يُعد حديث إرضاع الكبير واحدة من المسائل الشائكة التي يكثر الجدال حول صحة نسبتها للنبي صلى الله عليه وسلم؛ وهل ينطبق على واقعة خاصة أم ماذا؟

ما صحة حديث إرضاع الكبير وهل موجود الآن؟

يقول الدكتور أحمد نبوي، أستاذ الحديث المساعد بجامعة الأزهر الشريف، إن حديث إرضاع الكبير، هو حديث صحيح، وموجود في كتاب صحيح البخاري.

وأضاف “نبوي”، في حواره له ببرنامج "الساعة 6" عبر قناة "الحياة" أن حديث إرضاع الكبير، حديث صحيح ولكنه خاص بمرحلة زمنية تشريعية معينة كانت فيها هذه الأمور أجاز فيها النبي-صلى الله عليه وسلم- لحالة معينة كانت موجودة كان يتمثل علاج هذه الحالة في هذه الجزئية التي عرفت بـ "إرضاع الكبير".

وأشار إلى أن الإمام البخاري أثبت هذا الحديث في كتابه، رغم أنه خاص بحالة معينة وليس عامًا، لتبيان مراحل التشريع في هذه الجزئية.

وأكد أستاذ الحديث المساعد أن إرضاع الكبير كان لحالة واحدة، ولا تتعدى إلى حالات أخرى أو حالات عامة.

آراء المذاهب الأربعة في إرضاع الكبير

فيما ذهب عامة أهل العلم من الصحابة والتابعين والفقهاء المتبوعين من أئمة المذاهب الأربعة أن رضاع الكبير لا تثبت به الحرمة، ولا اعتبار به، واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/233.

يقول الإمام الشافعي رحمه الله:"الدليل على ذلك قول الله جل ثناؤه: (حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) فجعل الحولين غاية، وما جُعل له غاية فالحكم بعد مضي الغاية خلاف الحكم قبل الغاية" انتهى "مختصر المزني" (ص/227)، أي أن الحد الذي ينتهي به حكم الرضاعة هو الحولان، فما كان قبل الحولين تثبت به حرمة الرضاع، وما كان بعدهما فلا تثبت به أحكام الرضاعة من الحرمة ونحوها.

ومن الأدلة أيضاً على عدم ثبوت التحريم برضاع الكبير ما جاء عن عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي رَجُلٌ، قَالَ: (يَا عَائِشَةُ، مَنْ هَذَا)؟ قُلْتُ: أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. قَالَ: (يَا عَائِشَةُ، انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ؛ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) رواه البخاري (رقم/5102). ومدة السنتين هي مدة المجاعة التي ذُكرت في الحديث، وقد قَصَرَ النبي صلى الله عليه وسلم الرضاع المحرِّم عليها، وهذا يدل على عدم ثبوت حكم الرضاعة بعد الحولين.

وعنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ، وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ) رواه الترمذي (رقم/1152) وقال: هذا حديث حسن صحيح. والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم: أن الرضاعة لا تُحَرِّم إلا ما كان دون الحولين، وما كان بعد الحولين الكاملين فإنه لا يُحَرِّم شيئاً.

هل يجوز سجود السهو بعد الصلاة بفترة حال نسيانها .. رأي دار الإفتاء هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب

وأما حديث سالم الذي يرويه الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: جَاءَتْ سَهْلَةُ بِنْتُ سُهَيْلٍ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَرَى فِي وَجْهِ أَبِي حُذَيْفَةَ مِنْ دُخُولِ سَالِمٍ وَهُوَ حَلِيفُهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أَرْضِعِيهِ). قَالَتْ: وَكَيْفَ أُرْضِعُهُ وَهُوَ رَجُلٌ كَبِيرٌ؟! فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: (قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلٌ كَبِيرٌ). وَفِي رِوَايَةِ: "فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". رواه مسلم (رقم/1453).

فهذا الحديث لا يُعد إشكالاً مطلقاً، فقد فهمه أكثر الصحابة الذين عرفوا سياق القصة وأدركوا أحداثها على أنه رخصة خاصة بسالم مولى أبي حذيفة؛ لأنه عاش معهم باعتباره ولدًا لهم، وله حكم الأبناء، فلما حُرِّم التبني وصار غريباً عن الأسرة؛ جعل الله له هذه الرخصة، ولذا جاء في بعض روايات الحديث أنه كان يرى من سهلة ما يراه الولد من أمه. عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "أبى سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يُدخلن عليهن أحداً بتلك الرضاعة، وقلن لعائشة: والله ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم لسالم خاصة، فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا" رواه مسلم (رقم/1454).

ولا يفوت التنبيه هنا إلى أن الرضاعة التي وقعت لسالم مولى أبي حذيفة لم تكن عن طريق إلقام الثدي مباشرة؛ فذلك حرام ولا شك، وإنما كان بحلب اللبن في إناء وسقايته له. قال ابن عبد البر رحمه الله: "ورضاع الكبير أن يُحلب له لبن ويُسقاه، أما أن تُلقمه ثديها كما يُصنع بالطفل فلا؛ لأن ذلك لا ينبغي عند أهل العلم" انتهى "الاستذكار" (6/ 255). والله أعلم.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: النبی صلى الله علیه وسلم ما کان

إقرأ أيضاً:

بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة

الأضحية والعقيقة.. قالت دار الإفتاء المصرية إن الأضحية والعقيقة سُنتان مؤكدتان مطلوبتان بحسب يسار المكلف؛ فإن عجز عن القيام بهما معًا على وجه الإفراد لعدم ملاءته المالية قَدَّم الأضحية؛ لضيق وقتها واتساع وقت العقيقة، كما أن له أن يجمع بين نية الأضحية والعقيقة في ذبيحة تقليدًا لمن أجاز من الفقهاء.

