لطالما كانت التوترات المستمرة المحيطة بالبرنامج النووي الإيراني نقطة محورية في الخطاب الجيوسياسي، لا سيما فيما يتعلق بالاستراتيجيات المتباينة للولايات المتحدة وإسرائيل، فبينما ينظر كلا البلدين إلى طموحات إيران النووية على أنها تهديد كبير، فإن نهجيهما في معالجة هذه القضية يختلفان بشكل حاد.

تاريخيا، حافظت الولايات المتحدة وإسرائيل على تحالف قوي، لا سيما في المسائل المتعلقة بالأمن الإقليمي، وكثيرا ما دعمت الولايات المتحدة إسرائيل ضد التهديدات الوجودية، بما في ذلك تلك التي تشكلها إيران، ومع ذلك، يأتي هذا الدعم مع محاذير متجذرة في اعتبارات جيوسياسية أوسع.



لقد فضلت الولايات المتحدة تقليديا السبل الدبلوماسية لإدارة طموحات إيران النووية، ويتجلى ذلك في خطة العمل الشاملة المشتركة التي تأسست في عام 2015. وعلى العكس من ذلك، نظرت إسرائيل باستمرار إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره تهديدا وجوديا مباشرا يبرر القيام بعمل عسكري وقائي. هذا الاختلاف الجوهري في المنظور يشكل مواقفهما الحالية بشأن الضربات العسكرية المحتملة ضد المواقع النووية الإيرانية.

فضلت الولايات المتحدة تقليديا السبل الدبلوماسية لإدارة طموحات إيران النووية، ويتجلى ذلك في خطة العمل الشاملة المشتركة التي تأسست في عام 2015. وعلى العكس من ذلك، نظرت إسرائيل باستمرار إلى البرنامج النووي الإيراني باعتباره تهديدا وجوديا مباشرا يبرر القيام بعمل عسكري وقائي
الحسابات الاستراتيجية

إن أحد الأسباب الرئيسية للخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل هو تقييماتهما المختلفة للمخاطر المرتبطة بضربة عسكرية على المنشآت النووية الإيرانية.

وجهة النظر الإسرائيلية: يزعم القادة الإسرائيليون، وخاصة بنيامين نتنياهو، أن إيران المسلحة نوويا لن تهدد إسرائيل بشكل مباشر فحسب، بل قد تشجع أيضا وكلاء إيران مثل حزب الله والمليشيات في العراق وسوريا. وبالنسبة لإسرائيل، فإن المخاطر وجودية؛ وبالتالي، فإن العمل العسكري يُنظر إليه باعتباره إجراء ضروريا لضمان البقاء الوطني. وقد انخرطت إسرائيل في عمليات مختلفة تهدف إلى تعطيل قدرات إيران النووية من خلال الهجمات الإلكترونية والاغتيالات المستهدفة، بدلا من الضربات العسكرية واسعة النطاق.

منظور الولايات المتحدة: في المقابل، يعرب المسؤولون الأمريكيون عن قلقهم من أن الضربة الإسرائيلية قد تؤدي إلى تصعيد إقليمي كبير. وقد شدد الرئيس جو بايدن على أنه في حين أن تصرفات إيران يجب أن تكون لها عواقب، فإن التدخل العسكري المباشر يمكن أن يتحول إلى صراع أكبر تشارك فيه القوات الأمريكية ويزعزع استقرار المنطقة بشكل أكبر. وتفضل الولايات المتحدة إدارة البرنامج النووي الإيراني من خلال القنوات الدبلوماسية والعقوبات بدلا من المواجهة العسكرية.

القدرات والقيود العسكرية

من العوامل الحاسمة الأخرى التي تؤثر على الخلاف تقييم القدرات العسكرية والفعالية المحتملة للهجوم على المواقع النووية الإيرانية.

الاستعداد العسكري الإسرائيلي: لقد استعدت القوات الإسرائيلية منذ فترة طويلة لضربة محتملة على المنشآت الإيرانية، مع تخطيط مكثف على مدى عقدين من الزمن بهدف تحييد المواقع الرئيسية مثل نطنز وفوردو. ومع ذلك، يتساءل الخبراء عما إذا كانت مثل هذه الضربات ستحقق أهدافها المقصودة أو ستؤخر تقدم إيران نحو التسلح.

