تسعى رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، إلى إقناع قادة دول الاتحاد الأوروبي بتطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد في سوريا، بهدف وقف الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، وذلك وسط مخاوف حقوقية من أن نجاح تلك الجهود قد يؤدي إلى أخطار كبيرة على الكثير من المدنيين في البلد الذي مزقته الحروب والصراعات منذ أكثر من 13 عاما.

وتشهد سوريا صراعا دمويا، بدأ على شكل احتجاجات شعبية ضد نظام الأسد في مارس 2011، لكنه أسفر لاحقا عن مقتل نحو نصف مليون شخص ونزوح ولجوء أكثر من نصف السكان داخل وخارج البلاد.

وتعيش في أوروبا أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين، حيث تستضيف ألمانيا وحدها نحو مليون نسمة منهم، بالإضافة إلى تواجدهم بشكل واضح في دول مثل السويد وهولندا وإيطاليا والنمسا والنرويج.

وتعمد روما في ظل حكومة ميلوني اليمينية، إلى إعادة تقييم سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا. 

وفي هذا الصدد قالت رئيسة الوزراء الإيطالية أمام مجلس الشيوخ في بلادها، مؤخرا،  إنه من الضروري مراجعة استراتيجية الاتحاد الأوروبي تجاه سوريا، والعمل مع جميع الأطراف لخلق الظروف التي تتيح عودة اللاجئين إلى وطنهم "بشكل طوعي وآمن ومستدام".

وأضافت: "يجب علينا الاستثمار في التعافي المبكر، حتى يجد اللاجئون الذين يقررون العودة، ظروفًا تمكنهم من الاندماج مجددًا في سوريا".

وحسب أحدث استطلاعات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فإن أقل من 1بالمئة من اللاجئين السوريين في الدول المجاورة (العراق والأردن وتركيا ولبنان) يعتزمون العودة إلى بلادهم العام المقبل.

ويشعر معظمهم بالخوف من العودة إلى مناطق تخضع لسيطرة النظام السوري، سواء خشية من الاعتقال أو لجهة إجبارهم على الخدمة العسكرية في القوات الحكومية.

حملة إخلاء "شرسة" في شمال لبنان.. اللاجئون السوريون يواجهون مصيرا مجهولا كان محمود في العاشرة من عمره عندما اضطر إلى الهرب مع والدته من القصف الذي دمر مدينته إدلب، تاركاً وراءه طفولته وذكرياته، ليجدا نفسيهما لاجئين في لبنان، حيث استقر بهما الحال في دكان صغير بمنطقة جبل البداوي شمال البلاد، وذلك بسبب معاناة والدته من آلام مزمنة في الظهر مما يحول دون إمكانية سكنهما في شقة تتطلب صعود الأدراج.

كما يغادر الكثير من السوريين المقيمين في لبنان إلى قبرص عن طريق البحر، إلا أن اتفاقا أبرمه الاتحاد الأوروبي مع لبنان في مايو الماضي، نجح بتقليص عدد هؤلاء المهاجرين بشكل كبير، وهو اتفاق مشابه لذلك الذي تم التوصل إليه مع تونس ومصر وليبيا.

ووفقا لصحيفة "التايمز" البريطانية، فقد قطع الاتحاد الأوروبي العلاقات الدبلوماسية مع نظام الأسد في مايو 2011 بسبب "القمع الدموي".

واتُهم الأسد باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد شعبه بعد عام، حيث أُجبر أكثر من 14 مليون سوري على الفرار من منازلهم على مدى السنوات الـ 13 الماضية، وفقًا لتقديرات الأمم المتحدة.

وفي يوليو الماضي، طلبت إيطاليا والنمسا وكرواتيا وجمهورية التشيك وقبرص واليونان وسلوفينيا وسلوفاكيا من الاتحاد الأوروبي، تجديد الروابط الدبلوماسية مع سوريا.

وفي نفس الشهر، أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاجاني، أمام اللجان البرلمانية المختصة، نية روما إعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، "لمنع روسيا من احتكار الجهود الدبلوماسية" في الدولة الشرق أوسطية، وفق وكالة أسوشيتد برس.

وقال تاجاني إن سياسة الاتحاد الأوروبي في سوريا "يجب أن تتكيف مع تطور الوضع"، مضيفا أن إيطاليا تلقت دعما من النمسا وكرواتيا واليونان وجمهورية التشيك، وسلوفينيا، وقبرص، وسلوفاكيا.

"أمر مؤسف"

وفي حديثه إلى موقع "الحرة"، اعتبر الخبير في قضايا الهجرة وحقوق الإنسان، مجدي الكرباعي، أن مساعي ميلوني بإقناع الغرب بأن سوريا أصبحت "بلد آمنا"، بمثابة "كلام مؤسف ويبعث على القلق".

وأضاف الخبير التونسي المقيم في إيطاليا، أن "مساعي الحكومة الإيطالية اليمينية بإقناع قادة دول الاتحاد الأوروبي بأن دولا تعاني اضطرابات وحروب، هي مناطق تنعم بالأمان والسلام، مسألة مجافية لحقائق ناصعة نصوع الشمس".

