موقع النيلين:
2024-11-27@16:14:21 GMT

عادل الباز: اقتصاديات الحرب (1/2)

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

1 منذ أن بدأت الحرب الملعونة التي أشعلها شياطين الجن الجنجويدي، طفقنا نتحدث عن كل شيء يجري بداخلها وحولها، ولكن لم نتحدث إلا نادراً حول اقتصادياتها مع أنها في جوهرها حرب اقتصادية بامتياز في مسبباتها وفي غاياتها النهائية. فهي الحرب التي من سيفوز فيها سيفوز بالكنز، وهو موارد السودان غير المحدودة. وهل أشعلوا الحرب إلا من أجل نهبها؟!.

سأترك الآن وإلى وقت لاحق مناقشة مسبباتها وغاياتها الاقتصادية، وسأركز في هذا المقال حول اقتصاديات الحرب الجارية الآن.
2
عندما أشعل الجنجويد هذه الحرب، لم يكن في بالهم أنهم سينفقون مليماً واحداً، بل كانوا يخططون لشفشفة مليارات الدولارات عبر النهب المقنن الذي سيتاح لهم بعد سيطرتهم على الدولة. وكان الجنجويد قبل ذلك بسنوات قد أسسوا مئات الشركات في كافة المجالات استعداداً لليوم الموعود، يوم الانقلاب العظيم الذي يستولون عبره على كل مقدرات البلاد. ولكن إرادة الله غالبة، فتحول الانقلاب إلى حرب طاحنة، فبدلاً من أن يحصدوا ما خططوا له، وجدوا أنفسهم ينفقون ما نهبوه طيلة أربعة عشر عاماً من الذهب وأموال الدولة في حرب خاسرة. في سابق تجاربهم، كانت الدولة هي من تتولى الإنفاق على حروبهم المتعددة، إضافة إلى سرقتهم المستمرة من مواردها، ولكن في هذه الحرب لابد من تدابير مختلفة.
واجهت المليشيا تحديين: يتعلق أولهما باستخدام مواردها المنهوبة سابقاً من الدولة في حرب لا يعرف متى تنتهي، في ظل توقف الاستثمارات الأخرى في الشركات ومناجم الذهب. لم يتبقَ للمليشيا من مناجم الذهب إلا منجم “سنقو” شمال دارفور، الذي جرى تدميره جزئياً الشهر الماضي، وبقية المناجم وشركات الذهب التي تمتلكها أو تساهم فيها المليشيا تمت مصادرتها لصالح الدولة.
3
التحدي الثاني هو إيجاد كفيل خارجي تتوحد مصلحته مع الجنجويد بالسيطرة على موارد البلاد. وقد كان الكفيل أصلاً موجوداً يهندس في سيناريوهات الحرب وهو مستعد للإنفاق على الحرب، ولكن ليس إلى ما لا نهاية. وتلك معضلة ظهرت لقادة المليشيا الآن بعد أن بدأت مواردهم الذاتية تنضب، مما دفع الجنجويدي الأخير في خطابه مؤخراً أن يعلن إنه ليس له “إمداد” كافٍ. في الوقت الذي بدأ فيه الكفيل يشعر بالحصار الدولي لدعمه مليشيا تقوم بارتكاب جرائم إبادة! في ذات الوقت الذي يتضعضع فيه وضع قوات المليشيا على الأرض وتتلقى هزائم يومية مما لا يغري بمواصلة تمويل حرب تشنها مليشيا منهزمة، وكما يبدو أنه لا أفق لإنجاز اتفاق سياسي يعيد المليشيا حتى إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.
4
تحتاج المليشيا وكفيلها الآن للإنفاق على السلاح والذخائر بكافة أنواعها، كما هي بحاجة إلى الإنفاق على تشوين القوات المنتشرة في أكثر من 9 ولايات عبر خطوط إمداد طويلة، ولولا النهب الذي تمارسه تلك القوات لأموال وطعام المواطنين لاستسلمت باكراً. تحتاج المليشيا وكفيلها لتعويض مئات العربات المدججة بكافة أنواع السلاح التي تتعرض للتدمير بشكل يومي من الجيش السوداني وقوات العمل الخاص والطيران والمتحركات الزاحفة الآن من كل اتجاه، إضافة للغنائم السهلة التي تغنمها القوات المشتركة يومياً في مناطق كثيرة بدافور.