المخاوف العسكرية الأمريكية: أثار المسؤولون الأمريكيون الشكوك حول قدرة إسرائيل على إلحاق ضرر دائم بالبنية التحتية النووية الإيرانية دون دعم أمريكي كبير. وقد أعرب البنتاغون عن مخاوفه من أن الضربة الإسرائيلية قد لا تفشل فقط في تفكيك قدرات إيران، ولكن أيضا تثير إجراءات انتقامية من طهران يمكن أن تعرض المصالح الأمريكية في المنطقة للخطر.

التداعيات السياسية

كما يلعب المشهد السياسي المحيط بالعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل دورا حاسما في تشكيل استراتيجياتها تجاه إيران.

السياسة الداخلية في إسرائيل: تواجه حكومة نتنياهو ضغوطا من الفصائل المتشددة التي تدعو إلى اتخاذ إجراءات عدوانية ضد إيران، وقد أدى التصعيد الأخير للأعمال العدائية بين الوكلاء الإسرائيليين والإيرانيين إلى تكثيف الدعوات إلى ردود عسكرية حاسمة. وهذا الضغط الداخلي يعقد قدرة إسرائيل على الالتزام بتوصيات الأمريكية لضبط النفس.

الديناميكيات السياسية الأمريكية: إن إدارة بايدن تدرك تمام الإدراك التداعيات السياسية المحلية أيضا. إن أي فشل متصور في دعم حليف مثل إسرائيل يمكن أن يكون ضارا سياسيا، لكن الاشتباك العسكري الشامل يخاطر بتنفير الحلفاء الآخرين في المنطقة الذين قد يفضلون الحلول الدبلوماسية على الصراع.

مخاطر التصعيد

إن كلا البلدين يدركان تمام الإدراك احتمالات التصعيد في حالة اتخاذ إجراء عسكري ضد المواقع النووية الإيرانية.

الرد الإيراني: من المرجح أن ترد إيران، في أعقاب أي ضربة، ليس فقط ضد المصالح الإسرائيلية، بل أيضا ضد الأصول الأمريكية في المنطقة. وقد يتضمن هذا الانتقام هجمات صاروخية أو حربا بالوكالة من خلال مجموعات مثل حزب الله أو المليشيات في العراق وسوريا.

يمكن لضربة إسرائيلية أن تزعزع استقرار الدول المجاورة وتؤدي إلى صراع أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط. والولايات المتحدة، التي استثمرت بكثافة في المنطقة، تشعر بحذر خاص إزاء الإجراءات التي قد تؤدي إلى تفكيك العلاقات الدبلوماسية التي اكتسبتها بشق الأنفس مع دول الخليج أو إثارة المزيد من العدوان الإيراني
الاستقرار الإقليمي: يمكن لضربة إسرائيلية أن تزعزع استقرار الدول المجاورة وتؤدي إلى صراع أوسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط. والولايات المتحدة، التي استثمرت بكثافة في المنطقة، تشعر بحذر خاص إزاء الإجراءات التي قد تؤدي إلى تفكيك العلاقات الدبلوماسية التي اكتسبتها بشق الأنفس مع دول الخليج أو إثارة المزيد من العدوان الإيراني.

البدائل الدبلوماسية

نظرا لهذه التعقيدات، تستكشف الدولتان استراتيجيات بديلة قد تخفف من حدة التوترات دون اللجوء إلى المواجهة العسكرية.

جهود التفاوض: تواصل الولايات المتحدة الدعوة إلى استئناف المفاوضات مع إيران بهدف كبح طموحاتها النووية من خلال الوسائل الدبلوماسية بدلا من الضربات العسكرية. ومن الناحية المثالية، لن تقتصر مثل هذه المفاوضات على إجراء محادثات مباشرة مع طهران فحسب، بل أيضا التنسيق مع الحلفاء الأوروبيين الذين ما زالوا ملتزمين بجهود منع انتشار الأسلحة النووية.

تبادل المعلومات الاستخباراتية: انخرط كلا البلدين في مبادرات لتبادل المعلومات الاستخباراتية تهدف إلى مراقبة الأنشطة الإيرانية عن كثب، مع الاستعداد لحالات الطوارئ المحتملة دون تدخل عسكري فوري.

