تحليل: لماذا فشل الخبراء في التنبؤ بغزو روسيا لأوكرانيا؟
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
يرى المحلل الأمريكي بيتر روتلاند، أن غزو بوتين لأوكرانيا فاجأ الغالبية العظمى من المراقبين، وحتى على الرغم من أن المخابرات الأمريكية وثقت تعزيز القوات الروسية في الأسابيع والأشهر التي سبقت الغزو، كان من الصعب جداً بالنسبة لمعظم المحللين تخيل قيام بوتين بشن حرب برية مدمرة ضد جارته. ومع ذلك، بدأ بوتين الحرب، ولابد أنه أعتقد أن بمقدوره تحقيق أهدافه بثمن يستحق دفعه.
وقال روتلاند، وهو أستاذ متخصص في القضايا العالمية والفكر الديمقراطي في قسم الحكومة بجامعة ويسليان، حيث يقوم بالتدريس منذ عام 1989 وهو أيضاً نائب رئيس جمعية دراسة القوميات، ويعمل على دراسة القومية والاقتصاد السياسي في روسيا المعاصرة، إنه يبدو أن مجتمع المحللين قد أضفوا السمات الداخلية على الكثير من الافتراضات السائدة في الجيش الروسي الذي كانوا يدرسونه: أولاً أنه قام بإصلاح نفسه وتحول إلى قوة احترافية، وثانياً أنه ماهر في الحرب الإلكترونية، وثالثاً أنه أتقن بشكل كامل عقيدة جديدة بشأن الحرب الهجينة، ورابعاً أنه اكتسب خبرة قتالية تراكمية هائلة في الشيشان وجورجيا وسوريا.
Wars are inherently hard to predict, both in their onset, what happens once they begin, and how they end. https://t.co/H1W6BKnwUk
— National Interest (@TheNatlInterest) October 19, 2024وأضاف روتلاند، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، أنه بوجه عام يميل المحللون العسكريون إلى التركيز على أشياء ملموسة (الجنود والدبابات والطائرات .. الخ)، وليس على تحليل المزيد من العوامل المجردة مثل التدريب والقيادة واللوجستيات والاستعداد للقتال. ونظر المحللون إلى نسب القوة في التوازن العسكري : 10 إلى واحد في الطائرات، و4 إلى واحد في الدبابات ، واستنتجوا أن أوكرانيا ليس أمامها أي فرصة للتصدي للغزو.
وكان المحللون ميالين للمقارنة بحرب العراق عام 2003: حرب جوية خاطفة أعقبها تكتيك حرب المناورات التي سوف تسحق دفاعات أوكرانيا. وكان تكتيك الصدمة والرعب من جانب روسيا، عنوان مقال لمجلة "فورين أفيرز" تم نشره قبل الغزو بيومين. ومن خلال الاستقراء من تجربة الولايات المتحدة في فيتنام والعراق وأفغانستان، ساد اعتقاد بأن روسيا سوف تحتل أوكرانيا ثم تنفذ تمرداً.
وأثر التشاؤم بشأن قدرة أوكرانيا على المقاومة على الاستجابة السياسية من جانب الولايات المتحدة. وفي عام 2017، كان بعض المحللين يعارضون تسليح أوكرانيا بصواريخ مضادة للدبابات. وفي يناير (كانون الثاني) عام 2022، قبل شهر فقط من الغزو، نشرت مجلة فورين بوليسي ورقة بحثية بعنوان "أسلحة الغرب لن تحدث أي فرق بالنسبة لأوكرانيا".
وكان هذا النمط من التفكير يعني إلى حد ما، أن الولايات المتحدة ردعت نفسها في مواجهة استعداد بوتين الواضح لاستخدام القوة. وأثرت عوامل على القرار بعدم إرسال أسلحة متقدمة، مثل الخوف من وقوع هذه الأسلحة في أيدي الروس.
وتعد درجة الإجماع الملحوظة مثالاً آخر على التفكير الجماعي. ويظهر التوافق أنك عضو مقبول في الجماعة ولا يتم الوثوق بإراء الغرباء. ويفاقم دور وسائل الإعلام السائد هذه المشكلة: حيث عادت هذه الوسائل الإعلامية إلى نفس المجموعة من الخبراء الذين يثبتون حجتهم من خلال الإعراب عن يقينهم بشأن ما يحدث.
ورغم أنه تم أخذهم على حين غرة، أظهر مجتمع المحللين استعداداً ضئيلاً للاعتراف بأنهم كانوا مخطئين أو مناقشة كيفية تجنب وقوعهم في الخطأ مرة أخرى. وعلى النقيض بعد شهر فبراير (شباط) عام 2022، مضى معظم المحللين قدماً في طرح تنبؤات بشأن مسار الحرب بنفس القناعة التي فسروا بها السبب الذي سيجعل بوتين لن يغزو أوكرانيا.
