أشرف غريب يكتب: محمد فوزي للتاريخ وللحقيقة.. مرة أخرى وأخيرة
تاريخ النشر: 20th, October 2024 GMT
للتاريخ وللحقيقة فقط وليس لأى شىء آخر أكتب هذه السطور، وأرجو أن تكون المرة الأخيرة التى أجد نفسى فيها مضطراً للكلام فى هذا الأمر، ففى كل مرة تحل فيها ذكرى رحيل الفنان محمد فوزى (توفى فى مثل هذا اليوم العشرين من أكتوبر 1966) يسترعى انتباهى فيما يثار دائماً عن علاقة فوزى برجال يوليو كثير من الأخطاء والمعلومات المشوهة ربما عن عمد، وربما عن جهل، وفى الحالتين ماعت الحقائق واختلط الصواب بالخطأ، ومن هنا فإننى أجدها فرصة للتأكيد على ما يلى:
أولاً: لم يكن محمد فوزى على خلاف أبداً مع رجال ثورة يوليو، ولم يأخذ موقفاً معادياً من الثورة ولا من قادتها، ولم يحمل أى ضغينة لأحد منهم حتى فى أحلك أزماته المادية والصحية، وإنما كان مؤمناً بالثورة وبمبادئها ومؤيداً لكل توجهاتها، ومن هنا كان منطقياً أن يغنى لها، وأن يتحدث إعلامياً عن قادتها بكل روح طيبة حتى لو كان رجالها على خلاف معه لأسباب تخصهم هم وليس محمد فوزى.
ثانياً: من الخطأ بل ومن العبث تسطيح أسباب الخصومة بين مؤسسة الرئيس عبدالناصر ومحمد فوزى -وليس العكس- فى أنه لم يفعل مثل غيره الذين تغنوا باسم الزعيم فى أغنياتهم آناء الليل وأطراف النهار، صحيح أنه كان يفضل الغناء لمصر وللثورة لا للأشخاص، لكن الأمر كان أعمق من ذلك، ربما لعلاقة الرجل بالرئيس الأسبق محمد نجيب الذى أطاح به رفاقه، أو ربما لموقف شخصى من الوزير سامى شرف، الذى رفضته السيدة كريمة فاتنة المعادى وفضلت عليه محمد فوزى زوجاً لها، فكانت النتيجة تأميم كافة ممتلكات الرجل، والتضييق فنياً عليه، والإيغال فى الممانعة فى علاجه على نفقة الدولة بعد أن صادرت كل ثروته ولم يعد لديه ما ينفق به على مرضه الخبيث.
ثالثاً: ليس صحيحاً على الإطلاق ما كرره البعض نقلاً عن نجل الرئيس عبدالناصر من أن السيدة أم كلثوم كانت شريكة لمحمد فوزى فى مصنع الأسطوانات لا فى الباطن ولا فى العلن، وهو ما ظنه البعض دليلاً على عدم تأميم شركة «مصر فون محمد فوزى وشركاه» على اعتبار العلاقة القوية التى كانت تربط ام كلثوم بالرئيس الراحل وأسرته، أولاً لأن التأميم وقع بالفعل ولا جدال فى ذلك، وثانياً لأن فى هذا -لو كان صحيحاً- طعناً فى عدالة عبدالناصر وحياديته، وثالثاً لأن عقود تأسيس الشركة ثم تخارج محمد فوزى منها والتى انفردت بنشرها فى كتابى «الوثائق الخاصة لمحمد فوزى» الصادر قبل خمس سنوات تنفى تماماً وجود أى صلة لأم كلثوم بالشركة، باستثناء أن تلك الشركة قد احتكرت صوتها بداية من عام 1959.
رابعاً: الذين ذهبوا إلى أن تأميم شركة محمد فوزى جاء بفعل وجود الشريك الأجنبى فهذا مردود عليه من الحديث الشهير للسيد حسن عباس زكى، الملقب بوزير التأميم، الذى أكد أن التأميم قد تم تطبيقه على المصريين والأجانب على السواء، بناء على اتفاق عبدالناصر وعبدالحكيم عامر على ذلك، بدليل تأميم مصانع مثل عبود وحماد وسلاسل تجارية أخرى كثيرة، فضلاً عن أن أحداً لم يكن يعرف قبل سنوات قليلة مضت بأمر الشريك الأجنبى فى شركة الموسيقار الراحل حتى كشفت عنه فى كتابى المشار إليه سابقاً.
