تدخل الانتخابات الرئاسية الأميركية فترتَها الحرجة قبيل إقامتها في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، حيث تتوجّس الحملات الانتخابية الرئاسية مما يحمله شهر أكتوبر/ تشرين الأول من مفاجآت لا تتوقعها في ظل منافسات انتخابية حامية الوطيس.

تُعرّف "مفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول" في قاموس الانتخابات الرئاسية الأميركية بأنها حدث سياسي أو اقتصادي جلل أو فضيحة سياسية أو أخلاقية تنال من شخصية أحد المرشحين للرئاسة الأميركية، تحدث غالبًا في شهر أكتوبر/ تشرين الأوَّل، حين تبلغ الحملات الانتخابية ذروتها.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما صلاحيات نائب الرئيس في أميركا.. وهل هو منصب ثانوي؟list 2 of 2ترامب يلجأ إلى حيل جديدة للرد على هاريسend of list

وفي عصر التغطيات الإخبارية الأميركية المستمرّة، الباحثة عن الإثارة الإعلامية طوال ساعات اليوم الأربع والعشرين، قد تؤدي مثل هذه المفاجآت غير المتوقعة إلى ترجيح كفة الانتخابات لصالح أحد المرشحين ترجيحًا يعتلي فيه سدة البيت الأبيض الأميركي.

ومن أشهر مفاجآت أكتوبر/ تشرين الأول في الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة، ما عُرِف بشريط أسامة بن لادن، زعيم القاعدة، قبيل إجراء انتخابات عام 2004، الذي نقلته للعالم قناة الجزيرة الإخبارية في سباق صحفي كسر هيمنة الإعلام الغربي للأخبار العالمية لأول مرة في التاريخ الحديث.

في هذه الرسالة، أشار بن لادن إلى أن تلك الهجمات جاءت كنتيجة لسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكنه لم يهدد بمزيد من الهجمات. رغم أن التوقيت جاء مفاجئًا قبل أيام من الانتخابات، فإن الفيديو اعتُبر تعزيزًا لموقف الرئيس جورج بوش الابن، الذي كان يعتمد على صورة القائد الحازم في محاربة الإرهاب.

تلك الرسالة عزَّزت مخاوف الناخبين الأميركيين من تهديد الإرهاب، مما ساهم في تعزيز دعم بوش على حساب منافسه جون كيري، الذي كان يُنظر إليه على أنه أقلّ حزمًا في هذا المجال.

جاء شريط بن لادن بينما كان المرشح الديمقراطي جون كيري على وشك إحراز نصر انتخابي ضد خصمه الرئيس وقتها جورج بوش الابن، مما رجّح كفة الفوز لصالح الأخير، معيدًا إلى ذاكرة وذهن الناخب الأميركي الأحداث الجسيمة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول في مدينتي نيويورك وواشنطن دي سي، وأهمية الاستمرار في الحرب على الإرهاب التي أعقبتها.

خسر كيري سباق الرئاسية بسبب شريط فيديو لم يحسب له حسابه، أصدره رجلٌ مطاردٌ يقبع في كهفٍ من كهوف جبال تورا بورا بأفغانستان.

خسارة هيلاري كلينتون الانتخابات بسبب رسالة

ما تزال هيلاري كلينتون ترمي بلائحة الاتهام ضد مدير المباحث الفدرالية السابق جيمس كومي في خسارتها لانتخابات عام 2016، حينما تعجّل بإرسال رسالة لزعماء الكونغرس قبيل أيام من إجراء الانتخابات يحيطهم علمًا بالعثور على أعداد كبيرة من الإيميلات الخاصة المفقودة لهيلاري كلينتون إبان توليها منصب وزيرة الخارجية.

