إنها مهمة صعبة تلك المتعلقة بالكتابة عن شخص استثنائي مثل يحيى السنوار، الذي يندر تكراره في زمن الخنوع والاستسلام من قبل قادة الدول العربية والإسلامية، والذي عمت مشاعر الحزن والغضب أنحاء العالم الإسلامي على استشهاده، بعد أن أدى مهمته النضالية بكل اقتدار، ليصبح أيقونة للإنسان المقاوم في أنحاء العالم. وفي المقابل، لم يجرؤ رئيس عربي واحد على نعيه خشية تبعات الغضب الإسرائيلي والأمريكي والغربي على عرشه.
قضى السنوار 24 عاما بالسجون الإسرائيلية حيث اعتُقل في سن العشرين لمدة أربعة أشهر، ثم ثمانية أشهر في سن الثالثة والعشرين بعد مشاركته بتأسيس جهاز أمني داخل حماس لملاحقة الجواسيس والعملاء، ثم في سن السادسة والعشرين يتم الحكم عليه بأربعة مؤبدات، قضى منها 23 سنة عند الإفراج عنه ضمن صفقة شاليط، ليغادر السجن بسن التاسعة والأربعين قضى نصفها داخل السجون.
وخلال سجنه تولى قيادة الهيئة العليا لأسرى حماس في السجون، وساهم في سلسلة الإضرابات عن الطعام، وكرس وقت السجن للتعرف على العدو من خلال ما يصل إليه من مطبوعات ومشاهدات للقنوات الإسرائيلية، رغم تنقله بين أربعة سجون وعزله الانفرادي لمدة أربع سنوات بسبب محاولاته للهرب، ومنع زيارات أسرته له لسنوات عديدة.
كان بإمكانه أن يتفرغ لحياته الخاصة عند خروجه من السجن عام 2011، لتعويض ما فاته من مباهج الحياة خلال فترة سجنه الطويلة، أو على الأقل ممارسة مهام إدارية أو سياسية داخل حركة حماس، لكنه آثر أن يواصل العمل العسكري حتى وصل الى أن يكون المسؤول الأول للحركة في غزة عام 2017، وكان يمكنه في ظل الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على غزة في سنوات 2006 و2008 و2012 و2014 وما خلفته من دمار وشهداء ومصابين، أن يكتفي بصد الاعتداءات ومعالجة آثارها التدميرية، في ظل حصار إسرائيلي خانق مستمر منذ عام 2007 برا وبحرا وجوا بمشاركة مصرية وأمريكية.
قروض ومكافآت غربية لدول الحصار
إذا كان تدبير أمور الحياة المعيشية لأكثر من مليوني شخص وتحقيق الأمن الداخلي أمرا بالغ الصعوبة، فإن التفكير في مهاجمة العدو الإسرائيلي يعد ضربا من الخيال، نظرا لصعوبة إدخال السلاح الى القطاع المحاصر من كل جانب، إسرائيليا ومصريا، وبإشراف ومتابعة أمريكية، كذلك الطبيعة الجغرافية المكشوفة لغزة وصغر مساحتها
وكانت لديه عشرات المبررات للاكتفاء بتدبير أحوال سكان غزة المحاصرة المعيشية من خدمات في المرافق والصحة والتعليم والتموين ونحو ذلك، خاصة مع صعوبتها بسبب الحصار ومنع وصول مستلزمات إعادة الإعمار المطلوبة عقب الاعتداءات العسكرية المتكررة، وكذلك صعوبة تدبير نفقات تمويل تلك الاحتياجات في ظل توجيه الدول العربية معوناتها للسلطة الفلسطينية والتي تناصبه العداء، ووجود بعض المناوئين من السكان الذين تتعهدهم شخصيات نافذة بحركة فتح.
وإذا كان تدبير أمور الحياة المعيشية لأكثر من مليوني شخص وتحقيق الأمن الداخلي أمرا بالغ الصعوبة، فإن التفكير في مهاجمة العدو الإسرائيلي يعد ضربا من الخيال، نظرا لصعوبة إدخال السلاح الى القطاع المحاصر من كل جانب، إسرائيليا ومصريا، وبإشراف ومتابعة أمريكية، كذلك الطبيعة الجغرافية المكشوفة لغزة وصغر مساحتها مما يجعلها فريسة سهلة لطائرات العدو، وأهم من ذلك التفاوت الكبير بين قدرات حماس العسكرية وقدرات إسرائيل، من حيث عدد المقاتلين ونوعية السلاح، فليس لدى المقاومة نظام دفاع جوي يمكنها من التصدي للطائرات الإسرائيلية المغيرة، أو طائرات تتصدى لها.