خامساً: إذا فرضنا أن هناك ما يستوجب تأميم شركة الموسيقار الراحل، فما الداعى لمصادرة فيلته وسيارته وأمواله السائلة على حد تأكيد الفنانة مديحة يسرى التى عايشته فى تلك الفترة؟
سادساً: فى أمر تأميم «مصر فون» دون شركة صوت الفن لصاحبيها محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ على اعتبار أن الأول كان مصنعاً والثانى مجرد شركة فهذا مردود عليه أيضاً فى أمرين، أولهما أن قرارات التأميم قد طالت شركات إنتاج سينمائى مشابهة، ولو كان صلاح ذو الفقار أو هنرى بركات أو مديحة يسرى وغيرهم على قيد الحياة لقالوا لكم كيف توقفت شركاتهم عن الإنتاج، الأمر الذى اضطرهم للعمل من «بطن» مؤسسة السينما، الأمر الثانى والذى لا يعلمه الكثيرون أن «صوت الفن» كان لها امتداد عبارة عن مصنع أسطوانات مماثل لمصنع محمد فوزى وبشريك أجنبى أيضاً (فى المصنع فقط) فى قبرص، حيث ارتأى عبدالحليم أن يقيم مصنعه خارج مصر بعيداً عن القوانين المصرية وعن يد مصلحة الضرائب وما إلى ذلك.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: المطرب محمد فوزى الرئيس جمال عبدالناصر
إقرأ أيضاً:
محمد بشاري يكتب: بناء الوعي الوطني.. الركائز والتحديات وآفاق المستقبل
يُعتبر الوعي الوطني العمود الفقري لأي مجتمع يسعى للحفاظ على هويته وتعزيز استقراره، إذ يمثل الإدراك العميق للفرد بانتمائه لوطنه واستيعابه لمسؤولياته وحقوقه في إطار هذه الهوية. في ظل التغيرات العالمية المتسارعة والتحديات المتزايدة التي تواجه الدول، بات تعزيز الوعي الوطني ضرورة ملحة لضمان تماسك المجتمعات وقدرتها على مواجهة التحديات الفكرية والاجتماعية والسياسية. الوعي الوطني ليس مجرد شعور عاطفي أو انتماء رمزي، بل هو منظومة معرفية وسلوكية تشمل إدراك التاريخ، والتفاعل مع الحاضر، والمساهمة في صياغة المستقبل.
يتشكل الوعي الوطني من خلال عدة أبعاد مترابطة، أهمها البعد التاريخي الذي يرسخ فهم تطور الأمة ومساراتها، والبعد الثقافي الذي يعزز القيم الوطنية واللغة والتراث، والبعد السياسي الذي يؤطر مفهوم المواطنة والمسؤوليات، إضافة إلى البعدين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يعكسان دور الأفراد في بناء الدولة وتنميتها. هذه الأبعاد مجتمعة تشكل أساسًا قويًا لولاء الفرد لوطنه، وتجعله جزءًا فاعلًا في مجتمعه وليس مجرد متلقٍ سلبي للواقع.
تُعد المؤسسات التعليمية والإعلامية والدينية والاجتماعية أدوات رئيسية في ترسيخ الوعي الوطني وتعزيزه. فالتعليم، على سبيل المثال، يلعب دورًا جوهريًا في تنشئة الأجيال على قيم الانتماء والمسؤولية، ليس فقط من خلال المناهج الدراسية التي تتناول التاريخ والثقافة الوطنية، بل أيضًا عبر الأنشطة اللامنهجية التي تربط الطلاب ببيئتهم ومجتمعهم. الإعلام بدوره، سواء كان تقليديًا أو رقميًا، يُمثل ساحة مؤثرة في تشكيل آراء الناس ومواقفهم تجاه قضاياهم الوطنية، فإما أن يكون عنصرًا بنّاءً يعزز الوحدة والانتماء، أو يصبح أداة تضليل وتفكيك حين يُستغل لنشر الشائعات وبث الفُرقة. المؤسسات الدينية كذلك تؤدي دورًا محوريًا في دعم الهوية الوطنية، حيث يساهم الخطاب الديني الوسطي في تعزيز روح التسامح والتعايش، بينما يُشكّل التوظيف السياسي للدين خطرًا يهدد استقرار المجتمعات. أما الأسرة والمجتمع المدني، فلهما دور تكميلي في نقل القيم الوطنية وتعزيز الانتماء عبر التربية والتوجيه والمشاركة في المبادرات المجتمعية.
