حكم استخدام زخارف المصحف في ديكورات الأفراح.. الأزهر للفتوى يوضح
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
ما حكم استخدام زخارف المصحف في ديكورات الأفراح؟، من الأسئلة التي باتت تشغل الأذهان وتثير الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، ويذهب بها البعض إلى التحريم وما إلى ذلك، فهل استخدام زخارف المصحف في ديكورات الأفراح محرم؟ هذا ما سنوضحه في التقرير التالي.
استخدام زخارف المصحف في ديكورات الأفراحواستعمال زخرفة المصحف في يكورات الأفراح ليس فيها شيء بحسب ما قرره الشيخ محمد العليمي عضو الفتوى بمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية في تصريحات خاصة لـ صدى البلد، خاصة وأنها ليست من المصحف ولا تعد كلامًا أو أمرًا إلهيًا؛ إلا أنه وبحسب المتعارف بين الناس فإنها قد استمدت قدسيتها بما وضعت واستقرت عليه.
وتابع: سجادة الصلاة على سبيل المثال أصبح المتعارف عليه أنها -وإن كانت قطعة من القماس- مرتبطة بالصلاة ولها قدسية لا يجوز حملها أو وضعها في أماكن النجاسات شأن الأقمشة الأخرى، مشيرًا إلى أنه لا حرمة في استعمال الزخارف المتداولة كونها من الخطوط المتعارف عليها ولا تتعلق بالمصحف وقدسيته ومن باب المتعارف والشائع يمكن الاحتراز عن استخدامها في مواضع
وجوب تعظيم القرآن الكريم واحترامه وصونهلا يزال المسلمون عبر العصور حريصين على التحري والدقة في التعامل مع القرآن الكريم وآياته قدر وسعهم في كافة أوجه التعامل معه قراءةً وكتابةً وعملًا؛ فمن الأمور التي أجمع عليها المسلمون وجوبُ تعظيمِ القرآن الكريم واحترامِه وصونِه عمّا لا يليق بواجب تقديسه؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ ۞ فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ۞ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة: 77-79]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ۞ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الزخرف: 3-4].
قال الإمامُ النووي الشافعي في "التبيان في آداب حملة القرآن" (1/ 190، ط. دار ابن حزم) فقال: [أجمع المسلمون على وجوب صيانة المصحف واحترامه] اهـ.
تعريف المصحف والمقصود من تحليته بالذهبالمصحف هو: اسمٌ للمكتوب فيه كلام الله تعالى بين الدفتين، ويصدق المصحف على ما كان حاويًا للقرآن كله، أو كان مما يسمى مصحفًا عرفًا، ولو قليلًا؛ كحزب. ينظر: "حاشية قليوبي على شرح المحلي للمنهاج" لشهاب الدين القليوبي (1/ 39، ط. دار الفكر، بيروت).
ويقصد من تحلية المصاحف بالذهب: إلصاق قطعٍ رقيقةٍ من الذهب يتم التزيين بها بتسميرٍ ونحوه، وهو خلاف التمويه الذي هو إذابة الذهب واستعماله في الطلاء به؛ قال الشيخ سليمان الجمل الشافعي في "حاشيته على شرح المنهج" (2/ 257، ط. دار الفكر): [والتحلية: لصق عين النقد؛ أي قطع منه، في محالّ متفرقة مع الإحكام، حتى تصير كالجزء منه، ويمكن فصلها مع عدم ذهاب شيءٍ من عينها. وأما التمويه: فهو تسييح الذهب أو الفضة ويُطلَى به الشيءُ] اهـ.
حكم استعمال الذهب في تزيين المصاحف وتحليتهااستعمال الذهب في تزيين المصاحف وتحليتها أجازه فقهاء الحنفية؛ حيث يعُدُّونه من التعظيم والتكريم لكتاب الله تعالى، وقياسًا على جواز نقش المساجد وزخرفتها؛ قال الإمام المرغيناني الحنفي في "الهداية في شرح بداية المبتدي" (4/ 379، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت): [قال: (ولا بأس بتحلية المصحف -أي بالذهب-)؛ لما فيه من تعظيمه، وصار كنقش المسجد وتزيينه بماء الذهب] اهـ.
ما معنى «والله يعلم وأنتم لا تعلمون»؟.. أسرار الآية (216) معنى «وفي سبيل الله» في باب الزكاة.. من هم أصحابها وهل متواجدون اليوم؟وقصر المالكيةُ جوازَ تحلية المصاحف بالذهب والفضة بأن تكون على الغلاف الخارجي، وقالوا إن كتابة أجزائه أو أحزابه بأحد النقدين مكروهة؛ لأنها تشغل القارئ عن التدبر، أما كتب العلم والحديث فلا يجوز تحليتها بالذهب والفضة؛ قال الإمام الحطاب المالكي في "مواهب الجليل في شرح مختصر خليل" (1/ 125-126، ط. دار الفكر): [(إلا المصحف): أي فيجوز تحليته بالذهب والفضة في جلده على المشهور. قال الشيخ يوسف بن عمر: وهو أن يجعل ذلك على الجلد من خارج، ولا يجوز أن يجعل ذلك على الأحزاب والأعشار وغير ذلك.