على المليشيا أيضاً وكفيلها الإنفاق على مرتبات قواتها المتمردة نفسها والمرتزقة المستجلَبِين من 8 دول أفريقية، إضافة للصرف على وقود العربات والمركبات القتالية عبر مسافات طويلة من صحراء ليبيا إلى الجزيرة الخضراء التي تستعد الآن لإكمال احتفالاتها بالتحرير، إضافة للإنفاق على الأبواق الإعلامية والرشى التي تتسع دائرتها كل يوم للمنظمات الإقليمية والدولية والناشطين السياسيين والمستشارين، وكل ذلك العويش الرخيص الذي يحيط بالمليشيات ويعتاش من فتاتها.
5
تبقت للمليشيا مصادر محدودة للتمويل، وهي فرض رسوم وضرائب على الأهالي والمنتجات التي تُنتج وتُصدر من مناطق سيطرتها في غرب السودان. ومن غباء المليشيا أنها أقدمت على خطوة سرعان ما تراجعت عنها، وذلك حين أوقفت تصدير سلع حيوية إلى مصر كانت تتربح منها بسبب رغبتها في الإضرار بالاقتصاد المصري. وهم طبعاً من فرط جهلهم لا يعرفون عن الاقتصاد المصري شيئاً، ويعتقدون أنه سيتضرر أو تحيق به كارثة بسبب وقف استيراد بضع سلع من دارفور!
حجم الاقتصاد المصري بحسب تقديرات البنك الدولي وتقاريره العام الماضي بلغ حوالي 387 مليار دولار، مما أهله ليكون ضمن أقوى 34 اقتصاداً في العالم، ويأتي في المرتبة الثانية من حيث حجم الاقتصاديات في أفريقيا بعد نيجيريا. وهو اقتصاد متنوع، تمثل إيرادات قطاع الخدمات جزءاً كبيراً منه، إضافة إلى أنه اقتصاد مفتوح على السوق العالمية. ولذا فإن الخاسر الأول من هذا القرار هو المليشيا ابتداءً، لأنها ستخسر الإتاوات والضرائب التي تفرضها على التجار، والخاسر الثاني هو اقتصاد السودان، وخاصة إذا ما تحولت مصر كلياً لاستيراد اللحوم إلى الصومال وجيبوتي، اللتان تتنافسان مع السودان الآن في سوق اللحوم الحية. فمن جملة 2.5 مليون طن تستهلكها مصر سنوياً، تنتج داخلياً ما يقارب 30% وتستورد من جيبوتي والصومال تقريباً 30% من احتياجاتها من اللحوم الحية، والباقي من أسواق متنوعة، أهمها السودان.
6
إلى هنا نرى أن موارد المليشيا تنحسر، وهي ناضبة أو نضبت. إذن كيف ستواصل حربها بلا موارد ضخمة تنفقها على قائمة متطلبات الحرب؟ هذه هي ورطتها الكبرى، ولذا أصبحت تعتمد على الكفيل كلياً بعد أن أوشكت على الإفلاس. المشكلة الآن إدراك الكفيل أنها خسرت الحرب، وليس ثمة طريقة لإيقافها الآن، وهو نفسه يتعرض لضغوط إعلامية ودولية متصاعدة. وحتى لو رغب أن يستمر في تمويل حرب خاسرة… فإلى متى؟.في ظل استحالة انتصار المليشيا وبدون أفق لحل سياسي ما وضغوط دولية، لابد من القبول بخسارة الحرب ليتوقف نزيف الصرف الهائل بلا طائل. صحيح أن قبول المليشيا وكفيلها بخسارة الحرب هو بمثابة تجرع السم، ولكن لا مناص من تجرعه.
7
في هذه الحرب خسرت المليشيا سياسياً بإشانة سمعتها بجرائمها التي ارتكبتها، كما خسر الكفيل سمعته بأنه يمول مليشيا مجرمة، في الوقت الذي تخسر فيه المليشيا عسكرياً وتتوالى هزائمها. إذا كان كل ذلك يمكن احتماله إلى حين تتغير الظروف وتتبدل موازين القوى، ولكن الذي لا يمكن ويستحيل احتماله هو خسران مئات الملايين من الدولارات يومياً في حرب خاسرة دون جدوى أو نتائج إيجابية محتملة. ولذا المتوقع أن ينهي الاقتصاد هذه الحرب قبل أن يفعل ذلك السلاح والقتال في الميادين. قديماً قالوا: إنه الاقتصاد يا غبي.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

انضموا إلى Qatar 365 في متاحف الدوحة والمعارض التي ستقام بمناسبة العام الثقافي قطر-المغرب 2024!