جاءت مفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول ذلك العام لتعيد إلى أذهان الناخبين الأميركيين شكوكًا أثارها المرشح الجمهوري حينئذ دونالد ترامب بأن هيلاري كلينتون شخص غير موثوق به للحفاظ على أسرار الدولة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن المرشحة الديمقراطية السابقة هيلاري كلينتون كتبت في هذه الأسابيع مقالًا محذرةً فيه حملة هاريس الانتخابية من خطورة تأثير مفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول الانتخابية على نتائج الانتخابات.

لم تنسَ هيلاري كلينتون أبدًا مفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول التي حرمتها من الوصول إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، بعد أن كانت على بُعد خطوة واحدة من أعتابه. والغريب في الأمر أن الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون عام 2016، قد سبقت وسرّبت، خلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام نفسه، فيديو شهيرًا يفضح دونالد ترامب، معترفًا الأخير فيه بقدرته الفائقة على نيل أي امرأة يرغب فيها طالما هو نجمٌ من نجوم المجتمع الأميركي.

ولكن فشل هذا التسريب الإعلامي ضد ترامب قبيل الانتخابات في إحداث تغيير في نتائجها، وذلك لما يتمتع به ترامب من قاعدة انتخابية صلبة لا يضيرها أو يثنيها عن دعمه مزاعم انحرافاته الأخلاقية أو صدور إدانات قضائية بحقه كما حدث لاحقًا.

ولطالما تباهى ترامب بهذه القاعدة الانتخابية التي لا تتزحزح قِيد أنملة عن تأييده حتى ولو رأته – كما زعم سابقًا في خطاب شهير له – يقوم بقتل شخص ما في رابعة النهار في أحد شوارع نيويورك العريقة.

ويظلّ كذلك حدوث هجوم إرهابي محدود أو عمليّة عنف سياسي واسع النّطاق داخل الولايات المتحدة، قبيل أو أثناء الانتخابات، إحدى المفاجآت الانتخابية التي ستؤثر بلا شك في ميل كفة الفوز لصالح أحد المرشحين.

لقد استفاد ترامب كثيرًا من عملية اغتياله الفاشلة في شهر يوليو/ تموز الماضي، معززًا فرص فوزه الانتخابية كثيرًا لولا انسحاب الرئيس بايدن المفاجئ من حلبة المنافسة، تاركًا المجال لنائبته هاريس لخوض غمارها في حدثٍ نادر التكرار في التاريخ السياسي الأميركي.

بيدَ أنه في بعض الأحيان تشكل الأزمات الاقتصادية العميقة – مثل الكساد الاقتصادي لعام 2008، وما أوشكت أن تسببه أزمة الرهن العقاري بانهيار النظام المالي لكبريات الشركات المالية الاستثمارية في العالم، وكذلك تفاقم الأزمة الاقتصادية جراء كوفيد-19 – مسار الانتخابات الأميركية الرئاسية بعيدًا عن مفاجآت شهر أكتوبر/ تشرين الأول.

استفاد كل من المرشحين الرئاسيين حينئذ أوباما وبايدن من هاتين الأزمتين العالميتين في تحقيق فوز انتخابي ضد خصومهما الجمهوريين في وقت كان الحزب الجمهوري مسيطرًا فيه على البيت الأبيض في انتخابات عام 2008 و2020 على التوالي.

نتنياهو وإيران ومفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول

لعل احتمالية حدوث مفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول – في هذه الانتخابات الجارية – بحدث مرتبط بالشرق الأوسط والحرب في غزة تظل عالية في ظل تصاعد أحداث العنف في غزة ولبنان، ورغبة نتنياهو في تحقيق أهدافه الخاصة في المنطقة.

وربما يرغب نتنياهو كذلك في تقديم خدمة جليلة لترامب تساعده في الفوز بالانتخابات، وتحسين العلاقات الشخصية معه بعد فتورٍ صاحبها حينما هنّأ نتنياهو الرئيس بايدن بالفوز عقب الانتخابات الأميركية لعام 2020.

