كيف يدمر الانشغال بالهاتف علاقتك بكل من حولك؟
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
تخيل أنك تجلس مع مجموعة من أصدقائك، ويصر أحدهم على التقاط هاتفه من حين لآخر والتحقق منه باستمرار متجاهلا الحديث معكم. هذا السلوك المتكرر والمعتاد في حياتنا اليومية يسمى "التجاهل باستخدام الهاتف" أو "فَبينغ".
وقد وصفت نتائج دراسة قام بها باحثون بجامعة جورجيا هذا السلوك بأنه نوع من أنواع "الوقاحة المعاصرة" ويرتبط بعواقب وخيمة على العلاقات، وقالت اختصاصية العلاج الأسري كولين مارشال لموقع "فري ويل مايند" "إذا كنت تركز على هاتفك، فأنت تبعث رسالة مفادها أن ما تقرأه أو تشاهده أكثر أهمية من الذي أمامك" وأضافت أن ممارسة سلوك التجاهل أو "فبينغ" بشكل متكرر قد يؤدي لتقليل جودة التفاعلات الشخصية ويؤثر سلبا على علاقتك بالآخرين.
ابتكرت شركة إعلانات أسترالية هذا المصطلح عام 2012 كجزء من حملة دعائية بعنوان "أوقفوا الانشغال بالهاتف" أو "Stop phubbing" لوصف سلوك بدا واضحا بين مستخدمي الهواتف الذكية، ويتمثل في تجاهل وإهمال الشخص لرفاقه وإعطاء الأولوية لتصفح الهاتف بدلا من التفاعل وتبادل الحديث.
ويجمع المصطلح بين كلمتي "Shone" أي هاتف و"Snubbing" أي تجاهل أو احتقار، ويشير إلى انشغالك عن المحيطين بك واستبدال اللحظات الحقيقية بالنظر إلى الشاشة والتحقق من الإشعارات أو الرد على الرسائل بما يؤثر على جودة العلاقات بين الأصدقاء أو الأزواج أو الآباء مع أبنائهم أو حتى في بيئة العمل.
وقد حذرت اختصاصية العلاج النفسي راشيل غولدبرغ من أن التجاهل باستخدام الهاتف يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالانفصال وقلة الألفة، وأضافت لموقع "فري ويل مايند" أن اللجوء المستمر لهواتفنا يفقدنا القدرة على الاستمتاع بلحظات حقيقية ومرحة مع أحبائنا، وبمرور الوقت قد يؤدي إلى زيادة القلق والاكتئاب.
وفي دراسة قام بها باحثون بجامعة كولومبيا البريطانية عام 2017، تم تجنيد 300 شخص للمشاركة في تناول وجبة بمطعم مع وجود هواتفهم على الطاولة أو بدونها، وتوصلت الدراسة إلى أن الذين يتركون هواتفهم بالقرب منهم أثناء اللقاءات الشخصية يشعرون بالتشتت ويقل استمتاعهم بقضاء الوقت، في حين يشعر الطرف الآخر بعدم الأهمية وانخفاض مستوى الرضا وتدني الشعور بالترابط.
العلاقات الأسريةلا يقتصر التأثير السلبي على العلاقة بين الأصدقاء، وإنما يُطال العلاقات الزوجية، إذ إن انشغال أحد الزوجين بهاتفه يُشعر الطرف الآخر بعدم التقدير ويجد نفسه في منافسة مع الهاتف على جذب انتباه شريكه.