يعود فريقQatar 365إلى الدوحة لاستكمال تغطيته الخاصة لمبادرة الأعوام الثقافية قطر-المغرب 2024 وهي مبادرة سنوية تهدف إلى ترسيخ العلاقات الثقافية بين البلدين. ينطلق الفريق برحلة في التراث الثقافي المغربي ويزور معرضًا لمصمم أزياء مغربي هولندي.

اعلان

في هذه الحلقة يعود فريق Qatar 365  إلى الدوحة لمواصلة التغطية الخاصة للأعوام الثقافية بين قطر و المغرب 2024.  

حيث تزور ليلى حميرة متحف الفن الإسلامي في رحلة الى التراث المغرب الثقافي الغني.  في هذه الاثناء يلتقي عادل حليم بمديرة متحف الفن الإسلامي شيخة النصر لمناقشة الدور المحوري الذي يؤديه المتحف في مبادرة الأعوام الثقافية، في حين تلتقي جوانا هوز بمصمم الأزياء المغربي الهولندي محمد بنشلال الذي جلب أزيائه الراقية إلى قطر. 

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمتحفمعرضثقافةقطرالدوحةالمغرباعلاناخترنا لك يعرض الآن Next عاجل. حماس ترى في الاتفاق مع لبنان تحطيما لأوهام نتنياهو وميقاتي يؤكد التمسك بسيادة لبنان برا وبحرا وجوا يعرض الآن Next روسيا تواصل حملتها الجوية على أوكرانيا بأسراب من المسيرات الانقضاضية وتتسبب في إصابة 3 أوكرانيين يعرض الآن Next لمن الفضل في وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل؟ بايدن وترامب في سباق لإثبات الدور الأكبر يعرض الآن Next هل رزت مملكة السعادة؟ بوتان وجهة سياحية للسلام والاسترخاء والتواصل مع الطبيعة يعرض الآن Next بمناسبة يوبيل 2025.. الفاتيكان يفتح الباب للحوار المباشر مع البابا من خلال مجلة "بيازا سان بيترو" اعلانالاكثر قراءة مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز اليابان ترفع السن القانوني لممارسة الجنس من 13 إلى 16 عاما فيلم "رايد"... الأم العازبة التي تقرر أن تصبح صديقة لابنها حب وجنس في فيلم" لوف" معجزة علمية: أمومة متأخرة.. امرأة ستينية تضع مولودها الأول في سن الـ61 عاما بعد محاولات كثيرة يائسة اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومكوب 29حزب اللهلبنانغزةإسرائيلوقف إطلاق النارروسياالحرب في أوكرانيا الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بنيامين نتنياهوأسلحةجنوب لبنانالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesJob offers from AmplyAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024

مقالات مشابهة

  • عادل حمودة يكتب: ترامب يشكل حكومة حرب ضد أمريكا
  • انضموا إلى Qatar 365 في متاحف الدوحة والمعارض التي ستقام بمناسبة العام الثقافي قطر-المغرب 2024!
  • ما هي مشكلة مزارعي الاتحاد الأوروبي مع اتفاق التجارة الحرة مع ميركوسور؟ وما الذي تحاول فرنسا فعله؟
  • أسعار الذهب اليوم في العراق الأربعاء 27 نوفمبر 202.. عيار 21 الآن
  • من هي الدولة العربية التي يُريد لبنان مشاركتها في مراقبة “أي اتّفاق”
  • الفيضانات تُغرق خيام نازحي غزة: "هربت مع أطفالي ولكن أين نذهب؟"
  • أسعار الذهب اليوم في الأردن الاثنين 25 نوفمبر 2024.. عيار 21 الآن
  • المليشيا المتمردة تعاني من انهيار كلي ومتسارع
  • أوكرانيا تخسر 40% من الأراضي التي سيطرت عليها في مقاطعة كورسك الروسية
  • ترامب الذي انتصر أم هوليوود التي هزمت؟