وبينما تمد الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوروبية إسرائيل بأحدث الأسلحة والذخائر، تحاصر دول عربية المقاومة وتنسق مع العدو الصهيوني للقضاء عليه، بل إن بعضها يصف الحركة بالإرهاب، بينما تلتقي قيادات هذه الدول مع قادة إسرائيل في السر والعلن، وتتبادل السلع معها تجاريا، رغم التزام الحركة بمبادئها التي تمنع من الدخول في معارك جانبية مع أية دولة عربية، وتركيز الجهود للنضال ضد العدو الصهيوني.
ورغم كل تلك العقبات والمعوقات والحصار والتآمر كانت عملية طوفان الأقصى بكل ما بها من براعة واقتدار عسكري واستخباراتي، وكسر صورة العدو الذي لا يُقهر ونظرية الردع التي تباهى بها، ومعاركه التي تدور دائما على أرض الخصم، وكانت تلك الخسائر الكبيرة غير المسبوقة بالأرواح في يوم واحد، وهذا العدد الكبير من الأسرى والحصول على أجهزة إلكترونية تحوي بيانات عسكرية دقيقة.
وتلت ذلك ملحمة أخرى من الصمود تلاحمت خلالها المقاومة مع سكان غزة، وتعزز خلالها الحصار الإسرائيلي لمنع دخول الغذاء والدواء والوقود وقطع الكهرباء، وساهمت الإدارة المصرية في ذلك الحصار للحصول على الرضا الأمريكي والغربي بما يمكّنها من الخروج من ضائقتها الاقتصادية، وهو ما حدث من خلال القروض التي قدمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي مكافأة لها على دورها بالحصار، ونال الأردن كذلك بعض القروض لدوره بالحصار، كما حظيت الإمارات والسعودية بالرضا الأمريكي لدورهما ضد المقاومة.
ألغاز الصمود والنضال ما زالت غامضة
فقد منعت الأنظمة السعودية والمصرية والإماراتية والأردنية مؤتمر القمة العربية والإسلامية من تقديم أي دعم حقيقي لغزة، والاكتفاء ببيانات الشجب والإدانة للتغطية على استمرار تنسقيها مع إسرائيل والولايات المتحدة والدول الأوروبية، خاصة بريطانيا وألمانيا وإيطاليا وفرنسا، لسرعة الانتهاء من مهمة القضاء على حماس، ولم يؤثر فيها عنف عمليات الإبادة الجماعية التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من سكان غزة، والتي حركت دولة جنوب أفريقيا لرفع دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، كما دفعت بعض دول أمريكا اللاتينية لقطع علاقتها بإسرائيل، حيث تسبب صمود المقاومة في تعريتها أمام شعوبها، وخضوعها الذليل للهيمنة الأمريكية والإسرائيلية، وكشف وهن جيوشها وتخصصها في مهاجمة شعوبها فقط، مع برلماناتها الصورية وإعلامها المتصهين، ولهذا لم تكتف بالخذلان لأهل غزة والضفة الغربية، بل بذلت جهدها لتشويه صورة المقاومة؛ ناسية أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس متمثلا في صمود المقاومة، هو الذي يمكث في الأرض وليزيد تعلق الشعوب العربية المتعطشة لحرية فلسطين بالمقاومة.