قال الجزولي: يعني في أعلاه، ولا يكتب به، ولا يجعل له الأعشار ولا الأحزاب ولا الأخماس؛ لأن ذلك مكروه.. ووجه كراهته لتزيين داخله بالخاتم وتعشيره بالحمرة: أنه يلهي القارئ ويشغله عن تدبير آياته] اهـ.
وفصَّل فقهاءُ الشافعية القولَ في تحلية المصاحف بالذهب، والأصح عند الأكثرين منهم هو جواز تحلية المصحف بالذهب للنساء؛ قياسًا على جواز تحليها بالذهب، وتحريم ذلك في مصاحف الرجال؛ قال الإمام النووي الشافعي في "المجموع شرح المهذب" (4/ 445، ط. دار الفكر): [وفي تحليته بالذهب أربعة أوجه: (الأصح) عند الأكثرين: جوازه في مصحف المرأة وتحريمه في مصحف الرجل. (والثاني): جوازه مطلقًا. (والثالث): تحريمه مطلقًا. (والرابع): تجوز حلية نفس المصحف دون غلافه المنفصل عنه، وهو ضعيف] اهـ.
هذا عن تحلية المصاحف بالذهب، أما التمويه بالذهب: فمذهب الحنفية على جوازه؛ باعتبار أن التمويه مستهلكٌ؛ فلا عبرة بِلَوْنِهِ؛ قال الإمام الحصكفي الحنفي في "الدر المختار" (6/ 344 بتصرف، ط. دار الفكر): [المطلي بالذهب أو الفضة لا بأس به بالإجماع؛ لأن الطلاء مستهلكٌ لا يخلص؛ فلا عبرة لِلَوْنِهِ] اهـ.
واختلف الشافعية في حكمه: فمنعه بعضهم؛ لِمَا يترتب عليه من إضاعة المال؛ حيث إن الذهب إذا ذوِّب فمُّوه به المصحف لا يمكن إعادته ذهبًا مرةً أخرى؛ قال الإمام ابن حجر الهتيمي الشافعي في" تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (3/ 281-282 ط. المكتبة التجارية الكبرى بمصر): [يؤخذ من تعبيرهم بالتحليةِ المارِّ الفرقُ بينها وبين التمويه: حرمةُ التمويه هنا بذهبٍ أو فضةٍ مطلقًا؛ لما فيه من إضاعة المال. فإن قلتَ: العلة الإكرام وهو حاصلٌ بِكُلٍّ، قلتُ: لكنه في التحلية لم يخلفه محظور، بخلافه في التمويه؛ لما فيه من إضاعة المال وإن حصل منه شيء] اهـ.
وقال البعض الآخر بالجواز، ورَدُّوا على من قال بالمنع، بأن إضاعة المال -بمعنى إنفاقه بنوع من الترف- لغرضٍ صحيحٍ أمرٌ جائزٌ شرعًا، وتكريم المصحف بتمويهه بالذهب غرضٌ صحيح يباح من أجله الترف؛ قال الإمام الشرواني الشافعي في "حاشيته على تحفة المحتاج" (3/ 281، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [ح: (يؤخذ من تعبيرهم بالتحليةِ المارِّ الفرقُ بينها وبين التمويه حرمةُ التمويه هنا بذهبٍ أو فضةٍ مطلقًا؛ لما فيه من إضاعة المال). ش: (قوله: تنبيهٌ: يؤخذ من تعبيرهم.. إلخ) بتذكر ما أسلفناه يعلم ما في هذا التنبيه فلا تغفل، ثم رأيت الفاضل الْمُحَشِّي قال: قوله: حرمة التمويه هنا.. إلخ؛ الوجه عدم الحرمة وإضاعة المال لغرضٍ جائزة] اهـ.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: المصحف تعظيم القرآن الكريم مركز الازهر العالمي للفتوى قال الإمام الشافعی فی لما فیه من دار الفکر مطلق ا
إقرأ أيضاً:
عباس شومان: شيخ الأزهر يقود جهودًا عالمية بارزة في مجال الحوار الإسلامي
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
قال الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء، رئيس مجلس إدارة المنظمة العالمية لخريجي الأزهر، إن فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، يقود جهودا عالمية بارزة في مجال الحوار الإسلامي الإسلامي، وحظيت دعوته لهذا الحوار في البحرين قبل عامين بقبول وترحيب كبير من مختلِف المدارس الإسلامية ومن المقرر أن تعقد أولى جلسات هذا الحوار الشهر المقبل.