يدرك نتنياهو جيدًا أن الوقت ليس في صالحه لمهاجمة إيران بعد الانتخابات الأميركية، وذلك للضغوط العالمية والأميركية المتصاعدة، لذا من المحتمل جدًا أن يُقدم نتنياهو على مهاجمة أهداف إيرانية قبيل الانتخابات الأميركية.

لقد تجاهل نتنياهو كليًا في استعلاء متغطرس كل الخطوط شبه الحمراء التي رسمتها إدارة بايدن، بما فيها مهاجمة مدينة رفح والاستمرار في تجويع وانتهاك حقوق الفلسطينيين في غزة، وكلما خطا بايدن خطوات لخفض وتيرة التصعيد في المنطقة، قابل نتنياهو هذه الخطوات الأميركية بهجمات تزيد من نيران المنطقة المشتعلة.

تظل الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على منطقة الشرق الأوسط هدفًا إستراتيجيًا لحكومة نتنياهو، تعزّزه رؤية حكومته المتطرفة حول فرص الحرب الدائرة حاليًا.

وعلى الرغم من رسالة وزيرَي الدفاع والخارجية الأميركيين الموجهة قبل يومين لحكومة نتنياهو تدعوها فيها لإفساح المجال للعون الإنساني؛ كي يصل طريقه إلى أفواه الجائعين والمشردين في غزة، فإن حكومة نتنياهو لن تبالي بالنبرة التهديدية في هذه الرسالة الأخيرة وستقوم بتجاهلها والتقليل من شأنها كسابقاتها من التهديدات الأميركية.

ستقوم حكومة نتنياهو بمهاجمة إيران عاجلًا – ربما قبيل الانتخابات الرئاسية – حتى تسوق الإدارة الأميركية القادمة لحرب ضد إيران التي تنازع إسرائيل السيطرة على منطقة الشرق الأوسط.

لا ريب أن الأيام القادمة ستكشف مفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول – حال حدوثها – في ظل انتخابات لم تشهد الولايات المتحدة مثلها من قبل، وفي ظل توترات إقليمية ودولية ستشكل ملامح العلاقات الدولية القادمة، حيث يشهد العالم تنافرًا قطبيًا مخيفًا وأزمات اقتصادية ومعدلات تضخم عالية جدًا.

ولعلّ الرئيس السابق ترامب سيكون المستفيد الأكبر من حدوث مفاجأة أكتوبر/ تشرين الأول، الأمر الذي تضع له حملة هاريس كل العدة اللازمة لمواجهته.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الانتخابات الأمیرکیة الانتخابات الرئاسیة هیلاری کلینتون مفاجأة أکتوبر تشرین الأول شهر أکتوبر فی غزة فی هذه

إقرأ أيضاً:

لعبة الكبار: أين ستقف الصين وروسيا في المواجهة بين أميركا وإيران؟

اكتسبت الأزمة النووية بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل وإيران بعدًا جديدًا مع عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة.

وتفسّر طهران سعي ترامب إلى إدراج عدة قضايا – مثل الملف النووي الإيراني وتطوير الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وعلاقات إيران مع القوى الإقليمية، مثل حزب الله وأنصار الله، ضمن أجندة المفاوضات المحتملة- على أنه "محاولة لإلغاء سيادتها أو تقييدها".

وفي حين يصرح ترامب برغبته في التوصل إلى اتفاق مع إيران، فإنه في الوقت نفسه يفضل اتباع سياسة أكثر عدوانية تجاهها.

أما إسرائيل، فتتبنى موقفًا متشددًا، مؤكدة أنه "لا يوجد خيار سوى تدمير المنشآت النووية الإيرانية، وجعلها غير صالحة للاستخدام".

وبينما يعيد ترامب تطبيق "سياسة الضغط الأقصى" على إيران، فإنه يزيد الضغط على طهران من خلال تحميلها مسؤولية العمليات التي تنفذها حركة أنصار الله اليمنية في البحر الأحمر دعمًا لغزة.

