موقع النيلين:
2024-10-20@08:02:25 GMT

عادل الباز: اقتصاديات الحرب (1/2)

تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT

1 منذ أن بدأت الحرب الملعونة التي أشعلها شياطين الجن الجنجويدي، طفقنا نتحدث عن كل شيء يجري بداخلها وحولها، ولكن لم نتحدث إلا نادراً حول اقتصادياتها مع أنها في جوهرها حرب اقتصادية بامتياز في مسبباتها وفي غاياتها النهائية. فهي الحرب التي من سيفوز فيها سيفوز بالكنز، وهو موارد السودان غير المحدودة. وهل أشعلوا الحرب إلا من أجل نهبها؟!.

سأترك الآن وإلى وقت لاحق مناقشة مسبباتها وغاياتها الاقتصادية، وسأركز في هذا المقال حول اقتصاديات الحرب الجارية الآن.
2
عندما أشعل الجنجويد هذه الحرب، لم يكن في بالهم أنهم سينفقون مليماً واحداً، بل كانوا يخططون لشفشفة مليارات الدولارات عبر النهب المقنن الذي سيتاح لهم بعد سيطرتهم على الدولة. وكان الجنجويد قبل ذلك بسنوات قد أسسوا مئات الشركات في كافة المجالات استعداداً لليوم الموعود، يوم الانقلاب العظيم الذي يستولون عبره على كل مقدرات البلاد. ولكن إرادة الله غالبة، فتحول الانقلاب إلى حرب طاحنة، فبدلاً من أن يحصدوا ما خططوا له، وجدوا أنفسهم ينفقون ما نهبوه طيلة أربعة عشر عاماً من الذهب وأموال الدولة في حرب خاسرة. في سابق تجاربهم، كانت الدولة هي من تتولى الإنفاق على حروبهم المتعددة، إضافة إلى سرقتهم المستمرة من مواردها، ولكن في هذه الحرب لابد من تدابير مختلفة.
واجهت المليشيا تحديين: يتعلق أولهما باستخدام مواردها المنهوبة سابقاً من الدولة في حرب لا يعرف متى تنتهي، في ظل توقف الاستثمارات الأخرى في الشركات ومناجم الذهب. لم يتبقَ للمليشيا من مناجم الذهب إلا منجم “سنقو” شمال دارفور، الذي جرى تدميره جزئياً الشهر الماضي، وبقية المناجم وشركات الذهب التي تمتلكها أو تساهم فيها المليشيا تمت مصادرتها لصالح الدولة.
3
التحدي الثاني هو إيجاد كفيل خارجي تتوحد مصلحته مع الجنجويد بالسيطرة على موارد البلاد. وقد كان الكفيل أصلاً موجوداً يهندس في سيناريوهات الحرب وهو مستعد للإنفاق على الحرب، ولكن ليس إلى ما لا نهاية. وتلك معضلة ظهرت لقادة المليشيا الآن بعد أن بدأت مواردهم الذاتية تنضب، مما دفع الجنجويدي الأخير في خطابه مؤخراً أن يعلن إنه ليس له “إمداد” كافٍ. في الوقت الذي بدأ فيه الكفيل يشعر بالحصار الدولي لدعمه مليشيا تقوم بارتكاب جرائم إبادة! في ذات الوقت الذي يتضعضع فيه وضع قوات المليشيا على الأرض وتتلقى هزائم يومية مما لا يغري بمواصلة تمويل حرب تشنها مليشيا منهزمة، وكما يبدو أنه لا أفق لإنجاز اتفاق سياسي يعيد المليشيا حتى إلى ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب.
4
تحتاج المليشيا وكفيلها الآن للإنفاق على السلاح والذخائر بكافة أنواعها، كما هي بحاجة إلى الإنفاق على تشوين القوات المنتشرة في أكثر من 9 ولايات عبر خطوط إمداد طويلة، ولولا النهب الذي تمارسه تلك القوات لأموال وطعام المواطنين لاستسلمت باكراً. تحتاج المليشيا وكفيلها لتعويض مئات العربات المدججة بكافة أنواع السلاح التي تتعرض للتدمير بشكل يومي من الجيش السوداني وقوات العمل الخاص والطيران والمتحركات الزاحفة الآن من كل اتجاه، إضافة للغنائم السهلة التي تغنمها القوات المشتركة يومياً في مناطق كثيرة بدافور.