الأضحية والعقيقة

والأضحية هي ما يذبح من الإبل والبقر والغنم، يوم النحر وأيام التشريق، تقربًا إلى الله تعالى، وهي سُنَّة مؤكدة، وقد شرعها الله سبحانه وتعالى إحياءً لسُنَّة نبيِّه إبراهيم عليه السلام؛ كما في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سُئِل: يا رسول الله، ما هذه الأضاحي؟ قال: «سُنَّةُ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ» أخرجه ابن ماجه والبيهقي في "السنن"، والحاكم في "المستدرك" وصححه، ولما فيها من التوسعة على الناس أيام العيد والتشريق؛ كما في قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّمَا هِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرٍ لِلهِ» أخرجه الأئمة: مالك في "الموطأ" واللفظ له، وأحمد في "المسند"، والحاكم في "المستدرك" وصححه.

والأضحية مشروعة بالكتاب والسُّنَّة والإجماع؛ والأصل في مشروعيتها: قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ [الكوثر: 1-2]، وما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: «ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَقْرَنَيْنِ، ذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ، وَسَمَّى وَكبَّرَ، وَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا» متفقٌ عليه.

ونقل الإجماع على مشروعية الأضحية غير واحد من العلماء؛ كالإمام ابن قدامة في "المغني" (9/ 435، ط. مكتبة القاهرة)، والحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/ 3، ط. دار المعرفة) وغيرهما.

المقصود بالعقيقة وبيان حكمها ووقتها
والعقيقة شرعًا هي الذبيحة التي تذبح عن المولود، ذكرًا كان أو أنثى، وهي سنة مؤكدة؛ فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأَمَر بها ورَغَّب فيها؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَعَ الْغُلَامِ عَقِيقَةٌ؛ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى» أخرجه البخاري.

وعن بريدة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ، وَالْحُسَيْنِ» أخرجه الأئمة: أحمد في "المسند" وأبو داود والنسائي والبيهقي في "السنن".

والقول بسُنية العقيقة هو قول أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين، وبه قال الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وجماعةٌ من أهل العلم يَكثُر عددهم، وعلى ذلك جرى العمل في عامة بلدان المسلمين متبعين في ذلك ما سَنَّهُ لهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما في "الإشراف" للإمام ابن المنذر (3/ 417-418، ط. مكتبة مكة الثقافية)، وينظر أيضا: "الكافي" للإمام ابن عبد البر المالكي (1/ 425، ط. مكتبة الرياض الحديثة)، و"المجموع" للإمام النووي الشافعي (8/ 426، ط. دار الفكر)، و"المغني" للإمام ابن قدامة الحنبلي (9/ 459).

وذهب الحنفية إلى أنها مباحة مستحبة وليست بسُنةٍ، فإن فعلها صاحبها شكرًا لله تعالى تصير قربة؛ لأن النيةَ تُصَيِّرُ العاداتِ عباداتٍ، والمباحاتِ طاعاتٍ؛ كما في "رد المحتار" للعلامة ابن عابدين الحنفي (6/ 326، ط. دار الفكر)، و"التجريد" للإمام القدوري الحنفي (12/ 6356، ط. دار السلام).

والأصل في العقيقة أن تُعمل يوم السابع من ولادة المولود؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِذَا كَانَ يَوْمُ سَابِعِهِ؛ فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الْأَذَى، وَسَمُّوهُ»، فإن فات يوم السابع ففي اليوم الرابع عشر، فإن فات ففي الحادي والعشرين، فإن فات ففي أي وقت.

أيهما أولى تقديم شعيرة الأضحية أم العقيقة؟
الأضحية والعقيقة سُنتان مؤكدتان مطلوبتان بحسب يسار المكلف وملاءته؛ فإن عجز عن القيام بهما ولم يتمكن من إفرادهما بالذبح: قُدِّمتِ الأضحية؛ لكونها أوجب من العقيقة، وآكد منها في السُّنِّية.

وقال الإمام الماوردي الشافعي في "الحاوي الكبير" (15/ 128، ط. دار الكتب العلمية) في بيان صفة العقيقة: [الأضحية أوكد منها؛ لتعلقها بسببٍ راتبٍ واحدٍ عامٍّ] اهـ.

ومقصود الأضحية حصول ضيافة عامة من الله تعالى لعباده بخلاف العقيقة فإنها ضيافة خاصة؛ كما في "مغني المحتاج" للخطيب الشربيني (6/ 140، ط. دار الكتب العلمية)، ولا شك أن الضيافة العامة مقدمة على الخاصة في البدء بها.

يضاف لذلك أن وقت العقيقة ممتد لما بعد البلوغ على المختار للفتوى؛ لكونها لا آخر لوقتها، فإما أن يعق عن ولده، أو يعق هو عن نفسه، وهو الأفضل.

مقالات مشابهة

  • بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة
  • سنن يوم الجمعة.. قبل الصلاة وأثنائها وبعدها
  • كيف تواجه الظلم؟.. أزهري يوضح طرق العفو والجزاء الحسن
  • حكم خدمة المرأة لزوجها بين الشريعة والعرف.. عالم أزهري يوضح الحقائق
  • نص خطبة الجمعة غدًا 19 ديسمبر كاملًا
  • رد عالم أزهري على سيدة خلعت زوجها 3 مرات وتريد العودة بعقد جديد
  • اللّهُمّ اسْقنا غيْثًا مُغيثًا مريئًا نافعًا غيْر ضارٍّ.. دعاء «المطر» |ردده الآن
  • حكم الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة
  • حكم قراءة القرآن قبل صلاة الفجر في المسجد
  • الوفاء وحفظ الجميل