وفي ظل تصاعد التوتر بين البلدين يومًا بعد يوم، تأثرًا بالتطورات الإقليمية، أرسل ترامب رسالة إلى المرشد الإيراني آية الله خامنئي. ومع دخول العلاقات بينهما مرحلة أكثر توترًا وازدياد حدة الأزمة، زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إيران. كما اجتمع وزراء خارجية إيران، وروسيا، والصين، في 14 مارس/ آذار 2025، في بكين؛ لمناقشة البرنامج النووي الإيراني والتطورات الجارية.

إعلان

ومن جانبها، ترتبط إيران باتفاقيات تعاون إستراتيجي منفصلة مع كل من روسيا، والصين.

وفي ظل تصاعد الضغوط والتهديدات الأميركية والإسرائيلية ضد إيران، يبقى السؤال مطروحًا حول "مدى تأثير هذه الاتفاقيات الإستراتيجية بين طهران، وموسكو، وبكين لصالح إيران".

رسالة ترامب إلى خامنئي

أرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عبر دولة الإمارات، رسالة إلى المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي. ولم تصدر أي تصريحات تفصيلية من طهران أو واشنطن حول مضمون الرسالة.

ومع ذلك، أكد كل من آية الله خامنئي والرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان، في العديد من الخطابات، أن "الولايات المتحدة تسعى لممارسة الضغوط على إيران، وأنهم لن يجلسوا إلى طاولة المفاوضات تحت الضغط".

كما شدد نائب وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، على أن "إيران لا ترفض المفاوضات من حيث المبدأ، لكنها لن تدخل في مفاوضات في ظل الظروف الحالية".

هل ستؤدي رسالة ترامب إلى تغيير في موقف إيران؟

حتى الآن، لم يظهر أي تغيير ملحوظ في تصريحات المسؤولين العسكريين الإيرانيين بعد وصول الرسالة إلى طهران. لكن يمكن القول إن "الرسالة لقيت معاملة جدية كبيرة في إيران".

ووفقًا لمصدر أكاديمي إيراني فضل عدم الكشف عن هويته، فقد عُقدت اجتماعات مكثفة ضمت شخصيات إصلاحية ومحافظة بارزة عقب وصول الرسالة إلى آية الله خامنئي.

وأوضح المصدر أن "الرسالة لم تُكتب بلغة دبلوماسية، بل احتوت على العديد من العبارات التهديدية". وأضاف أن ترامب قدم في رسالته شرطًا مسبقًا لاستئناف المفاوضات، يتمثل في الوقف الكامل لدعم جميع القوى الإقليمية الحليفة لإيران، كما حدد موضوع المفاوضات بأنه "التخلي التام عن تخصيب اليورانيوم وإغلاق المنشآت النووية".

وختم رسالته بالقول إنه "في حال التوصل إلى اتفاق ضمن هذا الإطار، ستُرفع العقوبات المفروضة على إيران". أما إذا لم يُتوصل إلى اتفاق، فستواجه إيران أولًا ضغوطًا اقتصادية ساحقة، تليها أقسى عملية عسكرية ضدها.

إعلان

وقد تزامنت هذه الرسالة مع تصريحات ترامب الأخيرة التي حمّل فيها إيران مسؤولية التطورات في اليمن وغزة، مما يدعم صحة المعلومات التي نقلها المصدر الأكاديمي الإيراني حول مضمون الرسالة.

لكن هل تعني تلك الرسالة أن الولايات المتحدة باتت على وشك شن هجوم عسكري على إيران؟

ليس بالضرورة، فقد شهدت فترة ترامب الأولى توترات حادة مع كوريا الشمالية؛ بسبب برنامجها النووي والصواريخ الباليستية العابرة للقارات، ووصلت التهديدات إلى مستويات خطيرة. ومع ذلك، أرسل ترامب رسالة إلى الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، في تلك الفترة، أعقبها عقد قمة سنغافورة عام 2018، التقى فيها ترامب وكيم وجهًا لوجه لأول مرة.

لذلك، قد تكون رسالة ترامب إلى خامنئي "جزءًا من دبلوماسية التهديد والضغط"، وليست بالضرورة مؤشرًا على اقتراب مواجهة عسكرية مباشرة.

زيارة لافروف إلى طهران تثير الجدل

زار وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، العاصمة الإيرانية طهران في نهاية شهر فبراير/ شباط 2025، حيث التقى بنظيره الإيراني، عباس عراقجي، وذلك في وقت بدا فيه أن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى تفاهم مبدئي حول حل أزمة أوكرانيا، وفي ظل تبادل الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين رسائل ودية.

ولهذا السبب، فسّرت الأوساط السياسية في طهران زيارة لافروف بأنها "إشارة إلى احتمال تخلّي روسيا عن إيران، خاصة مع تصاعد التوتر بين طهران وواشنطن وازدياد تعقيد الأزمة وارتفاع احتمالات اللجوء إلى الخيار العسكري مقارنة بالسابق".

وقالت وسائل إعلام إيرانية إن لافروف عرض خلال زيارته التوسّط بين إيران والولايات المتحدة بشأن برنامج طهران النووي.

وفي ذلك الوقت، صرح نائب الرئيس الإيراني، جواد ظريف، خلال ظهوره في برنامج تلفزيوني، بأن "روسيا لعبت دورًا معرقلًا وليس بناء في المفاوضات النووية التي أُجريت خلال فترة إدارة أوباما".

إعلان

وأشارَ العديد من الصحف ووسائل الإعلام الإيرانية إلى أن "زيارة لافروف عززت الشكوك بشأن نوايا موسكو تجاه طهران"، مشددة على أن "روسيا خانت إيران في سوريا، وهو ما أدّى إلى تراجع ثقة طهران في موسكو".

اتفاقية التعاون الإستراتيجي بين إيران وروسيا

قبل أيام من تولّي دونالد ترامب منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، زار الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان موسكو، حيث وقّع مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتفاقية "الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين البلدين.

وتشمل الاتفاقية مجالات متعدّدة، من التجارة والطاقة إلى التعاون العسكري والثقافي. وأصدر الكرملين بيانًا حول تفاصيل الاتفاقية، وكان أبرز ما ورد فيه هو البند المتعلّق بالتعاون العسكري.

ووفقًا للاتفاقية:

سيتحرك البلدان معًا ضد التهديدات العسكرية المشتركة، وسيجريان مناورات مشتركة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون في المجال العسكري والتقني. إذا تعرض أحد البلدين لهجوم، فإن الطرف الآخر يتعهد بعدم تقديم أي دعم للدولة المعتدية. يلتزم الطرفان بعدم السماح باستخدام أراضيهما من قبل أي حركات انفصالية قد تضر باستقرار الدولة الأخرى. سيُعزز التعاون بين أجهزة المخابرات والأمن في البلدين، مع زيادة تبادل المعلومات والخبرات.

ويتضح من بيان الكرملين أن روسيا لا تتعهد بالدفاع عن إيران في حال تعرضها لهجوم من قبل الولايات المتحدة أو إسرائيل أو كلتيهما معًا، بل تقتصر التزاماتها على عدم دعم الدول المهاجمة فقط.

ويمكننا القول، استنادًا إلى التجارب التاريخية، أن "التعاون العسكري والتقني بين روسيا وإيران سيكون محدودًا من قبل موسكو".

على سبيل المثال، تكشف الوثائق الاستخباراتية السوفياتية أن الاتحاد السوفياتي رفض، خلال الحرب العراقية- الإيرانية، طلب إيران تزويدَها بنظام صواريخ تكتيكية، رغم أنّ إيران كانت تعتبر قدرات إسرائيل الصاروخية تهديدًا إستراتيجيًا لها آنذاك.