على المليشيا أيضاً وكفيلها الإنفاق على مرتبات قواتها المتمردة نفسها والمرتزقة المستجلَبِين من 8 دول أفريقية، إضافة للصرف على وقود العربات والمركبات القتالية عبر مسافات طويلة من صحراء ليبيا إلى الجزيرة الخضراء التي تستعد الآن لإكمال احتفالاتها بالتحرير، إضافة للإنفاق على الأبواق الإعلامية والرشى التي تتسع دائرتها كل يوم للمنظمات الإقليمية والدولية والناشطين السياسيين والمستشارين، وكل ذلك العويش الرخيص الذي يحيط بالمليشيات ويعتاش من فتاتها.
5
تبقت للمليشيا مصادر محدودة للتمويل، وهي فرض رسوم وضرائب على الأهالي والمنتجات التي تُنتج وتُصدر من مناطق سيطرتها في غرب السودان. ومن غباء المليشيا أنها أقدمت على خطوة سرعان ما تراجعت عنها، وذلك حين أوقفت تصدير سلع حيوية إلى مصر كانت تتربح منها بسبب رغبتها في الإضرار بالاقتصاد المصري. وهم طبعاً من فرط جهلهم لا يعرفون عن الاقتصاد المصري شيئاً، ويعتقدون أنه سيتضرر أو تحيق به كارثة بسبب وقف استيراد بضع سلع من دارفور!
حجم الاقتصاد المصري بحسب تقديرات البنك الدولي وتقاريره العام الماضي بلغ حوالي 387 مليار دولار، مما أهله ليكون ضمن أقوى 34 اقتصاداً في العالم، ويأتي في المرتبة الثانية من حيث حجم الاقتصاديات في أفريقيا بعد نيجيريا. وهو اقتصاد متنوع، تمثل إيرادات قطاع الخدمات جزءاً كبيراً منه، إضافة إلى أنه اقتصاد مفتوح على السوق العالمية. ولذا فإن الخاسر الأول من هذا القرار هو المليشيا ابتداءً، لأنها ستخسر الإتاوات والضرائب التي تفرضها على التجار، والخاسر الثاني هو اقتصاد السودان، وخاصة إذا ما تحولت مصر كلياً لاستيراد اللحوم إلى الصومال وجيبوتي، اللتان تتنافسان مع السودان الآن في سوق اللحوم الحية. فمن جملة 2.5 مليون طن تستهلكها مصر سنوياً، تنتج داخلياً ما يقارب 30% وتستورد من جيبوتي والصومال تقريباً 30% من احتياجاتها من اللحوم الحية، والباقي من أسواق متنوعة، أهمها السودان.
6
إلى هنا نرى أن موارد المليشيا تنحسر، وهي ناضبة أو نضبت. إذن كيف ستواصل حربها بلا موارد ضخمة تنفقها على قائمة متطلبات الحرب؟ هذه هي ورطتها الكبرى، ولذا أصبحت تعتمد على الكفيل كلياً بعد أن أوشكت على الإفلاس. المشكلة الآن إدراك الكفيل أنها خسرت الحرب، وليس ثمة طريقة لإيقافها الآن، وهو نفسه يتعرض لضغوط إعلامية ودولية متصاعدة. وحتى لو رغب أن يستمر في تمويل حرب خاسرة… فإلى متى؟.في ظل استحالة انتصار المليشيا وبدون أفق لحل سياسي ما وضغوط دولية، لابد من القبول بخسارة الحرب ليتوقف نزيف الصرف الهائل بلا طائل. صحيح أن قبول المليشيا وكفيلها بخسارة الحرب هو بمثابة تجرع السم، ولكن لا مناص من تجرعه.
7
في هذه الحرب خسرت المليشيا سياسياً بإشانة سمعتها بجرائمها التي ارتكبتها، كما خسر الكفيل سمعته بأنه يمول مليشيا مجرمة، في الوقت الذي تخسر فيه المليشيا عسكرياً وتتوالى هزائمها. إذا كان كل ذلك يمكن احتماله إلى حين تتغير الظروف وتتبدل موازين القوى، ولكن الذي لا يمكن ويستحيل احتماله هو خسران مئات الملايين من الدولارات يومياً في حرب خاسرة دون جدوى أو نتائج إيجابية محتملة. ولذا المتوقع أن ينهي الاقتصاد هذه الحرب قبل أن يفعل ذلك السلاح والقتال في الميادين. قديماً قالوا: إنه الاقتصاد يا غبي.

