوق الفلسطينيين وتحقيق الاستقرار في المنطقة.

وتم الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة بعد حرب شنها الاحتلال الإسرائيلي على القطاع طيلة 15 شهرا باتفاق نتيجة لوساطات دولية أمريكية قطرية مصرية مكثفة، وذلك في محاولة لوقف الحرب التي أسفرت عن آلاف الشهداء والجرحى من النساء والأطفال.


وقوبل وقف إطلاق النار بتفاؤل حذر من قبل المجتمع الدولي، الذي يعول على هذا الاتفاق كخطوة نحو استئناف المفاوضات السياسية للوصول إلى تسوية طويلة الأمد. ومع ذلك، تظل المخاوف قائمة من أن الوضع في غزة قد يعود إلى التصعيد في أي لحظة بسبب استمرار القضايا العالقة.

مقالات مشابهة

  • إحصاء بالضحايا وحجم الأضرار التي خلفتها 15 شهرًا من الحرب في غزة
  • النازحون يعودون إلى جباليا.. أكثر المدن التي ذاقت ويلات عدوان الاحتلال الإسرائيلي
  • الجزائر تقود جلسة مجلس الأمن لمناقشة الوضع في غزة وسوريا ولبنان
  • «النادي الثقافي» ينظم أمسية شعرية
  • محمد مجدي يكتب: زيارة لرجال «المهام المستحيلة»
  • أستراليا تعلن حالة الكوارث في المناطق التي ضربتها عاصفة شرق البلاد
  • الدكتور محمد بكر يكتب: فوسفات ثنائي الكالسيوم.. سر الأداء الإنتاجي المستدام لمزارع الماشية «1»
  • مجلس الأمن يناقش الوضع في لبنان والجولان المحتل
  • محمد أبوزيد كروم يكتب: كل هذا الصراخ من مدني.. فكيف صراخ الخرطوم!!
  • مؤسسة الاستثمار: 10 مليارات دولار قيمة الأصول التي ستُستثمر بناءً على موافقة مجلس الأمن