مَن خططوا لطوفان الأقصى بما فيها من تفاصيل دقيقة استخباراتيا وقتاليا، ونفذوا عمليات الصمود واستمرار استنزاف العدو عسكريا، رغم خسارة العديد من القادة خلال العمليات العسكرية، من المؤكد أنهم قد أعدوا الخطط البديلة لاستمرار النضال في حالة استشهادهم
ورغم هذا الخذلان والتشويه والأكاذيب فقد سطرت المقاومة بقيادة السنوار ملحمة أخرى، لا تقل أهمية عن عملية طوفان الأقصى، متمثلة في هذا الصمود الأسطوري للسكان والمقاومة الذي فاقت مدته العام، مما يطرح تساؤلات ما زالت أشبه بالألغاز، منها كيف استطاعت المقاومة الصمود طوال تلك الفترة، مع استمرار القصف الجوي على مدار الساعة والتوغل البرى الذي لم يترك منطقة بأنحاء غزة، والتدخل العسكري الأمريكي والبريطاني والألماني لمساندة إسرائيل بالسلاح والجنود بخلاف المرتزقة، والجهد الاستخباراتي لكل تلك الدول بجانب الجهد الاستخباراتي لأنظمة عربية لصالح إسرائيل؟
وكيف استطاعت المقاومة تدبير الذخائر والمعدات لاستمرار عملياتها ضد العدو رغم التواجد البري الإسرائيلي والاستخباراتي الغربي على كامل القطاع ورغم الحصار الخانق إسرائيليا وعربيا؟ وكيف استطاعت المقاومة تدبير احتياجاتها اليومية من الغذاء والمياه والوقود طوال العام؟ وكيف حافظت على ما لديها من أسرى طوال تلك الفترة رغم استخدام أحدث الأجهزة الغربية للوصول إليهم؟ وكيف دبرت لهم سبل الإعاشة بل والعلاج رغم الحصار؟
وكيف غابت أماكن القادة والمقاتلين والأسرى عن أعين أجهزة الاستخبارات المتعددة الجنسيات طوال العام؟ وكيف فشلت كل تلك الأجهزة الاستخباراتية في تجنيد عملاء يساعدونهم في الوصول إلى مكان السنوار رغم المعاناة الطويلة والحرمان؟
وهكذا فإن إجابات تلك الأسئلة تشير الى طبيعة القيادة المتمثلة في السنوار ورفاقه وتفانى القواعد القتالية، ومدى الترابط والتجانس ووحدة الهدف وبذل الأنفس في سبيله، الأمر الذي يشير إلى أن مَن خططوا لطوفان الأقصى بما فيها من تفاصيل دقيقة استخباراتيا وقتاليا، ونفذوا عمليات الصمود واستمرار استنزاف العدو عسكريا، رغم خسارة العديد من القادة خلال العمليات العسكرية، من المؤكد أنهم قد أعدوا الخطط البديلة لاستمرار النضال في حالة استشهادهم، وقد أعدوا الرجال تلو الرجال لحمل راية النضال، مثلما فعلوا من قبل بعد اغتيال الشيخ أحمد ياسين والدكتور عبد العزيز الرنتيسى وغيرهم من قادة المقاومة.
x.com/mamdouh_alwaly
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه السنوار غزة المقاومة غزة المقاومة السنوار طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
الشاب الذي اغتالته إسرائيل.. لكنه فضحهم إلى الأبد
قُتل الصحفي الشابّ في قناة الجزيرة، حسام شبات، يوم الرابع والعشرين من مارس/ آذار، حين استهدفته طائرة مُسيّرة إسرائيلية بصاروخ واحد أثناء وجوده داخل سيارته.
وقد أفاد صحفي آخر قام بتوثيق آثار الجريمة أن حسام كان قد أنهى للتوّ مقابلة صحفية، وكان متوجهًا إلى المستشفى الإندونيسي في شمال غزة من أجل بث حي على قناة الجزيرة مباشر.
وقد اعتبرت لجنة حماية الصحفيين عملية قتله جريمة قتل متعمدة. وكان حسام يساهم أيضًا في موقع "دروب سايت نيوز" الأميركي، حيث استخدم الصحفي جيفري سانت كلير تقاريره الميدانية الحية ضمن "يوميات غزة" التي نشرها.
ترك حسام رسالة قبل استشهاده جاء فيها:
"إذا كنتم تقرؤون هذه الكلمات، فهذا يعني أنني قد قُتلت – على الأرجح استُهدفت – من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.. لقد كرست الثمانية عشر شهرًا الماضية من حياتي كاملةً لخدمة شعبي.
وثقتُ أهوال شمال غزة دقيقةً بدقيقة، مصممًا على كشف الحقيقة التي حاولوا طمسها.. وأقسم بالله إنني قد أديتُ واجبي كصحفي. خاطرتُ بكل شيء لنقل الحقيقة، والآن، أرقد بسلام…".
في وقت سابق من يوم استشهاده، استهدفت قوات الاحتلال الإسرائيلي الصحفي محمد منصور، العامل لدى قناة فلسطين اليوم، مع زوجته وابنه، عبر قصف مباشر لمنزله في خان يونس.