عادل الباز

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: هذه الحرب

إقرأ أيضاً:

باشاآغا: العدالة الحقيقية تقتضي إعادة توزيع الثروات الوطنية بشكلٍ عادل

ليبيا –  أكد رئيس الحكومة السابق المكلف من البرلمان فتحي باشاآغا، أن العدالة الحقيقية تقتضي إعادة توزيع الثروات الوطنية بشكلٍ عادل بحيث يحصل كل إقليم وكل مواطن على نصيبه المستحق من الفرص والموارد.

باشاآغا وفي منشور له عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، تحت عنوان “من الفساد إلى الإصلاح: صون الثروات وتوزيعها بعدالة”،قال :” على مسرح الأحداث الليبية، وبين دهاليز السلطة وأروقة النفوذ، تُداس العدالة وتُسحق النزاهة في ظل تغليب الأنانية والمصالح الشخصية، فينتشر وباء نهب المال العام في جسد الدولة والمجتمع، مما يعكس أحد أخطر أعراض انهيار المنظومة الوطنية، فكلما تراجع الوعي الجمعي وتلاشى الإحساس بالمسؤولية الاجتماعية، واستكان الشعب للواقع المرير، ازدادت جرأة الفاسدين وتفاقم تماديهم، متوغّلين في أرضٍ استسلمت لغفلتها وانقساماتها”.

وأضاف باشاآغا:” أن الثروات الوطنية التي يُفترض أن تكون عماد التنمية وركيزة الازدهار، تتحول يومًا بعد يوم إلى عبء يثقل كاهل الوطن وأهله، فما نشهده من استغلال ممنهج للموارد الوطنية، وعمليات النهب العلنية التي تُرتكب في وضح النهار وتتم بلا وجل أو رادع”، مشيرا إلى أن هذا الوضع يعكس انهيارًا أخلاقيًا في منظومة السلطة والنفوذ، حيث ينشغل الساسة والأقوياء بالصراع على هذه الثروات، بينما يظل المواطنون ضحايا لهذا الانحدار، يتحملون وطأته دون أن يروا بصيصًا من الأمل في الإنصاف أو التغيير.

ولفت إلى أن هذه الممارسات لا تتوقف عند حدود تقويض الثقة في مؤسسات الدولة، بل تتعداها إلى إضعاف البنية الاجتماعية والاقتصادية بشكل خطير، حيث تعمّق الفجوة المتزايدة بين قلة من الأغنياء وغالبية فقيرة، وتزيد من حدة التوترات الاجتماعية والسياسية.

واستطرد:” فالمال العام الذي يُفترض أن يكون رافعة لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى المعيشة أصبح أداة لتعميق الظلم وتوسيع نطاق الفساد، ومع استمرار هذا النهج المدمر، تتآكل مؤسسات الدولة شيئًا فشيئًا، وتتراجع قدرتها على فرض القانون وتحقيق العدالة، مما يضع مستقبل الوطن في خطر، ويترك المواطن في دوامة من المعاناة المتزايدة التي تتعاظم يومًا بعد يوم”.

وتابع باشاآغا حديثه:” لقد بات الفساد أشبه بمنظومة متكاملة، أكثر تنظيمًا وابتكارًا من أي وقت مضى تديره شبكات معقدة، تُتقن استغلال الثغرات القانونية وتستفيد من ضعف المؤسسات وما لم يكن يومًا إلا سخرية مريرة، قد يصبح واقعًا مستقبليًا حيث تُنشر كتالوجات وإرشادات لكيفية نهب المال العام، وإخفاء الآثار، وإعادة توزيع المسروقات بطرقٍ ذكية لا تثير الشبهات”.

وأكمل: “بعض الأطراف بالفعل جعلت من الفساد مهنة، متقنة فنون الاحتيال والتلاعب بالأرقام، لتحويل الموارد الوطنية ومؤسسات الدولة إلى مجرد أدوات للثراء غير المشروع”.