وخلال ندوة نظمها جَنَاح الأزهر بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، بعنوان «نحو حوار إسلامي إسلامي»، دعا فضيلته المسلمين جميعًا أن يستلهموا من نهج النبي ﷺ في تعامله مع المخالفين في الدين، وأنه إن كان نبينا قد قبل التعامل والتعايش مع المخالف في الدين، فنحن أولى بالتواصل بيننا كمسلمين، وأن نقبل التنوع والاختلاف، وفي هذا الجانب تقع مسؤولية كبيرة على عاتق المؤسسات الدينية، التي ينبغي أن تسعى لإرساء قيم التعايش وقبول الآخر، اقتداءً برسول الله ﷺ وتعاليم شريعتنا السمحة.
وأشار شومان في قضية الحوار الإسلامي الإسلامي إلى نموذج يقتدى به في الاختلاف والاحترام، وهو نموذج العلماء المسلمين الأوائل، الذين أسسوا المدارس الفقهية المختلفة بروح من الاحترام المتبادل والمحبة والتقدير، دون أن يكون هناك صراع أو تعصب بينهم. على سبيل المثال، مدارس أهل السنة الأربعة (الحنفية المالكية الشافعية والحنبلية) نشأت على أيدي أئمة عظام كانوا يتبادلون الاحترام فيما بينهم. والإمام الشافعي كان يُجل الإمام أبا حنيفة رغم أنه لم يلتقِ به، إذ وُلد الشافعي في العام نفسه الذي تُوفي فيه أبو حنيفة (150 هـ). وقد تعلم الشافعي على يد تلاميذ الإمام أبي حنيفة، خاصةً الإمام محمد بن الحسن الشيباني.
وأضاف فضيلته أن الإمام الشافعي كان يقول عن الإمام أبي حنيفة: «كل الناس عيال على أبي حنيفة في الفقه». وبلغ من احترام الشافعي لأبي حنيفة أنه حين صلى العشاء في بلد دفن فيها أبو حنيفة، صلى الوتر ثلاث ركعات متصلة، على مذهب أبي حنيفة، وعندما سُئل عن ذلك، أجاب: «استحييت أن أخالف الإمام في حضرته». وتابع: الإمام أحمد بن حنبل، كان من تلاميذ الإمام الشافعي، ورغم ذلك أسس لنفسه مذهبًا فقهيًا مستقلًا. وكان الإمام أحمد يُجل الشافعي احترامًا كبيرًا، حتى إنه قال: «ما نسيت مرة بعد موت الشافعي أن أدعو له في صلاة من صلواتي».
وأكد أن هذه العلاقة المميزة بين أئمة المذاهب تعكس روح التعاون والاحترام التي يجب أن تسود بين المسلمين اليوم. وليس المقصود من هذا الحديث التركيز على المذاهب الفقهية تحديدًا، وإنما ضرب مثال على إمكانية التعايش والتوافق بين المختلفين، سواء في المذاهب الفقهية أو العقائدية، بل وحتى في الدين نفسه. يقول الله تعالى في كتابه: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}، ويقول: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}. وهذه الآيات تبين أن الإنسان له حرية الاختيار؛ فمن شاء أن يؤمن فله ذلك، ومن شاء أن يكفر فهو حر في اختياره، مع أن الكفر لا يساوي الإيمان في القيمة أو المآل، لكن الشريعة الإسلامية منحت الإنسان حرية اختيار طريقه، سواء كان الإسلام أو غيره.
وفي ختام حديثه، أشار إلى أنه رغم وضوح هذه المبادئ في شريعتنا، إلا أننا لم نقبل تعدد الأديان أو نمارس التعايش الحقيقي الذي يفرضه ديننا. على سبيل المثال، عند دخول النبي ﷺ المدينة المنورة، وجدها تضم قبائل يهودية كثيرة، ولم يُطردوا أو يُقصوا، بل عقد معهم معاهدات سلام واتفاقيات تضمن حقوقهم طالما التزموا بعدم العداء؛ وعندما نقضوا العهد، عوقبوا على نقضهم وليس لاختلافهم الديني. فإذا كان هذا التعايش بين المسلمين وغير المسلمين مقبولًا ومطبقًا في شريعتنا، فمن باب أولى أن يكون التعايش بين المسلمين أنفسهم واقعًا ملموسًا. داعيا إلى عدم الانقسام بين المسلمين ونبذ الخلافات التي نراها اليوم بين سُني وشيعي، وسلفي وأشعري، وماتريدي ومعتزلي، بل وحتى داخل المذهب الواحد نجد الفُرقة والتنازع.