كتب الفنان منذر رياحنة

في عالم السينما، حيث تتلاقى الحقيقة والخيال، وتنساب الأحلام عبر الشاشات الفضية، ظهر ما يمكن تسميته بـ “جدار الشيطان الإلكتروني”؛ جدار خفي لكنه ملموس، يحكم قبضته على عقول الجماهير كما تحكم الظلال قبضتها على الضوء. إنه ذاك الجدار الذي يُبنى ليس من الطوب أو الإسمنت، بل من الحسابات المزيفة والشائعات الرقمية، لينسج حول الأفلام والنجوم وشركات الإنتاج قوالبَ مصطنعةً من الآراء والتقييمات، التي تتغلغل في النفوس دون أن يراها أحد.

الذباب الإلكتروني: الجنود الخفية لصناعة الوهم

هناك، في الظل الرقمي الذي لا يعرف أحدٌ من يتحكم به، تتكدس مزارع الذباب الإلكتروني، ليس في الحقول أو المزارع المعهودة، بل في فضاءات لا تحدها الأسلاك أو الشاشات. إنها جيوش رقمية، وُجدت لتهيم على وجوهها بين التغريدات والمراجعات، تقلب موازين السينما، وتعصف بما تبقى من النقاء في عالم الأحلام المرئية. هذه الجيوش لا تتوقف عن النقر على الأزرار، تنسج قصصًا، تضخم نجاحًا، أو تدفن فيلمًا تحت أكوام من النقد الكاذب.

مقالات ذات صلة “أردن الكرامة”.. جديد “صوت الأردن” عمر العبداللات 2024/10/17

في أعماق الظل: من يكتب قصة الفيلم حقًا؟

عندما يولد فيلمٌ جديد، ويبدأ في شق طريقه نحو صالات العرض، يكون قد دخل، دون علمه، ساحة معركة خفية. ليست المعركة تلك التي نراها بين الأفلام في شباك التذاكر، بل معركة أشد غموضًا، تُخاض بين الحسابات الوهمية التي تغرق منصات التقييم والنقد. هل هو نقد صادق؟ أم وسوسة رقمية تقود المشاهدين إلى ما لا يريدون؟ هنا، لا يصبح الحكم على الفيلم بيد من يشاهدونه حقًا، بل بيد قوى خفية تدير دفّة السفينة نحو مصالحها.

إن هذا الذباب الإلكتروني لا يقف عند حد الأفلام وحدها، بل يتسلل إلى قلوب الجماهير التي تعشق نجومها وتتابع أخبارهم بشغف. بلمسة سريعة على لوحة المفاتيح، تتحول سمعة نجم إلى رماد، أو يُنفخ في نار الشهرة ليتوهج اسمه فوق الجميع. إنهم ليسوا سوى أدوات في يد هذه القوى التي تقلب الحقائق كما يقلب المخرج المشاهد.

أصوات مختنقة في بحر الضجيج: كيف يضيع الحق في تقييم السينما؟

لقد أصبح جمهور السينما، الذي كان فيما مضى يتوجه إلى قاعات العرض وهو يحمل معه حاسة فنية دقيقة، حائرًا بين أمواج من الآراء المتضاربة والمراجعات المتناقضة. مواقع التقييم التي أُنشئت لتكون مرآةً صافية تعكس الحقيقة، تحولت إلى ساحة تعج بالذباب الإلكتروني، تغمر الأفلام بمدائح زائفة أو تشوهها بنقدٍ مغرض، حتى يصبح من المستحيل أن يعرف المشاهد ما إذا كان الفيلم يستحق وقته وماله.

إن تقييم الأفلام أصبح معركة أخرى تُخاض في الخفاء، حيث تندس قوى مجهولة بين الصفوف، تلقي بآرائها المصطنعة لتصيغ مصير الفيلم. وكم من فيلم خسر جمهوره قبل أن يرى النور، وكم من فيلم سطع نجمه بفضل تلك الحسابات التي تهمس في آذان الجماهير دون أن تترك أثراً حقيقيًا.

هل من ملاذ؟ كيف نعيد للسينما نقاءها؟

إننا نقف اليوم على مفترق طرق في عالم السينما، بين الحقيقة والخيال، وبين النقاء والتزييف. لكن الملاذ لا يزال ممكنًا. قد يكون الحل في أن نعيد النظر في طريقة تعاملنا مع منصات التقييم، أن نبحث عن الحقيقة بأنفسنا بدلًا من أن ننتظرها من ذباب إلكتروني لا نراه.

في النهاية، تبقى السينما فنًا يعيش في أرواح صانعيه، ويتنفس من خلال أعين المشاهدين الذين يؤمنون بقوة الصورة والكلمة. وما “جدار الشيطان الإلكتروني” إلا وهمٌ مؤقت، سينهار يومًا عندما تعود السينما لتكون ذلك الفن الحر الذي لا يخضع إلا لعين المشاهد وروحه الباحثة عن الحقيقة.

ختامًا: بين الظل والنور

إن معركة السينما اليوم ليست فقط معركة الأفلام الجيدة مقابل الرديئة، بل هي معركة من أجل الحقيقة في وجه التزييف الرقمي. في هذا العالم الذي تحكمه الشاشات، يمكن لذرة من ذباب إلكتروني أن تغير مصير فيلم، أو ترفع نجمًا إلى السماء أو تسقطه. لكن في النهاية، يبقى الفن الحقيقي عصيًا على التزييف، لأن الحقيقة ستجد طريقها دومًا، مهما حاولت الأيدي الخفية أن تعرقلها.