إعلانوبعد اغتيال شبات، احتفى الجيش الإسرائيلي بقتله علانيةً، إذ نشر عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس" منشورًا تفاخر فيه بـ"تصفية" حسام، قائلًا: "لا تدعوا السترة الصحفية تخدعكم، حسام كان إرهابيًا". وكان الاحتلال قد زعم قبل ستة أشهر أن شبات وخمسة صحفيين آخرين – جميعهم يعملون لدى قناة الجزيرة – ينتمون إلى حركة حماس.
في ذلك الوقت، كان شبات يغطي الأحداث من شمال غزة، تلك المنطقة التي لم يتبقَّ فيها سوى قلة من الصحفيين، حيث كانت إسرائيل قد أطلقت حملة إبادة مركزة، وكان شبات وزملاؤه يرابطون هناك لتوثيق الجرائم الإسرائيلية وتقديم تغطية مستمرة.
كان حسام يدرك أن إعلان الاحتلال له كـ"عنصر من حماس" يعني نية مبيّتة لاستهدافه. لذلك دعا مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفع أصواتهم مستخدمين وسم "#احموا_الصحفيين"، قائلًا:
"أناشد الجميع نشر الحقيقة حول ما يتعرض له الصحفيون، لفضح خطط الاحتلال الإسرائيلي الرامية إلى فرض تعتيم إعلامي. انشروا الوسم وتحدثوا عنا!".
وكانت آخر رسالة صحفية له، والتي أُرسلت قبل ساعات من مقتله، قد تُرجمت من العربية إلى الإنجليزية بواسطة شريف عبد القدوس، وافتتحت بهذه الكلمات:
"كانت الليلة حالكة السواد، يغمرها هدوء حذر. خلد الجميع إلى نومٍ قلق. لكن السكون سرعان ما تحطّم تحت وطأة صرخات مفزعة. وبينما كانت القنابل تمطر السماء، كانت صرخات الجيران تعلن اللحظات الأولى لاستئناف الحملة العسكرية الإسرائيلية. غرقت بيت حانون في الذعر والرعب".
إنه وصف مروع للواقع، يكشف بوضوح السبب الذي دفع إسرائيل إلى إسكات حسام شبات.
وصل عدد الصحفيين الفلسطينيين الذين قُتلوا منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى 236 شهيدًا، بانضمام حسام شبات إلى هذه القائمة الدامية. وفي السابع من أبريل/ نيسان، قصفت إسرائيل خيمة إعلامية في خان يونس، مما زاد من ارتفاع عدد الضحايا.
إعلانمنذ أن أنهى نتنياهو وقف إطلاق النار، انطلقت إسرائيل في موجة قتل عارمة، أسفرت خلال الأيام الثلاثة الأولى عن استشهاد 700 شخص وإصابة 900 آخرين، ولا تزال المجازر مستمرة.
يعلم دعاة الدعاية الحربيّة أنّ خططهم تنهار أمام الشهادات الصادقة والمعارضة الحرة. فالبروباغاندا الحربية تقتضي دومًا فرض الرقابة والصمت.
لم يكن حسام شبات الفلسطيني الوحيد الذي ترك خلفه توثيقًا لعملية قتله والمسؤولين عنها. فقد كان رفاعة رضوان من بين خمسة عشر مسعفًا تم إعدامهم على يد إسرائيل، قبل يوم من اغتيال شبات، وقد ترك تسجيلًا مصورًا لعملية قتله، مما أسقط روايات الاحتلال الكاذبة.
في صباح الثالث والعشرين من مارس/ آذار، قتلت قوات الاحتلال العاملين في الإغاثة الإنسانية برفح، وكانوا ثمانية من طواقم الهلال الأحمر الفلسطيني، وستة من الدفاع المدني الفلسطيني، وموظفًا من وكالة الأونروا، أثناء تنفيذهم مهمة انتشال الجرحى والشهداء المدنيين.
وبعد انطلاقهم لتنفيذ مهمتهم، انقطعت أخبارهم لأيام. وأطلق الناطق باسم الدفاع المدني، محمود بصل، مناشدات يائسة إلى العالم للضغط على إسرائيل لكشف مصيرهم. حتى الثلاثين من مارس/ آذار، حين تم استخراج جثثهم من قبر جماعي ضحل، وهم لا يزالون يرتدون زيهم الرسمي المضيء.