في يومهم العالمي.. اللاجئون السوريون ضحايا "الابتزاز" و"الأوراق السياسية" يعيش اللاجئون السوريون في "اليوم العالمي للاجئين" الذي يصادف 20 يونيو من كل عام ظروفا لا يمتنونها لغيرهم من بقية البلدان، وبحسب حقوقين وناشطين تحدث إليهم موقع "الحرة" وأرقام رسمية من جانب الأمم المتحدة لا يلوح في أفق مستقبلهم حتى الآن أي بارقة أمل.

واستغرب الكرباعي من اعتبار "دول مثل سوريا وليبيا آمنة، وذلك فقط لأن ميلوني تريد ترحيل المهاجرين بأي ثمن كان، متجاهلة أن ذلك يخالف العديد من الاتفاقيات العالمية المتعلقة بحقوق الإنسان".

وقد وسّعت روما مؤخّرا قائمتها للبلدان الأصلية التي تعتبرها "آمنة" باعتبار أنه لا يمارس فيها اضطهاد، أو تعذيب، أو تهديد أو عنف عشوائي، لتشمل 22 دولة، حسب وكالة فرانس برس.

وفي نفس السياق، اعتبر مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، رامي عبد الرحمن، في حديثه إلى موقع "الحرة"، أن "رئيسة وزراء إيطاليا، أو حتى مسؤولين أوروبيين آخرين، أضحى هاجسهم إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وذلك ضمن سياسة رفض وجود لاجئين ومهاجرين في القارة العجوز".

وتابع: "لكن في الواقع، هل تضمن ميلوني عدم اعتقال أي لاجئ يعود إلى بلاده؟، حتى وإن كان ذلك الشخص ليس معارضا لنظام الأسد، ولم يحمل السلاح ضده".

"أين الأمان؟"

وشدد عبد الرحمن على أن "سوريا ليست بالبلد الآمن في جميع مدنها وقراها وبلداتها، وليس فقط في مناطق سيطرة النظام الأسدي".

ونوه بأنه "حتى لو وجدت أماكن لا يحدث فيها عمليات اعتقال وقمع، فإنها لن تكون بعيدة عن العمليات العسكرية والقصف والاشتباكات".

واستشهد عبد الرحمن بشمال شرقي سوريا الذي تسيطر على معظمه قوات سوريا الديمقراطية، قائلا: "تلك المناطق تشهد هجمات من قبل تنظيم داعش الإرهابي على المدنيين، وبالتالي لا يمكن اعتبارها آمنة أيضا".

وتابع: "وفي المناطق الأخرى التي لا تخضع لسيطرة النظام، نشاهد كل فترة إقدام (هيئة تحرير الشام) التي تسيطر على منطقة إدلب، وهي تشن عمليات اعتقال وقمع ضد من يعارضها".

ونبه عبد الرحمن إلى أن نفس المسألة "تنطبق على الأماكن التي تخضع لنفوذ تركيا والفصائل الموالية لها، فهي تشهد بين الفنية والأخرى اشتباكات بين المجموعات المسلحة في أماكن تكتظ بالمدنيين، ناهيك عن حملات الاعتقال لقمع حريات الرأي هناك".

وكان دبلوماسيون قد أوضحوا لصحيفة "التايمز"، أن ميلوني مقتنعة بأن الاتحاد الأوروبي سيحذو حذوها في أعقاب الاتفاقيات الأخيرة التي وقعها التكتل مع ليبيا وتونس ومصر بشأن الهجرة، والتي وصفت بأنها مثيرة للجدل.

ووفقا للصحيفة، فإن الدليل على تزايد نفوذ ميلوني في الاتحاد الأوروبي، هو التحرك لإقامة معسكرات الترحيل خارج حدوده، والنظر في سياسات الهجرة الصارمة الأخرى التي كانت قبل تولي ميلوني منصبها، غير واردة.

لكن مليوني، حسب وكالة فرانس برس، تلقت صفعة قوية، السبت، بعد عودة 12 رجلا من بنغلادش ومصر إلى إيطاليا آتين من ألبانيا، بعد صدور حكم من القضاء الإيطالي يبطل قرار احتجازهم في هذا البلد غير العضو في الاتحاد الأوروبي بموجب اتفاق مثير للجدل أبرم بين روما وتيرانا.

وكان 16 رجلا من بنغلادش ومصر وصلوا إلى ميناء شينغجين الألباني، الأربعاء، بعد نحو عام من توصل روما وتيرانا إلى اتفاق لإنشاء مركزين في ألبانيا يمكن للمهاجرين الذين تم إنقاذهم في البحر المتوسط، تقديم طلبات اللجوء فيهما.

وكان بين هؤلاء، 4 صنفوا على أنهم "ضعفاء"، بعد أن قال اثنان إنهما قاصران واثنان آخران إنهما بحاجة إلى علاج طبي، فتمت إعادتهم إلى إيطاليا في حينها.