وأفاد بأن الأزمة الليبية اليوم في أبعاد تتجاوز الصراعات التقليدية على السلطة أو السيطرة على الأرض، فهي أزمة هوية وطنية تتفكك فيها معالم الدولة وتذبل الروابط بين أبناء الوطن الواحد، حيث تتركز الثروات في أيدي فئة قليلة، بينما يغرق الشعب في العديد من المناطق في دوامة الفقر والحرمان،وهذه الفجوة المتزايدة لا تهدد فقط العدالة الاجتماعية، بل تشكل خطرًا داهمًا على استقرار البلاد وتماسكها.

ونوه إلى أن العدالة الحقيقية تقتضي إعادة توزيع الثروات الوطنية بشكلٍ عادل بحيث يحصل كل إقليم وكل مواطن على نصيبه المستحق من الفرص والموارد.

وبحسب باشاآغا:” لا يمكن أن يقوم وطن قوي ومستقر على أسس الظلم والهيمنة، ولا يمكن تحقيق السلم الاجتماعي دون إرساء مبدأ الإنصاف بين الجميع، إذ أن توفير الفرص المتكافئة لكل المناطق هو السبيل الوحيد لبناء دولة عادلة، تضمن للجميع حياة كريمة ومستقبلًا أكثر استقرارًا”.

ونوه إلى أنه على الرغم كل التحديات الصعبة، يبقى الأمل في مستقبل مشرق قائمًا، لكنه يتطلب تضافر كافة الجهود وإرادة جماعية قوية وشجاعة لإحداث التغيير، فلا يكفي أن نلقي اللوم على الظروف أو ننتظر حلولًا جاهزة؛ بل يجب أن يتم إصلاح الدولة وتقوية مؤسساتها، واستعادة هيبتها من خلال فرض سيادة القانون، وتعزيز قيم العدالة والنزاهة والشفافية والمساءلة،على حد تعبيره.

ورأى أن تصحيح سياسات توظيف الثروات الوطنية لخدمة البلد، وإعادة صياغة مفهوم المال العام من اعتباره غنيمة توزع على القلة إلى اعتباره أداة لخدمة الصالح العام، يشكل الخطوة الأولى نحو بناء ليبيا التي نحلم بها،مردفا:” ليبيا التي تتجاوز الفوارق والظلم، وتضع حداً للتهميش، هي ليبيا القادرة على تحقيق الوحدة الوطنية الحقيقية التي تعيد للوطن بريقه، وتعيد للشعب ثقته بمستقبله”.

وفي الختام،أكد باشاآغا أن السبيل لبناء وطن قوي ومستدام يبدأ من صون الثروات وتوزيعها بشكل عادل، والعمل على تحقيق مصلحة الجميع دون استثناء أو تمييز، في إطار دولة يسودها القانون والإنصاف، ويعيش المواطن بكرامة ويشارك بفاعلية في بناء مستقبله.

مقالات مشابهة

  • ???? الحركات المسلحة لعبت دورا حاسما في ترجيح كفة الدولة وغيرت مسار الحرب بشكل كامل
  • سمير فرج: الحرب الآن لا تعني تدمير الدبابات ولكن تدمير الشعب
  • أستاذ اقتصاد: تصاعد التوترات السياسية يؤثر على اقتصاديات دول المنطقة
  • باشاآغا: العدالة الحقيقية تقتضي إعادة توزيع الثروات الوطنية بشكلٍ عادل
  • ياسر العطا: “العمليات تسير بصورة طيبة” ونبهت مبكرا بحتمية اندلاع الحرب مع المليشيا
  • إعلام العدو يؤكد أن الجميع يعلم بأن مسيرة المقاومة اللبنانية وصلت إلى مكان إقامة / نتنياهو / ولكن الرقابة العسكرية تمنع نشر معلومات تتعلق بالمبنى الذي استهدفته المسيّرة في قيسارية
  • لا أعرف ما هي الخطة ب التي تكلم عنها حميدتي ولكن أعرف بقية الخطط ج، د، … إلخ
  • وزير الخارجية: «مصر الدولة الوحيدة التي تعمل على وقف الحرب في السودان»
  • هل يجب على اللبنانيين انتخاب رئيس الجمهوريّة الآن؟