السينما، مثلها مثل أي فن آخر، يجب أن تبقى حرة، قادرة على التأثير بأصالتها، لا بما يُكتب عنها

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: فی عالم

إقرأ أيضاً:

الفقر والحرمان.. مداخِلُ الشيطان!!

واهمٌ مَنْ يتصور أنَّ حالة الفقْرِ يُمْكِن التعايش معها دون الشعور بقدرٍ مِن اليأس والاضطراب النَّفسي، وربما يفكِّرُ الفقير أحيانا في الانتحار، وقد يصل الأمر إلى أن يتخلَّص من أطفالهِ ومِمَنْ يعولهم.

نعم.. ليس الفقرُ عيباً يُعَيّرُ به من يزاول عملاً محدود الدخل يضمن له حياةً كريمةً متواضعةً مستقرة لا تعصِفُ بدخْلهِ المحدود أزمات طارئة، ولا تُعجِزه الزِّيادةُ المستمرة في أسعار السِّلع الضرورية التي لا يمكن الاستغناء عنها وفي مقدمتها الغذاء والكساء والدواء.

فالأسرة الفقيرة تُنْشئُ طفلاً هزيلاً معتلاً، لا يقْوى على الاستيعاب والتَّعَلُّم كما يقدرُ عليه الأَصحَّاء ذوو الأجسام السليمة، لذلك فإن الأُسر الفقيرة لا تعرِفُ التَّرَف، بل تحْرِمُ نفْسَها من أمورٍ كثيرة لتوفر لأبنائها ما يحفظ لهم سلامتهم وتعليمهم في حدود طاقتِها، لاسِيَّما إنْ لاحَظَتْ فيهم ذكاءً ونبوغا وإرادةً في ظل التَّغيرات المعيشية - اقتصاديا وإداريا - التي أصبح مِنْ نتائجِها أَلاَّ يحصُل علي التعليم الجَيِّد إلَّا الطالب القادِر ماديا، ولا يتَمكَّن الطالب الفقير من فرصة التعليم التي تناسب قدراته.

وفي الدولِ الفقيرة يُحْرَمُ مواطنوها من فرصة التثقيف وسعة المَعرِفة، فيْكثُر في أبنائها الجَهْل والتأخر العِلْمي والبَحثي فتظل سوقاً لمنتجات الدول المُتَقدِّمة، وبيئةً خصبة لانتشار الشائعات وحدُوث الفِتَن الطائفية والدينيَّة.

أحياناً يكونُ الفقرُ أحد عوامل تفَكُّك الأسرة بسبب انشغال الوالدين بأعمالٍ إضافية تجْعَلهم خارج البيت مُعْظَم الوقت مما تنعدمُ معهُ الرِّعاية التربوية والسلوكية السليمة والتي يَتَرتَّب عليها بعض حالات انحراف الفتيات والزوجات أخلاقياً للحصول علي المال.. ناهيكَ عن جرائِم النَّصب وطلب الرِّشوَة أو قبولها، واختلاس الأموال العامة، والسرقة التي يلجأُ فيها اللِّصُ أحياناً إلي قَتْلِ ضَحيَّته..

الفقر يُنْقِصُ مِنْ كراَمة الفَرد في المجتمعات الرأسمالية ذات الفروق الشاسِعة في الدخول، فيتَولَّدُ حِقْد طَبقِي يترتَّبُ عليهِ تفَكُك المجتمع، ويضْعُفْ انتماء الفرد للوطن، وربما أدَّى ذلك إلى خِيانَتهِ والعمل لصالح أعدائه، وهي مِنْ عواملِ انهيار الدول.

ملحوظة:

* كل المُشكِلات المذكورة الناتِجة عن الفَقْر تحْدُث في حالات ضَعف الوازع الديني، و غياب الوعي المُجتَمَعي و الوطني.. ولكني ألْفِتُ الانتباه ( واللبيب تكفيه الإشارة ) إلى أن للفقراءِ أعْيُنا ترىٰ حالات الثَّراء، وآذانا تَسمَع عن قصصِ الأثرياء وبذَخِهم الذي يفوق التَّخَيُّل فيشعرون بالحِرمان. ومع الحِرمان يُفْتَحُ البابُ لوسوسةِ الشَّيطان.

مقالات مشابهة

  • رمضان 2025.. كل ما تود معرفته عن «حكيم الباشا»
  • الفقر والحرمان.. مداخِلُ الشيطان!!
  • أبو عبيدة: 471 يوما على معركة طوفان الأقصى التاريخية التي دقت المسمار الأخير بنعش الاحتلال
  • صلاح منصور.. محطات الرحلة من شبين القناطر إلى شاشات السينما
  • ثورة السينما.. نهاية عصر الأبطال الخارقين وظهور حقبة الأفلام العائلية
  • في مثل هذا اليوم.. ميلاد صلاح ذوالفقار ورحيل سليمان نجيب
  • ???? عندما يعود أهل مدني إلي ديارهم سيجدون قصصاً مرعبة .. ووقائع فوق الخيال
  • محمد سعد يكشف سبب غيابه عن السينما وعودته بفيلم "الدشاش".. فيديو
  • محمد سعد يكشف سبب غيابه عن السينما وعودته بفيلم الدشاش.. فيديو
  • MoviePass تطلق تطبيقًا مبتكرًا لمقاطع الأفلام الدعائية في عالم الواقع الافتراضي