إعلان

وفي عام 1989، طلبت إيران من الاتحاد السوفياتي المساعدة التقنية في تصميم نظام صواريخ تكتيكية بمدى 300 كيلومتر وقدرة حمولة 500 كيلوغرام، بالإضافة إلى تزويدها بصواريخ "R-17Eh"، لكن جهاز الاستخبارات السوفياتي "KGB" رفض هذا الطلب، بحجة أنه يتعارض مع سياسة منع انتشار تكنولوجيا الصواريخ التي ناقشتها موسكو مع واشنطن.

كما تكشف الوثائق أن القيادة السوفياتية اعتبرت أن هدف إيران لم يكن مجرد الحصول على صاروخ تكتيكي بسيط، بل امتلاك التكنولوجيا اللازمة لتطوير صواريخ متوسطة المدى مشابهة لتلك التي تمتلكها إسرائيل.

وفي اجتماع مجموعة العمل الوزارية السوفياتية بتاريخ 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1989، تقرَّر رسميًا رفض طلب إيران للحصول على المساعدة التقنية.

وفي عهد ترامب، كانت العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة مختلفة تمامًا عن تلك التي كانت في عهد بايدن.

ومن المتوقع أن يكون لهذا الاختلاف تأثير سلبي على العلاقات بين موسكو وطهران. فروسيا تسعى حاليًا إلى إعادة بناء علاقاتها مع واشنطن عبر ملف الحرب الأوكرانية.

وفي ظل هذا التقارب، من غير المرجح أن تتخذ موسكو خطوات من شأنها تعكير صفو علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب، حتى مع تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران.

باختصار، رغم توقيع "اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة" بين روسيا وإيران، فإن التجارب التاريخية والتطورات الجيوسياسية تشير إلى أن "روسيا لن تخاطر بعلاقتها مع واشنطن من أجل الدفاع عن طهران".

ماذا ستفعل الصين؟ في عام 2021، وقّعت إيران والصين اتفاقية "التعاون الشامل لمدة 25 عامًا"، وهي اتفاقية اقتصادية وليست عسكرية، تتجاوز بموجبها الصين العقوبات الأميركية لشراء النفط الإيراني بأسعار منخفضة، وفي المقابل، ستستثمر في إيران.

وتعد هذه الاتفاقية جزءًا من مشروع الصين الضخم "الحزام والطريق"، الذي يهدف إلى توسيع نفوذ بكين كقوّة عالمية من خلال إنشاء روابط اقتصادية وإستراتيجية. ولذلك، فإنها لا تشمل التعاون العسكري أو الدفاع المشترك بين البلدَين.

ويمكن اعتبار هذه الاتفاقية امتدادًا للعلاقات التاريخية بين إيران والصين، والتي كانت قائمة في الغالب على التعاون الاقتصادي لا العسكري. فتاريخيًا، فضلت الصين دائمًا البقاء على مسافة من الصراعات العسكرية المباشرة، وكانت علاقتها بإيران قائمة على المصالح الاقتصادية.

إعلان

وأثناء الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988)، لجأت إيران إلى الصين لسد احتياجاتها من الأسلحة.

ومع ذلك، لم تقتصر الصين على دعم إيران، بل سعت إلى تحقيق توازن في صادراتها العسكرية، مستغلة الصراع كفرصة اقتصادية لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن الصين باعت أسلحة لإيران، فإنها لم تقف بجانبها ضد العراق.

وخلال الحرب، بلغ إجمالي مبيعات الصين العسكرية لإيران 1.843 مليار دولار، بينما باعت للعراق بأكثر من 5 مليارات دولار، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف صادراتها إلى إيران.