وقد كشفت الفحوصات الجنائية التي أجراها طبيب تعاقد مع مستشفى في خان يونس عن علامات تشير إلى "عمليات إعدام ميداني" بناءً على أماكن الإصابة القريبة والمقصودة.
وقد عُثر على الضحايا وهم لا يزالون يحملون أجهزة الاتصال، والقفازات، والحقائب الطبية. ونشرت صحيفة الغارديان البريطانية شهادات الطبيب، وأشارت إلى أن إسرائيل قد دمرت النظام الصحي في غزة وقتلت ألفًا من العاملين في القطاع الطبي، وهو ما يرقى إلى جرائم حرب.
وفي الأول من أبريل/ نيسان، غطت صحيفة "نيويورك تايمز" المجزرة، واضعة في عنوانها اقتباسًا على لسان الأمم المتحدة يتهم إسرائيل بقتل عمال الإنقاذ. لكنها افتتحت التقرير بإبراز نفي الاحتلال، حيث ادّعت إسرائيل أن تسعة من القتلى كانوا "مقاتلين فلسطينيين".
إعلانواتّبعت الصحيفة أسلوبها المعتاد في تقديم الروايتين (رغم الفارق بينهما)، مستعرضةً بشاعة المشهد وشهادات وكالات غزة والأمم المتحدة، ثم منح المساحة مجددًا لدفاعات الجيش الإسرائيلي غير القابلة للتصديق، بزعم أن "عددًا من المركبات كانت تتقدم نحو الجنود الإسرائيليين بطريقة مريبة ومن دون إشارات طوارئ".
وزعمت إسرائيل أن من بين القتلى محمد أمين إبراهيم شوبكي، الذي شارك في هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، رغم استحالة تصديق هذه الرواية في ظل الكم الهائل من القنابل التي أسقطت على غزة – بكمية تفوق ما أُلقي خلال الحرب العالمية الثانية – بزعم استهداف حركة حماس فقط، لا عشرين ألف طفل فلسطيني قتلوا جراء ذلك.
غير أن العثور على الهاتف المحمول الذي سجل ما حدث قلب الرواية الإسرائيلية رأسًا على عقب. فقد التقط رفاعة رضوان هاتفه المحمول أثناء تعرض قافلتهم للنيران، وسجل رسالة مؤثرة وهو يركض باتجاه النيران الإسرائيلية محاولًا إنقاذ المصابين. خاطب والدته قائلًا:
"أمي، سامحيني… أقسم بالله إنني اخترت هذا الطريق فقط لأساعد الناس".
وأظهرت اللقطات أن أضواء سيارات الإسعاف كانت تعمل بوضوح، ومع ذلك لم توفر لهم أي حماية.
أكد الشريط المصور ما كان العالم يعرفه بالفعل، وكشف عن شجاعة إنسانية نادرة لشاب فلسطيني واصل إنقاذ الأرواح وسط إبادة جماعية لا توصف.
لقد كان شريط رفاعة رضوان مؤثرًا إلى درجة أن صحيفة "نيويورك تايمز" اضطرت، في السادس من أبريل/ نيسان، إلى نشر عنوان صريح يشير إلى أن "عمال الإغاثة في غزة قُتلوا برصاص إسرائيلي". ومع ذلك، منح التقرير، الذي كتبته إيزابيل كيرشنر، مساحة واسعة لمسؤولي الاحتلال لتقديم دفاعاتهم مجددًا، متجاهلًا المنهجية الإسرائيلية في استهداف القطاع الصحي في غزة.
إن المؤرخين الفلسطينيين يتحدثون بلغة الإنسانية. فهم يروون ما يجري بحقهم كما كتب حسام شبات:
إعلان"كنت أنام على الأرصفة، في المدارس، في الخيام – في أي مكان أجده. كانت كل يوم معركة من أجل البقاء. تحملت الجوع لأشهر، ومع ذلك لم أتخلَّ يومًا عن شعبي".
كما ترك كلمات خالدة:
"لا تتوقفوا عن الحديث عن غزة. لا تسمحوا للعالم أن يغض الطرف. استمروا في النضال، وواصلوا رواية قصصنا – حتى تتحرر فلسطين".
إنها كلمات حكيمة ومؤثرة، ورسالة بالغة الأهمية لشعب يتعرض لإبادة جماعية. وهي تمامًا الكلمات التي يحتاج العالم إلى سماعها اليوم.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline