أثار تقرير حديث نشرته وكالة "بلومبيرغ"، مخاوف كبيرة حول العواقب الاقتصادية المحتملة لوعد دونالد ترامب بترحيل ملايين المهاجرين غير النظاميين من الولايات المتحدة، إذا فاز في الانتخابات الرئاسية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني.

الوعد الذي أطلقه ترامب ليس بجديد على أجندته السياسية، لكنه يأتي هذه المرة في ظروف قد تحمل تداعيات خطيرة على الاقتصاد الأميركي الذي يعتمد بشكل متزايد على العمالة المهاجرة، خاصة بعد جائحة كورونا.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ما الفرق بين مجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة؟list 2 of 2هاريس تتم عامها الستين ورقم قياسي لترامبend of list الترحيل.. دروس من التاريخ

وتقول بلومبيرغ إن التحليلات الاقتصادية، وخاصة تلك المستندة إلى التاريخ، تسلط الضوء على التأثيرات السلبية لهذه السياسات. حيث أظهر تقرير "المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية" كيف أثرت سياسات مماثلة في أواخر القرن الـ19 بشكل سلبي على الاقتصاد الأميركي.

ففي تلك الفترة، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات صارمة لترحيل العمال الصينيين الذين ساهموا بشكل كبير في بناء السكك الحديدية العابرة للقارات، وذلك في إطار "قانون استبعاد الصينيين" الذي تم تمريره عام 1882.

هذا القرار أدى إلى تقليص عدد العمالة الصينية بنسبة 64%، مما أثر بشكل مباشر على الاقتصاد الغربي للبلاد، وفق بلومبيرغ.

وقد أظهر التحليل أن القطاعات التي كانت تعتمد بشكل أساسي على العمالة الصينية شهدت انخفاضا في الإنتاج الصناعي بنسبة 62%، وأن التأثير السلبي طال أيضا العمال البيض، حيث انخفضت نسبة العمال البيض الذين كانوا ينتقلون إلى الغرب للعمل بنحو 28%.

العمالة المهاجرة والاقتصاد الأميركي

وفي الوقت الحاضر، يعتمد الاقتصاد الأميركي بشكل كبير على العمالة المهاجرة، وخاصة بعد جائحة كورونا التي شهدت ارتفاعا في أعداد المهاجرين غير النظاميين.

ووفقاً لتقرير سابق نشرته "بلومبيرغ"، أشار مكتب الميزانية في الكونغرس إلى أن هذا التدفق الهائل للمهاجرين سيسهم في تعزيز الاقتصاد الأميركي بنحو 7 تريليونات دولار خلال العقد المقبل.

كما تشير التقارير إلى أن زيادة العمالة المهاجرة كانت وراء النمو القوي الذي شهدته سوق العمل الأميركية مؤخرا.

ففي الوقت الذي شهد فيه العالم دورة من السياسات النقدية المشددة من قبل الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي الأميركي)، حافظت سوق العمل الأميركية على قوتها بشكل غير متوقع بفضل المهاجرين.

رغم أن الترحيل الجماعي الذي يعد به ترامب يحظى بشعبية، فإن التاريخ يحذر من عواقبه الاقتصادية الوخيمة (رويترز) عواقب غير مقصودة

ورغم أن الترحيل الجماعي الذي يعد به ترامب قد يحظى بشعبية بين بعض الناخبين، فإن التاريخ يحذر من عواقبه الاقتصادية الوخيمة. فالترحيل الجماعي سيؤدي إلى تقليص حجم القوى العاملة، وهو ما قد يؤثر سلبا على قطاعات صناعية وزراعية عديدة تعتمد بشكل كبير على العمالة المهاجرة.

وبحسب التقرير، فإن تنفيذ هذا الوعد سيكبد الاقتصاد الأميركي خسائر جسيمة، إذ سيتعين على البلاد تمويل عمليات الترحيل الواسعة، بالإضافة إلى تحمل تبعات تراجع الإنتاجية وتباطؤ النمو الاقتصادي.

علاوة على ذلك، أشار تقرير "بلومبيرغ" إلى أن المهاجرين غير الشرعيين يساهمون في تخفيف الضغوط المالية على الموارد العامة، خاصة المهاجرين ذوي المهارات العالية الذين يسهمون في دفع الضرائب وتقديم دعم مهم للاقتصاد الوطني.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الاقتصاد الأمیرکی على العمالة

إقرأ أيضاً:

علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس

منذ القرن التاسع عشر، لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في دعم المشروع الصهيوني، سواء على المستوى الديني أو السياسي. تجسد ذلك من خلال شخصيات مثل وارد كريسون، الذي كان من أوائل الأميركيين الداعمين لفكرة تشجيع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وصولًا إلى دونالد ترامب، الذي تبنى سياسات تسعى إلى إعادة تشكيل مستقبل غزة بما يخدم المصالح الصهيونية.

ترامب وغزة.. رؤية اقتصادية أم تهجير قسري؟

منذ أن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المشهد السياسي كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، تصاعدت تصريحاته المثيرة للجدل بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وخاصة فيما يتعلق بقطاع غزة.

وسط حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، طرح ترامب عدة أفكار تتعلق بمستقبل القطاع وسكانه، من بينها فرض السيطرة الأميركية على غزة، وإعادة توطين السكان الفلسطينيين في دول أخرى، وإلغاء حق العودة، ثم قال ما قد يفيد بغير ذلك لاحقاً.

قال ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تتولى السيطرة على قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس.

ويعتقد أن هذا الإجراء سيسهم في إعادة إعمار غزة وتحويلها إلى مركز اقتصادي وسياحي، مشيرًا إلى أن الأوضاع الحالية تجعل القطاع غير صالح للعيش. برر ترامب هذه الفكرة بضرورة إيجاد حل شامل يعيد تشكيل مستقبل غزة بما يتماشى مع الاستقرار الإقليمي.

إعلان

لذلك اقترح ترامب في يناير/ كانون الثاني 2025 إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى، مثل الأردن ومصر، مع تقديم حوافز مالية لهذه الدول لاستيعاب الفلسطينيين النازحين. ويعتقد أن هذا الخيار سيمنح سكان غزة فرصة لحياة أفضل بعيدًا عن الظروف المعيشية القاسية داخل القطاع، معتبرًا أن غزة لم تعد مؤهلة للسكن بعد الدمار الواسع الذي شهدته.

وأكد ترامب أن الفلسطينيين الذين يغادرون غزة لن يكون لهم حق العودة، معتبرًا أن المنطقة لم تعد مناسبة لإعادة توطين السكان بعد الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية. ويرى أن هذا الإجراء ضروري لإيجاد واقع ديمغرافي جديد يمنع العودة الجماعية ويؤسس لمرحلة مختلفة في التعامل مع مستقبل القطاع.

في أعقاب تصريحات ترامب، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي توجيهات بإعداد خطط تتيح للفلسطينيين الراغبين في مغادرة غزة الخروج إلى دول أخرى، ورغم عدم وضوح آلية تنفيذ هذا المخطط، فإنه يتماشى مع بعض الأطروحات التي قدمها ترامب بشأن مستقبل القطاع.

عند كوشنر الخبر اليقين!

بحسب تقرير نشر في موقع "زمان يسرائيل" العبري التابع لـ "تايمز أوف إسرائيل"، فإن الخطوط العريضة للخطة نشأت لدى جوزيف بيلزمان، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن، الذي نشر مقالًا في يوليو/ تموز 2024 بعنوان "خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة".

يحدد الاقتراح خطة للدول والشخصيات الخارجية "للاستثمار" في إعادة بناء غزة بموجب عقد إيجار مدته 50 عامًا، وبعد ذلك سيتم تناول مسألة منح "السيادة" للسكان. ووفقًا للخطة، فإن التركيز الأساسي لإعادة الإعمار سيكون على قطاع السياحة، بما في ذلك بناء الفنادق على شاطئ البحر.

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترامب أخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية في أواخر صيف 2024 أن غزة "قطعة عقارية رئيسية"، وأنها قد تكون موقعًا مثاليًا لبناء الفنادق.

إعلان

وقال بيلزمان في بودكاست في أغسطس/ آب إن مقاله "ذهب إلى مؤيدي ترامب، لأنهم كانوا أول من اهتم بها، وليس لمؤيدي بايدن". وأضاف أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، "يريد استثمار أمواله فيها… يسيل لعابهم للدخول".

وقال بيلزمان إنه بموجب اقتراحه، سيتم "إخلاء قطاع غزة بالكامل"، مشيرًا إلى أن "الولايات المتحدة يمكن أن تضغط على مصر" لقبول اللاجئين من غزة، لأن "مصر دولة مفلسة" عليها ديون كبيرة للولايات المتحدة.

وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، بحسب تعبيره. وقال في فعالية في هارفارد في  فبراير/ شباط 2024 "العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش".

الجذور الأولى للفكر الاستيطاني الأميركي

أعادت تصريحات ترامب إلى الأذهان أفكارًا تاريخية مشابهة طرحها وارد كريسون (Warder Cresson) في القرن التاسع عشر. كريسون، الذي كان أوّل قنصلٍ أميركيٍّ في القدس، وداعيةٍ مبكرٍ لفكرة إعادة اليهود إلى فلسطين، تحوّل من المسيحية إلى اليهودية وغير اسمه إلى ميخائيل بوعاز إسرائيل.

كان من أبرز دعاة فكرة توطين اليهود في فلسطين، مؤمنًا بأن الله خلق الولايات المتحدة لدعم اليهود، وأن النسر الأميركي سيحقق نبوءة أليشع بتغطية الأرض بجناحيه. أعلن كريسون أن "لا خلاص لليهود إلا بقدومهم إلى إسرائيل"، وكرس حياته لتحقيق هذه الرؤية.

في 22 يونيو/ حزيران 1844، رحل كريسون إلى فلسطين حاملًا علمًا أميركيًا وحمامة بيضاء كان ينوي إطلاقها عند وصوله. وعندما وصل كريسون إلى فلسطين، واستقر في القدس، أسس "ختمًا قنصليًا" ومد حماية أميركية على يهود المدينة، الذين كان العديد منهم فقراء يعتمدون على المساعدات الخارجية.

في عام 1852، أسس مستعمرة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين على الزراعة، وحاول إنشاء مستوطنة في وادي رفائيم بمساعدة موسى مونتفيوري، لكن جهوده فشلت.

إعلان

ومع ذلك، فإن أفكاره ألهمت آخرين، مثل كلوريندا ماينور (Clorinda Minor)، التي أسست مدرسة الزراعة للأعمال اليدوية لليهود في الأرض المقدسة بالقرب من قرية أرطاس، بالقرب من بيت لحم. وقامت بتأسيس مستوطنة "جبل الأمل" بالقرب من يافا، الذي اشتراها كريسون، باعتبارها "مزرعة أميركية نموذجية" لتعليم اليهود كيفية زراعة الأناناس والموز والليمون.

هندسة جغرافية فلسطين

ما يجمع بين كريسون وترامب هو الإيمان بإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والسياسي لفلسطين لصالح المشروع الصهيوني. فبينما سعى كريسون إلى إعادة توطين اليهود في فلسطين عبر إنشاء مستوطنات زراعية، يسعى ترامب إلى إعادة هندسة الواقع الحالي عبر سياسات التهجير القسري، وإعادة الإعمار تحت السيطرة الأميركية.

مع استمرار هذا النهج عبر التاريخ، تعكس تصريحات ترامب بشأن غزة امتدادًا للفكر الاستيطاني الأميركي الذي بدأ مع وارد كريسون في القرن التاسع عشر. فكما سعى كريسون إلى الاستيلاء على فلسطين عبر الاستيطان، تأتي أطروحات ترامب وكوشنر بواجهة اقتصادية، لكنها في جوهرها تستند إلى نفس الهدف: تفريغ الأرض وإعادة تشكيلها بما يخدم المشروع الصهيوني.

وبينما تغيّرت الأساليب والخطابات، يبقى النهج ثابتًا؛ إعادة هندسة الواقع الفلسطيني وفق مصالح القوى المهيمنة، في استمرارية تعكس كيف يعيد التاريخ نفسه من كريسون إلى ترامب، كل مرة بأسلوب جديد لكن بروح استعمارية واحدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • انكماش الاقتصاد البريطاني بشكل غير متوقع في يناير
  • علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس
  • خطة جديدة لتنظيم تجارة الذهب في تركيا.. ما الذي سيتغير؟
  • محمود خليل أول ضحايا تهديدات ترامب بترحيل الطلاب الأجانب
  • برلماني: مراجعة صندوق النقد تعكس التزام مصر بتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية
  • الجفاف يهدد محاصيل المغرب ويعصف الاقتصاد الوطني
  • هل يتجه الاقتصاد الأميركي نحو الركود؟
  • المالية النيابية: الخصخصة تمثل الحل الأمثل لاستحصال الجباية بشكل كامل
  • البطل المنقذ وبداية الانهيار الأميركي
  • ترامب يتعهد بترحيل محمود خليل ومؤيدي حماس من أميركا