التأثير السلبي لا يقتصر على العلاقة بين الأصدقاء وإنما يُطال العلاقات الزوجية (بيكسلز)وهذا ما أكدته دراسة نشرتها دورية أجهزة الحاسوب والسلوك البشري عام 2022، وكشفت عن العلاقة بين التجاهل بالانشغال بالهاتف وانخفاض مستوى الرضا الزوجي وكذلك الانفصال العاطفي والرضا عن الحياة بشكل عام، ووثق الباحثون مجموعة من المشاعر والانفعالات التي تصيب الطرف الآخر مع تكرار تجاهله باستخدام الهاتف ومنها:
الشعور بمزيد من القلق والاستياء والملل. الرغبة في الانتقام كآلية دفاعية من خلال تبادل التجاهل والإفراط في تصفح وسائل التواصل الاجتماعي لاستعادة بعض الاهتمام المفقود. انعدام الثقة وإثارة مشاعر الغيرة خوفا من أن يكون الانشغال بالهاتف سببه علاقة عاطفية مع شخص آخر.أما على مستوى الأبناء، فعندما يقوم الآباء بتصفح الهاتف أثناء محادثة أبنائهم أو الجلوس معهم لتناول الطعام، فإن هذا يبعث رسالة مفادها أن والديهم غير مهتمين بمشاعرهم أو احتياجاتهم العاطفية، مما يجعلهم يشعرون بالرفض والانفصال الاجتماعي. وعام 2023 أشارت مراجعة منهجية لأكثر من 40 دراسة أجريت على الأطفال في سن المدرسة بالصين إلى أن التجاهل الأبوي باستخدام الهاتف كان مرتبطا بضعف تكيف الطفل، وكان الصغار والمراهقون الذين أبلغوا عن مستويات أعلى من التجاهل الأبوي أكثر عرضة للإصابة بالقلق والاكتئاب ومشاكل السلوك الخارجي مثل العدوان والتنمر.
لماذا نعطي الأولوية لتصفح الهاتف؟توجد بعض الأسباب التي تعزز التجاهل بالانشغال بالهاتف أو "فوبينغ" ومنها:
الخوف من تفويت شيءقد تكون الرغبة في مواكبة كل جديد في عالمك الرقمي أو ما يعرف باضطراب "فومو" عاملا كافيا لتحويل انتباهك بعيدا عن المحيطين بك.
إدمان الهواتفأصبحت الهواتف المحمولة تستخدم في كل شيء تقريبا، وارتبط ذلك بتغير كبير في العادات الاجتماعية، وصار الناس مرتبطين بهواتفهم الذكية لدرجة تجعلهم يتجاهلون وجود بعضهم البعض.
الافتقار إلى ضبط النفسعام 2019، نشر جيسبر آجارد من جامعة آرهوس ورقة بحثية استكشفت علاقة الشباب بالهواتف المحمولة ورغبتهم المستمرة في التحقق من الرسائل والاشعارات، وأكد المشاركون أنه رغم اقتناعهم بأنه سلوك مزعج ويرفضون أن يُمارس عليهم، إلا أنهم لا يستطيعون التوقف عنه في بعض الأحيان.
وفسر آجارد هذه الثنائية بما يسمى في علم الاقتصاد السلوكي "عدم الاتساق الزمني" ويشير إلى عدم القدرة على اتخاذ القرار الصحيح والتصرف على عكس القناعة الشخصية، ولا سيما أن الدماغ البشري يميل إلى تقدير المكافآت الفورية أكثر من المكافآت ذات الفوائد طويلة الأجل.
الأصوات التي تصدرها هواتفنا تشكل تحديا كبيرا لقدرتنا على الاهتمام بمن حولنا (بيكسابي) بعض الحلولاجعل من عدم النظر إلى هاتفك قاعدة شخصية إذا كنت تتحدث مع أي شخص آخر.
وعندما تشغر بالرغبة في تصفح الهاتف، ضعه بعيدا وانظر في عين من يحاورك واستمع لما يقوله، فهذه التفاعلات المباشرة تعمل على تعزيز الروابط والعلاقات، وبناء الثقة، وتسهيل فهم المواقف والعواطف التي غالبا ما يتم تجاهلها في العالم الافتراضي.
وقم بإيقاف تشغيل إشعارات الهاتف أثناء اللقاءات، إذ إن الأصوات التي تصدرها هواتفنا تشكل تحديا كبيرا لقدرتنا على الاهتمام بالأشخاص من حولنا وتؤدي تلقائيا إلى الرغبة في التحقق منه.