مسار معقد إلى الأمام

إن الخلاف بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن ضرب المواقع النووية الإيرانية يؤكد على التفاعل المعقد بين السياق التاريخي، والحسابات الاستراتيجية، والقدرات العسكرية، والتداعيات السياسية، ومخاطر التصعيد، والبدائل الدبلوماسية. وفي حين تدرك كلتا الدولتين التهديد الذي تشكله إيران ذات القدرة النووية بالنسبة لهما، فإن نهجيهما يعكسان أولويات مختلفة، حيث تتعارض المخاوف الأمنية المباشرة لإسرائيل مع تركيز أمريكا الأوسع على الاستقرار الإقليمي والحلول الدبلوماسية.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه النووي الإيراني إسرائيل إيران إسرائيل امريكا النووي مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة مقالات سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة بین الولایات المتحدة وإسرائیل المواقع النوویة الإیرانیة النووی الإیرانی إیران النوویة فی المنطقة من خلال

إقرأ أيضاً:

مصدر أمني:إيران ترسل مخدراتها للعراق من خلال الشاحنات التي تحمل البطاطا وغيرها

آخر تحديث: 19 يناير 2025 - 10:46 صبغداد/ شبكة أخبار العراق- كشف مصدر أمني، الاحد، عن إحباط محاولتين لتهريب مواد مخدرة عبر معبر حدودي مع إيران، فيما أكد اعتقال متهمين اثنين من الايرانيين خلال العملية. وقال المصدر ، إن “الأجهزة الأمنية، بالتعاون مع فرق (K9)، تمكنت من إحباط محاولتي تهريب مواد مخدرة داخل شحنات بطاطا قادمة من إيران”، لافتا إلى أن “اثنين من الإيرانيين تم اعتقالهما وهما الآن رهن الاحتجاز في انتظار استكمال الإجراءات القانونية والتحقيقات اللازمة”.وأشار إلى أن “استخدام شحنات البطاطا كوسيلة للتمويه لإدخال المخدرات، يعد من الأساليب التي يلجأ إليها بعض تجار المخدرات الإيرانية بالتعاون مع الميليشيات الحشدوية المتنفذة، خاصة عبر منافذ الحدود مع إيران”.وأضاف، أن “مفارز (K9) نجحت في قطع الطريق على هذه الطريقة، حيث تم إحباط الشحنتين، بالإضافة إلى شحنات أخرى خلال الأشهر الماضية عبر نفس الأسلوب”، مؤكدا أن “هناك جهوداً مكثفة وأوامر مشددة من بغداد لمكافحة تهريب المواد المخدرة الايرانية عبر المعابر الحدودية”.وشهد العراق في الآونة الأخيرة تصاعدا كبيرا في ظاهرة تجارة المخدرات من خلال فصائل الحشد الشعبي ، وبصورة جعلت منها تهديدا مباشرا للأمن الوطني، إذ تحول العراق من مجرد ممر إقليمي لعبور المخدرات، إلى مركز رئيس من مراكز تجارة المخدرات العابرة للحدود، وهو ما قد يجعل من هذه التجارة تحديا كبيرا خلال السنوات المقبلة، نظرا للمشكلات التي تنتج عنها.

مقالات مشابهة

  • أحد عمالقة القطاع المصرفي في الولايات المتحدة يكشف عن توقعاته لأسعار الذهب
  • تيك توك يعود تدريجيا للعمل في الولايات المتحدة بعد تعهد ترامب بإصدار أمر تنفيذي بشأن تشغيل التطبيق
  • مصدر أمني:إيران ترسل مخدراتها للعراق من خلال الشاحنات التي تحمل البطاطا وغيرها
  • وزير الخارجية يناقش مع نظيره الإيراني التطورات في المنطقة والمستجدات بشأن غزة
  • إسرائيل تشدد إجراءاتها العسكرية عند حاجزي تياسير والحمرا بالأغوار
  • السلطات الأمريكية تكشف كيف سرب محلل سابق في CIA خطط إسرائيل لمهاجمة إيران
  • تعيين الدبلوماسية الهولندية «سيجريد كاج» مبعوثة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط
  • صنعاء تعلن جهوزيتها العسكرية وتحذر “إسرائيل” من أي تنصل عن تنفيذ إتفاق غزة
  • إيران وروسيا توقعان على اتفاقية شراكة استراتيجية أثناء زيارة الرئيس الإيراني لموسكو
  • باكستان تدعو إلى إنهاء الصراع الدائر في أوكرانيا عبر الحوار والسبل الدبلوماسية