وعلى سبيل المثال، في شهر يناير (كانون الثاني) عام 2023، استطلعت مجلة فورين أفيرز أراء 73خبيراً عما إذا كان سوف يتعين على أوكرانيا أن تقدم في نهاية المطاف تنازلات تتعلق بالأرض لروسيا، وكان هذا بمثابة عدد كبير إلى حد ما من وجهات النظر، وكانت هناك أغلبية غير موافقة ومع ذلك، كان الأمر اللافت للنظر، أن 44 خبيراً أبلغوا عن مستوى ثقة بـ 7 درجات من 10 أو أعلى، بينما أبلغ 15 فقط عن مستوى بـ 4 درجات أو أقل.
وقال روتلاند "رغم اعتقادنا برشد السلوك البشري، يتصرف القادة غالباً عن قصد ويخطئون في حساب فرص نجاحهم". ووجد البروفسور ريتشارد نيد ليبو من كينجز كوليدج لندن أن البلد الذي بدأ الحرب خسر 80% من الحروب منذ عام 1945.
وتدفع بيتينا رينز، وهي خبيرة في الشؤون العسكرية الروسية وتقوم بالتدريس في المملكة المتحدة، بالقول إنه من غير الواقعي توقع أن يقدم خبراء توقعات أكثر دقة لما سوف يحدث في خضم حالة عدم اليقين التي تسود الحرب. وأضافت أن مشكلة أكبر تمثلت في أن الغرب، الذي أذهله ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في عام 2014، ترسخ في ذهنه صورة بوتين بوصفه خبير استراتيجي ماهر.
واختتم روتلاند تقريره بالقول إنه مع ذلك فإن من المهم الحفاظ على حسن تقدير الاحتمالات. وحتى على الرغم من أن روسيا فشلت في تحقيق هدفها الرئيسي وهو إسقاط الحكومة في كييف، فإنها نجحت في احتلال مساحة كبيرة من الأراضي الأوكرانية، 27% من أراضي البلاد في ذروة غزوها وتقلصت هذه المساحة الآن إلى 18%. وهذه منطقة تبلغ مساحتها 42 ألف ميل مربع، أي نحو حجم ولاية فيرجينيا. وإذا انتهت الحرب اليوم، سوف يعتبر مؤرخون في المستقبل هذا انتصاراً لروسيا.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله السنوار الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الجيش الروسي أوكرانيا الحرب الأوكرانية روسيا
إقرأ أيضاً:
تكاليف خيالية تكبدتها روسيا بعد 1000 يوم من الحرب في أوكرانيا
سلط تقرير لمجلة "لوبوان" الفرنسية الضوء عن الخسائر التي تكبدتها روسيا خلال ألف يوم من الحرب مقابل تحقيق مكاسب إقليمية طفيفة.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن العملية العسكرية الخاصة، التي أطلقها فلاديمير بوتين في 24 شباط/فبراير 2022 تحرز تقدمًا. فبعد الصمود أمام الهجوم الأوكراني المضاد في صيف 2023، أعادت القوات المسلحة الروسية إطلاق هجومها منذ تشرين الأول/أكتوبر.
وأضافت المجلة أن القوات الروسية تتقدم بشكل منهجي في منطقة دونباس، وقد سيطرت على مدن حولتها إلى حصون حقيقية وهي باخموت وأفدييفكا وفوهليدار.
ووفق المجلة؛ فقد شكل الهجوم الأوكراني على منطقة كورسك الروسية في آب/ أغسطس 2024 عاملًا مفاجئًا بالنسبة الجميع، بيد أنه لم يغير الديناميكية الأساسية لصالح روسيا.
ومع اقتراب فصل الشتاء، تستأنف روسيا إطلاق رشقات نارية من الطائرات المُسيّرة والصواريخ الباليستية التي تستهدف المدن والبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا. وفي 17 تشرين الثاني/ نوفمبر، أعلنت القوات الجوية الأوكرانية إسقاط 102 صاروخ و42 طائرة مُسيّرة منذ 26 آب/ أغسطس الماضي.
التكلفة البشرية والمادية
وذكرت المجلة أن انتخاب دونالد ترامب من شأنه إضعاف الدعم العسكري لكييف، فقد وعد الرئيس الأمريكي المستقبلي في حملته الانتخابية باعادة السلام إلى أوروبا، معبّرًا عن عدم رغبته في تقديم دعم كبير لأوكرانيا.