لكن رغم أهمية هذه الركائز، يواجه بناء الوعي الوطني تحديات كبيرة، أبرزها تأثير العولمة وما تفرضه من أنماط ثقافية قد تؤدي إلى تآكل الهويات الوطنية، خاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي جعلت الأفراد عرضة لأفكار واتجاهات متنوعة، بعضها قد يتعارض مع الهوية والقيم الوطنية. إضافة إلى ذلك، يُمثّل التطرف الفكري خطرًا حقيقيًا على المجتمعات، سواء كان تطرفًا دينيًا يسعى إلى تهميش مفهوم الدولة لصالح أيديولوجيات دينية متشددة، أو تطرفًا علمانيًا يستهين بالقيم الدينية والموروث الثقافي للأمة. كلا النموذجين يُضعفان التماسك الاجتماعي، ويُعززان حالة الاستقطاب داخل المجتمع.
ضعف المحتوى الإعلامي الوطني يمثل تحديًا آخر، حيث إن كثيرًا من الدول تعاني من غياب خطاب إعلامي وطني قوي يعزز الوعي الوطني، ما يجعل الشباب أكثر انجذابًا إلى وسائل إعلام أجنبية أو محلية ذات توجهات خاصة، تُقدّم صورة مشوهة عن قضاياهم الوطنية. كما أن الأنظمة التعليمية في بعض الدول العربية لا تزال تعاني من نقص في المحتوى الذي يعزز القيم الوطنية بشكل متوازن، إما بسبب تقديم تاريخ مشوه، أو ضعف المناهج التي تركز على الهوية الوطنية.
لمواجهة هذه التحديات، من الضروري تبني استراتيجيات شاملة تهدف إلى إعادة بناء الوعي الوطني على أسس متينة. يتطلب ذلك تحديث المناهج التعليمية بحيث تركز على تعزيز الفهم العميق للتاريخ الوطني، وتنمية روح المواطنة الإيجابية، وليس مجرد حفظ الحقائق التاريخية. كما يجب تطوير المحتوى الإعلامي ليكون أكثر جذبًا وتأثيرًا، مع تعزيز دور الإعلام الوطني في نشر الوعي، ومكافحة التضليل الإعلامي الذي يهدف إلى تشويه الحقائق وإثارة الفتن.
دعم المبادرات الشبابية يُعد أحد الحلول الفعالة لتعزيز الشعور بالانتماء، حيث إن إشراك الشباب في العمل التطوعي والمشاريع الوطنية يُشعرهم بأنهم جزء من عملية بناء الدولة، وليس مجرد متفرجين على الأحداث. كذلك، لا بد من مواجهة الفكر المتطرف من خلال نشر خطاب ديني معتدل يربط الدين بالقيم الوطنية، ويدعم مفهوم الدولة بعيدًا عن التفسيرات الضيقة التي تروج لها بعض الجماعات ذات الأجندات السياسية.
الثقافة والفنون تلعبان دورًا مهمًا في هذا السياق، إذ يمكن استثمار الإنتاج السينمائي والمسرحي والأدبي في تعزيز الهوية الوطنية، وتسليط الضوء على الإنجازات التاريخية والنماذج الوطنية التي تلهم الأجيال الجديدة. كذلك، تشجيع المهرجانات الثقافية والفنية التي تحتفي بالتراث الوطني يُسهم في ربط الأفراد بتاريخهم وهويتهم.
بناء الوعي الوطني ليس مجرد خطاب يُلقى في المناسبات الرسمية، بل هو عملية مستمرة تتطلب تكاتف الجهود بين مختلف المؤسسات والمجتمع بأسره. الدولة مسؤولة عن توفير البيئة التي تتيح للأفراد الشعور بالانتماء والكرامة والعدالة، بينما يقع على عاتق المواطنين واجب المشاركة الإيجابية في تنمية وطنهم، والحفاظ على وحدته واستقراره. الوطنية ليست مجرد شعارات تُرفع في المناسبات، بل هي التزام يومي يُترجم في سلوك الأفراد وحرصهم على خدمة مجتمعهم، واحترامهم لقيمهم الوطنية، واستعدادهم للدفاع عن وطنهم في مواجهة كل التحديات.