وكان أهم سلاح قدمته الصين لإيران خلال الحرب هو الصواريخ المضادة للسفن، التي لعبت دورًا مهمًا في الهجمات الانتقامية الإيرانية ضد السفن التي كانت تنقل النفط والسلع إلى العراق خلال ما عُرف بـ "حرب ناقلات النفط".

ورغم أهمية هذا السلاح، باعت الصين 80 صاروخًا فقط من طراز "سيلك وورم" لإيران، بينما باعت أكثر من 200 صاروخ من نفس الطراز للعراق.

ومن ناحية أخرى، لم يكن موقف الصين داعمًا لإيران في القضايا النووية أيضًا. ففي 15 فبراير/ شباط 2006، عندما صوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على "إحالة ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن الدولي"، صوتت الصين ضد إيران إلى جانب روسيا والهند.

وعلى مدار السنوات، وفي العديد من قرارات مجلس الأمن المتعلقة بإيران، امتنعت الصين عن دعم طهران، بل فضلت الامتثال للعقوبات الأميركية.

في مقالته "السياسة الخارجية الصينية تجاه الحرب العراقية- الإيرانية"، يقدم الأكاديمي الإيراني، محمد حسين جمشيدي، تحليلًا مهمًا لفهم موقف الصين من إيران، سواء في الحرب الباردة، أو في العصر الحالي.

حيث يقول: "لم تدعم الصين أيًا من الطرفين المتحاربين. فمنذ اندلاع الحرب بين إيران والعراق، كان القادة البراغماتيون في الصين يوجهون سياستهم الخارجية نحو تحقيق التنمية الاقتصادية، وكانوا يتخذون مواقفهم تجاه القضايا العالمية بناء على هذه الأولوية".

إعلان

وتابع: "من هذا المنظور، لم تكن الحرب سوى فرصة للصين لاختبار سياستها الخارجية المستقلة، وتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة. في الواقع، استغل الصينيون الحرب لتعزيز نفوذهم الاقتصادي والسياسي في المنطقة".

وفي ظل سعي الصين المستمر لتصبح قوة عالمية، يمكننا القول إن "بكين ستواصل نهجها التاريخي في تجنب التدخل العسكري المباشر لصالح المصالح الاقتصادية".

وفي طهران، يُطرح كثيرًا تساؤل حول "ما إذا كانت الصين حليفًا حقيقيًا لإيران".

وبعد الحرب الباردة، كانت إيران تثق بالصين أكثر من روسيا، لكن في الوقت الحالي، وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات إستراتيجية مع بكين، تدرك إيران أن الصين ليست دولة يمكن الاعتماد عليها عسكريًا في حال وقوع أزمة كبرى.

ولا سيما في حال نشوب نزاع عسكري ضد الولايات المتحدة أو إسرائيل، فإن إيران تعلم أنها ستكون وحدها في مواجهة التهديدات العسكرية.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • مسؤول إيراني: أميركا طالبتنا بجيش واحد و حل جميع المؤسسات من ضمنها ولاية الفقيه
  • ‏الاتحاد الأوروبي: جميع الدول الأعضاء اتفقت على ضرورة رد واضح ومسؤول على الرسوم الجمركية الأميركية
  • نائب: الانتخابات ستجري في موعدها المحدد
  • أصحاب «النجمة العشرين».. ريال مدريد «الأسرع» وليفربول «الأخير»!
  • قائمة بالهواتف التي سيتوقف واتساب عن العمل عليها بداية من الشهر المقبل
  • رغم رسوم ترامب.. 50 دولة مستعدة لبدء مباحثات تجارية مع أميركا
  • لعبة الكبار: أين ستقف الصين وروسيا في المواجهة بين أميركا وإيران؟
  • ماذا سيربح ترامب وتخسره أميركا من رسومه الجمركية؟
  • أميركا تلغي جميع تأشيرات جنوب السودان رداً على رفض استقبال مرحلين
  • سمير فرج: اتصال ترامب الأخير بالرئيس السيسي كسر الحاجز الثلجي بين البلدين