وقال ترامب حينها، "نحن مستمرون في منح مليارات الدولارات للرجل الذي يرفض إبرام اتفاق". ووفقا لمعهد كيل تعتبر الولايات المتحدة أكبر مقدم للمساعدات العسكرية لأوكرانيا، حيث ناهزت قيمة المساعدات 570 مليار دولار.
ويستطيع ترامب عند تسلمه السلطة، وفق المجلة، لوي ذراع كييف لإجبارها على التفاوض مع موسكو، مما يجعل الكرملين في موقع قوة أثناء المفاوضات. و
في انتظار حفل التنصيب في 20 كانون الثاني/ يناير 2025، زاد جو بايدن شحنات المعدات العسكرية وسمح لأوكرانيا بضرب أهداف روسية باستخدام صواريخ أتاكمز.
وأوضح تقرير المجلة الفرنسية، أن هذه الحرب كلفت روسيا ثمنًا باهظًا، فمنذ إطلاقها خسرت روسيا 700 ألف جندي، وفي حين قُدر عدد الخسائر اليومية بـ 200 جندي في سنة 2022، فإن العدد يراوح اليوم بين 1500 و2000 جندي. وفي 11 تشرين الثاني/نوفمبر، بلغ عدد القتلى والجرحى من الجنود الروس 1950.
ويكلف تقدم الجيش الروسي على مسافة واحد كيلومتر مربع داخل التراب الأوكراني خسارة 10.5 جندي، كما يكشف وصول 10 آلاف جندي كوري شمالي الصعوبات التي تواجهها روسيا في التجنيد.
وقد استغرق الاستحواذ على 65840 كيلومترًا مربعًا ألف يوم. في المجمل، منذ شباط /فبراير 2022 استولت روسيا على 10.82 بالمئة من الأراضي الأوكرانية، النسبة التي ترتفع لتصل 18 بالمئة عند حساب شبه جزيرة القرم والأجزاء التي تم ضمها من إقليمي دونيتسك ولوغانسك.
كما شملت الخسائر بحسب التقرير، أيضا الموارد المالية بعد تدمير حوالي 20 ألف وحدة من المركبات والطائرات. وبحسب موقع أوريكس الذي أحصى الخسائر المرئية للمعسكرين، خسرت القوات المسلحة الروسية 3569 دبابة قتالية و5008 مركبة مشاة قتالية.
وقدرت خسائر القوات الجوية الروسية بـ132 طائرة و147 مروحية. وقد شهد أسطول البحر الأسود غرق حوالي عشرين من سفينة. ونتيجة لذلك، غادرت السفن المتبقية إلى الموانئ البعيدة عن الجبهة.
وفي المقابل، تستطيع أوكرانيا الاستمرار في بيع إنتاجها من القمح، الذي يمثل 40 بالمئة من جملة صادراتها.
ضغوط ما بعد الصدمة والتضخم
وأوردت المجلة أنه على الرغم من عدم تأثر المجتمع الروسي بالتعبئة العامة في الوقت الحالي، غير أنه يعاني أيضًا من التكاليف الإنسانية للحرب. وعليه من المتوقع انخفاض عدد السكان في روسيا خلال السنوات المقبلة، من 146 مليون نسمة إلى 142 سنة 2030، ثم 138 مليونا سنة 2040، ومقارنة بفرنسا التي يبلغ معدل المواليد 1.79 لكل امرأة فيبلغ هذا الرقم في روسيا 1.5 لكل امرأة.
وبحسب النائب الأول لإدارة الرئيس سيرغي كيرينكو، يعاني حوالي 100 ألف من المحاربين القدامى العائدين من الجبهة من ضغوط ما بعد الصدمة غير المعالجة فضلا عن مشاكل الإدمان مما يزيد من عدوانيتهم ويشكل "مخاطر سياسية واجتماعية".
وتابعت المجلة قائلة إنه على المستوى الاقتصادي، أنفقت روسيا ما يعادل 320 مليار دولار منذ 24 شباط /فبراير 2022، بمعدل 320 مليون دولار يوميًّا. وقد أجبر ارتفاع معدلات التضخم التي تجاوزت 9 بالمئة في سنة واحدة، البنك المركزي الروسي على رفع سعر الفائدة الرئيسي إلى 21 بالمئة.
كما سُجل نقص في اليد العاملة، فوفقًا لمسح أجرته خدمة بي بي سي الروسية، تم نشر 90 ألف عرض عمل لسد شغورات في شركات الدفاع أو المجمع الصناعي العسكري في الفترة ما بين 15 آب/ أغسطس و15 أيلول/ سبتمبر.
وفي ختام التقرير نوهت المجلة بأن 2025 قد يشكل سنة المفاوضات بالنسبة لأوكرانيا، ولكنه أيضاً سنة الصدمات الاقتصادية والسياسية الكبرى بالنسبة لروسيا.