وافحص الأسباب وراء سلوكك في استخدام الهاتف، فهل تركز على هاتفك عندما تكون متوترا؟ وهل تفعل ذلك فقط لأنك مررت بيوم عمل شاق؟ وهل هو شكل من أشكال الهروب من شيء يزعجك؟
يمكن أن يساعدك التعمق في فهم سلوكك على التغيير للأفضل.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات اجتماعي باستخدام الهاتف
إقرأ أيضاً:
ضجـة رنيـن
عند الساعة الحادية عشرة والنصف، استيقظتْ على صوت المنبه، ونظرت إلى السقف في شرود؛ ترتِّب في ذهنها المهام المُكلفة بها هذا اليوم.. ما لبثت في عالمها حتى ذهبت لتُعدَّ وجبة الغداء، وبينما كان القدر على النار أخذت تقلِّب هاتفها وتتفقد الرسائل، مُتصفحة بعض برامج التواصل الاجتماعي، فوقع نظرها على إعلان عن وجود فعاليات تعليمية لصقل المواهب الأدبية. هذا ما كانت تبحث عنه؛ ليعيدَ لقلمها رونقه بعد أن توالى عليه غبار السنين بعد أن كان الصديق والحبيب الذي شغفها حُبّا صار مع الوقت نسيا منسيا.. ولكن سرعان ما تبدد سرورها بعد أن رأت تاريخ اليوم هو آخر يوم للتسجيل والمقاعد محدودة! لم يكن ذلك همها الوحيد الذي أربك حماسها وإنما انشغل فكرها في كيفية إقناعه بالانضمام لهكذا صرح تعليمي يسهم في اكتساب العلم والمعرفة، كيف ستقنعه وهو الذي يعد الاتصالات الهاتفية الصادرة والواردة بعد الساعة العاشرة مساء تصرفا غير لائق؟ فالوقت هذا متأخر جدا بالنسبة إليه! كيف ستقنعه بانضمامها إلى فعاليات ستقام مساء، ذهابا وإيابا في حين ستقود بنفسها مركبتها؟ لم تفكر كثيرا وقررت قطع الشك باليقين، أمسكت سماعة الهاتف الأرضي وقامت بتردد تضغط الأرقام أمامها وهي على يقين كامل أن طلبها سيقابل بالرفض، رن الهاتف في الجهة الأخرى، كانت ثوانٍ شعرت بثقلها على قلبها.
-مرحبا: أهلا كيف حالك ؟ -في أحسن حال، ماذا هناك؟ -في الحقيقة هناك فعاليات تعليمية ستقام غدا وأحببت أن آخذ الإذن منك للتسجيل فيها، وأرجو أن تسمح لي. أخبرته بعض التفاصيل السريعة عن تلك الفعاليات وعن أوقاتها. سكت قليلا وعلى غير العادة وافق على طلبها، سُرّت لذلك كثيرا وشكرته بسعادة تغمر قلبها، فقد كانت تظن أنه من سابع المستحيلات أن يوافق على طلبها.
بعد أن أغلقت الهاتف تعجبت من ردة فعله غير المتوقعة ومن هدوئه الغريب في الحديث معها. في اليوم التالي، كانت في مكان الهدف المنشود بين الحضور... وبعد مرور بعض الوقت وبينما كانت غارقة في التركيز، رن هاتفها، نظرت إلى الشاشة فتسلل القلق والتوتر إلى قلبها، أجابته فورا، كانت المكالمة قصيرة جدا، لكن جعلتها تحتضن دفترها وتلتقط قلمها، أخذت هاتفها وثم حقيبتها وغادرت المكان بخطى تُسابق الريح.
عند دخولها المصعد وبعد أن أوصد المصعد بابه شعرت وكأن رئتها قد أوصدت بابها أيضا، وأن جزيئات الهواء في عِراكٍ داخلها... على خطى متعثرة أكملت طريقها، فتحت باب المركبة وألقت ما بيدها على المقعد المجاور وانطلقت مسرعة، وعند أول انعطاف للمركبة انزلق الهاتف واستقر أسفل المقعد، في هذه اللحظة رن الهاتف مرة أخرى، حاولت العثور عليه لكنها لم تجده رغم سماعها صوته، فأكملت طريقها وهي في قمة توترها، وما زال الهاتف يرن.. يرن.. يرن.. يرن.. ومع كل رنة كان مؤشر السرعة يزداد شيئا فشيئا... لمحت الضوء الأخضر من بعيد ولكن فجأة توقفت المركبة وتوقف بعدها كل شيء. وما زال الهاتف يضجُّ بالرنين.