اللاجئون السودانيون في مصر.. صعوبات تعرقل تسجيل أطفالهم بالمدارس أصبح تسجيل الأطفال في المدارس السودانية أو المصرية بالنسبة للعديد من اللاجئين السودانيين في مصر بمثابة كفاح لأسباب اقتصادية وأخرى تتعلق بوثائق الإقامة.

والسبت، صعد طالبو اللجوء الـ12 المتبقون على متن سفينة خفر السواحل الإيطاليين، على أن ينقلوا إلى برينديزي في جنوب إيطاليا، وفق ما كشف مسؤولون ألبان.

ويشكل قرار القضاء الإيطالي انتكاسة للحكومة، التي جعلت مكافحة الهجرة غير الشرعية من أولوياتها.

وكشف وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوزي، عن نيّة الحكومة الطعن في قرار القضاء، في حين ردت ميلوني على الحكم عبر منصفة "إكس"، قائلة إن "الإيطاليين طلبوا مني أن أوقف الهجرة غير النظامية، وسأفعل كلّ ما في وسعي للإيفاء بالعهد".

واعتبرت النائبة من الحزب الديمقراطي المعارض (يسار الوسط) إيريني تيناليي، أن عملية إرسال المهاجرين إلى ألبانيا كان مقدّرا لها "الفشل".

ولفتت إلى أن "التفكير أنه من الممكن إدارة تدفّقات اللاجئين عبر إرسال البعض منهم إلى ألبانيا، سخيف وغير مجدٍ".

ووصل هذه السنة أكثر من 55 ألف شخص إلى إيطاليا عابرين البحر المتوسط، في مقابل 140 ألفا سنة 2023 و76 ألفا سنة 2022 في الفترة عينها من العام، وفق أرقام وزارة الداخلية.

ولدى سؤاله عن إصرار روما على سياسة الترحيل للمهاجرين، قال كرباعي: "إن ذلك سيشكل خطر كبيرا على حياتهم، وأنا أعتبر موافقة الاتحاد الأوروبي على مثل هذا الأمر، تخالف كافة الشرائع والقوانين الإنسانية والدولية".

وبدوره، طالب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، بمنع الترحيل القسري للاجئين، باعتبار أنه "لا توجد أية مناطق آمنة لعودتهم، سواء كانت تحت سيطرة نظام الأسد أو خارج سلطته".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: اللاجئین السوریین الاتحاد الأوروبی نظام الأسد عبد الرحمن أکثر من

إقرأ أيضاً:

اجتماع في روما لتعزيز التعاون الليبي الأوروبي

عقدت اللجنة التوجيهية لمشروع الإدارة المتكاملة لأمن الحدود اجتماعها السادس في العاصمة الإيطالية روما يومي 17 و18 أكتوبر 2024، بمشاركة الجهات المعنية من ليبيا وإيطاليا ومفوضية الاتحاد الأوروبي.

ووفق وزارة الداخلية، فقد تناول الاجتماع الوضع الحالي لتدفقات الهجرة غير الشرعية، والجهود المبذولة للحد منها، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في مكافحة عصابات الاتجار بالبشر.

كما بحث الاجتماع سبل دعم الأجهزة الليبية المعنية بتأمين الحدود، والإسراع في دعم جهازي حرس الحدود ومكافحة الهجرة الغير شرعية، وفق الوزارة.

وبحسب الوزارة، فقد تطرق الاجتماع إلى الإسراع في تسليم الزوارق المطاطية المتفق عليها لإدارة أمن السواحل، وتنفيذ دورات تدريبية لرفع كفاءة العناصر الأمنية.

ومثل وزارة الداخلية في هذا الاجتماع كل من رئيس جهاز حرس الحدود، ومدير إدارة العلاقات والتعاون الدولي، ورئيس غرفة العمليات بإدارة أمن السواحل.

المصدر: وزارة الداخلية

التعاون الليبي الأوروبيروما Total 0 مشاركة Share 0 Tweet 0 Pin it 0

مقالات مشابهة

  • خطط ترامب لترحيل اللاجئين جماعيا.. تكلفة باهظة وصعوبات في التنفيذ
  • بشار الأسد: تأمين متطلبات العودة الآمنة للاجئين السوريين يحتل الأولوية لدينا
  • وصول أول طائرة مساعدات إماراتية إلى دمشق لإغاثة اللاجئين اللبنانيين والعائدين السوريين
  • اجتماع في روما لتعزيز التعاون الليبي الأوروبي
  • مجلس أوروبا يؤكد على "القيمة الكبيرة" التي يوليها الاتحاد الأوروبي لشراكته الاستراتيجية مع المغرب
  • رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني تصل إلى بيروت
  • المجلس الأوروبي يؤكد "القيمة الكبيرة التي يوليها الاتحاد الأوروبي لشراكته الاستراتيجية مع المغرب"
  • الاتحاد الأوروبي يدعو لتبني قوانين وإجراءات عاجلة لترحيل اللاجئين
  • اهتمام أوروبي بإعادة العلاقات مع الأسد لحل أزمة الهجرة وميلوني في بيروت اليوم